أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة 27 - صـ 1352

جلسة 14 من يونيه سنة 1976

برياسة السيد المستشار/ أحمد فتحي مرسي، وعضوية السادة المستشارين: محمد صالح أبو رأس، وحافظ رفقي، وعبد اللطيف المراغي، وجميل الزيني.

(257)
الطعنان رقما 188، 193 لسنة 42 القضائية

(1) تقادم "تقادم مسقط". مسئولية. نقل.
المفاوضات بين الناقل والمرسل إليه لتسوية النزاع. صلاحيتها سبباً لوقف تقادم دعوى المسئولية عن تلف البضاعة. شرطه. عدم صلاحيتها سبباً لقطع التقادم.
(2) تعويض. فوائد.
سريان فوائد التأخير من تاريخ المطالبة القضائية. شرطه. التعويض المستند إلى أسس ثابتة باتفاق الطرفين بحيث لا يكون للقضاء سلطة رحبة في تقديره. اعتباره معلوم المقدار وقت الطلب ولو نازع المدين في مقداره.
1 - المفاوضات التي تدور بين الناقل والمرسل إليه بشأن تسوية النزاع بينهما حول المسئولية عن تلف البضاعة، وإن كانت تصلح سبباً لوقف تقادم دعوى المسئولية المنصوص عليه في المادة 104 من القانون التجاري متى كان يستفاد منها قيام المانع من المطالبة إلا أنها لا تصلح سبباً لقطع التقادم، إذ لا ينقطع التقادم إلا بالأسباب الواردة في المادتين 383، 384 من القانون المدني، وليس من بينها المفاوضات بين الدائن والمدين.
2 - المقصود يكون المبلغ محل الالتزام معلوم المقدار وقت الطلب كشرط لسريان فوائد التأخير من تاريخ المطالبة القضائية وفقاً لنص المادة 226 من القانون المدني هو ألا يكون المبلغ المطالب به تعويضاً خاضعاً في تحديده لمطلق تقدير القضاء، أما حيث يكون التعويض مستنداً إلى أسس ثابتة باتفاق الطرفين بحيث لا يكون للقضاء سلطة رحبة في التقدير، فإنه يكون معلوم المقدار وقت الطلب ولو نازع المدين في مقداره، إذ ليس من شأن منازعة المدين إطلاق يد القضاء في التقدير بل تظل سلطته التقديرية محدودة النطاق ومقصورة على حسم النزاع في حدود الأسس المتفق عليها وإذ كان عقد التأمين الذي استند إليه الطرفان قد تضمن التزام شركات التأمين بالتعويض على أساس القيمة المؤمن بها أو الأسعار الرسمية أو السوقية بجهة التصدير - إذا لم تكن هناك تسعيرة رسمية - أيهما أقل، وكان الحكمان الابتدائي والمطعون فيه قد التزما هذه الأسس كما التزمها الخبير المنتدب في تقدير التعويض فقدره على أساس أقل الأسعار السوقية فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بسريان الفوائد التأخيرية من تاريخ الحكم استناداً إلى أن التعويض المطالب به غير خال من النزاع مقدماً، وغير محدد المقدار، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهم الثلاثة الأول في الطعن رقم 188 سنة 42 ق (أولاد المرحوم.......) أقاموا الدعوى رقم 75 سنة 1966 تجاري كلي القاهرة ضد ممثلي مجموعة شركات تأمين نقل البضائع (الطاعنين في الطعن رقم 188 سنة 32 ق) وللهيئة العامة للسكك الحديدية طالبين القضاء بإلزامهم متضامنين بأن يؤدوا لهم مبلغ 11314 جنيهاً و210 مليمات والفوائد بواقع 5% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد. وأسسوا دعواهم على أنهم يعملون بتجارة الخضروات بالإسكندرية ويستوردون شحنات من الطماطم من محافظات أسوان وقنا وسوهاج وينقلونها بالقطارات في ظل نظام للتأمين الجبري أعدته هيئة السكك الحديدية من مقتضاه أن تدفع شركات التأمين المؤمن لديها قيمة الثمار التي تتلف في حالة تأخر النقل بعد معاينتها بواسطة مندوبها وقد حدث في موسم 65 أن كانت القطارات تصل متأخرة عن موعدها مما ترتب عليه تلف جزء كبير من شحنات الطماطم ثم إثبات حالتها في محضر حرره مندوب شركات التأمين، وبلغت قيمتها 11314 جنيهاً و210 مليمات. وإذ امتنعت شركات التأمين