أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 4 - صـ 1073

جلسة 21 من مايو سنة 1953
(168)
القضية رقم 439 سنة 21 القضائية

برياسة حضرة الأستاذ عبد العزيز محمد وكيل المحكمة وحضور حضرات الأساتذة محمد نجيب أحمد ومصطفى فاضل وأحمد العروسي ومحمود عياد المستشارين.
( أ ) حجوز إدارية. اختصاص. أوامر إدارية. الحجوز الإدارية ليست من قبيل الأوامر الإدارية. اختصاص المحاكم بنظر دعاوى بطلان إجراءات هذه الحجوز أو إلغائها أو وقف إجراءات البيع.
(ب) لوائح. أوامر إدارية. اختصاص. حجوز إدارية. رسوم بلدية. للمحاكم سلطة البحث في مشروعية اللائحة والامتناع عن تطبيقها إذا كانت مخالفة للقانون. حكم. تسبيبه. قضاؤه بإيقاف الفصل في طلب إلغاء الحجز حتى يفصل في مشروعية اللائحة بفرض الرسوم البلدية من الجهة المختصة. خطأ في القانون. المادة 18 من قانون نظام القضاء المقابلة للمادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية.
(جـ) استئناف. تصدي. عدم جواز التصدي ولو باتفاق الخصوم.
فرض المجلس القروي الطاعن رسوماً على الشركة المطعون عليها باعتبارها تقوم بعملية النقل بالسيارات في دائرة اختصاصه وأوقع حجزاً إدارياً على سيارة مملوكة لها وحدد يوماً لبيعها فأقامت الشركة الدعوى وطلبت الحكم أولاً بصفة مستعجلة بوقف إجراءات البيع وثانياً بصفة عادية بإلغاء الحجز واعتباره كأن لم يكن ودفع الطاعن بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى لأن وقف إجراءات البيع وإلغاء الحجز فيه مساس بتأويل وتفسير الأمر الإداري الخاص بفرض الرسوم وليس للمحاكم إيقاف تنفيذه أو تأويله عملاًًًًًً بالمادة 18 من قانون نظام القضاء. قضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى ومحكمة الاستئناف قضت بإلغاء الحكم المستأنف وبإيقاف إجراءات البيع إلى أن يفصل نهائياً من الجهة المختصة في صحة الأمر بفرض الرسوم المحجوز من أجلها مع إيقاف الفصل في طلب إلغاء الحجز موضوعياً حتى يصدر الحكم المذكور ولما عرض النزاع على محكمة النقض قررت المبادئ الآتية:
1 - جرى قضاء محكمة النقض بأن الحجوز الإدارية وإجراءاتها لا تعد من قبيل الأوامر الإدارية التي لا يجوز للمحاكم إلغاؤها أو تأويلها أو وقف تنفيذها ومن ثم تختص المحاكم بنظر الدعاوى الخاصة ببطلان إجراءات هذه الحجوز أو إلغائها أو وقف إجراءات البيع.
2 - إن المادة 18 من قانون نظام القضاء والتي كانت تقابل المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية التي تخرج من ولاية المحاكم وقف الأمر الإداري أو تأويله إنما تشير إلى الأمر الإداري الفردي دون الأمر الإداري العام أي اللوائح - كقرار المجلس القروي بفرض رسم - إذ لا شبهة في أن للمحاكم بل عليها قبل أن تطبق لائحة من اللوائح أن تستوثق من مشروعيتها ومطابقتها للقانون فإن بدا لها ما يعيبها في هذا الخصوص كان عليها أن تمتنع عن تطبيقها. وإذن فإن الحكم المطعون فيه إذ قرر إيقاف الفصل في الطلب الخاص بإلغاء الحجز موضوعياً حتى يفصل من الجهة المختصة في النزاع القائم على مشروعية اللائحة الصادرة من المجلس القروي بفرض الرسم يكون قد خالف القانون في هذا الخصوص.
3 - ليس لمحكمة ثاني درجة أن تتصدى لموضوع النزاع ولو باتفاق طرفي الخصومة لأن مبدأ التقاضي على درجتين هو من المبادئ الأساسية لنظام القضاء.


