أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة 27 - صـ 1063

جلسة 5 من مايو سنة 1976

برياسة السيد المستشار محمد أسعد محمود وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد المهدي، وسعد الشاذلي، وحسن مهران حسن، والدكتور عبد الرحمن عياد.

(204)
الطعن رقم 711 لسنة 42 القضائية

(1) و(2) و(3) إثبات "القرائن". محكمة الموضوع. نقض. حيازة.
(1) استنباط القرائن القضائية من سلطة قاضي الموضوع. جواز اعتماده على ما يستخلصه من تحقيقات أجريت في غيبة الخصوم أو من محضر جمع استدلالات أو من شهادة شاهد لم يؤد اليمين بلا رقابة عليه متى كان استنباطه سائغاً.
(2) الصور الرسمية للمحررات. جواز الاستناد إليها كدليل في الإثبات دون الرجوع إلى الأصل ما لم تكن محل منازعة.
(3) استناد محكمة الموضوع إلى القرائن. لا عليها إن هي لم تأمر بالإثبات بشهادة الشهود.
(4) إيجار. دعوى "دعوى استرداد الحيازة". حيازة.
دعوى استرداد الحيازة. شروطها. استظهار الحكم أن حيازة العين المؤجرة كانت خالصة للزوجة خلفاً لزوجها المستأجر بعد وفاته وإن إقامة ابنها كانت مؤقتة على سبيل التسامح. اعتبار تنازله عن هذه الشقة دون تفويض من والدته هو سلب لحيازتها مبني على الغش. لا خطأ.
(5) حكم "تسبيبه" إثبات.
حسب محكمة الموضوع إقامة قضائها على ما يكفي لحمله وفقاً للمستندات والأدلة المطروحة عليها. عدم التزامها بتكليف الخصوم بتقديم الدليل على دفاعهم أو لفت نظرهم إلى مقتضياته.
(6) و(7) دعوى "دعوى الحيازة". عقد. حيازة.
(6) دعوى استرداد الحيازة. جواز إقامتها على من انتقلت إليه حيازة العقار ممن اغتصبها. لا عبرة بحسن نية الأول.
(7) استرداد الحيازة. الالتجاء إلى دعوى العقد لا إلى دعوى الحيازة. شرطه ارتباطه المدعي مع المدعى عليه فيها بعقد. جواز إقامة المستأجر دعوى استرداد الحيازة على مستأجر العين من المالك المغتصب لها.
1 - مفاد نص المادة 100 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 أن لقاضي الموضوع السلطة المطلقة في استنباط القرائن التي يعتمد عليها في تكوين عقيدته غير مقيد في ذلك بالقاعدة التي تفرض عليه ألا يبني اقتناعه على وقائع لم تثبت بالطرق القانونية أو على وثائق لم تكن محل مناقشة الخصوم، فله أن يعتمد على القرينة المستفادة من تحقيقات أجريت في غيبة الخصوم أو من محضر جمع استدلالات أجرته الشرطة أو من شهادة شاهد لم يؤد اليمين، ولا رقابة عليه فيما يستخلصه منها متى كان استنباطه سائغاً. وإذ كان البين من الأوراق أن المطعون عليها قدمت صورة رسمية من محضر الجنحة لإثبات وضع يدها على الشقة موضوع النزاع ووقوع اعتداء على حيازتها، واستدل الحكم المطعون فيه على ثبوت مدعاها بالقرائن التي استخلصها من الوقائع التي تضمنها المحضر ومن أقوال الشهود الذين سمعوا فيه وكان استنباطه في ذلك سائغاً، فإنه لا تثريب على الحكم إن هو أقام قضاءه على القرائن التي استنبطها من الأقوال الثابتة في الصورة الرسمية لذلك المحضر، ويكون النعي الموجه إلى هذه القرائن وتعييب الدليل المستمد منها مجادلة موضوعية في تقدير محكمة الموضوع بغية الوصول إلى نتيجة أخرى غير التي أخذت بها وهو ما لم يجوز أمام محكمة النقض.
