مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة بين 7 نوفمبر سنة 1932 وبين 26 أكتوبر سنة 1936) - صـ 436

جلسة 4 مارس سنة 1935

برياسة سعادة عبد الرحمن سيد أحمد باشا وحضور حضرات مصطفى محمد بك وزكي برزي بك وأحمد أمين بك وعبد الفتاح السيد بك.

(341)
القضية رقم 1990 سنة 3 القضائية

( أ ) حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن. استئنافه والطعن فيه بطريق النقض. يشمل أيهما الحكم الغيابي الأوّل.
(ب) مشتبه فيه. إنذار الاشتباه. عدم قابليته للسقوط.
(المادة التاسعة من القانون رقم 24 لسنة 1923)
1 - إن استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن والطعن فيه بطريق النقض يشمل كل منهما الحكم الغيابي الأوّل. [(1)]
2 - إن المادة التاسعة من قانون المتشردين والأشخاص المشتبه فيهم لم تحدّد مدة معينة لسقوط إنذار الاشتباه، بل جاء نصها عاماً دالاً بنفسه على عدم قابلية هذا الإنذار للسقوط بمضي المدة.


الوقائع

اتهمت النيابة العمومية حسن مرسي محمد بأنه في يوم 11 ديسمبر سنة 1932 بدائرة مصر الجديدة عاد لحالة الاشتباه بأن حكم عليه في جريمة سرقة مع سابقة الحكم عليه في اشتباه بتاريخ 12 نوفمبر سنة 1928. وطلبت من محكمة جنح الوايلي الجزئية عقابه بالمواد 2 و9 و11 من القانون رقم 24 لسنة 1923. سمعت المحكمة هذه الدعوى ثم حكمت غيابياً في 28 فبراير سنة 1933 عملاً بالمواد المذكورة بوضع المتهم تحت مراقبة البوليس لمدة سنة واحدة وأمرت بالنفاذ من تاريخ التنفيذ عليه فعلاً. فعارض في الحكم وقضي بتاريخ 14 مارس سنة 1933 باعتبار المعارضة كأن لم تكن. فاستأنف هذا الحكم في 18 مارس سنة 1933، ومحكمة مصر الابتدائية الأهلية نظرت القضية بهيئة استئنافية وقضت غيابياً في 6 مايو سنة 1933 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع ببراءة المتهم عملاً بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات. فطعن حضرة رئيس نيابة مصر في هذا الحكم بطريق النقض في 23 مايو سنة 1933 وقدّم حضرته تقريراً بالأسباب في التاريخ المذكور.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن حاز شكله القانوني.
ومن حيث إن محصل الوجه الأوّل من وجهي الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء الحكم الغيابي الابتدائي قد أخطأ في تطبيق القانون لأن المتهم لم يستأنف ذلك الحكم الغيابي بل كان استئنافه قاصراً على حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن، ولا يمكن القول بأن استئناف هذا الحكم الأخير ينسحب إلى الحكم الغيابي الأوّل.
ومن حيث إن مسألة انسحاب الطعن في حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن بطريق الاستئناف أو بطريق النقض إلى الحكم الغيابي الأوّل مسألة قام عليها الخلاف قديماً. فقال فريق من الشراح إن حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن مستقل عن الحكم الغيابي ومختلف معه تمام الاختلاف، إذ الحكم الأوّل شكلي نتيجته زوال المعارضة وأثرها بدون أي بحث في الموضوع، وإذ الثاني "أي الحكم الغيابي" موضوعي نتيجته ثبوت التهمة على المتهم واستحقاقه لما حكم به عليه، فلا يمكن أن يندمج أحدهما في الآخر. وقال الفريق الثاني إن حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن غير منفصل في الواقع عن الحكم الغيابي إذ هو يضيف إليه معنى جديداً هو صيرورته قابلاً للتنفيذ، وإن أثر الحكم باعتبار المعارضة كأن لم تكن هو نفس الأثر الذي يترتب