أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة 27 - صـ 1307

جلسة 9 من يونيه سنة 1976

برياسة السيد المستشار/ مصطفى كمال سليم، وعضوية السادة المستشارين: مصطفى الفقي، وأحمد سيف الدين سابق، ومحمد عبد الخالق البغدادي؛ وأحمد شيبة الحمد.

(249)
الطعن رقم 89 لسنة 41 القضائية

(1) نقض "الخصوم في الطعن".
عدم اختصام الطاعن أمام محكمة الاستئناف. أثره. عدم قبول طعنه بالنقض على الحكم المطعون فيه.
(2 و3) دعوى "انقطاع سير الخصومة في الدعوى". بطلان.
(2) إغفال اختصام أحد ورثة الخصم عند تعجيل الدعوى بعد انقطاع سير الخصومة. عدم جواز تمسك غيره من الخصوم ببطلان الإجراءات.
(3) انقطاع سير الخصومة. لا يعد قضاء يكسب الخصم حقاً. جواز العدول عنه.
(4) إثبات "عبء الإثبات". نظام عام. نقض "أسباب الطعن".
قواعد الإثبات وتكليف الخصم عبء إثبات دفاعه. غير متعلق بالنظام العام. عدم جواز التمسك لأول مرة أمام محكمة النقض بقلب الحكم المطعون فيه لعبء الإثبات.
(5) حكم "حجية الحكم". قوة الأمر المقضي.
حيازة أسباب الحكم للحجية. شرطه. ما لم تنظر فيه المحكمة لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضي.
(6) حكر. قانون. إثبات.
علاقة الحكر. نشوؤها قبل العمل بالقانون المدني القائم. جواز إثباتها بكافة طرق الإثبات.
1 - المادة 248 من قانون المرافعات إذ نصت على أن "للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف....." قصدت بمفهوم المخالفة أنه لا يجوز أن يطعن بالنقض إلا من كان خصماً في النزاع الذي فصل فيه الحكم المطعون فيه.
2 - البطلان الناشئ عن عدم مراعاة أحكام المادة 133 من قانون المرافعات فيما أوجبته من إعلان تعجيل الخصومة بعد انقطاعها حتى تستأنف الدعوى سيرها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو بطلان نسبي قرره القانون لمن شرع الانقطاع لحمايتهم وهم ورثة المتوفى الذين لم يختصموا عند تعجيل الدعوى، فلهؤلاء وحدهم التمسك بهذا البطلان.
3 - الحكم بانقطاع سير الخصومة في الدعوى لا يعدو أن يكون قراراً تصدره المحكمة بما لها من سلطة ولائية في مراقبة إجراءات التقاضي وليس قضاء في الحق محل المنازعة حتى يكسب الخصم ما يصح له التمسك به، بل إن العدول عنه جائز متى تبين للمحكمة التي أصدرته أنه صدر على خلاف الواقع.
4 - إذ كان الثابت من الأوراق أن الطاعنة الأولى ومورثة الطاعنة الثانية ارتضيا الحكم الذي أصدرته محكمة الاستئناف بإحالة الدعوى إلى التحقيق ونفذتاه بتقديم شاهدهما، ولم يعترضا عليه حتى صدر الحكم المطعون فيه، ولما كانت قواعد الإثبات، ومنها ما يتعلق بمن يكلف به ليست من النظام العام ويجوز الاتفاق على مخالفتها صراحة أو ضمناً، فإنه لا يجوز النعي لأول مرة أمام محكمة النقض بمخالفة الحكم المطعون فيه لقواعد الإثبات.
5 - الحجية لا تلحق بأسباب الحكم إلا ما كان منها مرتبطاً بمنطوقه ارتباطاً وثيقاً وفيما فصل فيه الحكم بصفة صريحة أو ضمنية حتمية وأما لم تنظر فيه المحكمة فلا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضي.
