مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة بين 7 نوفمبر سنة 1932 وبين 26 أكتوبر سنة 1936) - صـ 317

جلسة 30 إبريل سنة 1934

برياسة سعادة عبد العزيز فهمي باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات زكي برزي بك ومحمد فهمي حسين بك وأحمد أمين بك وعبد الفتاح السيد بك المستشارين.

(237)
القضية رقم 11 سنة 4 القضائية

( أ ) تعويض. تدخل شخص في دعوى مقامة للمطالبة بتعويض ما أصابه من الضرر. شروطه. حائز لسند محرّر باسم زوجته. المطالبة بتعويض ما أصابه من الضرر بسرقة هذا السند. جوازها.
(المادة 54 تحقيق)
(ب) سند دين. تسليمه للدين ليؤشر عليه بما يؤدّيه من مقدار الدين. عدم ردّه إلى مسلمه. سرقة.
(المادة 275 ع)
(جـ) سند دين. تسلميه للمدين ليؤشر عليه بما يؤدّيه من مقدار الدين. احتفاظ المدين به. تعليله ذلك بحجة حمل الدائن على أن يخصم له مبلغاً بدعوى أنه غبن في البيع الذي كان من نتيجته تحرير السند. لا ينفي ثبوت ركن نية الاختلاس.
(د) سرقة. دائن. اختلاسه مال مدينه ليكون تأميناً على دينه الثابت. الخلاف في اعتباره سارقاً أو لا. المختلس لا دين له. مجرّد ادعائه أن له ديناً. سرقة.
1 - إن المادة 54 من قانون تحقيق الجنايات تعطي الحق لكل من يدعي حصول ضرر له من جريمة أن يقيم نفسه مدعياً بحقوق مدنية في أية حالة كانت عليها الدعوى الجنائية حتى تتم المرافعة. فإذا تدخل شخص ليطالب بتعويض الضرر الذي أصابه شخصياً، والذي نشأ مباشرة عن سرقة سند تحت حيازته هو، وإن كان محرّراً باسم زوجته، فليس في قبوله لهذه الصفة أية مخالفة لتلك المادة ولا أهمية لأن يكون السند موضوع الجريمة ملكاً له أم لغيره.
2 - إذا سلم دائن إلى مدينه سند الدين المحرر عليه ليدفع جانباً من الدين ويؤشر به على ظهر السند، فإن هذا التسليم ليس من نوع التسليم الناقل للحيازة، بل هو تسليم اقتضته ضرورة اطلاع المدين على السند المأخوذ عليه والتأشير على ظهره بالمبلغ الذي دفع من الدين على أن يردّه عقب ذلك إلى الدائن. فهو تسليم مادّي بحت ليس فيه أي معنى من معاني التخلي عن السند، فلا ينقل حيازة ولا ينفي وقوع الاختلاس المعتبر قانوناً في السرقة إذا ما احتفظ المدين بالسند على رغم إرادة الدائن. ولا يعتبر هذا العمل خيانة أمانة، لأن الدائن حين سلم السند للمدين لم يكن قد تخلى عن حيازته القانونية، بل إن تسليمه إياه كان تحت مراقبته.
3 - إذا علل المدين احتفاظه بالسند على رغم إرادة الدائن بأنه لم يقصد تملك السند بل قصد بالاستيلاء عليه تهديد الدائن لحمله على أن يخصم له كذا جنيهاً، بدعوى أنه غش في البيع الذي كان من نتيجته تحرير ذلك السند، فإن هذا التعليل لا يخليه من المسئولية الجنائية. لأن طلبه الخصم هو تحكم منه في الدائن لا يستند إلى أي أساس، واستبقاؤه السند ومساومته على الحصول على هذا المبلغ الذي لا حق له فيه يعدّ اختلاساً بنية سلب المال المختلس، وهي النية الواجب توافرها قانوناً في جريمة السرقة.