وهيئة السكك الحديدية عن دفع هذه القيمة فقد أقاموا دعواهم بطلباتهم السالفة. دفعت مجموعة شركات التأمين وهيئة السكك الحديدية الدعوى بعدم قبولها استناداً للمادة 99 من القانون التجاري ولوجود شرط التحكيم. كما دفعت بسقوط الحق في إقامة الدعوى استناداً للمادة 104 من القانون التجاري. وفي 2/ 2/ 1967 قضت محكمة الدرجة الأولى برفض جميع الدفوع وبإلزام شركات التأمين متضامنة مع هيئة السكك الحديدية بدفع مبلغ 11314 جنيهاً و210 مليمات إلى المطعون ضدهم الثلاثة الأول..... والفوائد بواقع 5% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام الوفاء. استأنفت مجموعة شركات التأمين وهيئة السكك الحديدية هذا الحكم بالاستئنافين رقمي 187، 192 سنة 84 ق. ومحكمة استئناف القاهرة قضت في 31/ 3/ 1970 بندب خبير لبيان مقادير الطماطم التالفة وثمنها طبقاً للمستندات المقدمة من أطراف النزاع. وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت في 7/ 3/ 1972 في موضوع الاستئنافين بتعديل الحكم المستأنف إلى إلزام شركة التأمين وهيئة السكك الحديدية بأن تدفع للمطعون ضدهم الثلاثة الأول مبلغ 8263 جنيهاً و823 مليماً والفوائد بواقع 5% من تاريخ الحكم حتى السداد. طعنت مجموعة شركات التأمين في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 188 سنة 42 ق. كما طعن المطعون ضدهم الثلاثة الأول...... في ذات الحكم بالطعن رقم 193 سنة 42 ق. وأبدت النيابة العامة رأيها في كل من الطعنين بنقض الحكم المطعون فيه. وعرض الطعنان على المحكمة في غرفة مشورة، فحددت جلسة لنظرهما. وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن المحكمة قررت ضم الطعنين لنظرهما معاً وليصدر فيهما حكم واحد.
وحيث إن كلاً من الطعنين قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن مما تنعاه الشركات الطاعنة بالطعن رقم 188 سنة 42 على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه. وفي بيان ذلك تقول إنها دفعت بتقادم حق المطعون ضدهم الثلاثة الأول في رفع الدعوى عملاً بالمادة 104 من القانون التجاري لإقامتها بعد مضي أكثر من 180 يوماً على استلام البضاعة. ولكن الحكم المطعون فيه قضى برفض هذا الدفع استناداً إلى أن ثمة مفاوضات جرت بين المطعون ضدهم والهيئة العامة للسكك الحديدية وترتب عليها قطع هذا التقادم. وإذ كان المشرع قد حدد في المادتين 383، 384 من القانون المدني أسباب انقطاع التقادم. وليس من بينها المفاوضات بين الطرفين، فإن الحكم المطعون فيه، إذ اعتد بهذه المفاوضات كسبب قاطع للتقادم، يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي في محله. ذلك أن المفاوضات التي تدور بين الناقل والمرسل إليه بشأن تسوية النزاع بينهما حول المسئولية عن تلف البضاعة، وإن كانت تصلح سبباً لوقف تقادم دعوى المسئولية المنصوص عليه في المادة 104 من القانون التجاري متى كان يستفاد منها قيام المانع من المطالبة، إلا أنها لا تصلح سبباً لقطع التقادم، إذ لا ينقطع التقادم إلا بالأسباب الواردة في المادتين 383، 384 من القانون المدني، وليس من بينها المفاوضات بين الدائن والمدين. وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى اعتبار المفاوضات بين المطعون ضدهم الثلاثة الأول وهيئة السكك الحديدية (الناقلة) من أسباب قطع التقادم، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. وقد ترتب على هذا الخطأ أن حجبت المحكمة نفسها عن بحث أثر هذه المفاوضات بالنسبة لوقف التقادم واستظهار شروطه ومدته وما يترتب عليه من آثار، بما يعيب الحكم المطعون فيه ويوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي الأسباب.