6 - إذا كانت علاقة الحكر التي استخلصها الحكم من أقوال شاهد المطعون ضدها واستدل بها على أن وضع يد مورث الطاعنتين الأولى والثانية قد تجرد من نية التملك نشأت قبل العمل بالقانون المدني القائم ومن ثم يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات، فالحكر لم يكن من المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية والوقف، التي تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية، كما أن المقصود بمسائل الوقف في هذا الخصوص هو ما تعلق بإنشاء الوقف أو بصحته أو بالاستحقاق فيه أو بتفسير شروطه. أو بالولاية عليه أو بحصوله في مرض الموت، لما كان ذلك، وكان مدار البحث في الحكم المطعون فيه مجرد استظهار نية مورثي الطاعنتين عند بداية الحيازة لتبين قيام سبب آخر لها يمنع من قيام نية التملك، فلا تثريب على المحكمة إن هي استدلت على قيام رابطة تحكير تحول دون قيام هذه النية حتى ولو لم يستوف عقد الحكر شروطه الشكلية أو الموضوعية أو شروط صحته ونفاذه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدها رفعت الدعوى رقم 448 لسنة 1954 مدني كلي الزقازيق على.... و.... ثم أدخلت فيها الطاعنة الأولى ابنة.......... وزوجته......... عن نفسها وبصفتها وارثة له، وانتهت فيها إلى طلب الحكم أصلياً بإزالة المباني القائمة على الأرض المحكرة لهم المبينة بالصحيفة على نفقتهم، واحتياطياً الحكم بأحقيتها لهذه المباني مقابل دفع مبلغ 57 جنيهاً و375 مليماً للمدعى عليهما الأولين ومبلغ 150 ج للمدعى عليهما الأخيرتين وبإلزامهم بأن يدفعوا لها قيمة الريع المستحق عن المدة من 1/ 1/ 1954 حتى آخر نوفمبر سنة 1964 وجملته 300 جنيهاً و 467 مليماً مع ما يستجد سنوياً وذلك استناداً إلى أن الأرض المشار إليها كانت وقفاً عليها ومحكرة لهم وقد شيدوا عليها مباني منازل ودكاكين، وإذ صدر القانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات ونص على إلغاء نظام الحكر وتم شهر إنهاء وقف تلك الأرض، أنذرتهم بدفع أجر المثل ثم أقامت الدعوى. وبتاريخ 10 من مايو سنة 1966 قضت المحكمة بإزالة المباني المقامة على قطعة الأرض وإلزام الطاعنة الأولى ووالدتها....... بأن تدفعا للمطعون ضدها مبلغ 275 جنيهاً و253 مليماً مع ما يستحق من ريع بواقع 25 جنيهاً و214 مليماً سنوياً اعتباراً من آخر نوفمبر سنة 1964 حتى تمام الإزالة، استأنفت الطاعنة ووالدتها هذا الحكم بالاستئناف رقم 117 لسنة 9 ق المنصورة، وبتاريخ 7/ 11/ 1967 قضت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المستأنفتان بكافة طرق الإثبات أنهما وضعتا يدهما على العين موضوع النزاع المدة الطويلة المكسبة للملكية بشرائطها القانونية ولتنفي المستأنف عليها (المطعون ضدها) وذلك بالطرق عينها، وبعد أن استمعت المحكمة إلى أقوال شهود الطرفين قضت بجلسة 4/ 12/ 1968 بانقطاع سير الخصومة في الدعوى لوفاة المستأنفة...... فعجلتها المطعون ضدها في مواجهة ورثة المتوفاة.......، وبجلسة 2/ 2/ 1970 قضت المحكمة بانقطاع سير الخصومة بوفاة...... فقامت المطعون ضدها بتعجيل الدعوى في مواجهة..... و..... دون اختصام ورثة....... بمقولة إنها توفيت قبل وفاة والدتها...... وبتاريخ 6/ 12/ 1970 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض ودفعت المطعون ضدها بعدم قبول الطعن بالنسبة للطاعن الثالث على أساس أنه لم يكن مختصماً في الدعوى وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدفع بعدم قبول الطعن بالنسبة للطاعن الثالث وبقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الدفع بعدم قبول الطعن المقام من الطاعن الثالث صحيح ذلك أن المادة 248 من قانون المرافعات إذ نصت على أن "للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف....." قصدت بمفهوم المخالفة أنه لا يجوز أن يطعن إلا من كان خصماً في النزاع الذي فصل فيه الحكم المطعون فيه، وإذا كان الثابت من الأوراق أن الطاعن الثالث لم يكن مختصماً أمام محكمة الاستئناف فإن الطعن منه بالنقض على هذا الحكم يكون غير مقبول.