2 - مؤدى المادة 12 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 أن الصور الرسمية للمحررات تعتبر مطابقة لها إذا لم تكن محل منازعة تقتضي الرجوع إلى أصولها، بحيث يجوز للمحكمة الاستناد إليها كدليل في الإثبات دون الرجوع إلى الأصل.
3 - إذ كانت محكمة الموضوع قد اتخذت سبيل الإثبات بالقرائن على الوضع الذي أجازه فيه القانون، فإنها لا عليها إن هي لم تأمر بالإثبات بشهادة الشهود استناداً إلى الرخصة المخولة لها بالمادة 70 من قانون الإثبات لأن هذا الحق جوازي متروك لرأيها ومطلق تقديرها.
4 - مفاد نص المادة 958 من القانون المدني أن دعوى استرداد الحيازة إنما شرعت لحماية الجائز من أعمال الغصب، ومن ثم كان قبولها رهناً بأن يكون لرافعها حيازة مادية حالية، ومعنى كونها مادية أن تكون يد الحائز متصلة بالعقار اتصالاً فعلياً يجعل العقار تحت تصرفه المباشر، ومعنى كونها حالية أن يكون هذا الاتصال قائماً حال وقوع الغصب، ولا يشترط أن تكون هذه الحيازة بنية التملك، ويكفي لقبولها أن يكون لرافعها حيازة فعلية، ومن ثم يجوز رفعها من المستأجر، والمراد بالقوة المستعملة لسلب الحيازة كل فعل يؤدي إلى منع الحيازة الواقعية لا فرق في ذلك بين القوة المادية أو المعنوية، فيجوز أن يبنى الاغتصاب على أساليب الغش والتدليس والخداع وغيرها من المؤثرات المعنوية، وإذ كان البين من الحكم المطعون فيه أنه استظهر أن الحيازة المادية والحالية كانت خالصة للمطعون عليها الأولى دون المطعون عليه الثاني ابنها الذي كانت إقامته موقوتة مبنية على عمل من أعمال التسامح الذي لا يكسب صاحبه حقاً يعارض صاحب الحيازة، وأن حالة الغش مستفادة من عدم وجود تفويض من المطعون عليها الأولى له بالتنازل عن الشقة موضوع النزاع بعد استقلالها بها خلفاً لزوجها المستأجر السابق، وكان استخلاص الحكم توافر عناصر الغش هو استخلاص سائغ مارسته محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية، ورتب الحكم على ذلك توافر شروط دعوى استرداد الحيازة فإن ذلك لا ينطوي على خطأ في تطبيق القانون.
5 - حسب محكمة الموضوع أن تقيم قضاؤها وفقاً للمستندات والأدلة المطروحة عليها بما يكفي لحمله دون أن تلزم بتكليف الخصوم بتقديم الدليل على دفاعهم أو لفت نظرهم إلى مقتضياته.
6 - مؤدى المادة 960 من القانون المدني أنه يجوز رفع دعوى استرداد الحيازة على من انتقلت إليه حيازة العقار من مغتصب الحيازة ولو كان الأول حسن النية ومن ثم فإن الدعوى تكون مقبولة قبل كل من الطاعنين - المالكين - والمطعون عليه الرابع - المستأجر منهما - ويكون من حق المطعون عليها الأولى - المستأجرة الأصلية - استرداد الحيازة دون تأثير لحق أو سوء نية أيهم.
