أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة 26 - صـ 140

جلسة 8 من يناير سنة 1975

برياسة السيد المستشار سليم راشد أبو زيد نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: مصطفى الفقي، ومحمد صالح أبو راس، ومحمد محمد المهدي، ومحمد البنداري العشري.

(36)
الطعن رقم 128 لسنة 40 القضائية

(1، 2) ارتفاق "الارتفاق بتخصيص المالك الأصلي". ملكية.
( أ ) الارتفاق بتخصيص المالك الأصلي. وقت نشوئه. عند صيرورة العقارين مملوكين لمالكين مختلفين. أن يكون لازماً لزوماً حتمياً للعقار المخدوم.
(2) استخلاص الحكم من إقامة المالك لمنزلين وترك أرضاً فضاء محصورة بينهما تقع عليها مطلات أن المالك خصص تلك الأرض لمنفعة المنزلين مما يدل على وجود حق ارتفاق لو أن العقارين كانا مملوكين لملاك مختلفين. لا خطأ.
(3) ارتفاق "الارتفاق بتخصيص المالك الأصلي". حكم "التسبيب الكافي".
تأسيس الحكم قضاءه على ثبوت ترتيب حق الارتفاق بتخصيص الملك الأصلي في سنة 1943. عدم رده على ما أثاره الطاعن من أن فتح المطلات قبل هذا التاريخ كان من قبيل التسامح. لا عيب.
(4) نقض "السبب الجديد". ارتفاق.
عدم تمسك الطاعن أمام محكمة الموضوع بإعمال حكم المادة 1029 مدني. بأن حق الارتفاق فقد منفعته. سبب جديد. غير مقبول. إثارة هذا الدفاع أمام محكمة النقض.
(5) إثبات. "القرائن". محكمة الموضوع نقض "السبب المتعلق بالواقع".
استخلاص القرائن والأخذ بقرينة دون غيرها. دخوله في سلطة محكمة الموضوع التقديرية بغير معقب من محكمة النقض متى كان استخلاصها سائغاً.
(6) ارتفاق.
التوقيع على عقد البيع كشاهد. إيراد العقد أن النص في عقد شراء سلف الطاعن على أن العقار خال من أي حق من حقوق الارتفاق. توقيع سلف المطعون ضده مدعي حق الارتفاق على العقار المبيع - كشاهد على ذلك العقد. عدم إفادته التنازل الصريح عن حق الارتفاق. قول الحكم إن عدم اعتراض سلف المطعون ضده على تعدي الطاعن لا يسقط حقه، ونفيه بذلك التنازل الضمني عن حق الارتفاق. لا خطأ.
1 - حق الارتفاق بتخصيص المالك الأصلي - وعلى ما يستفاد من نص المادة 1017 من القانون المدني - لا ينشأ في وقت تملك المالك الأصلي للعقارين. وجعله أحدهما يخدم الآخر. وإقامته بينهما علامة ظاهرة من شأنها أن تنشئ علاقة تبعية بينهما، وإنما ينشأ هذا الحق من وقت أن يصبح العقاران مملوكين لمالكين مختلفين مع بقائهما على هذا الوضع، إذ في استيفاء المالكين لهذا الوضع ما يدل على أنهما أرادا أن يبرز حق الارتفاق إلى الوجود. وقد كان كامناً ويعطله عن الظهور أن العقارين مملوكان لمالك واحد، أما وقد أصبحا مملوكين لمالكين مختلفين فلم يعد هناك ما يمنع من ظهوره، ولا يشترط لنشوئه أن يكون لازماً لزوماً حتمياً للعقار المخدوم.
2 - متى كان الحكم المطعون فيه قد استخلص من أوراق الدعوى أن والد المطعون ضده باعتباره مالكاً أصلياً قد أقام المنزلين، وترك أرضاً فضاء منحصرة بينهما محدودة بمبانيهما ومباني الغير، ولا توجد وسيلة للوصول إليها إلا من داخل هذين المنزلين، وأنه ثبت من معاينة الخبير وجود مطلات بمنزل المطعون ضده على تلك الأرض فيكون المالك قد خصص تلك الأرض لمنفعة هذين المنزلين لمنفعة وأنشأ بها علاقة تبعية بينهما تدل على وجود حق ارتفاق لو أن العقارين كانا مملوكين لملاك مختلفين وهو استخلاص سائغ ومقبول، فإنه يكون قد طبق القانون على وجهه الصحيح، ولا يغير من ذلك كون إنشاء منزل المطعون ضده وفتح المطلات فيه على الأرض المجاورة سابقاً على تملك والده لتلك الأرض وبنائه منزل الطاعن عليها. لأن فتح المطلات على الأرض في مذهب الحكم ليس هو العلامة الظاهرة التي أنشأ بها المالك الأصلي علاقة التبعية بين العقارين وإنما العلامة الظاهرة التي عناها الحكم هي ترك جزء من الأرض محصوراً بين المنزلين مع بقاء مطلات في منزل المطعون ضده تقع عليه وهذا الوضع تم في وقت تملك والد المطعون ضده للعقارين، وعندما اختلف الملاك بتصرف والد المطعون ضده في منزل الأخير استبقى المالكان ذلك الوضع فبرز حق الارتفاق.