وحيث إن الطعن المقام من الطاعنتين الأولى والثانية استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب تنعى الطاعنتان بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه وقوع بطلان في الإجراءات أثر فيه وذلك من وجهين حاصل أولهما أنه بعد أن قضت محكمة الاستئناف في 4 ديسمبر سنة 1968 بانقطاع سير الخصومة في الدعوى لوفاة المستأنفة الأولى السيدة....، قامت المطعون ضدها بتعجيلها مختصمة الطاعنتين وأغفلت اختصام.... أحد ورثة المتوفاة فجاء التعجيل باطلاً، وثانيهما أن محكمة الاستئناف مضت في نظره دون اختصام ورثة...... رغم سبق قضائها بانقطاع سير الخصومة لوفاتها مستنفدة ولايتها في هذا الخصوص، الأمر الذي يترتب عليه بطلان الحكم المطعون فيه.
وحيث إن النعي في وجهه الأول غير مقبول ذلك بأن البطلان الناشئ عن عدم مراعاة أحكام المادة 133 من قانون المرافعات فيما أوجبته من إعلان تعجيل الخصومة بعد انقطاعها حتى تستأنف الدعوى سيرها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو بطلان نسبي قرره القانون لمن شرع الانقطاع لحمايتهم وهم ورثة المتوفى الذين لم يختصموا عند تعجيل الدعوى، فلهؤلاء وحدهم التمسك بهذا البطلان ومن ثم لا يجوز للطاعنين، وقد تم إعلانهما بتعجيل الاستئناف إعلاناً صحيحاً، أن يتمسكا به ومردود في وجهه الثاني بأن الحكم بانقطاع سير الخصومة في الدعوى لا يعدو أن يكون قراراً تصدره المحكمة بما لها من سلطة ولائية في مراقبة إجراءات التقاضي وليس قضاء في الحق محل المنازعة حتى يكسب الخصم ما يصح له التمسك به بل إن العدول عنه جائز متى تبين للمحكمة التي أصدرته أنه صدر على خلاف الواقع، ومن ثم فلا تثريب على محكمة الاستئناف إن هي نظرت الدعوى دون اختصام ورثة... بعد أن تبين لها أنها توفيت قبل وفاة والدتها.
وحيث إن الطاعنين تنعيان بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون والقصور في التسبيب من وجهين حاصل أولهما أن الحكم المطعون فيه خالف قواعد الإثبات وقلب عبأه إذ كلفهما بإثبات وضع يدهما المدة الطويلة المكسبة للملكية، رغم أن الثابت من الأوراق، ومن تقرير الخبير أنهما هما واضعتا اليد على أرض النزاع، وأقامتا عليها بناء، وصريح نص المادة 964 من القانون المدني يعتبر من كان حائزاً للحق صاحبه حتى يقدم الدليل على العكس فجاء الحكم مخالفاً للقانون وحاصل الوجه الثاني أن الحكم لم يعتمد في إثبات تبعية الأرض موضوع النزاع لجهة الوقف على تطبيق حجة الوقف أو أية مستندات رسمية أخرى، بل أقام قضاءه في ذلك على تقرير الخبير وما استند إليه من محاضر إدارية فجاء قاصر البيان.
وحيث إن هذا النعي في شقه الأول غير مقبول ذلك أن الثابت من الأوراق أن الطاعنة الأولى ومورثة الطاعنة الثانية ارتضيا الحكم الذي أصدرته محكمة الاستئناف في 7/ 11/ 1967 بإحالة الدعوى إلى التحقيق ونفذتاه بتقديم شاهدهما ولم تعترضا عليه حتى صدر الحكم المطعون فيه ولما كانت قواعد الإثبات، ومنها ما يتعلق بمن يكلف به، ليست مع النظام العام ويجوز الاتفاق على مخالفتها صراحة أو ضمناً، فإنه لا يجوز إثارة هذا النعي لأول مرة أمام محكمة النقض ومردود في شقه الثاني بأن الحكم المطعون فيه قد انتهى في حدود سلطة محكمة الموضوع التقديرية واستناداً إلى الأسباب السائغة التي أوردها إلى أن الأرض موضوع النزاع من بين أعيان وقف....... الذي آل إلى مستحقيه، ومنهم المطعون ضدها، التي اختصت بهذه القطعة بموجب حكم القسمة المسجل في 20/ 1/ 1953 برقم 339 ولا يعيبه أنه استند في ذلك إلى تقرير الخبير الذي عاين هذه الأعيان وطابق المستندات التي قدمت له على الطبيعة، وإلى ما استخلصه من أقوال الشهود من أن وضع يد مورثي الطاعنتين لم يكن بنية الملك بل كان بطريق التحكير، وسكت عن ذكر تطبيق حجة الوقف طالما أنهما لم تنعيا على الحكم أنه لو فعل لتغير وجه الرأي في الدعوى وما دام أن للأدلة التي استند إليها أصلها الثابت بالأوراق، ومن شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها.