7 - الالتجاء إلى دعوى العقد لا إلى دعوى الحيازة محله أن يكون رافع الدعوى مرتبطاً مع المدعى عليه فيها بعقد ويكون انتزاع الحيازة داخلاً في نطاق هذا العقد، وإذ كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن المطعون عليه الأخير - المستأجر الذي انتقلت إليه من الطاعنين - المالكين - حيازة الشقة المفترضية لا تربطه بالمطعون عليها الأولى - خلف المستأجر السابق التي سلبت حيازتها أي علاقة تعاقدية فإنه يجوز لها من ثم اللجوء إلى دعوى الحيازة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليها الأولى أقامت على الطاعنين والمطعون عليهم الثاني والثالث والرابع الدعوى رقم 16 لسنة 1969 مدني أمام محكمة القاهرة الابتدائية يطلب الحكم باسترداد حيازتها للشقة رقم.... وتسليمها لها خالية، وقالت شرحاً لها إنه بموجب عقد مؤرخ 1/ 6/ 1941 استأجر زوجها الشقة المشار إليها من المالكة السابقة وكانت تقيم بها معه حال حياته واستمرت على ذلك بعد مماته وقد انتهز ابنها المطعون عليه الثاني فرصة غيابها فاحتل الشقة واستولى على بعض منقولاتها واختلس عقد الإيجار، وحرر عنه المحضر رقم 6565 لسنة 1968 جنح قصر النيل، وإذ ادعت المطعون عليها الثالثة - زوجة ابنها - أنها تقيم بالشقة مع أن إقامتها وزوجها كانت على سبيل التسامح، كما تنازل المطعون عليه الثاني عن عقد الإيجار إلى الطاعنين الذين آلت إليهما ملكية العقار دون وجه حق وأجراها صورياً إلى المطعون عليه الرابع فقد رفعت الدعوى بالطلبات سالفة البيان، وبتاريخ 19/ 1/ 1970 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنفت المطعون عليها الأولى هذا الحكم بالاستئناف رقم 772 لسنة 87 ق القاهرة طالبة إلغاءه، وبتاريخ 22/ 6/ 1972 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وباسترداد حيازة المطعون عليها الأولى للشقة وتسليمها خالية. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فرأته جديراً بالنظر وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين، ينعى الطاعنان بالسبب الأول منهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولان إن الحكم أقام قضاءه على التحقيقات الواردة بالمحضر رقم 6565 سنة 1968 جنح قصر النيل، في حين أنها لا تعدو أن تكون مجرد جمع استدلالات لا حجية لها في الإثبات، ولم توجه اليمين القانونية لمن سمعوا فيه، وكان على المحكمة أن تحيل الدعوى إلي التحقيق لتكوين عقيدتها بشأن النزاع القائم خاصة وأن الطاعنين بوصفهما مالكي العقار لم تسمع أقوالهما بالمحضر، هذا إلى أنه كان يتعين على المحكمة أن تقرر ضم أصل المحضر لأن الصورة الرسمية المقدمة غير كاملة وينقصها المستند الخاص بتنازل المطعون عليها الأولى لابنها المطعون عليه الثاني عن نصيبها في شقة النزاع، ولو فعلت لتغير وجه الرأي في الدعوى، وهو ما يعيب الحكم بالقصور في التسبيب علاوة على مخالفة القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان مفاد نص المادة 100 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 أن لقاضي الموضوع السلطة المطلقة في استنباط القرائن التي يعتمد عليها في تكوين عقيدته غير مقيد في ذلك بالقاعدة التي تفرض عليه ألا يبني اقتناعه على وقائع لم تثبت بالطرق القانونية أو على وثائق لم تكن محل مناقشة الخصوم، فله أن يعتمد على القرينة المستفادة من تحقيقات أجريت في غيبة الخصوم، أو من محضر جمع استدلالات أجرته الشرطة، أو من شهادة شاهد لم يؤد اليمين، ولا رقابة لمحكمة النقض عليه فيما يستخلصه منها متى كان استنباطه سائغاً وكان مؤدى المادة 12 من ذات القانون أن الصور الرسمية للمحررات تعتبر مطابقة لها إذا لم تكن محل منازعة تقتضي