4 - إنه وإن كان الخلاف واقعاً بين المحاكم والشراح فيما إذا كان الدائن الذي يختلس متاع مدينه ليكون تأميناً على دينه الثابت يُعدّ سارقاً أم لا يُعدّ فلا خلاف إذا كان المختلس لا دين له وإنما يدعي هذا الدين للحصول على فائدة غير شرعية مقابل ردّه الشيء المختلس.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه في الميعاد القانوني فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن محصل الوجه الأوّل من أوجه الطعن أن محكمة الموضوع إذ قبلت فهيم حسن نصار مدعياً مدنياً أخطأت في تطبيق المادة 54 من قانون تحقيق الجنايات لأنه ليس صاحب السند المقول باختلاسه ولم ترفع النيابة العامة الدعوى عن الضرر أو الأذى المقول في الحكم المطعون فيه إنه حاق به بل اعتبرت مدعياته لغواً ولأن المجني عليها الحقيقية التي وقع عليها الضرر مباشرة هي هانم عبد السميع صاحبة السند.
ومن حيث إنه جاء في الحكم الابتدائي الذي تأيد لأسبابه أن المدعي المدني فهيم نصار هو الذي كان حائزاً للسند المقول بسرقته وإن كان محرراً باسم زوجته، وأنه لو صحت واقعة السرقة لصحت أساساً لأن يطالب بتعويض ما لحقه مادياً وأدبياً بسببها، إذ هو الحائز للسند وهو الذي وقعت عليه الجريمة مباشرة دون زوجته وتعرّض بسببها للإيذاء وأنفق مالاً وجهداً ووقتاً في سبيل استرداد المسروق فتكون دعواه بطلب تعويض ما لحقه شخصياً من الضرر مقبولة طالما أن أساسها ما أصابه من الضرر الشخصي وليست المطالبة بقيمة السند المقول بسرقته.
ومن حيث إنه يبين مما تقدّم أن المدعي المدني إنما تدخل في الدعوى ليطالب بتعويض الضرر الذي أصابه شخصياً والذي نشأ مباشرة عن الجريمة المنسوبة إلى الطاعن فليس في قبوله لهذه الصفة أية مخالفة للمادة 54 من قانون تحقيق الجنايات التي تعطي الحق لكل من يدعي حصول ضرر له من جريمة أن يقيم نفسه مدعياً بحقوق مدنية في أية حالة كانت عليها الدعوى الجنائية حتى تتم المرافعة، ولا أهمية بعد ذلك لأن يكون السند موضوع الجريمة ملكاً للمدّعي المدني أم لا.
ومن حيث إن محصل الوجه الثاني أن الواقعة الثابتة في الحكم على فرض صحتها تكون جريمة خيانة الأمانة لا جريمة السرقة كما ذهب إليه الحكم لأن المدعي المدني أودع السند لدى المتهم وائتمنه عليه وسمح له بالخروج به وبذلك انتقل السند إلى حوزة المتهم وبقى معه مدّة من الزمن، ولما كانت قيمة هذا السند تزيد على العشرة جنيهات فلا يصح إثبات إيداعه لدى المتهم إلا بالكتابة، ويكون التعويل على البينة في هذه الحادثة مخالفاً لنصوص القانون.
ومن حيث إن ملخص الواقعة حسب الثابت في الحكم أن المدّعي المدني باع للطاعن خمسة قراريط من ملك زوجته وتحرر بباقي ثمنها سند بمبلغ 22 جنيهاً و465 مليماً مؤرّخ 3 ديسمبر سنة 1931 خصم على ظهره عدّة دفع بخط المتهم نفسه. وحصل أنه في يوم الحادثة توجه المدعي المدني ومعه شاهدان لمنزل المتهم وطلب منه دفع جنيه واحد فوعده المتهم بأنه سيحضره له من شخص بنفس البلدة باع له جاموسة ولم يدفع له كل ثمنها، فسلمه المدعي المدني السند ليؤشر بخصم الجنيه على ظهره وخرج المتهم ومعه السند لإحضار المبلغ والتأشير به، وجلس المدعي المدني والشاهدان بمنزل المتهم في انتظار عودته وانتظروه طويلاً حتى ساعة متأخرة من الليل ولكنه لم يحضر. ولما ملّ الشاهدان الانتظار عادا أدراجهما لميت غمر، أما المدعي المدني فأخذ يبحث عن المتهم بمساعدة أخيه بدون جدوى فاضطر للانتظار للصباح ثم توجه إليه بمحل عمله وطالبه برد السند فراوغ المتهم بحجة أنه غبن في البيع، فاضطر المدعي لاستعمال الحيلة وسايره ظاهراً عله يوفق لاسترداد السند فتوجها لميت غمر لمكتب أحد المحامين لتسوية المسألة فلم يجداه؛ ولم يفلح المدعي في إقناع المتهم برد السند ولكنه لم يأل جهداً في التأثير عليه كي يقنعه بردّه، ووسط لهذا الغرض جملة أشخاص، ولكن المتهم أصر على أن يخصم من مبلغ السند خمسة جنيهات بحجة أنه غبن في البيع وأن يكون التأشير بالخصم بخط المدعي المدني. فتظاهر المدعي بقبول ذلك، فأحضر المتهم السند وناوله لأحد الشهود الذي سلمه للمدعي المدني فأخفاه داخل حذائه وواجه المتهم بالحقيقة فثارت ثائرته وحاول استرداد السند بالقوّة، وكان أحد الشهود قد ذهب إلى ملاحظ البوليس وبلغه بالحادثة فحضر الملاحظ ووجد المدعي المدني بحالة غير منتظمة وملابسه ملوثة بجير الحائط فأخذ في التحقيق.
