أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 4 - صـ 895

جلسة 16 من إبريل سنة 1953
(132)
القضية رقم 321 سنة 20 القضائية

برياسة حضرة الأستاذ أحمد حلمي وكيل المحكمة وحضور حضرات الأساتذة عبد العزيز محمد وكيل المحكمة ومصطفى فاضل وأحمد العروسي ومحمود عياد المستشارين.
( أ ) جمارك. رسوم جمركية. الإعفاء الخاص بالجيوش البريطانية. متى يسري هذا الإعفاء ومتى تستحق الرسوم. القانون رقم 24 لسنة 1941 والمادة 33 من اللائحة الجمركية.
(ب) جمارك. إثبات. إجراءات تقاضي. سماع اللجنة الجمركية شهوداً على سبيل الاستدلال دون حلف يمين. لا تثريب عليها. حكم. تسبيبه. إدانة الطاعنين في تهمة التهريب. استناده إلى الأدلة التي استمدها من محضر اللجنة وباقي أوراق الدعوى. عدم سماع المحكمة الشهود. لا خطأ متى كان الطاعنان لم يقدما ما يثبت أنهما طلبا إلى المحكمة سماع الشهود.
(جـ) جمارك. رسوم جمركية. اختصاص. جرائم تهريب الكبريت. اختصاص اللجان الجمركية بجرائم التهريب الخاصة بالرسوم الجمركية. المرسوم الصادر في 7 أغسطس سنة 1938 والذي جعل الاختصاص للقضاء العادي مقصور على رسم الإنتاج.
1 - إن القانون رقم 24 لسنة 1941 الذي قرر إعفاء الجيوش البريطانية من أداء الرسوم الجمركية إنما جعل هذا الإعفاء مقصوراً على ما تستورده هذه الجيوش لحاجتها. أما ما يملكه أفرادها ملكاً خاصاً وما خرج عن حاجة الجيوش وحصل التصرف فيه للغير فلا يسري عليه الإعفاء ويكون واجباً تحصيل الرسم الجمركي عنه. فإذا وصل إلى يد فرد من الأفراد كان عليه المبادرة إلى دفع الرسوم الجمركية عنه فإن لم يفعل وأطلقه للتداول في السوق خفية اعتبر مهرباً وفقاً للمادة 33 من اللائحة الجمركية وصح تعقبه وضبط البضاعة أينما وجدت سواء داخل الدائرة الجمركية أو خارجها واستحقت عليه الرسوم سواء ضبطت البضاعة المهربة مادياً أو لم تضبط متى قام على تهريبها وكميتها الدليل من مستندات أو شهادة شهود.
2 - لا تثريب على اللجنة الجمركية إذ سمعت شهوداً على سبيل الاستدلال دون حلف يمين اكتفاء منها بالمحاضر المكتوبة والفواتير المثبتة للتهريب إذ لا نص يوجب عليها تحليف الشهود اليمين قبل سماع أقوالهم وإلا كان الإجراء باطلاً، كما أنه لا تثريب على المحكمة إذ كونت عقيدتها بإدانة الطاعنين في تهمة التهريب من الأدلة التي استمدتها من محضر اللجنة وأوراق الدعوى الأخرى ولم تر حاجة إلى إعادة سماع الشهود متى كان الطاعنان لم يقدما ما يثبت أنهما طلبا إليها سماعهم.
3 - إن المرسوم بتنظيم تحصيل رسوم الإنتاج أو الاستهلاك المقررة على الكبريت الصادر في 7 من أغسطس سنة 1938 إنما هو خاص برسوم الإنتاج لا بالرسوم الجمركية ولا أثر له على اختصاص اللجنة الجمركية بالنظر في المخالفات التي تنطبق عليها اللائحة الجمركية. وإذن فمتى كان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه إذ رفض ما دفع به الطاعنان من المرسوم المشار إليه أخرج جرائم تهريب الكبريت من اختصاص اللجان الجمركية وأسند هذا الاختصاص إلى القضاء العادي قد قرر أن "القول بعدم اختصاص اللجنة الجمركية بنظر الواقعة هو قول في غير محله إذا ما لوحظ أن الكبريت المستورد من الخارج يجب أن يسدد عليه نوعان من الرسوم الأول - هي الرسوم الجمركية والثاني - هي رسوم الإنتاج، ولا شك أن التهرب من أداء الرسوم الجمركية يدخل في اختصاص اللجنة الجمركية". إذ قرر الحكم ذلك فإنه لم يخالف القانون ولا يشوبه قصور.


