مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة بين 7 نوفمبر سنة 1932 وبين 26 أكتوبر سنة 1936) - صـ 378

جلسة 29 أكتوبر سنة 1934

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وحضور حضرات مصطفى محمد بك وزكي برزي بك وأحمد أمين بك وعبد الفتاح السيد بك.

(287)
القضية رقم 1602 سنة 4 القضائية

مفرقعات. مناط العقاب في جريمة إحرازها. بارود الصيد. متى يعتبر من المفرقعات المعاقب عليها بالمادة 317 المكررة ع؟
لتطبيق المادة 317 المكررة من قانون العقوبات يجب التمييز بين حالة صنع أو استيراد أو إحراز القنابل أو الديناميت أو المفرقعات بصفة عامة، وبين حالة صنع أو استيراد أو إحراز المواد المعدّة لأن تدخل في تركيب تلك المفرقعات، وكذلك الأجهزة والآلات والأدوات والأشياء التي تستخدم لصنعها أو انفجارها. ففي الحالة الأولى يحق العقاب متى ضبط المفرقع ولم يكن عند صانعه أو مستورده أو محرزه رخصة به، ولم يكن لديه مسوّغ شرعي لصنعه أو استيراده أو إحرازه، ولا يشترط لتوقيع العقاب إثبات نية المتهم في استعمال المفرقع في الإجرام، بل يكفي مجرّد وجود المفرقع مادياً مع ثبوت علم المتهم بأنه مفرقع. والمقصود من عبارة "مسوّغ شرعي" هو أن يكون لدى المتهم أسباب مقبولة غير محرّمة تجيز له إحراز المفرقع أو صنعه أو استيراده.
أما في الحالة الثانية (حالة صنع أو استيراد أو إحراز المواد المعدّة لأن تدخل في تركيب المفرقعات والأجهزة والأدوات والأشياء التي تستخدم لصنعها أو انفجارها فإن هذه المواد والأجهزة والآلات والأدوات إنما تعتبر في حكم المفرقعات، ويعاقب صانعها أو محرزها أو مستوردها وفقاً للمادة 317 المكررة من قانون العقوبات إذا ظهر من وقائع الدعوى وظروفها أن هذه الأشياء أعدّت لأن تدخل في تركيب المفرقعات. وهذا أمر متروك لتقدير قاضي الموضوع.
وبناء على ذلك يمكن أن يعتبر "بارود الصيد" مفرقعاً مما يدخل في حكم تلك المادة. ولكن إذا كان المضبوط من هذه المادة كمية صغيرة مما يستعمل عادة في الصيد فلا يمكن مبدئياً أن يعدّ من قبيل المفرقعات، لأن هذه الكمية الصغيرة لا تحدث الفرقعة إذا ما أشعلت وحدها، ولا يترتب على إشعالها ضرر التخريب والتعييب والإتلاف الذي هو مناط العقاب في المادة المذكورة إلا أنه نظراً إلى أن القليل من البارود يمكن أن يدخل في تركيب المفرقعات فيجب لتوقيع العقاب على حائزه طبقاً للفقرة الثانية من المادة 317 المكررة عقوبات أن يثبت من الوقائع أن هذا البارود القليل قد أعدّ لأن يدخل في تركيب مفرقع مّا.
فإذا كان الثابت بالحكم أن كمية البارود المضبوطة لدى المتهم صغيرة، وأنها مما تستعمل في ملء الخراطيش فلا يمكن اعتبارها مفرقعاً في حكم الفقرة الأولى من المادة 317 المكررة كما لا يمكن اعتبار المتهم محرزاً لمادة تدخل في تركيب المفرقعات ما دامت ظروف الدعوى المبينة بالحكم لا تدل على أنها قد أعدّت لذلك. [(1)]