3 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على ثبوت ترتيب حق الارتفاق بتخصيص المالك الأصلي في سنة 1943 فلا عليه إن هو لم يعرض لما أثاره الطاعن من أن فتح المطلات في الفترة بين سنة 1934 حتى سنة 1943 كان من قبيل التسامح بين الجيران، لأنه دفاع غير مؤثر على ما انتهى إليه الحكم.
4 - متى كان الطاعن قد نعى على الحكم المطعون فيه إنه لم يعمل حكم المادة 1029 من القانون المدني التي تجيز لمالك العقار المرتفق به أن يحرر عقاره من الارتفاق إذا فقد منفعته، أو لم تبق له غير منفعة محدودة لا تتناسب البتة مع العبء الواقع على العقار المرتفق به، وكانت أوراق الدعوى قد خلت مما يفيد أن الطاعن طلب ذلك من محكمة الموضوع حتى تحقق هذا الطلب، وتقضي فيه، وهي لا تملك أن تقضي به من تلقاء نفسها، فإن نعيه يكون غير مقبول.
5 - استخلاص القرائن مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع التقديرية بلا معقب عليها من محكمة النقض إذا كان استخلاصها سائغاً ومقبولاً، كما أن الأخذ بقرينة دون غيرها مما يدخل في سلطتها التامة في الموازنة بين الأدلة والترجيح بينهما.
6 - التنازل الصريح هو الذي يصدر من صاحبه في عبارة واضحة تدل على ذلك ولا تحتمل التأويل. وإذ كانت العبارة التي وردت في عقد شراء سلف الطاعن من أن العقار خال من أي حق من حقوق الارتفاق لم تصدر من سلف المطعون ضده - مدعي حق الارتفاق - وكل ما يمكن نسبته إلى ذلك السلف في هذا الصدد أنه وقع كشاهد على العقد المتضمن لها، دون إجازة صريحة لما ورد فيه، وهذا لا يعني أنه قد تنازل صراحة عن حق الارتفاق المقرر لمنزله على العقار موضوع العقد، وكان التنازل الضمني عن حق الارتفاق قد نفاه الحكم - بما له من سلطة تقديرية في استخلاص القرائن متى كان استخلاصه سائغاً - بما قاله من أن عدم اعتراض سلف المطعون ضده على تعدي الطاعن لا يسقط حقه، وأن ليس في الأوراق ما يفيد تنازله عن هذا الحق، وهو منه سائغ ومقبول، فإن النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون يكون على غير أساس.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم 614 لسنة 1967 مدني كلي القاهرة طالباً الحكم على الطاعن في مواجهة المطعون ضدهما الثاني والثالث بإزالة المباني المقامة على الأرض الواقعة خلف منزله من الجهة القبلية ورد أرض الشرفة (الفراندة) التي اغتصبها الطاعن وتكليفه بإعادتها على نفقته ثم أضاف إلى ذلك طلب الحكم بإلزام الطاعن بأن يدفع له تعويضاً قدره 200 ج مستنداً إلى أن والده كان يتملك العقارين - منزله ومنزل الطاعن - وقد ترك بينهما أرضاً فضاء لتكون منوراً وتصرف فيهما وهما على هذه الحال ولكن الطاعن هدم شرفة كانت في منزل المطعون ضده واغتصب أرضها وأقام عليها وعلى أرض المنور بناء مما ترتب عليه سد المنافذ والمطلات ومنع النور والهواء من الوصول إلى منزله، ومن ثم فقد أقام عليه الدعوى، وبتاريخ 18/ 5/ 1967 ندبت محكمة أول درجة خبيراً لتحقيق ما إذا كان الطاعن قد أقام مباني وتاريخ إنشائها وهل أقامها على أرض مملوكة له أم على أرض مملوكة للمطعون ضده، وبعد أن قدم الخبير تقريره وبتاريخ 21/ 3/ 1968 أعادت له محكمة أول درجة المأمورية لتحقيق ما إذا كانت الأرض التي شيد عليها البناء قد أعدت لتكون فاصلاً بين المنزلين أم لا، وبعد أن قدم الخبير تقريره التكميلي قضت محكمة أول درجة بتاريخ 23/ 1/ 1969 برفض الدعوى، فاستأنف المطعون