ومن حيث إنه يظهر مما تقدّم أن تسليم المدّعي المدني السند للمتهم كان تسليماً مادياً اضطرارياً اقتضته ضرورة اطلاع المدين على السند والتأشير على ظهره بدفع مبلغ الجنيه على أن يردّه عقب ذلك فهو تسليم غير ناقل للحيازة ولا ينفي وقوع الاختلاس المعتبر قانوناً في جريمة السرقة. ولا قيمة للقول بأن المدعي المدني ائتمن المتهم على السند أي أنه سلمه له على سبيل الأمانة لأن المدّعي المدني لم يتخل عن حيازة السند القانونية، وتسليمه للمتهم كان تحت مراقبته بدليل بقائه مع شاهديه في منزل المتهم نفسه إلى ساعة متأخرة من الليل في انتظار قدومه. ولذلك يكون ما وقع من المتهم من اختلاس السند والهرب به رغم إرادة المدعي المدني سرقة وليست خيانة أمانة، ويكون هذا الوجه على غير أساس.
ومن حيث إن مبنى الوجه الثالث أن الواقعة الثابتة في الحكم لا يعاقب عليها القانون لأن المتهم لم تكن لديه نية تملك الشيء المسروق بدليل أنه أصر على أن لا يسلمه إلا بعد أن تخصم منه خمسة جنيهات بحجة أنه غش في البيع وبعد حسم النزاع المدني بشأن تسليم قيراط أرض اشتراه من المدّعي محدوداً مع أنه لا يملك إلا شائعاً. وقد سلم الحكم بذلك إذ أثبت أن المدّعي المدني والمتهم توجها معاً لاستفتاء أحد حضرات المحامين في تسوية مسألة النزاع المدني. ويبين من ذلك أن المتهم لم يكن يريد السرقة وإنما كان يريد تهديد المجني عليه وفض النزاع بينهما، ولو كان يريد تملك السند لمزقه ولما بقى معه أربعة أيام.
ومن حيث إنه فضلاً عن أن هذا الوجه يخالف دفاع الطاعن في التحقيق من أنه استردّ السند بعد دفع قيمة الباقي منه، الأمر الذي يشف عن أنه قصد تملك السند نهائياً - فضلاً عن ذلك فإن ما يتمسك به الطاعن الآن من أنه لم يقصد تملك السند بل كان يقصد بالاستيلاء عليه تهديد المجني عليه وحمله على أن يخصم له منه خمسة جنيهات بحجة أنه غش في البيع الذي كان من نتيجته تحرير السند موضوع النزاع - ما يتمسك به الطاعن في هذا الشأن لا يخليه من المسئولية الجنائية لأن طلبه خصم خمسة جنيهات هو تحكم منه في المجني عليه لا يستند إلى أي أساس، واستبقاؤه السند ومساومته على الحصول على هذا المبلغ الذي لا حق له فيه يعدّ اختلاساً بنية سلب المال المختلس وهي النية الواجب توفرها قانوناً في جريمة السرقة. ومما تجب ملاحظته أنه وإن كان وقع اختلاف بين المحاكم والشراح فيما إذا كان الدائن الذي يختلس متاع مدينه ليكون تأميناً على دينه الثابت يعدّ سارقاً أم لا فلا محل للخلاف إذا كان المختلس لا دين له وإنما يدّعي هذا الدين للحصول على فائدة غير شرعية مقابل ردّه الشيء المختلس. ومن كل ذلك يكون هذا الوجه على غير أساس أيضاً.