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن حاز شكله القانوني.
ومن حيث إن محصل الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ أدان الطاعن طبقاً للمادة 317 من قانون العقوبات المعدّلة بقانون نمرة 39 سنة 1933 لأنه أحرز باروداً قد أخطأ في تطبيق القانون لأن إحراز البارود إذا لم يكن بقصد التدمير أو التخريب لا يتسع له مدلول تلك المادة بل يخرج من حكمها، خصوصاً وأن الظروف التي لابست تعديل تلك المادة مرجعها إلى الحالة النفسية التي سادت مصر في العهد الأخير فأدت إلى توالي الأعمال الإرهابية من إلقاء القنابل وإشعال الديناميت مما جعل المشرع يعمل على معالجة هذه الحالة فوضع أحكاماً رادعة لها. وهذا يقطع في أن قصد المشرع من تعديل المادة المذكورة إنما هو الضرب على أيدي المرهبين وزجرهم.
ومن حيث إن الواقعة الثابتة في الحكم أنه ضبط بمنزل الطاعن كمية من البارود، فاتهمته النيابة بأنه أحرز مفرقعات من غير مسوّغ شرعي، وطلبت عقابه بالمادة 317 مكررة من قانون العقوبات، فبرأته محكمة أول درجة استناداً على أنه ضبط مع البارود خرطوش مما يدل على أن البارود إنما وجد بقصد استعماله في الخرطوش، ولا عقاب على ذلك. ولكن المحكمة الاستئنافية أدانته وجاء في حكمها المطعون فيه أن القانون رقم 35 لسنة 1932 اعتبر البارود من المفرقعات لأنه جاء به في تعديل المادة 79 عقوبات أنه يعتبر في حكم المفرقعات كل مادة معدّة لأن تدخل في تركيبها ولا شك في أن البارود من المواد الأساسية لصنع المفرقعات، ولا محل للبحث عن قصد المتهم في كيفية استعمال البارود المضبوط، بل يكفي ضبطه عنده لمعاقبته طبقاً للمادة 317 مكررة من قانون العقوبات.
ومن حيث إنه لتطبيق المادة 317 المكررة من قانون العقوبات يجب التمييز بين حالة صنع أو استيراد أو إحراز القنابل أو الديناميت أو المفرقعات بصفة عامة وبين حالة صنع أو استيراد أو إحراز المواد المعدّة لأن تدخل في تركيب تلك المفرقعات، وكذلك الأجهزة والآلات والأدوات والأشياء التي تستخدم لصنعها أو انفجارها. ففي الحالة الأولى يحق العقاب متى ضبط المفرقع ولم يكن عند صانعه أو مستورده أو محرزه رخصة به أو لم يكن لديه مسوّغ شرعي لإحرازه أو صنعه أو استيراده. ولا يشترط لتوقيع العقاب في هذه الحالة إثبات نية المتهم في استعمال المفرقع في الإجرام، بل يكفي لذلك مجرّد وجود المفرقع مادياً مع ثبوت علم المتهم بأنه مفرقع. وهذا ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة دائماً. ومما تجب ملاحظته في هذا الشأن أن العقوبة واجبة عند ضبط المفرقع في حالتين: الأولى عدم وجود رخصة به، والثانية عدم وجود مسوّغ شرعي لإحرازه أو صنعه أو استيراده. والمقصود من عبارة مسوّغ شرعي أن يكون لدى المتهم أسباب مقبولة غير محرّمة تجيز له إحراز المفرقع أو صنعه أو استيراده، فإذا لم يوجد هذا المسوّغ الشرعي وجب العقاب ولو كان حاصلاً على رخصة.
هذا. أما فيما يختص بحالة صنع أو استيراد أو إحراز المواد المعدّة لأن تدخل في تركيب المفرقعات والأجهزة والآلات والأدوات والأشياء التي تستخدم لصنعها أو انفجارها فتعتبر هذه المواد والأجهزة والآلات والأدوات في حكم المفرقعات، ويعاقب صانعها أو محرزها أو مستوردها طبقاً للمادة 317 فقرة ثانية مكررة من قانون العقوبات إذا ظهر من الوقائع وظروف الدعوى أن هذه الأشياء أعدّت لأن تدخل في تركيب المفرقعات، وهذا أمر متروك لتقدير قاضي الموضوع.
ومن حيث إنه إذا تقرر ذلك وجب البحث فيما إذا كانت المادة المضبوطة في هذه القضية (وهي بارود صيد) تعتبر مفرقعاً في حكم الفقرة الأولى من المادة 317 مكررة من قانون العقوبات أم هي مما يمكن أن يدخل في تركيب المفرقعات طبقاً للفقرة الثانية من تلك المادة.
ومن حيث إن عبارة "مفرقعات أخرى" الواردة في المادة المذكورة عامة فتشمل جميع أنواع المفرقعات ومنها البارود بصنوفه المختلفة فهي تتسع إذاً لبارود الصيد إلا أنه مما تجب ملاحظته أن بارود الصيد هذا لا يحدث الفرقعة إلا إذا أشعلت منه كمية كبيرة في مكان مقفل لا يتسع للغازات التي يتحوّل إليها البارود عقب الإشعال. فإذا ضبطت عند شخص كمية كبيرة من هذا البارود تفوق كثيراً ما يستعمل عادة في الصيد أمكن القول بأن هذه الكمية تعتبر مفرقعاً في حكم الفقرة الأولى من المادة 317 مكررة من قانون العقوبات ويعاقب محرزها إذا لم يكن لديه رخصة أو إذا كانت لديه رخصة ولكن لم يتوفر لديه المسوّغ الشرعي. فإذا كان المضبوط كمية صغيرة مما يستعمل عادة في الصيد فلا يمكن أن تعدّ من قبيل المفرقعات لأنها لا تحدث الفرقعة إذا ما أشعلت وحدها، ولا يترتب على إشعالها ضرر التخريب والتعييب والإتلاف وهو المقصود بالعقاب في المادة المذكورة. ويخلص من ذلك أنه إذا كان الكثير من بارود الصيد يمكن أن يعتبر مفرقعاً فليس قليله كذلك إلا أنه نظراً إلى أن القليل من البارود يمكن أن يدخل في تركيب المفرقعات فيجب لتوقيع العقاب على حائزه طبقاً للفقرة الثانية من المادة 317 مكررة عقوبات أن يثبت من الوقائع أنه أُعدّ لأن يدخل في تركيب مفرقع مّا.
ومن حيث إنه ظاهر من الوقائع الثابتة في الحكم أن كمية البارود المضبوطة لدى المتهم صغيرة وأنها مما تستعمل في ملء الخراطيش فلا يمكن اعتبارها مفرقعاً في حكم الفقرة الأولى من المادة 317 المكررة، كما لا يمكن اعتبار الطاعن محرزاً لمادة تدخل في تركيب المفرقعات ما دامت ظروف الدعوى المبينة في الحكم الطعون فيه لا تدل على أنها قد أُعدّت لذلك.
ومن حيث إنه مما تقدّم يظهر أن الحكم المطعون فيه إذ أدان الطاعن على أساس أنه أحرز مفرقعاً طبقاً للمادة 317 مكررة من قانون العقوبات قد أخطأ في تطبيق القانون فيتعين نقضه وبراءة الطاعن مما نسب إليه.


[(1)] ملحوظة: تقررت هذه القاعدة بالحكمين الصادرين في هذه الجلسة في القضيتين رقم 996 سنة 4 القضائية رقم 1608 سنة 4 القضائية.