ضده الحكم بالاستئناف رقم 441 لسنة 86 ق، وبتاريخ 28/ 12/ 1969 قضت محكمة استئناف القاهرة بإلغاء الحكم المستأنف وبإزالة المباني المقامة على الأرض الواقعة خلف منزل المطعون ضده من الجهة القبلية وبإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضده تعويضاً قدره 30 ج، طعن الطاعن على الحكم بطريق النقض، وقدمت نيابة النقض مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة المشورة حددت جلسة لنظره وفيها أصرت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سبعة أسباب ينعى الطاعن في الأسباب الأول والثاني والخامسة والسادس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وتبياناً لذلك يقول إن القانون يشترط لنشوء حق الارتفاق بتخصيص رب الأسرة أن يكون العقاران مملوكين لمالك واحد وقت نشوء حق الارتفاق حتى يمكن القول بأنه جعل أحد العقارين في وضع يخدم بالفعل العقار الآخر، كما يشترط أن يكون الارتفاق من اللزوم بحيث لولا اتحاد المالك لكان هناك ارتفاق قانوني مكان الارتفاق الفعلي، والثابت من وقائع الدعوى أن المالك الأصلي حين أقام منزل المطعون ضده وفتح فيه الطرقة والنافذة اللتين تطلان على الأرض المجاورة في سنة 1934 لم تكن الأرض المجاورة مملوكة له فلا يمكن القول بأنه خصصها لخدمة منزل المطعون ضده وإنما يكون عمله تعدياً على ملك الجار أو من قبيل التسامح بين الجيران والحيازة طبقاً للمادة 949 من القانون المدني لا تقوم على عمل يتحمله الغير على سبيل التسامح وقد كان فتح النافذة والطرقة في المدة من سنة 1934 حتى سنة 1943 تاريخ شرائه للأرض التي أقيم عليها منزل الطاعن على سبيل التسامح والثابت أن هذا المطل قد سد في سنة 1961 أي أنه لم تمض المدة القانونية لكسب هذا الحق من سنة 1943 حتى سنة 1961، وقد تمسك الطاعن بذلك أمام محكمة الاستئناف ولكن الحكم المطعون فيه انتهى إلى قيام حق الارتفاق بتخصيص المالك الأصلي مكتفياً في الرد على دفاعه بما قاله من أن المادة 1017 من القانون المدني لم تشترط ذلك بل أشارت فقط إلى حالة ما إذا أقام المالك لعقارين منفصلين علامة ظاهرة بينهم، وأنشأ علاقة تبعية بينهم، مما يدل على وجود حق ارتفاق لو أن العقارين كانا مملوكين لملاك مختلفين، فلم يتحقق الحكم من توافر الشرطين اللذين يتطلبهما القانون خاصة وأنه قد ثبت أن الأرض الفضاء لم تكن لازمة اللزوم الحتمي للانتفاع الكامل بالعقار المخدوم إذ جاء بتقرير الخبير أن البناء الذي أقامه الطاعن أمام فتحة الطرقة يقلل الضوء والهواء ولا يقدمهما لوجود منور داخلي في منزل المطعون ضده يمد دورة المياه والمطبخ الواقعين على الطرقة بالنور والهواء عن طريق نافذتين تطلان عليه، ومع التسليم بقيام حق المطل للطرقة فإنه كان على محكمة الاستئناف أن تعمل ما نصت عليه المادة 1029 من القانون المدني التي تجيز لمالك العقار المرتفق به أن يحرر عقاره من حق الارتفاق إذا فقد كل منفعة للعقار المرتفق أو أصبحت فائدته محدودة لا تتناسب البتة مع العبء الذي يلقيه على العقار المرتفق به، إذ بذلك تتحقق المصلحة، والثابت أن الأرض المجاورة كانت محدودة المنفعة بالنسبة لمنزل المطعون ضده إذ بعد أن سد المطل وزال حق الارتفاق أدى ذلك إلى قلة الضوء والهواء وهي منفعة محدودة لا تتناسب البتة مع العبء الذي يلقيه الارتفاق على العقار المرتفق به.