وحيث إن الطاعنتين تنعيان بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك تقولان إن المحكمة الاستئنافية انتهت في حكمها الصادر بتاريخ 7/ 11/ 1967 بإحالة الدعوى إلى التحقيق إلى أن نفى نية الملك لدى الطاعنين استند إلى أسباب تنقض عن حد الكفاية، فرفضت بذلك ما انتهت إليه محكمة أول درجة من وجود علاقة تحكير بين الطرفين ثم عادت في حكمها المطعون فيه، بعد أن استنفدت ولايتها في هذا الشأن، وقضت بوجود علاقة تحكير مخالفة بذلك قضاءها السابق الذي حاز حجية الأمر المقضي.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن الحجية لا تلحق بأسباب الحكم إلا ما كان منها مرتبطاً بمنطوقه ارتباطاً وثيقاً وفيما فصل فيه الحكم بصفة صريحة أو ضمنية حتمية وأما لم تنظر فيه المحكمة فلا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضي والبين من الحكم الذي أصدرته محكمة الاستئناف في 7/ 11/ 1967 بإحالة الدعوى إلى التحقيق أنه وقف عند حد إيراد القاعدة القانونية التي تقضي بجواز إثبات وضع اليد المكسب للملكية بشرائطه القانونية بالبينة وقال إن "دعامة الحكم الابتدائي في نفي نية التملك بالنسبة للمستأنفتين في وضع يدهما على العين أساسها الأخذ بتقرير الخبير الذي بني رأيه في ذلك على إبدائهما أقوالاً أمامه، وعدم تقديمهما مستندات وهذه الأسباب تنقص عن حد الكفاية في هذا الخصوص" فهو لم يتضمن فصلاً في الموضوع أو في شق منه وإنما وصف أسباب رأي أبداه الخبير بأنها دون حد الكفاية ثم أسست المحكمة قضاءها المطعون فيه على ما استخلصته من أقوال الشهود وما انتهى إليه الخبير، مما لا يصح معه القول بأنها خالفت حجية قضائها السابق.
وحيث إن حاصل السبب الرابع أن الحكم المطعون فيه جاء معيباً بالفساد في الاستدلال وذلك من ثلاثة وجوه، أولها أنه استدل على قيام علاقة التحكير بين الطرفين بما جاء بتقرير الخبير في حين أن هذا التقرير إنما نفى نية التملك لدى الطاعنتين لثبوت تبعية أرض النزع لوقف..... وأنها آلت إلى المطعون ضدها أخيراً بحكم القسمة ولم يشر إلى قيام أو نفي علاقة التحكير بالنسبة للطاعنتين وحاصل الوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه استدل على قيام علاقة التحكير بما استخلصه من أقول شاهد واحد مخالفاً بذلك أحكام الشريعة الإسلامية الواجبة التطبيق في هذا الشأن والتي لا تجيز إثبات الحكم إلا بالكتابة وحاصل الوجه الثالث أن الحكم المطعون فيه قد أهدر أقوال شهود الطاعنتين الأربعة وأخذ بأقوال شاهد النفي الوحيد الذي اختلق واقعة الحكم، في حين إن أقوال شهودهما قطعت بوضع يدهما ويد مورثهما من قبل على الأرض فقد أجمعوا على أن والدهما بنى المنزل عليها قبل ثورة 1919 ولم ينازعه أحد في ملكية الأرض والبناء.