المحكمة

من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
... ومن حيث إن الوقائع كما يبين من الحكم المطعون فيه وباقي أوراق الطعن تتحصل في أن إدارة الإنتاج لاحظت في أوائل سنة 1946 تداول كميات من الكبريت في الأسواق دون أن يكون ملصقاً عليها بطاقات تفيد دفع الرسوم الجمركية وأسفرت التحقيقات والتحريات عن الاهتداء إلى بعض الأشخاص الذين يحرزون كميات من هذا الكبريت وأنهم اشتروه من عبد الرحمن عطيه الشناوي الطاعن الأول بموجب فواتير وأن مصدر الكبريت هو معسكر الجيش الأفريقي بحلوان - وقرر رئيس المعسكر أنه باع 1700 صندوق من الكبريت للطاعن الأول بوساطة الطاعن الثاني وقدم فاتورتين محررتين في 14 إبريل و18 إبريل سنة 1946 - فأصدرت اللجنة الجمركية قراراً في 28 من يناير سنة 1948 بتغريم الطاعنين وآخرين بالتضامن 2567 جنيهاً و168 مليماً. فعارض الطاعنان في هذا القرار أمام الدائرة التجارية بمحكمة مصر الابتدائية وقيدت معارضتهما برقم 98 سنة 1948. وفي 8 من فبراير سنة 1948 حكمت المحكمة بتأييد قرار اللجنة الجمركية. فاستأنف الطاعنان وقيد استئنافهما برقم 189 تجاري سنة 66 ق استئناف مصر. وفي 25 من مايو سنة 1950 حكمت محكمة الاستئناف بالتأييد. فقرر الطاعنان بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بني على خمسة أسباب تتحصل الأسباب الأول والثالث والخامس والشق الأول من السبب الثاني منها في أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون وتأويله من أربعة وجوه. الأول. إذ اعتبر إخراج الكبريت من الدائرة الجمركية تهريباً كما اعتبر المعسكر البريطاني امتداد للدائرة الجمركية، مع أن المادة 33 من لائحة الجمارك صريحة في الدلالة على أن القانون يعني بالتهريب إخراج البضائع من الدائرة الجمركية خفية وباستعمال الحيلة وبطرق غير مشروعة. يؤيد ذلك عبارة "أدوات التهريب" الواردة في المادة المذكورة إذ هي تدل على أن التهريب المعاقب عليه عملية غايتها إخفاء البضاعة عن نظر الموظفين بالاستعانة "بأدوات" كما يؤيده ما ورد في المادة الثانية من اللائحة الجمركية من أن "تهريب ونقل البضائع التي قطعت خط الجمرك يكونان تحت مراقبة عمال الجمرك على مسافة كيلو مترين من الحدود البرية. وفيما وراء هذه الحدود يجوز نقل البضائع بالحرية. غير أن البضائع المهربة التي يطاردها عمال الحكومة يجوز ضبطها ولو بعد قطعها حدود دائرة المراقبة". مما يفيد أن القانون رسم الدائرة التي تخضع فيها البضائع لمراقبة موظفي الجمارك فإذا جاوزت هذا النطاق فإنه لا يكون لهم أن يطاردوها إلا إذا كان خروج البضاعة منه بطريق غير مشروع وكان صاحبها استعمل الحيلة ويؤيد هذا النظر أيضاً ما ورد في المادة 34 من أنه "تكون العقوبات في مواد التهريب مستوجبة بطريق التضامن على الفاعلين والمشتركين في الاحتيال" ولفظ الاحتيال لا يستقيم مع حالة خروج البضاعة بطريق مشروع. وفي حالة الدعوى أخرجت البضاعة من الدائرة الجمركية بمعرفة الإنكليز جهيرة فإذا كانوا هم لم يؤدوا عنها الضريبة فتبعة ذلك تقع عليهم لا على الطاعنين - والوجه الثاني - إذ اعتبر الحكم ما وقع من الطاعنين تهريباً حكمياً مع أن المادة 35 تكلفت ببيان أحوال التهريب الحكمي على سبيل الحصر وليس من بينها الحالة موضوع الدعوى - والوجه الثالث - إذ قرر الحكم أنه لا يلزم لتوقيع العقاب أن يكون الضبط مادياً مع أن المادة 33 تستلزم أن تحدد البضاعة المضبوطة وأن تذكر وتقرر الغرامة على أساس الكمية المضبوطة وقيمتها - والوجه الرابع - إذ استمعت اللجنة إلى شهادة الشهود دون أن يحلفوا اليمين. وإذ وصفت المحكمة الاستئنافية عمل اللجنة بأنه من قبيل جمع الاستدلالات ورغم ذلك اعتبرته حجة على الطاعنين. مع أن اللجنة الجمركية تباشر عملاًً قضائياً وكان لزاماً أن تسير في إجراءاتها وفق قانون المرافعات، ومع أن الأصل هو أن العبرة بما تجريه المحكمة من تحقيقات.