على الحكم برفض المعارضة موضوعاً. لذلك كانت جميع الأحكام الغيابية والأحكام الصادرة في المعارضة فيها سواء أحضر المعارض ليقدّم أدلة براءته أو لم يحضر كلها متداخلة ومندمجة بعضها في البعض الآخر مما يترتب عليه أن استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن يطرح أمام محكمة الاستئناف كل الموضوع كما يطرح الطعن بطريق النقض في حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن الحكم الغيابي الصادر في الموضوع. وعلى هذا المبدأ سار كل من القضائين الفرنسي والبلجيكي باطراد واستمرار، كما سارت عليه محكمة النقض المصرية إلى عهد قريب، ولكنها رأت أخيراً العدول عن هذا الرأي والأخذ بالرأي القائل بعدم الإدماج، وقضت فعلاً بأن الطعن في حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن وحده لا يشمل الطعن في الحكم الغيابي الأوّل. فاعترض على هذا القضاء الأخير في حالة الطعن بالاستئناف بأن قصر مدى الطعن في حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن على هذا الحكم وحده وعدم شموله بطريق اللزوم للطعن في الحكم الغيابي ربما فوّت على المستأنف مواعيد الطعن في الحكم الغيابي المذكور لأن ميعاد استئناف الحكم الغيابي يجوز أن يكون قد مضى قبل الحكم في المعارضة باعتبارها كأن لم تكن. فرفض هذا الاعتراض بالقول إن الواقع أن ميعاد استئناف الحكم الغيابي لا يبدأ إلا من اليوم الذي لا تكون فيه المعارضة مقبولة عملاً بالمادة 177 من قانون تحقيق الجنايات، فهو إذاً يتحد في مبدئه ونهايته مع ميعاد استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن لأن تاريخ هذا الحكم هو تاريخ تصبح فيه المعارضة غير مقبولة، وإذاً فما على المستأنف إن كان يريد الاحتياط لنفسه سوى أن يذكر في تقرير الاستئناف أنه يستأنف الحكم الغيابي الصادر في الموضوع أو أنه يستأنف الحكمين الغيابي والصادر باعتبار المعارضة كأن لم تكن معاً. ذلك كان الرد على الاعتراض السابق ولكن هذا الرد لا يستند إلى تفسير صحيح للمادة 177 من قانون تحقيق الجنايات سالفة الذكر إذ المفهوم من قول هذه المادة "من اليوم الذي لا تكون فيه المعارضة مقبولة" أن المحكوم عليه لم يعارض أصلاً وأنه فوّت على نفسه ميعاد المعارضة فأصبحت معارضته بعد هذا الميعاد غير مقبولة، فمن هذا الوقت أي من اليوم الرابع لإعلان الحكم الغيابي يبدأ ميعاد الاستئناف. أما إذا حصلت المعارضة فعلاً وفصل فيها فلا يمكن أن يقال بأن هذا الفصل هو الذي جعل المعارضة غير مقبولة حالة أنها رفعت في الواقع وكانت محل نظر المحكمة. ومما هو جدير بالذكر في هذه المناسبة أنه لا يمكن في هذه الحالة الأخيرة أن يستأنف المحكوم عليه الحكم الغيابي إلا إذا تنازل صراحة عن المعارضة وكان استئنافه حاصلاً في الميعاد أي في بحر الثلاثة عشر يوماً التالية لإعلان الحكم الغيابي، فإذا سار في المعارضة ولم يرفع الاستئناف إلا بعد مضي الثلاثة عشر يوماً المذكورة كان استئنافه لا محالة غير مقبول لحصوله بعد الميعاد. ويظهر من ذلك أن الاعتراض بأن القول بعدم إدماج الحكم الغيابي في حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن قد يفوت على المستأنف ميعاد استئنافه اعتراض صحيح قائم إذ أنه يقتضي حرمان المتهم الذي لم يحضر في المعارضة أمام محكمة أوّل درجة من رفع موضوع اتهامه إلى محكمة الاستئناف التي يقتصر بحثها تبعاً لهذا الرأي على الأسباب المباشرة لحكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن أي على أسباب عدم حضور المعارض فقط أمام محكمة المعارضة. أما الحكم الغيابي الأوّل الصادر في الموضوع فلا يمكن رفعه لمحكمة الاستئناف لأن ميعاد الاستئناف يكون في أغلب الأحوال قد انقضى قبل الحكم باعتبار المعارضة كأن لم تكن، وهي نتيجة غير مقبولة ولم يقصدها المشرع بأية حال.