المحكمة

من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعن (مجلس قروي الإبراهيمية) فرض على الشركة المطعون عليها رسماً مقداره 25 جنيهاً عن سنة 1950 وأوقع حجزاً إدارياً على السيارة الأمنيبوس رقم 152 شرقية وحدد لبيعها 25/ 1/ 1951 فأقامت المطعون عليها الدعوى رقم 117 سنة 1951 بندر الزقازيق على الطاعن وقالت بياناً لها إن القانون رقم 145 لسنة 1944 حدد موارد المجالس البلدية وأورد على سبيل الحصر الأحوال التي يجوز فيها فرض رسوم وليس من بينها مكاتب السيارات أو جراجاتها. وطلبت الحكم أولاً بصفة مستعجلة بوقف إجراءات بيع السيارة المحجوز عليها وثانياً بصفة عادية بإلغاء الحجز الموقع عليها واعتباره كأن لم يكن فدفع الطاعن بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى لأن وقف إجراءات البيع وإلغاء الحجز فيه مساس بتأويل وتفسير الأمر الإداري الخاص بفرض الرسوم، وليس للمحاكم إيقاف تنفيذه أو تأويله عملاً بالمادة 18 من قانون نظام القضاء، وفي 22 من يناير سنة 1951 قضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى. فاستأنفت المطعون عليها هذا الحكم وقيد استئنافها برقم 38 سنة 1951 الزقازيق الابتدائية، وفي 24 من فبراير سنة 1951 قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المستأنف وبإيقاف إجراءات البيع إلى أن يفصل نهائياً من الجهة المختصة في صحة الأمر بفرض الرسوم المحجوز على السيارة من أجلها مع إيقاف الفصل في طلب إلغاء الحجز موضوعياً حتى يصدر الحكم المذكور تأسيساً على أن الحجز الإداري الذي توقعه جهة الإدارة استيفاء لبعض مستحقات الحكومة من أموال وضرائب أو رسوم أو غيرها ليس أمراً إدارياً في حد ذاته، وأن السلطة الإدارية التي تقوم به لا تفعل ذلك باعتباره عملاً أصيلاً من خصائص سلطتها الإدارية، وإنما هي في ذلك نائبة عن السلطة القضائية الأصلية، فما يتوجه إليه من طعون تختص هذه الأخيرة بالنظر فيه، وعلى أن كلاً من الأمر الإداري والحجز الموقع تنفيذاً لهذه الأمر عمل متميز بذاته، وعلى أنه متى كان قد أسند إلى الأمر الإداري القاضي بفرض الرسوم طعن مؤداه أنه وقع مخالفاً للقانون رقم 145 لسنة 1944 وأن المطعون عليها في سبيل الطعن عليه أمام الجهة المختصة لإلغائه، وأنه متى كان الطلب الوقتي المتعلق بوقف إجراءات البيع ليس إلا إجراءاً تحفظياً سريعاً الغاية منه إرجاء الوصول بالتنفيذ إلى نهاية الأمر الذي في مخالفته ضرر محقق مع أن الدين المنفذ به لا يزال محل طعن. فقرر الطاعن الطعن في هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن السبب الأول من أسباب الطعن يتكون من وجهين الأول أن الحكم المطعون فيه إذ رفض الدفع الخاص بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، ذلك لأنه وإن كانت المحاكم مختصة بالنظر في صحة إجراءات الحجز الإداري وبيع المال المحجوز عليه أسوة باختصاصها بالنظر في صحة إجراءات البيوع الجبرية القضائية باعتبار أن تلك الإجراءات ليس من قبيل الأعمال الإدارية التي تصدرها الحكومة في سبيل المصلحة العامة وفي حدود القانون بوصفها صاحبة السلطة العامة بل هي نظام خاص وضعه المشرع ليسهل على الحكومة بوصفها دائنة تحصيل ما يتأخر لدى الأفراد من الأموال الأميرية. إلا أن محل ذلك أن تؤسس المنازعات فيها على بطلان في إجراءات الحجز أو البيع أو التخالص أما إذا أسست على وجوب أو عدم وجوب دفع الضرائب أو الأموال أو الرسوم أو على المنازعة في مقدار ما يجب دفعه فإن هذه المنازعة لا تختص المحاكم بالنظر فيها لما ينطوي عليه ذلك من نظر في أساس ربط الأموال الأميرية. وأن الحكم المطعون فيه إذ سلم بأن العيب في الحجز هو قيام نزاع خطير على سنده أي على الأمر الإداري الصادر بتقدير الرسوم المنفذ بها استناداً إلى ما أثارته المطعون عليها من منازعة في استحقاقها، وأنه إذ اعتبر هذا الحجز إجراءاً مستقلاً عن الأمر الصادر بفرض الرسم، وإذ قضي بعد ذلك في الطلب المستعجل بوقف البيع فإنه يكون قد قضى بوقف تنفيذ هذا الأمر الأخير، وبالتالي يكون قد جاوز اختصاصه.
