مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة بين 7 نوفمبر سنة 1932 وبين 26 أكتوبر سنة 1936) - صـ 534

جلسة 6 يناير سنة 1936

برياسة حضرة مصطفى محمد بك وحضور حضرات زكي برزي بك وأحمد أمين بك وعبد الفتاح السيد بك ومحمود سامي بك.

(425)
القضية رقم 385 سنة 6 القضائية

هتك عرض. ركن القوّة. استخلاصه من وقائع الدعوى وأقوال الشهود. جوازه.
(المادة 231 ع)
للمحكمة أن تستخلص من الوقائع التي شملها التحقيق ومن أقوال الشهود حصول الإكراه المادّي والأدبي على المجني عليها في جريمة هتك العرض.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن حاز شكله القانوني.
ومن حيث إن محصل الوجه الأوّل والثاني من أوجه الطعن أن الإكراه كما جاء في وصف التهمة حصل من الطاعن بطريق تخدير المجني عليها ببخور كان يصعد على نار موقدة بحجرة مقفلة حتى تخدّرت أعصابها، لكن الطبيب الشرعي قرر باستحالة تصوّر الإكراه عن هذا الطريق، ومع ذلك فقد اعتمدت المحكمة في إثبات ركن الإكراه على حصول البخور وعلى أقوال الشهود مع أن هذه المسألة فنية المرجع فيها للطبيب الشرعي، وأن أقوال المجني عليها في التحقيقات وتصرفاتها تقطع بانعدام الإكراه. أما اعتماد المحكمة بعد ذلك على رأي الطبيب الشرعي بأن الإكراه قد يكون بالتأثير الشخصي فهو خروج على ما جاء بوصف التهمة الذي اقتصر على فعل البخور، ومع ذلك فلم تنبه المحكمة الدفاع إلى هذا النوع الجديد من طرق الإكراه. على أنها جاءت في آخر أسباب حكمها وقررت بأن الطاعن ارتكب جريمة هتك العرض بطريق الإكراه الناجم من وضع البخور في الموقد وهو ما نفاه الطبيب قطعياً. ويقول الطاعن إن في ذلك اضطراباً في أسباب الحكم يعيبه ويبطله، وفضلاً عن ذلك فإنه لم يقم دليل على أن الإكراه حصل بطريق التأثير الشخصي الذي افترضه الطبيب الشرعي.
ومن حيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أن الطاعن أفهم المجني عليها وزوجها أنه سيعالجها من العقم بالبخور والصلوات وأنه في يوم الواقعة اختلى بها في غرفة بعد أن كلف من كنّ معها بالخروج منها ثم وضع على النار بخوراً بكثرة زائدة أثرت على أعصابها فتخدّرت ثم أخذ يهتك عرضها بالكيفية المبينة بالحكم المذكور. وقد اعتبرت المحكمة أن ذلك حصل بطريق الإكراه وأنه مستفاد من شهادة شاهدتين شهدتا بأنهما رأتا المجني عليها وقت ارتكاب الجريمة وقد فقدت مقاومتها من شدّة البخور التي سببت لها دوخاناً عظيماً، ومن شهادة الطبيب الشرعي بأن رائحة البخور القوية قد تؤثر على بعض الأفراد فلا يتحملونها وقد يشعرون بدوار لا يصل لحدّ فقد الصواب. وقد أشارت المحكمة بعد ذلك إلى ما قاله الطبيب الشرعي من احتمال تأثر المجني عليها مما علمته واعتقدته من مركز الطاعن الذي جمع بين الرجل الديني والروحاني والطبيب والإنسان ففقدت قوّة مقاومتها لرغائبه وأعماله، واستخلصت من كل ما تقدّم أن هتك العرض الذي وقع من الطاعن بغير رضاء المجني عليها.
ومن حيث إنه يفهم مما تقدّم أن أسباب الحكم المطعون فيه دالة على أن المحكمة استخلصت من وقائع الدعوى وشهادة الطبيب الشرعي أن القوّة التي وقعت من الطاعن على المجني عليها كانت مادة وأدبية وكان من شأنها سلب رضا المجني عليها فليس في ذلك تناقض في الحكم خلافاً لما يدّعيه الطاعن لأنه لا مانع عقلاً من أن تحصل القوّة بالطريق المادّي والأدبي معاً، وليس في ذلك مخالفة للقانون. كما أنه ليس بصحيح أن لا دليل في الحكم على أن الإكراه حصل بطريق التأثير الأدبي لأن الحكم استنتجه من أقوال الطبيب الشرعي وشهادة الشهود. وليس للطاعن الاعتراض على ما أسندته إليه المحكمة من أنه استعمل القوّة الأدبية في ارتكاب الجريمة بدعوى أن هذه القوّة لم ترد في وصف التهمة ولأن المحكمة لم تلفت الدفاع إلى ذلك لأن الحكم المطعون فيه استنتج هذه القوّة الأدبية من وقائع شملها التحقيق وقد كانت موضع الدفاع ومدار بحثه كما تبين من محضر الجلسة.
أما ما يدّعيه الطاعن من أن الطبيب الشرعي قرر باستحالة وقوع القوّة بواسطة البخور فإن الثابت في الحكم أنه قرر بإمكان حصول دوار للمجني عليها من البخور الشديد فاستخلصت المحكمة من ذلك ومما شهد به الشهود أن هذا الدوار ولو أنه لم يصل لحدّ فقد الصواب كان من شأنه فقدان قوّة مقاومة المجني عليها وسلب رضاها، وهذا الاستخلاص هو من اختصاص محكمة الموضوع من غير أن يكون عليها رقيب في ذلك، كما أنه لا جناح عليها في الاستدلال بشهادة الشهود على وقوع القوّة لأنه حق خوّله القانون إياها.