الرجوع إلى أصولها، بحيث يجوز للمحكمة الاستناد إليها كدليل في الإثبات دون الرجوع إلى الأصل، لما كان ذلك وكان البين من الأوراق أن المطعون عليها الأولى قدمت صورة رسمية من محضر الجنحة المشار إليه بسبب النعي لإثبات وضع يدها على الشقة موضوع النزاع ووقوع اعتداء على حيازتها، واستدل الحكم المطعون فيه على ثبوت مدعاها بالقرائن التي استخلصها من الوقائع التي تضمنها المحضر، ومن أقوال الشهود الذين سمعوا فيه، وكان استنباطه في ذلك سائغاً، وكان الطاعنان لم يتنازعا أمام محكمة الموضوع في مطابقة الصورة الرسمية للمحضر لأصله، ولم يطلبا ضم ذلك الأصل، أو بإلزام المطعون عليه الثاني - باعتباره الخصم الذي بيده المستند المقول بأن دال على التنازل - بتقديمه، فإنه لا تثريب على الحكم إن هو أقام قضاءه على القرائن التي استنبطها من الأقوال الثابتة في الصورة الرسمية لذلك المحضر، ويكون النعي الموجه إلى هذه القرائن وتعييب الدليل المستمد منها مجادلة موضوعية في تقدير محكمة الموضوع للدليل بغية الوصول إلى نتيجة أخرى غير التي أخذت بها، وهو ما لم يجوز أمام محكمة النقض، لما كان ما تقدم وكانت محكمة الموضوع وقد اتخذت سبيل الإثبات بالقرائن على الوضع الذي أجازه فيه القانون، فإنه لا عليها إن هي لم تأمر بالإثبات بشهادة الشهود استناداً إلى الرخصة المخولة لها بالمادة 70 من قانون الإثبات، لأن هذا الحق جوازي متروك لرأيها ومطلق تقديرها، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالأوجه الثلاثة الأولى من السبب الثاني الخطأ في تطبيق القانون والتناقض ومخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك يقول الطاعنان إن الحكم المطعون فيه استند في قضائه على توافر شروط قبول الدعوى وإن الحيازة ثابتة للمطعون عليها الأولى ومستمدة من عقد الإيجار الصادر لزوجها المتوفى، ولا ينال من ذلك تنازل المطعون عليه الثاني عن عقد إيجار الشقة للطاعنين لقيامه على الغش تبعاً لعدم حصوله على توكيل بذلك من جميع ورثة المستأجر الأصلي، ولأن إقامته بالشقة تستند إلى مجرد عمل من أعمال التسامح في حين أن الثابت من تحقيقات الجنحة التي عول عليها الحكم أنه لم يكن للمطعون عليها الأولى حيازة ماضية وحالية متصلة حال وقوع الغصب، بإقرارها أنها تركت شقة النزاع بعض الوقت، وثبوت إقامة المطعون عليه الثاني ووجود منقولات زوجته المطعون عليها الثالثة بها، وكذلك بدلالة المستند المشار إليه بالتحقيقات خاصاً بتنازل المطعون عليها الأولى عن حيازتها لابنها المطعون عليه الثاني، هذا إلى أن إقامة المطعون عليه الثاني بالشقة سواء كانت على سبيل التسامح أو بوصفه خلفاً للمستأجر الأصلي تجعل له الحق في التخلي عن هذه الحيازة لأنها واقعة فيما يملكه وما هو في يده أياً كان وصف حيازته. وقد تناقض الحكم في أسبابه حين تردد بين نفي حيازة المطعون عليه الثاني أصلاً وذلك في ذات الوقت الذي يقرر فيه أن له حيازة فعلية وإن كان وصفها بأنها تسامح خلافاً للثابت بالأوراق بالإضافة إلى أنه لا يجوز الاستدلال على توافر حالة الغش في جانب المطعون عليه الثاني استناداً إلى عدم وجود توكيل من ورثة المستأجر الأصلي يخوله التنازل عن عقد الإيجار لجواز حصول هذه الوكالة التي لم تعن المحكمة بتمحيصها والتحقق منها، أو بافتراض قيام وكالة ضمنية. كما أنه لا يكفي الغش وحده لتوافر شروط دعوى استرداد الحيازة التي تستلزم بطبيعتها وقوع أعمال عنف وقوة مادية الأمر المنتفي في واقع الدعوى وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والتناقض ومخالفة الثابت بالأوراق.