ومن حيث إن الطعن رقم 193 سنة 42 أقيم على سببين، ينعى الطاعنون بالأول منها على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق. وفي بيان ذلك يقولون إن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى تخفيض المبلغ المحكوم به ابتدائياً بمقدار الربع بمقولة إن ثمار الطماطم التالفة قد تصلح للتصرف فيها لأغراض أخرى غير الاستهلاك الآدمي، وأن الطاعنين قد تصرفوا فيها بالفعل بدليل عدم إثباتهم أنهم أعدموها كلياً أو جزئياً وهو ما ينطوي على مخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال. إذ الثابت من محاضر إثبات الحالة الموقع عليها من مندوبي الشركات المطعون ضدها أن التالف وصف بأنه متعفن وأن حالته هذه روعيت في تحديد نسبة التالف باتفاق الطرفين وأنه لو كان للتالف قيمة لخفضت هذه النسبة. كما أنه لم يثبت من الأوراق أن الطاعنين قد تسلموا الطماطم التالفة. كما أن قول الحكم إن الطاعنين قد تصرفوا في الطماطم التالفة وأفادوا منها بدليل أنهم لم يثبتوا أنهم أعدموها فمشوب بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي في محله. ذلك أنه لما كان الثابت من محاضر إثبات حالة الطماطم موضوع الدعوى الموقع عليها من مندوبي شركات التأمين المطعون ضدها وهيئة السكك الحديدية والطاعنين، والتي كانت تحت بصر محكمة الموضوع، أنها قدرت التالف بنسبة مئوية من مشمول كل رسالة، ولم يرد بها أن لهذا التالف قيمة معينة وكان الحكم المطعون فيه قد استبعد ربع المبلغ المحكوم به ابتدائياً على أساس افتراض أن الطماطم التالفة ليس قيمة دون سند من الأوراق، وأنها، وإن كانت لا تصلح للاستهلاك الآدمي، إلا أنها قد تصلح لأغراض أخرى، وأن الطاعنين تصرفوا فيها بالفعل بدليل عدم إثباتهم إعدامها كلياً أو جزئياً، فإنه يكون مشوباً بمخالفة الثابت في الأوراق فضلاً عن الفساد في الاستخلاص، ذلك أن عدم إثبات إعدام ثمار الطماطم التالفة لا يؤدي عقلاً وبطريق اللزوم إلى أن لهذه الثمار قيمة، وأن الطاعنين قد تصرفوا فيها بالفعل وأفادوا من قيمتها. مما يعيب الحكم المطعون فيه ويوجب نقضه.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون. وفي بيان ذلك يقولون إن الحكم المطعون فيه قضى بسريان الفوائد القانونية بواقع 5% من تاريخ صدوره لا من تاريخ المطالبة الرسمية - استناداً إلى القول بأن المبلغ المطالب به غير خال من النزاع مقدماً وغير محدد المقدار. وهو من الحكم خطأ في القانون. ذلك أن المبلغ المطالب محدد المقدار ويستند تقديره إلى أسس ثابتة اتفق عليها الطرفان مقدماً في عقد التأمين. كما أن المادة 226 من القانون المدني لم تشترط لسريان فوائد التأخير من يوم المطالبة الرسمية أن يكون المبلغ المطالب به خالياً من النزاع.
وحيث إن هذا النعي في محله. ذلك أن المقصود يكون المبلغ محل الالتزام معلوم المقدار وقت الطلب كشرط لسريان فوائد التأخير من تاريخ المطالبة به القضائية وفقاً لنص المادة 226 من القانون المدني، هو ألا يكون المبلغ المطالب به تعويضات خاضعة في تحديده لمطلق تقدير القضاء، أما حيث يكون تحديد التعويض مستنداً إلى أسس ثابتة باتفاق الطرفين بحيث لا يكون معها للقضاء سلطة رحبة في التقدير، فإنه يكون معلوم المقدار وقت الطلب ولو نازع المدين في مقداره، إذ ليس من شأن منازعة المدين إطلاق يد القضاء في التقدير، بل تظل سلطته التقديرية محددة النطاق، ومقصورة على حسم النزاع في حدود الأسس المتفق عليها. لما كان ذلك، وكان عقد التأمين الذي استند إليه الطرفان، قد تضمن التزام شركات التأمين بالتعويض على أساس القيمة المؤمن بها، أو الأسعار الرسمية أو السوقية بجهة التصدير - إذا لم تكن هناك تسعيرة رسمية - أيهما أقل، كان الحكمان الابتدائي والمطعون فيه قد التزما هذه الأسس، كما التزمها الخبير المنتدب في تقدير التعويض، فقدره على أساس أقل الأسعار السوقية، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بسريان الفوائد التأخيرية من تاريخ الحكم استناداً إلى أن التعويض المطالب به غير خال من النزاع مقدماً وغير محدد المقدار، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه.