مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة بين 7 نوفمبر سنة 1932 وبين 26 أكتوبر سنة 1936) - صـ 465

جلسة 22 إبريل سنة 1935

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وحضور حضرات مصطفى محمد بك وزكي برزي بك وأحمد أمين بك وعبد الفتاح السيد بك.

(362)
القضية رقم 879 سنة 5 القضائية

( أ ) دعوى مباشرة. الدفع بعدم قبولها لسبق اختيار المدعي المدني الطريق المدني. الدفع بعدم جواز نظرها لسبق الفصل نهائياً في الدعوى المدنية. شرائط قبوله.
(المادة 239 تحقيق)
(ب) تصدّي. تعرّض المحكمة الاستئنافية للحكم في موضوع الدعوى الذي لم تفصل فيه محكمة الدرجة الأولى. عدم جوازه.
1 - الدفع بعدم قبول الدعوى المباشرة لسبق اختيار المدعي المدني الطريق المدني قبل رفعه الدعوى المباشرة هو كالدفع بعدم جواز نظر الدعوى المباشرة لسبق الفصل نهائياً في الدعوى المدنية، من حيث إنه يشترط لقبول أيهما أن تكون الدعوى التي سبق رفعها هي عين الدعوى التي رفعت بعد ذلك. ولا تتحقق هذه العينية إلا إذا اتحدت الدعويان من حيث الموضوع والسبب والأخصام. ويشترط أيضاً لقبول الدفع المبني على سبق الفصل في الدعوى أن تتحقق المحكمة من صحة سبق حكم حائز لقوة الشيء المحكوم فيه.
2 - ليس للمحكمة الاستئنافية الجنائية أن تتصدّى لموضوع الدعوى قبل أن تقول محكمة الدرجة الأولى كلمتها فيه، لأن ذلك يحرم المتهم من إحدى درجتي التقاضي، وليس في قانون تحقيق الجنايات نص يبيحه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعنين حازا شكلهما القانوني.
ومن حيث إن مما دار عليه كلا الطعنين أن الحكم المطعون فيه أخطأ إذ قال باتحاد موضوعي القضية التي فصل فيها القضاء المختلط والقضية الحالية مع أن الدعوى المختلطة كان مطلوباً فيها بطلان التنبيه العقاري، أما دعوى الجنحة المباشرة الحالية فالمطلوب فيها التعويض عن ضرر. فضلاً عن أن الحكم أخطأ أيضاً إذ تعرّض لموضوع الدعوى وقضي فيه بالبراءة مع أن الاستئناف كان مقصوراً على الحكم القاضي برفض الدفع الفرعي. أما الموضوع فما زال معلقاً أمام محكمة الدرجة الأولى لم تقل فيه كلمتها ولم يترافع بشأنه الخصوم.
ومن حيث إن وقائع هذه المادة كما يؤخذ من الحكم المطعون فيه تتحصل في أن المتهم نقولا السمين شرع في إجراءات نزع الملكية أمام المحكمة المختلطة ضد حسن حسين الهرميلي (الطاعن اليوم) بناء على عقدي رهن فعارض هذا في تنبيه نزع الملكية وتمسك بعدم اختصاص المحكمة المختلطة، وقال في الموضوع إن طالب نزع الملكية حصل منه على عقدي الرهن بطريق الغش وإنه لم يدفع له مبلغ القرض وطلب الحكم ببطلان التنبيه العقاري واعتبار عقدي الرهن صوريين. فاعتبرت المحكمة المختلطة هذا الدفاع دفاعاً كيدياً وقضت باختصاصها وحكمت على المعارض بما طلبه نازع الملكية من التعويض. فرفع حسن الهرميلي دعواه الحالية أمام المحاكم الأهلية بطريق الجنحة المباشرة يطلب فيها الحكم له بتعويض على المتهم لأنه استولى منه على عقود رهن بطريق النصب والاحتيال ولأنه اعتاد أن يقرضه نقوداً بفوائد فاحشة. فدفع المتهم (نقولا السمين) دعوى المدعي المدني بدفعين: (أوّلهما) عدم قبول الدعوى لسبق اختيار المدعي المدني الطريق المدني قبل رفعه الدعوى المباشرة، (وثانيهما) عدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل نهائياً في الدعوى المدنية. فحكمت المحكمة الابتدائية برفض الدفعين وبقبول الدعوى، وحدّدت جلسة لنظر الموضوع. فاستأنف المتهم، والمحكمة الاستئنافية قضت بقبول الدفع المقدّم من المتهم وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم جواز نظر الدعوى المدنية وببراءة المتهم مما نسب إليه. والمطلع على الحكم المطعون فيه لا يفهم منه جلياً ما إذا كان قد بني على قبول الدفع الأوّل أو الدفع الثاني أو على قبولهما معاً، وكل ما جاء بالحكم المذكور خاصاً بالدفوع هو ما يأتي:
"وحيث إنه مما تقدّم يتبين أن موضوع القضية المرفوعة بصفة معارضة في التنبيه العقاري هو نفس موضوع الدعوى الحالية وأنهما اتحدتا بالنسبة للخصوم والموضوع والسبب ثم ما ختم الحكم به أسبابه إذ يقول وحيث إنه مما تقدّم فلا يجوز للمحاكم الأهلية أن تنظر هذه الدعوى ويتعين الحكم بإلغاء الحكم الابتدائي وقبول الدفع الفرعي وعدم جواز نظر الدعوى إلخ".
ومن حيث إن نظرة سطحية إلى الوقائع المتقدّم ذكرها تنبئ بأجلى بيان بأنه لا أساس لأي من الدفعين اللذين تقدّم بهما المتهم واللذين قبل الحكم المطعون فيه أحدهما أو كليهما. فإنه يشترط لقبول أي الدفعين على السواء أن تكون الدعوى التي سبق رفعها هي عين الدعوى التي رفعت بعد ذلك، ولا تتحقق هذه العينية إلا إذا اتحدت الدعويان من حيث الموضوع والأخصام والسبب. وظاهر من الوقائع المتقدّم ذكرها أن ليس بين الدعويين اتحاد لا من حيث الموضوع ولا من حيث السبب، فدعوى المعارضة في تنبيه نزع الملكية التي رفعها الطاعن إلى المحكمة المختلطة كان موضوعها بحسب ما جاء بالحكم المطعون فيه طلب بطلان التنبيه كما أن سببها كان ادعاء صورية عقدي الرهن، أما الدعوى المباشرة الحالية فموضوعها طلب الحكم بتعويض مدني وسببها ما يدعيه رافعها من أنه مجني عليه في جريمتي نصب وربا فاحش. هذا فضلاً عن أنه يشترط لقبول الدفع الثاني المبني على سبق الفصل في الدعوى أن تتحقق المحكمة من صحة سبق صدور حكم حائز لقوة الشيء المحكوم فيه ولم يذكر الحكم المطعون فيه أن حكم المحكمة المختلطة أصبح نهائياً مع أن الطاعن ينكر ذلك ويقول إن الدعوى ما زالت معلقة أمام الاستئناف وقد سلم الدفاع عن المتهم بذلك أمام هذه المحكمة (محكمة النقض).
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه لم يقف عند حدّ قبول الدفع - مع ما في ذلك من خطأ ظاهر - بل جاوز ذلك إلى الفصل في موضوع الدعوى ببراءة المتهم مما نسب إليه مع أن موضوع الاستئناف إنما كان مقصوراً على النظر في قبول الدفعين أو عدم قبولهما. أما موضوع الدعوى فكان معلقاً أمام المحكمة الابتدائية إلى حين الفصل في الدفع من المحكمة الاستئنافية. على أن المحكمة الاستئنافية نفسها قضت بالبراءة من غير أن تعرض لموضوع الدعوى فحكمها بالبراءة قائم على غير أساس. وما كان للمحكمة الاستئنافية الجنائية على كل حال أن تتصدّى لموضوع الدعوى قبل أن تقول محكمة الدرجة الأولى كلمتها فيه لأن ذلك يحرم المتهم من إحدى درجتي التقاضي وليس في قانون تحقيق الجنايات نص يبيحه.
ومن حيث إنه مما تقدّم يبين أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون فيتعين نقضه وإحالة الدعوى إلى المحكمة الاستئنافية للفصل فيها من جديد.