مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة بين 7 نوفمبر سنة 1932 وبين 26 أكتوبر سنة 1936) - صـ 484

جلسة 27 مايو سنة 1935

برياسة حضرة مصطفى محمد بك وحضور حضرات زكي برزي بك ومحمد فهمي حسين بك وأحمد أمين بك وعبد الفتاح السيد بك.

(382)
القضية رقم 1315 سنة 5 القضائية

ضرب. الضرب أو الجرح البسيط. الضرب المفضي إلى الموت. القصد الجنائي في هذه الجريمة. عدم تعمد الجاني إحداث الجرح. حدوث الوفاة. قتل خطأ.
(المادتان 200 و202 عقوبات)
إن القصد الجنائي في جرائم الضرب أو الجرح البسيط وجرائم الضرب المفضي إلى الوفاة أو إلى العاهة المستديمة يتحقق متى تعمد الجاني فعل الضرب أو إحداث الجرح، وهو يعلم أن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه أو صحته. ولا عبرة بعد ذلك بالبواعث على ارتكاب ذلك الفعل ولو كانت شريفة. فإذا ثبت من الوقائع أن الجاني لم يتعمد الجرح وأنه أتى فعلاً لا يترتب عليه عادة حصول الجرح، ثم نشأ عن هذا الفعل جرح بسبب سوء العلاج أو بسبب آخر فلا يمكن اعتباره محدثاً لهذا الجرح عن عمد وإرادة، وكل ما تصح نسبته إليه في هذه الحالة هو أنه تسبب بخطئه في إحداث هذا الجرح.
وإذاً فإذا كانت الواقعة الثابتة بالحكم هي أن المجني عليه شعر بألم عند التبوّل فقصد إلى منزل المتهم الذي كان تمورجياً بعيادة أحد الأطباء، فتولى هذا المتهم علاج المجني عليه بأن أدخل بقبله قسطرة، ولكن هذا العمل قد أساء إلى المجني عليه وتفاقمت حالته إلى أن توفى، وظهر من الكشف التشريحي أنه مصاب بجرحين بالمثابة وبمقدّم القبل نتيجة إيلاج قسطرة معدنية بمجرى البول بطريقة غير فنية، وقد نشأ عن هذه الجروح تسمم دموي عفن أدّى إلى الوفاة - فهذه الواقعة لا تكوّن الجريمة المنصوص عنها بالمادة 200 عقوبات، وهي جريمة إحداث جرح عمد لم يقصد به القتل ولكنه أفضى إلى الموت، وإنما هي تكوّن جريمة القتل الخطأ، وعقابها ينطبق على المادة 202 عقوبات.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن حاز شكله القانوني.
ومن حيث إن محصل الطعن أن النيابة اتهمت سالم مصطفى شكر المقدّم ضدّه الطعن بأنه أحدث عمداً بأحمد محمد عبد الرحمن الجروح الموصوفة بالكشف الطبي والتي لم يقصد منها قتله ولكنها أفضت إلى وفاته، وطلبت عقابه بالمادة 200 فقرة أولى من قانون العقوبات. فقضت محكمة أول درجة كما قضت محكمة ثاني درجة بإدانة المتهم على أساس أنه ارتكب جريمة القتل الخطأ، ولم تفرّق المحكمتان بين القصد الجنائي والباعث مع أن قصد الضرر أو قصد الجرح لا أهمية له في ذاته. وكل ما يتطلبه القانون هو توفر القصد الجنائي وهو متوفر لأن المتهم قد ارتكب الفعل المادّي الذي ارتكبه عامداً وهو يعلم حق العلم أن هذا العمل يحرّمه عليه القانون لأنه غير مرخص له بتعاطي صناعة الطب. وقد جعل الشارع أساس العقاب في المواد 206 و205 و200 و204 من قانون العقوبات قصد الجاني مضافاً إليه الأثر المادّي المترتبة عليه جريمته. وهذا القصد هو تعمد المساس بسلامة الجسم المجني عليه أو صحته بدون أن يراد بذلك القتل، أي أن الشارع أخذ بنظرية القصد الاحتمالي وحمّل الجاني جميع النتائج المترتبة على فعله.
ومن حيث إن الواقعة الثابتة في الحكمين الابتدائي والاستئنافي أن المجني عليه شعر بألم عند التبوّل فقصد إلى منزل المتهم الذي كان تمرجياً بعيادة أحد الأطباء فتولى هذا المتهم علاج المجني عليه بأن أدخل بقبله قسطرة، ولكن هذا العمل قد أساء إلى المجني عليه وتفاقمت حالته إلى أن توفى. وظهر من الكشف التشريحي أنه مصاب بجرحين بالمثانة وبمقدم القبل نتيجة إيلاج قسطرة معدنية بمجرى البول بطريقة غير فنية، وقد نشأ عن هذه الجروح تسمم دموي عفن أدّى إلى الوفاة. ولقد طبق الحكم المطعون فيه المادة 202 من قانون العقوبات على هذه الواقعة على أساس أنها قتل خطأ. وذكر أنه يجب لتطبيق المادة 200 من قانون العقوبات التي تطلب النيابة تطبيقها أن يكون الفعل المادّي الصادر من المتهم مقصوداً به إحداث الجرح الأمر الذي لم يتوفر في هذه القضية، إذ أن القسطرة التي استعملها المتهم لم يكن من طبيعتها إحداث جرح بالمتهم، بل إن الجرح الذي حدث بالمجني عليه كان نتيجة عدم احتياط المتهم عند استعمالها.
ومن حيث إن القصد الجنائي في جرائم الضرب أو الجرح البسيط وجرائم الضرب المفضي إلى الوفاة أو إلى العاهة المستديمة يتحقق متى تعمد الجاني فعل الضرب أو إحداث الجرح وهو يعلم أن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه أو صحته. ولا عبرة بعد ذلك بالبواعث على ارتكاب ذلك الفعل ولو كانت شريفة؛ فإذا ثبت من الوقائع أن الجاني لم يتعمد الجرح وأنه أتى فعلاً لا يترتب عليه عادة حصول الجرح، ثم نشأ عن هذا الفعل جرح بسبب سوء العلاج أو بسبب آخر فلا يمكن اعتباره محدثاً لهذا الجرح عن عمد وإرادة وإنما يكون مسئولاً جنائياً عن خطئه في إحداث هذا الجرح.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أثبت أن الفعل المادّي الصادر من المتهم وهو إدخال القسطرة في قبل المجني عليه لم يكن مقصوداً به إحداث جرح، ولأن تلك القسطرة لم يكن من طبيعتها إحداث الجرح بل إن الجرح الذي حدث بالمجني عليه كان نتيجة عدم احتياط المتهم عند استعمالها. وهذا الذي أثبته الحكم صريح في أن المتهم لم يتعمد الجرح وأن الجرح إنما نشأ عن خطئه فلا يمكن القول بعد ذلك أن القصد الجنائي في جريمة الجرح المحدث للوفاة متوفر لدى المتهم ويكون الحكم المطعون فيه إذ أدانه على أساس جريمة القتل الخطأ قد أصاب الحقيقة ولذلك يتعين رفض الطعن.