مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة بين 7 نوفمبر سنة 1932 وبين 26 أكتوبر سنة 1936) - صـ 458

جلسة 8 إبريل سنة 1935

برياسة حضرة مصطفى محمد بك وحضور حضرات زكي برزي بك ومحمد فهمي حسين بك وأحمد أمين بك وعبد الفتاح السيد بك.

(357)
القضية رقم 816 سنة 5 القضائية

( أ ) تسميم. وضع زئبق في أذن شخص. عمل تنفيذي لجريمة القتل بالسم.
(المادة 197 عقوبات)
(ب) ارتباط الجرائم. جريمتان مرتبطتان. الفصل فيهما بحكم واحد. الطعن على الحكم في إحدى الجريمتين. قبوله يستلزم نقض الحكم في الجريمة الأخرى.
(المادة 32 عقوبات)
1 - وضع الزئبق في أذن شخص بنية قتله هو من الأعمال التنفيذية لجريمة القتل بالسم، ما دامت تلك المادة المستعملة تؤدّي في بعض الصور إلى النتيجة المقصودة منها، كصورة ما إذا كان بالأذن جروح يمكن أن ينفذ منها السم إلى داخل الجسم، فإذا لم تحدث الوفاة عدّ العمل شروعاً في قتل لم يتم لسبب خارج عن إرادة الفاعل ووجب العقاب على ذلك، لأن وجود الجروح في الأذن أو عدم وجودها هو ظرف عارض لا دخل له فيه. ولا محل للقول باستحالة الجريمة ما دام أن المادة المستعملة تصلح في بعض الحالات لتحقيق الغرض المقصود منها.
2 - إذا كانت الجريمتان المسندتان إلى المتهم قد ارتكبتا لغرض واحد، وكانت إحداهما مرتبطة بالأخرى ارتباطاً لا يقبل التجزئة، وفصلت المحكمة فيهما بحكم واحد، فالطعن في هذا الحكم - وإن اقتصر على إحدى الجريمتين - يتناول حتماً ما قضى به الحكم فيما يتعلق بالجريمة الثانية. وذلك حتى يمكن تنفيذ حكم القانون في هذه الحالة بتوقيع عقوبة واحدة هي عقوبة الجريمة الأشد طبقاًً للمادة 32 عقوبات.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة يني مارنجاس بأنه في المدة المنحصرة بين 8 سبتمبر سنة 1933 إلى 6 نوفمبر سنة 1933 بدائرة قسم محرّم بك بمحافظة إسكندرية، اشترك مع كل من ألكسندر أجروبلو وألكسندر فج التابعين لدولتين أجنبيتين بطريق الاتفاق والمساعدة في الشروع في قتل أرزيا أجروبولو زوجة الأوّل عمداً ومع سبق الإصرار بالسم وبوسائل أخرى، وذلك بإعطائها شراب البليانو مراراً لإنهاك قواها مع تعريضها للهواء عقب ذلك لتقليل قوّة مقاومتها ولكي تصيبها مضاعفات صدرية تؤدي لوفاتها، وبوضع كمية من الزئبق في أذنها بقصد أن تخرق هذه المادة طبلة الأذن وتنفذ إلى المخ فيحدث عن ذلك تسمم زئبقي بقصد قتل المجني عليها المذكورة. وذلك بأن اتفق المتهم المذكور مع كل من ألكسندر أجروبولو وألكسندر فج السالفي الذكر على ارتكاب الجناية المتقدّم ذكرها وساعدهما على وضع مادة الزئبق في أذن المجني عليها بأن توجه لها متظاهراً بأنه طبيب وتوصل بهذه الطريقة إلى تحقيق هذا القصد فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادة المتهمين فيه وهو اكتشاف الأمر قبل إتمام القصد منه. ثانياً أنه هو والمتهمين السالفي الذكر في الزمان والمكان المذكورين اشتركوا معاً في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جناية قتل المجني عليها وجنحة النصب على شركة الاتحاد الأدرياتيكي للتأمين على الحياة بأن اتفقوا على التأمين على حياة المجني عليها بمبلغ 1000 جنيه لدى تلك الشركة وعلى قتلها بعد ذلك لكي يحصلوا على مبلغ التأمين. وطلبت من حضرة قاضي الإحالة إحالته إلى محكمة جنايات إسكندرية لمحاكمته بالمواد 47 و45 و46 و197 و40 فقرة ثانية وثالثة و41 من قانون العقوبات، فقرّر حضرته في 31 مارس سنة 1934 إحالته إليها لمحاكمته بهذه المواد. ومحكمة الجنايات السالفة الذكر بعد أن سمعت هذه الدعوى قضت حضورياً في 24 نوفمبر سنة 1934 عملاً بالمادة 47 مكررة من قانون العقوبات والمادة 17 منه لظروف الدعوى عن التهمة الثانية وبالمادة 50 من قانون تشكيل محاكم الجنايات عن التهمة الأولى: أوّلاً ببراءة المتهم من تهمة الجناية الأولى، وثانياً بمعاقبته بالحبس سنة بالشغل عن تهمة الاتفاق الجنائي.
فطعن حضرة صاحب العزة رئيس نيابة إسكندرية في هذا الحكم بطريق النقض في 9 من شهر ديسمبر سنة 1934 وقدّم حضرته تقريراً في ذات التاريخ بأن الحكم لم يختم في الميعاد ودعمه بشهادة من قلم الكتاب بذلك. وفي 2 يناير سنة 1935 قدّم حضرته تقريراً بالأوجه مصحوباً بشهادة ثانية من قلم الكتاب بأن الحكم ختم في 15 ديسمبر سنة 1934.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن حاز شكله القانوني.