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن النص في المادة 958 من القانون المدني على أن "لحائز العقار إذا فقد الحيازة أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها إليه، فإذا كان فقد الحيازة خفية بدأ سريان السنة من وقت أن ينكشف ذلك. ويجوز أيضاً أن يسترد الحيازة من كان حائزاً بالنيابة عن غيره"، يدل على أن دعوى استرداد الحيازة إنما شرعت لحماية الحائز من أعمال الغصب، ومن ثم كان قبولها رهناً بأن يكون لرافعها حيازة مادية حالية، ومعنى كونها مادية أن تكون يد الجائز متصلة بالعقار اتصالاً فعلياً يجعل العقار تحت تصرفه المباشر، ومعنى كونها حالية أن يكون هذا الاتصال قائماً حال وقوع الغصب، ولا يشترط أن تكون هذه الحيازة مقرونة بنية التملك فيكفي لقبولها أن يكون لرافعها حيازة فعلية ومن ثم يجوز رفعها من المستأجر، والمراد بالقوة المستعملة لسلب الحيازة كل فعل يؤدي إلى منع الحيازة الواقعية لا فرق في ذلك بين القوة المادية أو المعنوية فيجوز أن يبنى الاغتصاب على أساليب الغش والتدليس والخداع وغيرها من المؤثرات المعنوية، ولما كان البين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن استعرض ما ثبت من تحقيقات محضر الجنحة التي استدلت بها المطعون عليها الأولى على حيازتها لشقة النزاع أورد أنه "يخلص من هذا الكلام أن حيازة المستأنفة" المطعون عليها الأولى - لشقة النزاع لم تنقطع وإنما ظلت قائمة حتى تاريخ تقديم الشكوى "وإذا غابت لمدة أسبوعين في زيارة لأحد أولادها وبشقة النزاع منقولاتها فلا يمكن القول بانقطاع" تلك الحيازة حتى ولو لجأ الابن المستأنف عليه الثالث - المطعون عليه الثاني - إلى التنازل للمالكين المستأنف عليهما الأولى والثاني - الطاعنين - عن عقد الإيجار لأنه لا يملك التنازل عن العقد المذكور إذ الثابت من أوراق تحقيق الشكوى المذكورة أن إقامته لم تكن دائمة بالشقة المتنازع عليها وإنما يقيم في إحدى حجراتها هو وزوجته المستأنف عليها الرابعة - المطعون عليها الثالثة - إقامة مؤقتة وأن إقامته الدائمة بالإسكندرية وإقامته بشقة النزاع تستند إلى مجرد عمل من أعمال التسامح صدر من المستأنفة لأن واقع الحال يقطع بأن كلاً من أولادها قد رحل عن هذه الشقة وأن حيازتها لها حيازة قانونية مستمدة من عقد الإيجار الصادر لزوجها وباعتبارها خلفاً عاماً لزوجها فينتقل إليها العقد المذكور هي وباقي الورثة، أما ولم يعد بهذه الشقة مقيماً سواها فتعتبر هي الحائزة لها قانوناً، ولم يقدم المستأنف عليهم أي مستند يفيد أنها لا تقيم بها، أو أن المستأنف عليه الثالث هو الحائز لشقة النزاع، إذ خلت أوراق الدعوى من أي دليل على أن المستأنف عليهما الثالث والرابعة تقيمان بشقة النزاع، وإذ صح جدلاً - وهذا ما لم يثبت للمحكمة - وجود توكيل ادعاه المستأنف عليه الثالث ونسب صدوره إلى الورثة فإن المستأنفة أنكرته ومن ثم فتصرفه بالتنازل - إن صح وحدده فلا يستند إلى أساس من القانون ويصبح عملاً من أعمال الغش قصد به سلب حيازة المستأنفة لشقة النزاع لأنه عمل ينافي القانون ومن ثم يعتبر قهراً لإدارة المستأنفة الحائزة بقصد سلب حيازتها التي سلبت كرهاً منها وهذا العمل المبني على الغش والمنافي للقانون وقع على عقار في حيازة المستأنفة ومن ثم كانت دعوى الحيازة مقبولة"، وكان هذا الذي قرره الحكم يفيد أنه استظهر أن الحيازة المادية والخالية كانت خالصة للمطعون عليها الأولى دون المطعون عليه الثاني الذي كانت إقامته موقوتة مبنية على عمل من أعمال التسامح فلا تكسب حقاً يعارض به صاحب الحيازة، وأن حالة الغش مستفادة من عدم وجود تفويض من المطعون عليها الأولى له بالتنازل عن الشقة موضوع النزاع بعد استقلالها بها خلفاً لزوجها المستأجر السابق، ورتب الحكم على ذلك توافر شروط دعوى استرداد الحيازة، وكان لما خلص إليه