أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة 27 - صـ 533

جلسة 2 من مارس سنة 1976

برئاسة السيد المستشار أحمد حسن هيكل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم السعيد ذكرى ومحمد صدقي العصار ومحمود عثمان درويش وزكي الصاوي صالح.

(109)
الطعن رقم 759 لسنة 42 القضائية

(1) بطلان "بطلان الإجراءات". محاماة.
قبول المحامي الوكالة في دعوى أو شكوى مقدمة ضد زميل له قبل الحصول على إذن من مجلس النقابة الفرعية. م 133 ق 61 لسنة 1968. لا يعيب الإجراء مخالفة المحامي لهذا النص. أثرها. مساءلته تأديبياً.
(2) حكم "بيانات الحكم". بطلان "بطلان الحكم".
صدور الحكم باسم الأمة أو الشعب. لا يعد من البيانات الواجب اشتمال الحكم عليها. خلو الحكم من هذا البيان أو إثبات صدوره باسم الأمة بدلاً من اسم الشعب لا ينال من مشروعيته أو يمس ذاتيته. علة ذلك.
(3) إثبات "المانع الأدبي". محكمة الموضوع. حكم "عيوب التدليل".
استقلال قاضي الموضوع بتقدير قيام المانع الأدبي من الحصول على دليل كتابي. شرطه. عدم إعمال المحكمة سلطتها في تقدير الظروف التي ساقها الطاعن لتبرير قيام المانع الأدبي. قصوره.
1 - النص في المادة 133 من القانون رقم 61 لسنة 1968 الخاص بالمحاماة على أنه "لا يحق للمحامي أن يقبل الوكالة في دعوى أو شكوى مقدمة ضد زميله قبل الحصول على إذن من مجلس النقابة الفرعية، ويجوز في حالة الاستعجال صدور الإذن من رئيس المجلس، وإذا لم يصدر الإذن في الدعاوى المدنية خلال أسبوعين من تاريخ تقديم الطلب كان للمحامي أن يتخذ ما يراه من إجراءات قضائية مباشرة" يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن الخطاب في هذا النص موجه إلى المحامي الشاكي أو متخذ الإجراء، مما مفاده أن إقدامه على تلك المخالفة يؤدي إلى مساءلته تأديبياً، وإذ لم يرتب المشروع البطلان على مخالفة حكمه فإن إغفال المحامي استصدار ذلك الإذن قبل مباشرة الإجراء لا يعيبه، ومن ثم فإن الدفع المبدى من المطعون عليه الأول بعدم جواز الطعن لأن محامي الطاعن قبل الوكالة في الطعن ضده وهو محام قبل الحصول على إذن من مجلس النقابة الفرعية. يكون على غير أساس.
2 - يبين من نصوص الدساتير المصرية وقوانين السلطة القضائية المتعاقبة والمادتين 178 من قانون المرافعات و310 من قانون الإجراءات الجنائية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - [(1)] أن المشرع لا يعتبر من بيانات الحكم صدوره باسم الأمة أو الشعب، وأن قضاء الدستور بصدور الحكم بهذه المثابة ليس إلا إفصاحاً عن أصل دستوري أصيل وأمر مسبق مفترض بقوة الدستور نفسه من أن الأحكام تصدر باسم السلطة العليا صاحبة السيادة وحدها ومصدر السلطات جميعاً - الأمة أو الشعب - وذلك الأمر يصاحب الحكم ويسبغ عليه شرعيته منذ بدء إصداره؛ دون ما مقتض لأي التزام بالإعلان عنه من القاضي عند النطق به أو الإفصاح عنه في ورقة الحكم عند تحريره، مما مقتضاه أن إبراز ذلك بورقة الحكم أثناء تحريره ومن بعد صدوره بالنطق به ليس إلا عملاً مادياً لاحقاً كاشفاً عن ذلك الأمر المفترض وليس منشئاً له ومن ثم فإن خلو الحكم مما يفيد صدوره باسم الأمة أو الشعب أو إثبات صدوره باسم الأمة بدلاً من الشعب لا ينال من شرعيته أو يمس ذاتيته.
3 - إنه وإن كان تقدير قيام المانع الأدبي من الحصول على دليل كتابي في الأحوال التي يتطلب فيها القانون هذا الدليل هو من الأمور التي يستقل بها قاضي الموضوع إلا أنه يتعين عليه في حالة رفض هذا الطلب أن يضمن حكمه الأسباب المسوغة لذلك، ولما كان ما قرره الحكم المطعون فيه من انتفاء قيام المانع الأدبي في حالة وجود سند كتابي يتمثل في كشوف الحساب التي وقع عليها الطاعن باستلام نصيب زوجته في الريع هو خطأ في القانون لأن وجود محرر مكتوب لا يمنع من قيام المانع الأدبي الذي يحول دون الحصول على دليل كتابي إذا توافرت شروطه، وكان التوكيل الصادر إلى الطاعن من زوجته لتحصيل نصيبها في الريع وتوقيعه على كشوف الحساب التي تسلم بموجبها هذا النصيب ممن يتولى إدارة العقار ليس من شأنه أن ينفي قيام المانع الأدبي في علاقة الطاعن مع زوجته، ومتى تحقق هذا المانع لدى الطاعن فإنه يجوز له إثبات الوفاء بالبينة والقرائن عملاً بالفقرة أ من المادة 63 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 لما كان ذلك وكانت محكمة الاستئناف قد حجبت نفسها بهذا النظر الخاطئ من إعمال سلطتها في تقدير الظروف التي ساقها الطاعن لتبرير قيام المانع الأدبي الذي تمسك به وعن الإدلاء برأيها فيما إذا كانت هذه الظروف تعتبر مانعة له من الحصول على الدليل الكتابي اللازم لإثبات الوفاء الذي ادعاه أو غير مانعه، فإن حكمها المطعون فيه يكون معيباً بمخالفة القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليهما أقاما أصلاً الدعوى رقم 2697 سنة 1970 مدني الإسكندرية الابتدائية ضد الطاعن وآخر هو..... طلبا فيها الحكم بإلزامهما بأن يدفعا لهما بالتضامن فيما بينهما مبلغ 1210 جنيهاً و350 مليماً، وقالا شرحاً لدعواهما أنه بموجب عقد شهر في سنة 1961 تحت رقم 1752 القاهرة تمتلك مورثتهما المرحومة..... حق الانتفاع بحصة قدرها 4 قراريط شيوعاً في المنزل الموضح الحدود والمعالم بالصحيفة، وكان المدعى عليه..... يقوم بإدارة هذا العقار وتحصيل ريعه، ولما لم تحصل مورثتهما على نصيبها في الريع حال حياتها فقد أقاما الدعوى رقم 154 سنة 1969 مدني بور سعيد الابتدائية ضد المدعى عليه المذكور لمطالبته بتقديم كشوف حساب عن إدارته للعقار في المدة من سنة 1961 حتى تاريخ وفاة المورثة في 9/ 9/ 1968 وتبين من الكشوف التي قدمها في تلك الدعوى أن نصيب المورثة في الريع خلال تلك المدة يبلغ 2420 جنيهاً و700 مليم وأن الطاعن هو زوجها كان يتسلم نصيبها نيابة عنها ويوقع بذلك على كشوف الحساب، وإذ يرثان النصف في هذا المبلغ فقد أقاما الدعوى الحالية للحكم لهما بالطلبات السالف ذكرها. دفع المطعون عليهما بعدم اختصاص المحكمة محلياً بنظر الدعوى، وبتاريخ 9/ 11/ 1971 حكمت المحكمة بقبول هذا الدفع وبإحالة الدعوى إلى محكمة دمياط الابتدائية حيث قيدت بجدولها برقم 574 سنة 1971. وفي 24/ 2/ 1972 حكمت المحكمة بإلزام الطاعن بأن يؤدي للمطعون عليهما مبلغ 1210 جنيهاً و350 مليماً. استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة وقيد الاستئناف برقم 34 سنة 4 ق مدني مأمورية دمياط وبتاريخ 2/ 11/ 1972 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، ودفع المطعون عليه الأول بعدم جواز الطعن وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدفع وفي الموضوع بنقض الحكم في خصوص السبب الثاني، وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من المطعون عليه الأول أن محامي الطاعن قبل الوكالة في الطعن ضده وهو محام قبل الحصول على إذن من مجلس النقابة الفرعية بالمخالفة لنص المادة 133 من قانون المحاماة رقم 61 لسنة 1968 وهو ما يبطل الإجراءات ويترتب عليه عدم جواز الطعن.
وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك أن النص في المادة 133 من القانون رقم 61 لسنة 1968 الخاص بالمحاماة على أنه "لا يحق للمحامي أن يقبل الوكالة في دعوى أو شكوى مقدمة ضد زميله قبل الحصول على إذن من مجلس النقابة الفرعية. ويجوز في حالة الاستعجال صدور الإذن من رئيس المجلس، وإذا لم يصدر الإذن في الدعاوى المدنية خلال أسبوعين من تاريخ تقديم الطلب كان للمحامي أن يتخذ ما يراه من إجراءات قضائية مباشرة"، يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن الخطاب في هذا النص موجه إلى المحامي الشاكي أو متخذ الإجراء، مما مفاده أن إقدامه على تلك المخالفة يؤدي إلى مساءلته تأديبياً، وإذ لم يرتب المشروع البطلان على مخالفة حكمه فإن إغفال المحامي استصدار ذلك الإذن قبل مباشرة الإجراء لا يعيبه، ومن ثم فإن الدفع يكون على غير أساس ويتعين رفضه.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين، ينعى الطاعن بالسبب الأول منهما على الحكم المطعون فيه البطلان، ذلك أن الحكم الابتدائي شابه البطلان لصدوره باسم الأمة بدلاً من اسم الشعب خلافاً لما تنص عليه المادة 72 من دستور سنة 1971، وإذ أيد الحكم المطعون فيه ذلك الحكم وهو حكم باطل فإنه بالتالي يكون معيباً بالبطلان.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه يبين من نصوص الدساتير المصرية وقوانين السلطة القضائية المتعاقبة والمادتين 178 من قانون المرافعات و310 من قانون الإجراءات الجنائية وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المشرع لا يعتبر من بيانات الحكم صدوره باسم الأمة أو الشعب، وأن قضاء الدستور بصدور الحكم بهذه المثابة ليس إلا إفصاحاً عن أصل دستوري أصيل وأمر مسبق مفترض بقوة الدستور نفسه من أن الأحكام تصدر باسم السلطة العليا صاحبة السيادة وحدها ومصدر السلطات جميعاً الأمة أو الشعب وذلك الأمر يصاحب الحكم ويسبغ عليه شرعيته منذ بدء إصداره، دون ما مقتض لأي التزام بالإعلان عنه من القاضي عند النطق به أو الإفصاح عنه في ورقة الحكم عند تحريره، مما مقتضاه أن إيراد ذلك بورقة الحكم أثناء تحريره ومن بعد صدوره بالنطق به ليس إلا عملاً مادياً لاحقاً كاشفاً عن ذلك الأمر المفترض، وليس منشئاً له، ومن ثم فإن خلو الحكم مما يفيد صدوره باسم الأمة أو الشعب أو إثبات صدوره باسم الأمة بدلاً من الشعب لا ينال من شرعيته أو يمس ذاتيته.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثاني أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وشابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بأنه وفي زوجته - مورثة المطعون عليهما - حال حياتها ما قبضه نيابة عنها من ريع حصتها في المنزل ولم يحصل منها على كتابة بذلك لوجود المانع الأدبي بحكم قيام الزوجية والعشرة بينهما التي استمرت قرابة الخمسين عاماً وطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات الوفاء - بالبينة، إلا أن الحكم المطعون فيه رفض هذا الطلب مقرراً أن وجود عقد الوكالة بينه وبين زوجته وتوقيعه على كشوف الحساب باستلامه نصيبها في الريع يجعل من اليسير عليه أن يتحصل منها مخالصة بما يوفيه إليها مما ينتفي معه قيام المانع الأدبي، وما ذكره الحكم لا يصلح رداً على دفاعه لإغفاله بيان الظروف والملابسات التي أحاطت بالعلاقة مع زوجته والتي تؤكد قيام المانع الأدبي ولأن وجود دليل كتابي لا يمنع من قيام هذا المانع الذي يجيز إثبات الوفاء بغير الكتابة، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أنه لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أن الطاعن تمسك أمام محكمة أول درجة وفي مذكرته المقدمة أمام محكمة الاستئناف بجلسة 2/ 11/ 1972 بأنه وفى زوجته حال حياتها بما قبضه نيابة عنها من ريع حصتها في المنزل وطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ذلك على أساس أن علاقة الزوجية بينهما دامت ما يزيد عن الخمسين عاماً اتسمت خلالها بالمودة إلى حد أن زوجته آثرته بالوكالة عنها دون أخيها المطعون عليه الأول وهو محام وأن هذه العلاقة بما أحاط بها من ظروف تعتبر مانعاً أدبياً يحول دون حصوله من زوجته على مخالصة بما كان يوفيه لها من ريع، وقد رد الحكم المطعون فيه على هذا الدفاع بقوله "إن العلاقة فيما بين المستأنف - الطاعن - وزوجته المورثة بشأن قيامه باستلام ريع حصتها من مدير العقار كانت تقوم على عقد وكالة صادرة إليه منها وأنه كان يتسلم من هذا الأخير قيمة نصيبها في الريع.... وهو الواقع المستمد من توقيعه بالاستلام على كشوف الحساب السنوية وقد كان من اليسير عليه إزاء وجود عقد وكالة فيما بينها وبينه من جهة وتوقيعه على هذه الكشوف فيما بينه وبين مدير العقار من جهة أخرى، أن يحصل منها على مخالصات تبرئه لذمته مما كان قد وفاها به - مما ينفي قيام مانع أدبي حال دون حصوله منها على دليل كتابي بالتخليص ولأن الوكالة توجب عليه تقديم حساب عن تنفيذها، كما أن واقعة الوفاء إليها تعتبر في هذا الخصوص تصرفاً قانونياً لا أعمال مادية وبالتالي لا يجوز إثبات هذا الوفاء إلا بالكتابة لوجود سند كتابي يتمثل في الكشوف المقدمة والمثبتة لمديونيته لها ولورثتها من بعدها في المبالغ التي استلمها بموجب هذه الكشوف، مما يقتضي رفض طلب الإحالة إلى التحقيق."، وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه مخالف للقانون ولا يصلح رداً على دفاع الطاعن سالف الذكر، ذلك أنه وإن كان تقدير قيام المانع الأدبي من الحصول على دليل كتابي في الأحوال التي يتطلب فيها القانون هذا الدليل هو من الأمور التي يستقل بها قاضي الموضوع إلا أنه يتعين عليه في حالة رفض هذا الطلب أن يضمن حكمه الأسباب المسوغة لذلك، ولما كان ما قرره الحكم المطعون فيه من انتفاء قيام المانع الأدبي في حالة وجود سند كتابي يتمثل في كشوف الحساب التي وقع عليها الطاعن باستلام نصيب زوجته في الريع هو خطأ في القانون لأن وجود محرر مكتوب لا يمنع من قيام المانع الأدبي الذي يحول دون الحصول على دليل إذا توافرت شروطه، وكان التوكيل الصادر إلى الطاعن من زوجته لتحصيل نصيبها في الريع وتوقيعه على كشوف الحساب التي تسلم بموجبها هذا النصيب ممن يتولى إدارة العقار ليس من شأنه أن ينفي قيام المانع الأدبي في علاقة الطاعن مع زوجته، ومتى تحقق هذا المانع لدى الطاعن فإنه يجوز له إثبات الوفاء بالبينة والقرائن عملاً بالفقرة أ من المادة 63 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968، لما كان ذلك وكانت محكمة الاستئناف قد حجبت نفسها بهذا النظر الخاطئ عن أعمال سلطاتها في تقدير الظروف التي ساقها لتبرير قيام المانع الأدبي الذي تمسك به وعن الإدلاء برأيها فيما إذا كانت هذه الظروف تعتبر مانعة له من الحصول على الدليل الكتابي اللازم لإثبات الوفاء الذي ادعاه أو غير مانعه، فإن حكمها المطعون فيه يكون معيباً بمخالفة القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب بما يستوجب نقضه لهذا السبب.


[(1)] نقض 21 يناير سنة 1974 مجموعة المكتب الفني السنة 23 ص 3 ملحق.