ومن حيث إنه لا محل من جهة أخرى للقول بأن المحكوم عليه يستطيع أن يتفادى الحرج السابق بيانه بأن يقرن معارضته باستئناف احتياطي للحكم الغيابي المعارض فيه إذ القانون الجنائي لا يعرف مثل هذا الطعن الاحتياطي ولا يبيح الجمع بين طريقي الطعن بالمعارضة وبالاستئناف في آن واحد.
ومن حيث إنه إزاء هذا الحرج الذي يستتبعه العمل بمبدأ عدم الإدماج وإزاء جواز تعرض بعض المتهمين للحكم عليهم بدون محاكمة إذا أخذ بظاهر طعنهم بطريق الاستئناف أو النقض في حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن دون الرجوع إلى حقيقة غرضهم من الطعن، وقد يكون هذا الغرض صريحاً لا شك فيه في حالة الطعن بطريق النقض في حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن عند قصر أسباب الطعن على الحكم الغيابي، وإزاء الأسباب الوجيهة التي يستند إليها أصحاب الرأي الثاني القائل بالإدماج والتي سبق بيانها - إزاء كل تلك الاعتبارات المؤسسة على القانون وعلى العدالة لا يسع هذه المحكمة إلا الرجوع في قضائها الأخير إلى قضائها الأوّل والتقرير بأن استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن والطعن فيه بطريق النقض يشمل كل منهما الحكم الغيابي. ولذلك يكون الحكم المطعون فيه إذ جعل استئناف المحكوم عليه لحكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن شاملاً للحكم الغيابي الأوّل أصاب الحقيقة ويكون وجه الطعن في ذلك متعين الرفض.
ومن حيث إن محصل الوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه استند في براءة المتهم إلى أن إنذار الاشتباه قد سقط بمضي المدة إذ مضى أكثر من ثلاث سنوات على آخر حكم صدر على المتهم قبل ارتكابه الجريمة الأخيرة مع أن إنذار الاشتباه مستديم الأثر، لا يسقط بأي مدة كانت، ولذلك تكون المحكمة الاستئنافية قد أخطأت في تطبيق القانون.
ومن حيث إن المادة التاسعة من قانون المتشردين والأشخاص المشتبه فيهم لم تحدد مدة معينة لسقوط إنذار الاشتباه، بل جاء نصها عاماً دالاً بنفسه على عدم قابلية هذا الإنذار للسقوط بمضي المدة، وقد استقر قضاء هذه المحكمة (محكمة النقض) على ذلك. ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بسقوط إنذار الاشتباه المعطى للمتهم بمضي أكثر من ثلاث سنين قد أخطأ في تطبيق القانون فيتعين نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه صدر غيابياً ولأسباب قانونية بدون التعرّض للموضوع فيتعين إحالة القضية إلى محكمة مصر الأهلية للحكم فيها مجدّدا ًمن دائرة أخرى.


[(1)] رجعت المحكمة بتقريرها هذه القاعدة عن القاعدة التي قررتها من قبل في أحكام متعدّدة، وهي أن الطعن في حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن وحده لا يشمل الطعن في الحكم الغيابي الأوّل.
راجع في هذا الصدد مقالاً لحضرة المستشار عبد الفتاح السيد بك في الطعن في الأحكام الغيابية الصادرة في مواد الجنح والمخالفات منشوراً بمجلة القانون والاقتصاد في العدد الثالث من السنة الخامسة بالصفحات من 270 إلى 300 ومقالاً للمستشار علي زكي العرابي بك منشوراً بالعدد الرابع من السنة الخامسة لهذه المجلة بالصفحات من 431 إلى 448.