الحكم سنده من الأوراق فإن ذلك لا ينطوي على خطأ في تطبيق القانون، لما كان ذلك وكان استخلاص الحكم توافر عناصر الغش هو استخلاص سائغ مارسته محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية، وكان لا تناقض بين نفي حيازة المطعون عليه الثاني وبين القول إن إقامته كانت على سبيل التسامح الذي لا يعطيه حقاً قبل صاحبة الحيازة ولا يخوله حق التنازل عن عقد الإيجار إلى الطاعنين. لما كان ما تقدم وكان حسب محكمة الموضوع أن تقيم قضاؤها وفقاً للمستندات والأدلة المطروحة عليها بما يكفي لحمله دون أن يلزم بتكليف الخصوم تقديم الدليل على دفاعهم أو لفت نظرهم إلى مقتضياته فإنه لا عليها إذا هي أطرحت ما قيل من وجود مستند يفيد تنازل المطعون عليها الأولى للمطعون عليه الثاني عن حيازتها للشقة طالما لم يقدم هذا المستند في الدعوى، وطالما جحدته المطعون عليها الأولى، وكان لا محل للقول بوجود وكالة ضمنية من باقي ورثة المستأجر الأصلي ما دامت المحكمة قصرت الحيازة على المطعون عليها الأولى على ما سلف بيانه، فإن النعي يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالوجه الرابع من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقولان إن الحكم قضى باسترداد حيازة المطعون عليها الأولى للشقة بأكملها على سند من أن المستأجر الجديد - المطعون عليه الرابع - الذي تلقى حقه على العين من الطاعنين بموجب عقد إيجار صدر إليه بعد تنازل المطعون عليه الثاني لهما عن العقد قد زالت حسن نيته بالتطبيق للمادة 966 من القانون المدني في حين أن كلاً من الطاعنين والمطعون عليه الرابع حسن النية، فلا يكون للمطعون عليها الأولى الحق في استرداد الحيازة، ولا يبقى لها سوى المطالبة بالتعويضات، هذا إلى أنه وقد صدر عقد إلى المطعون عليه الرابع فإن الواجب اللجوء إلى دعوى العقد لا إلى دعوى الحيازة بالإضافة إلى أنه لو صح وجود حيازة للمطعون عليها الأولى فحقها جزئي بنسبة ما تدعي شغله من الشقة بالاشتراك مع بقية الورثة الذين لم يعترضوا على فسخ العقد، وبالتالي فلا يجوز رد حيازة الشقة جميعها إليها وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون.
وحيث إن النعي في غير محله، ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد خلص - وعلى ما جاء بالرد على السبب السابق - إلى أن المطعون عليها الأولى قد انفردت دون غيرها من بقية الورثة بحيازة الشقة المتنازع عليها، فإن ذلك يستلزم رد حيازة الشقة بأكملها إليها لما كان ذلك وكان مؤدى المادة 960 من القانون المدني بأنه يجوز رفع دعوى استرداد الحيازة على من انتقلت إليه حيازة العقار من مغتصب الحيازة ولو كان الأول حسن النية، فإن الدعوى تكون مقبولة قبل كل من الطاعنين والمطعون عليه الرابع ويكون من حق المطعون عليها الأولى استرداد الحيازة دون تأثير لحسن أو سوء نية أيهم. ولا يعيب الحكم ما استطرد إليه من تقديرات قانونية خاطئة خاصة بسوء نية المطعون عليه الرابع لأنها واردة على فضلة زائدة عن حاجة الدعوى وتستقيم الحكم بدونها. لما كان ما تقدم وكان لا محل للقول بأنه كان يتعين على المطعون عليها الأولى أن تلجأ إلى دعوى العقد لا إلى دعوى الحيازة لأن محل ذلك أن يكون رافع الدعوى مرتبط مع المدعى عليه فيها بعقد، ويكون انتزاع الحيازة داخلاً في نطاق هذا العقد، وإذا كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن المطعون عليه الأخير الذي انتقلت إليه من الطاعنين حيازة الشقة المغتصبة، لا تربطه بالمطعون عليها الأول التي سلبت حيازتها أي علاقة تعاقدية فإنه يحق لها من ثم اللجوء إلى دعوى الحيازة، ويكون النعي على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن برمته.