ومن حيث إن هذا الوجه مردود، ذلك لأن الدعوى رفعت من المطعون عليها وطلبت فيها أولاً بصفة مستعجلة وقف إجراءات بيع السيارة رقم 152 أمنيبوس الشرقية حتى يفصل فيما إذا كان لمجلس قروي الإبراهيمية الحق في فرض الرسم المحجوز عليها من أجله. وثانياً بصفة عادية إلغاء الحجز الموقع على السيارة المذكورة واعتباره كأن لم يكن وهي طلبات الفصل فيها يدخل في ولاية المحاكم المدنية وفقاً لعموم نص المادة 12 من القانون رقم 147 لسنة 1949 الخاص بنظام القضاء ولا محل للتحدي بالمادة 18 من القانون المشار إليه للقول بعدم اختصاص هذا القضاء، ذلك لأن الحجز الإداري وإجراءاته لا تعد كما جرى قضاء هذه المحكمة من قبيل الأوامر الإدارية التي لا يجوز للمحاكم إلغاؤها أو تأويلها أو وقف تنفيذها، بل تختص المحاكم بنظر الدعاوى الخاصة ببطلان إجراءات الحجز الإداري أو إلغائه أو إيقاف إجراءات البيع. كما أنه لا يحول دون اختصاص المحاكم المدنية أن يكون أساس الدعوى أن الحجز الإداري المطلوب وقف إجراءاته أو إلغاؤه قد توقع بغير سند لأنه توقع بناء على قرار صدر من المجلس القروي بفرض رسم يزعم المدعي أن هذا المجلس لا يملك فرضه، وأنه لذلك يجب عدم الاعتداد بهذا القرار لعدم مشروعيته. لا يحول تأسيس الدعوى على هذا الدفاع دون اختصاص المحاكم بنظرها، ذلك لأن المادة 18 من قانون نظام القضاء والتي كانت تقابل المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية التي تخرج من ولاية المحاكم وقف الأمر الإداري أو تأويله، إنما تشير إلى الأمر الإداري الفردي دون الأمر الإداري العام أي اللوائح كقرار المجلس البلدي بفرض رسم، إذ لا شبهة في أن للمحاكم، بل عليها قبل أن تطبق لائحة من اللوائح أن تستوثق من مشروعيتها ومطابقتها للقانون، فإن بدا لها ما يعيبها في هذا الخصوص كان عليها أن تمتنع عن تطبيقها، يؤيد هذا أن عبارة الأمر الإداري التي وردت في المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية والتي نقل حكمها إلى المادة 18 من قانون نظام القضاء إنما تعني الإجراء الإداري كما يستفاد ذلك من الأصل الفرنسي، في حين أن اللائحة لا تعتبر إجراءاً، وأن المادة 28 من لائحة ترتيب المحاكم كانت تنص على أن على المحاكم أن تقضي بمقتضى اللوائح "متى كانت أحكامها غير مخالفة لنص القوانين" وأن المادة 37 من دستور سنة 1923 كانت تنص على أن الملك يضع اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، وأن المادة 395 من قانون العقوبات تنص على أن من خالف أحكام اللوائح العمومية والمحلية الصادرة من جهات الإدارة العمومية أو البلدية يجازى بالعقوبات المقررة في تلك اللوائح بشرط ألا تزيد على العقوبات المقررة للمخالفات فإن كانت العقوبة المقررة في اللوائح زائدة عن هذه الحدود وجب حتماً إنزالها إليها. ولا محل للاعتراض على هذا الفهم الواضح بأن تصدي المحاكم لبحث مشروعية اللوائح وجواز امتناعها عن تطبيقها يعتبر إلغاء للائحة، وهو ما خص به المشرع القضاء الإداري، ذلك لأن الامتناع عن