ومن حيث إن محصل الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ برأ المتهم من جريمة الاشتراك في الشروع في قتل المجني عليها أرزبليا أجروبولو على أساس أن الجريمة مستحيلة قد أخطأ في تطبيق القانون على الواقعة الثابتة فيه لأنه يؤخذ من تقرير الطبيب الشرعي أن الزئبق قد يحدث التسمم بالموت في بعض الحالات، ومتى كان هذا هو شأن المادة المستعملة فلا يصح التسليم بما ورد بالحكم من أن ما أتاه يعتبر جريمة مستحيلة لا عقاب عليها.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أثبت "أن المحكمة ترى أنه للصداقة التي بين المتهم وزوج المجني عليها قد استعان هذا الأخير به واتفق معه على أن يمثل دور الطبيب كي يتمكن من وضع الزئبق في أذن زوجته وبذلك يقضي على حياتها، وقد وافقه المتهم على فعله واشترك معه في هذا الاتفاق الجنائي الذي كان الغرض منه أيضاً الحصول على مبلغ التأمين لأنه وعده بجزء منه متى تحقق الغرض، وأنه فيما يتعلق بتهمة الاشتراك في الشروع في القتل المسندة للمتهم فقد ثبت من تقرير الطبيب الشرعي أن وضع الزئبق بشكله المعدني في الأذن لا يحدث تأثيراً على الغشاء المبطن للقناة والطبلة ما دام الغشاء والطبلة خاليين من الجروح التي يمكن أن يمتص منها الزئبق إذا ما بقي مدّة طويلة على هذه الجروح فإنه قد ينشأ عنه تسمم زئبقي، ووضعه بالكيفية التي جاءت بأقوال المجني عليها ليس من شأنه أن يحدث تمزقاً بالطبلة حتى ولو وضع بكمية كبيرة ثم عقب الحكم على ذلك بقوله إنه متى تبين أن الوسائل التي اتخذت مع المجني عليها لا تؤدّي حتماً إلى الوفاة فتكون الجريمة مستحيلة كما ذهب الدفاع ويتعين تبرئة المتهم منها".
ومن حيث إن وضع الزئبق في أذن شخص بنية قتله هو من الأعمال التنفيذية لجريمة القتل بالسم ما دامت تلك المادة المستعملة تؤدّي في بعض الصور إلى النتيجة المقصودة منها. فإذا لم تحدث الوفاة عدّ العمل شروعاً في قتل لم يتم لسبب خارج عن إرادة الفاعل ووجب العقاب. ذلك لأن وجود الجروح في الأذن أو عدم وجودها هو ظرف عارض لا دخل له فيه ولا محل للقول باستحالة الجريمة طالما أن المادة المستعملة تصلح في بعض الحالات لتحقيق الغرض المقصود منها.
ومن حيث إن الحكم أثبت أن الطاعن اشترك في وضع الزئبق في أذن المجني عليها بنية قتلها وأن الوفاة لم تحدث بسبب عدم الامتصاص الناشئ عن عدم وجود جروح في الأذن وهذا الفعل يعدّ قانوناً شروعاً في قتل متعين العقاب.
ومن حيث إنه لما تقدّم يكون الحكم إذ برأ المتهم من هذه التهمة قد أخطأ في تطبيق القانون ويتعين نقضه ومعاقبة المتهم بالمواد 45 و46 و197 و40 فقرة ثانية وثالثة و41 من قانون العقوبات.
ومن حيث إنه ظاهر من الحكم المطعون فيه أن النيابة نسبت للمتهم تهمتين: الأولى أنه اشترك مع آخرين في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جناية قتل المجني عليها وجنحة نصب على شركة الاتحاد الأدرياتيكي للتأمين على الحياة، والثانية أنه اشترك مع آخرين بطريق الاتفاق والمساعدة في الشروع في قتل المجني عليها عمداً مع سبق الإصرار بالسم وبوسائل أخرى، وقد أدانته المحكمة على التهمة الأولى بحبسه سنة وبرأته من الثانية لأسباب قانونية. وكل ذلك يؤدّي إلى أن الجريمتين ارتكبتا لغرض واحد وهو قتل المجني عليها والحصول على مبلغ التأمين، فهما مرتبطتان كما يفهم من وقائع الحكم نفسه ارتباطاً لا يقبل التجزئة.
ومن حيث إنه وإن كان الطعن المرفوع من النيابة قاصراً على جزء من الحكم وهو ما قضي به في جريمة الشروع في القتل إلا أن ارتباط الجريمتين المنسوبتين للمتهم ارتباطاً لا يقبل التجزئة وفصل المحكمة فيهما بحكم واحد يجعلان من المتعين أن يتناول النقض الجزء الثاني من الحكم وهو ما قضي به في تهمة الاتفاق الجنائي، وذلك حتى يمكن تنفيذ حكم القانون في هذه الحالة وهو توقيع عقوبة واحدة على الجريمة الأشدّ طبقاً للمادة 32 من قانون العقوبات.
ومن حيث إنه لذلك يتعين نقض الحكم فيما قضى به عن التهمتين المنسوبتين للمتهم وعقابه عنهما طبقاً للمواد 47 و45 و46 و197 و40 فقرة ثانية وثالثة و41 و32 من قانون العقوبات مع مراعاة المادة 17 عقوبات التي طبقها نفس الحكم المطعون فيه.