ومن حيث إن هذا النعي بجميع وجوهه مردود بما جاء بالحكم الاستئنافي من أن "التهريب" الجمركي للكبريت الذي هربه المستأنفان (الطاعنان) ثابت في هذه الدعوى إذ أن استثناء الجيش الأفريقي بحلوان وحمايته من دفع الرسوم أمر قاصر على وقت دخول البضاعة المعسكر وكأنما هي بالدائرة الجمركية لم تخرج منها في حدود هذه الحماية فإذا زال هذا الامتياز فهي قد خرجت بماديتها وذاتيتها ويعتبر خروجها من المعسكر تهريباً تنطبق عليه النصوص التي طبقها القرار الجمركي ومحكمة أول درجة... وأن التهريب لا يعتبر تهريباً فقد داخل خط الجمرك بل يعتبر تهريباً بغض النظر عن كيفية دخول البضائع من الجمرك أو من طريق غيره دون التفات إلى ما إذا كانت البضاعة هربت أو ضبطت داخل خط الجمرك أو خارجه أو في جهة من جهات القطر لأن المادة الثانية من اللائحة الجمركية نصت على أن الضبط دخل الجمرك بواسطة رجال الجمارك وعلى مطاردة البضاعة خارج خط الجمرك بواسطة عمال الحكومة فالتهريب يعتبر ولو بعد قطع حدود المراقبة دون تحديد هذه التعدية لا مسافة ولا زمناً وإذن فالتهريب يمكن أن يكون فعلياً ومادياًً أو حكمياً خارج الدائرة الجمركية بتتبع أثر الجريمة واكتشافها أينما وجدت.. وأنه إذا كانت المادة 33 من اللائحة الجمركية تشترط أن يذكر في قرار اللجنة تاريخ الضبط والظروف التي وقع فيها فما ذلك إلا لأن حالة التهريب عادة تكون مادية مقرونة بالضبط الفعلي ولا يمكن تفسير هذا النص بأن اللجنة تختص فقط بنظر القضايا التي يقع فيها ضبط مادي فحسب بل المفهوم من عبارة الضبط أنها تشمل الضبط الفعلي أو الحكمي ولذلك تحسب الغرامة على حسب قيمة البضاعة المضبوطة فعلاً أو حكماً لا فعلاً فقط بل وقيل في بعض الأحكام أنه يكفي في ثبوت جريمة التهريب ثبوت المكاتبات والفواتير ومن الممكن ثبوت التهريب وتحديد كمية البضاعة من شهادة الشهود فليس من محل لما أثاره المستأنفان من أن الحادثة لا تعتبر تهريباً ولا خروجاً مادياً فحسب بل المفهوم من عبارة الضبط أنه تشمل الضبط الفعلي أو الحكمي ولذلك تحسب الغرامة على قيمة البضاعة المضبوطة فعلاً أو حكماً لا فعلاً فقط كما أنه لا محل للقول بأن الضبط الفعلي لم يحصل... وأنه عن الدفع ببطلان إجراءات اللجنة الجمركية لأنها لم تسمع الشهود بعد حلف اليمين ففضلاً عما ذكره حكم محكمة أول درجة فهذه المحكمة تضيف إليه أن اللجنة سواء كانت لجنة إدارية ليس لها اختصاص قضائي أو هي لها هذا الاختصاص فإن اللائحة الجمركية لم تلزمها عند التحقيق تحليف الشهود اليمين ولم ينص على البطلان لمخالفة ذلك كجزاء ولا بطلان بلا نص إلا إن كان جوهرياً كما أن إجراءات قانون تحقيق الجنايات أو المرافعات لا التزام باتباعها كقواعد خاصة في اللائحة الجمركية بحيث يترتب على عدم مراعاتها البطلان... وأنه إذا كانت اللجنة الجمركية في حدود حقها من سماع شهود بلا يمين كجمع استدلالات فليس من التزام على محكمة أول درجة ولا على هذه المحكمة بسماع أقوال الشهود إذا كان فيها ما يكفي للاقتناع بثبوت التهمة