تطبيق اللائحة، يختلف اختلافاً جوهرياً عن إلغائها، ذلك أن حق المحاكم في الرقابة على مشروعية اللوائح الذي كان مقرراً في مصر قبل إنشاء القضاء الإداري، والذي هو مقرر في فرنسا مع قيام هذا القضاء لا يؤدي في حالة الامتناع عن التطبيق إلى إلغاء اللائحة التي تظل رغم ذلك قائمة بعكس حكم الإلغاء الذي هو من اختصاص القضاء الإداري كما أن طلب الإلغاء يرفع في ميعاد محدد، أما الدفع بعدم مشروعية اللائحة أمام المحاكم فلا يحده مثل هذا الميعاد. ومن ثم لا يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى باختصاص المحاكم بنظر الدعوى قد خالف القانون.
ومن حيث إن الوجه الثاني من السبب الأول يتحصل في أن الحكم المطعون فيه إذ قضى في الطلب الموضوعي بالوقف يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله. ويتحصل السبب الثاني في أن الحكم مشوب بالبطلان، لأنه فرق بين الطلبين المستعجل والموضوعي واعتبرهما متميزين وأقام قضاءه في الطلب الأول بوقف البيع على أنه طلب وقتي، وعلى الطلب الثاني بالوقف على أساس أن الحجز متفرع عن الدين المحجوز من أجله، فلا تقول المحكمة كلمتها فيه قبل أن يستقر الأمر بالنسبة لاستحقاق الرسم من عدمه ولما كان القضاء المستعجل هو فرع من المحكمة المدنية يتقيد في اختصاصه في الحكم في الإجراءات الوقتية بنفس القيود والأوضاع التي تحد اختصاصها. لما كان ذلك يكون الحكم المطعون فيه قد عاره قصور يوجب نقضه.
ومن حيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن الحكم المطعون فيه بعد أن قرر باختصاص المحكمة بالفصل في النزاع المطروح عليها بشقيه قضى في الطلب الثاني الخاص بإلغاء الحجز الموقع على السيارة بوقفه موضوعاً حتى يفصل من الجهة المختصة في النزاع القائم بين طرفي الخصومة على مشروعية اللائحة الصادرة من المجلس بفرض الرسوم وهي ما يستند إليه الطاعن في توقيع الحجز. ولما كان يتضح مما سبق بيانه أن على المحاكم المدنية أن تستوثق من مشروعية اللائحة المراد تطبيقها على النزاع المطروح عليها ومطابقتها للقانون، فإن تبين لها عدم مشروعية اللائحة امتنعت عن تطبيقها واعتبرت الإجراءات التي تمت بناء عليها قد وقعت بغير سند. وإن تبين لها خلاف ذلك قضت برفض الدعوى ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بوقف البيع وبوقف طلب إلغاء الحجز حتى يفصل من الجهة المختصة في النزاع القائم على مشروعية اللائحة التي يستند إليها الطاعن في توقيع الحجز في حين أن المحاكم المدنية مختصة بالنظر في هذا النزاع إذ قضى بذلك يكون قد خالف القانون ويتعين نقضه في هذا الخصوص.
ومن حيث إنه متى كان الحكم المطعون فيه قد قضى بإلغاء الحكم الصادر من محكمة أول درجة الذي اقتصر على الحكم بعدم الاختصاص ولما كان الحكم المطعون فيه قد نقض فيما عدا ذلك فإنه يتعين إعادة القضية إلى المحكمة الجزئية للفصل فيها إذ ليس لمحكمة ثاني درجة أن تتصدى لموضوع النزاع ولو باتفاق طرفي الخصومة لأن مبدأ التقاضي على درجتين من المبادئ الأساسية لنظام القضاء.