وحيث إن هذا النعي في وجهه الأول غير مقبول ذلك بأنه لا يصادف محلاً من قضاء الحكم المطعون فيه ولم يستدل على أن الأرض موضوع النزاع محكرة بما ورد في تقرير الخبير وإنما استخلص تلك الحقيقة - على ما يبين من مدوناته - من التحقيق الذي أجرته المحكمة والتفت نتيجته مع ما انتهى إليه ذلك التقرير من أن المطعون عليها على حق فيما تدعيه من ملكية الأرض، وهو في وجهه الثاني غير صحيح ذلك أن علاقة الحكر التي استخلصها الحكم من أقوال شاهد المطعون ضدها واستدل بها على أن وضع يد مورث الطاعنتين الأولى والثانية قد تجرد من نية التملك نشأت قبل العمل بالقانون المدني القائم ومن ثم يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات، فالحكر لم يكن من المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية والوقف، التي تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية، كما أن المقصود بمسائل الوقف في هذا الخصوص هو ما تعلق بإنشاء الوقف أو بصحته أو بالاستحقاق فيه أو بتفسير شروطه أو بالولاية عليه أو بحصوله في مرض الموت، لما كان ذلك، وكان مدار البحث في الحكم المطعون فيه مجرد استظهار نية مورثي الطاعنتين عند بداية الحيازة لتبين قيام سبب آخر لها يمنع من قيام نية التملك، فلا تثريب على المحكمة إن هي استدلت على قيام رابطة تحكير تحول دون قيام هذه النية حتى ولو لم يستوف عقد الحكر شروطه الشكلية أو الموضوعية أو شروط صحته ونفاذه والنعي في وجهه الثالث غير مقبول ذلك أن من المقرر أن تقدير أقوال الشهود مرهون بما يطمئن إليه وجدان قاضي الموضوع الذي لا سلطان لأحد عليه ما دام لم يخرج بهذه الأقوال إلى ما لا يؤدي إليه مدلولها، كما أنه من المقرر أنه لا إلزام عليه في بيان أسباب ترجيحه لما اطمأن إليه من أقوال وإطراحه لسواها لما كان ذلك وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه حصل أقوال شهود الطرفين تحصيلاً يتفق ومضمونها ثم استخلص منها أن شهود الطاعنتين لم يثبت من أقوالهم شيء مما كلفتا بإثباته، بينما دلت أقوال شاهد النفي على أن مورث الطاعنتين كان مستحكراً لأرض النزاع وكان يسدد له هو إيجارها باعتباره كاتباً للوقف، فإن الجدل في هذا الشأن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة القاضي التقديرية مما لا يقبل أمام هذه المحكمة.
وحيث عن الطاعنتين تنعيان على الحكم المطعون فيه بالسبب الخامس الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقولان إن الحكم أخطأ إذ طبق المادة السابعة من المرسوم بقانون 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات والتي تنص على أن يعتبر منتهياً بسبب زوال صفة الوقف، كل حكر كان مرتباً على أرض انتهى وقفها، وفقاً لأحكام هذا القانون وفي هذه الحالة تتبع الأحكام المقررة في المواد 1008 وما بعدها من القانون المدني كما خانها التوفيق بتطبيق نص المادة 110 من هذا القانون إذ أن وضع يد الطاعنتين ومورثهما من قبلهما لم يكن بطريق التحكير وكان يتعين تطبيق المادة 925 من القانون المدني باعتبار إن مورث الطاعنتين أقام بمواد من عنده منشآت على الأرض معتقداً بحسن نية أن له الحق في إقامتها فلا يجوز القضاء بالإزالة وإما يخير مالك الأرض بين أن يدفع قيمة المواد وأجرة العمل أو أن يدفع مبلغاً يساوي ما زاد في ثمن الأرض بسبب هذه المنشآت.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح ذلك أنه وقد انتهى الحكم المطعون فيه بأسباب سائغة، على ما سلف البيان، إلى أن الطاعنتين ومورثيهما من قبل كانوا يضعون اليد على أرض النزاع بطريق التحكير، ولم يكن بنية التملك، فإنه بصدور القانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات زالت عن أرض النزاع صفة الوقف وكل حكر كان مترتباً عليها، ويكون الحكم المطعون فيه إذ أعمل في شأن النزاع أحكام المواد 1008 من القانون المدني وما بعدها قد التزم صحيح القانون.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن في غير محله ويتعين رفضه.