على المستأنفين - وهذا الذي قرره الحكم صحيح في القانون ذلك بأن القانون رقم 24 سنة 1941 الذي قرر إعفاء الجيوش البريطانية من أداء الرسوم الجمركية إنما جعل هذا الإعفاء مقصوراً على ما تستورده هذه الجيوش لحاجتها. أما ما يملكه أفرادها ملكاً خاصاً وما خرج عن حاجة الجيوش وحصل التصرف فيه للغير فلا يسري عليه الإعفاء ويكون واجباً تحصيل الرسم الجمركي عنه. فإذا وصل إلى يد فرد من الأفراد كان عليه المبادرة إلى دفع الرسوم الجمركية عنه فإن لم يفعل وأطلقه للتداول في السوق خفية اعتبر مهرباً وفقاً للمادة 33 من اللائحة الجمركية وصح تعقبه وضبط البضاعة أينما وجدت سوء داخل الدائرة الجمركية أو خارجها واستحقت عليه الرسوم سواء ضبطت البضاعة المهربة مادياً أو لم تضبط متى قام على تهريبها وكميتها الدليل من مستندات أو شهادة شهود، ولا تثريب على اللجنة الجمركية إذ سمعت الشهود دون حلف يمين على وجه الاستدلال اكتفاء منها بالمحاضر المكتوبة والفواتير المثبتة للتهريب إذ لا نص يوجب عليها تحليف الشهود اليمين قبل سماع أقوالهم وإلا كان الإجراء باطلاً، كما أنه لا تثريب على المحكمة إذ كونت عقيدتها بإدانة الطاعنين في تهمة التهريب من الأدلة التي استمدتها من محضر اللجنة وأوراق الدعوى الأخرى ولم تر حاجة إلى إعادة سماع الشهود ولم يقدم الطاعنان ما يثبت أنهما طلبا إليها سماعهم.
ومن حيث إن الشق الثاني من السبب الثاني والسبب الرابع يتحصلان في أن الحكم شابه القصور من وجهين: الأول - إذ لم تعن المحكمة بالرد على ما دفع به الطاعنان من أن حالة التهريب المنسوبة إليهما لا تدخل ضمن الحالات الواردة على سبيل الحصر في المادة 35 من اللائحة الجمركية، وأن خروج الكبريت من الجمرك وفقاً لأحكام القانون لا يعد تهريباً. والوجه الثاني - إذ لم تعن بالرد على ما دفع به الطاعنان من أن المرسوم بقانون الصادر في 7 من أغسطس سنة 1938 أخرج تهريب الكبريت من اختصاص اللجان الجمركية واستند هذا الاختصاص إلى القضاء العادي.
ومن حيث إن هذا النعي بوجهيه مردود أولاً - بأن الحكم إذ اعتبر ما وقع من الطاعنين تهريباً قد استدل على ذلك بأسباب سبق بيانها وهي لا قصور فيها ومردود. ثانياً بما جاء بالحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه من أن "القول بعدم اختصاص اللجنة الجمركية بنظر الواقعة هو قول في غير محله أيضاً إذا ما لوحظ أن الكبريت المستورد من الخارج يجب أن يسدد عليه نوعان من الرسوم الأول - هي الرسوم الجمركية والثاني - هي رسوم الإنتاج، ولا شك أن التهرب من أداء الرسوم الجمركية يدخل في اختصاص اللجنة الجمركية." وهذا الذي أورده الحكم لا قصور فيه ذلك بأن الرسوم بتنظيم تحصيل رسوم الإنتاج أو الاستهلاك المقررة على الكبريت الصادر في 7 من أغسطس سنة 1938 إنما هو خاص برسوم الإنتاج لا بالرسوم الجمركية ولا أثر له على اختصاص اللجنة الجمركية بالنظر في المخالفات التي تنطبق عليها اللائحة الجمركية.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.