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن حق الارتفاق بتخصيص المالك الأصلي وعلى ما يستفاد من نص المادة 1017 من القانون المدني لا ينشأ في وقت تملك المالك الأصلي للعقارين وجعله أحدهما يخدم الآخر وإقامته بينهما علامة ظاهرة من شأنها أن تنشئ علاقة تبعية بينهما، وإنما ينشأ هذا الحق من وقت أن يصبح العقاران مملوكين لمالكين مختلفين مع بقائهما على هذا الوضع، إذ في استيفاء المالكين لهذا الوضع ما يدل على أنهما أرادا أن يبرزا حق الارتفاق إلى الوجود وقد كان كامناً ويعطله عن الظهور أن العقارين مملوكان لمالك واحد، أما وقد أصبحا مملوكين لمالكين مختلفين فلم يعد هناك ما يمنع من ظهوره، ولا يشترط لنشوئه أن يكون لازماً لزوماً حتمياً للعقار المخدوم. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص من أوراق الدعوى أن والد المطعون ضده باعتباره مالكاً أصلياً قد أقام المنزلين وترك أرضاً فضاء منحصرة بينهما محدودة بمبانيها ومباني الغير ولا توجد وسيلة للوصول إليهما إلا من داخل هذين المنزلين وأنه ثبت من معاينة الخبير وجود مطلات بمنزل المطعون ضده على تلك الأرض، فيكون المالك قد خصص تلك الأرض لمنفعة هذين المنزلين وأنشأ بها علاقة تبعية بينهما تدل على وجود حق ارتفاق لو أن العقارين كانا مملوكين لملاك مختلفين وهو استخلاص سائغ ومقبول، فإنه يكون قد طبق القانون على وجهه الصحيح ولا يغير من ذلك كون إنشاء منزل المطعون ضده وفتح المطلات فيه على الأرض المجاورة سابقاً على تملك والده لتلك الأرض وبنائه منزل الطاعن عليها لأن فتح المطلات على الأرض في مذهب الحكم ليس هو العلامة الظاهرة التي أنشأ المالك الأصلي علاقة التبعية بين العقارين وإنما العلامة التي عناها الحكم هي ترك جزء من الأرض محصوراً بين المنزلين مع بقاء مطلات منزل المطعون ضده تقع عليه، وهذا الوضع تم في سنة 1943 في وقت تملك والد المطعون ضده للعقارين، وعندما اختلف الملاك في سنة 1952 بتصرف والد المطعون ضده في منزل الأخير استبقى المالكان ذلك الوضع فبرز حق الارتفاق. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على ثبوت ترتيب حق الارتفاق بتخصيص المالك الأصلي فلا عليه إن هو لم يعرض لما أثاره الطاعن من أن فتح المطلات في الفترة بين سنة 1934 حتى سنة 1943 كان من قبيل التسامح بين الجيران لأنه دفاع غير مؤثر على ما انتهى إليه الحكم.
وحيث إنه عن النعي على الحكم بأنه لم يعمل حكم المادة 1129 من القانون المدني التي تجيز لمالك العقار المرتفق به أن يحرر عقاره من الارتفاق إذا فقد منفعته أو لم تبق له غير منفعة محدودة لا تتناسب البتة مع العبء الواقع على العقار المرتفق به فإنه غير مقبول، ذلك أنه ليس في أوراق الدعوى ما يفيد أن الطاعن طلبه من محكمة الموضوع حتى تحقق هذا الطالب وتقضي فيه وهي لا تملك أن تقضي به من تلقاء نفسها.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم في السببين الثالث والرابع الخطأ في تطبيق القانون وتبياناً لذلك يقول إن الحكم قضى بإزالة جميع المباني بالرغم مما هو ثابت في تقرير الخبير المعين وتقرير الخبير الاستشاري من أن المالك الأصلي فتح نافذتين على المنور الخاص بمنزل المطعون ضده وأقام سوراً بينهما به الطرقة كما أقام سوراً فاصلاً بين المنزلين، وقد كان هذا قائماً عند شراء سلف المطعون ضده للمنزل فلما أقيم البناء محل النزاع في سنة 1961 لم يعترض عليه لأنه لا يخالف أمراً راعاه المالك الأصلي ولا يفوت عليه حقاً فهو لا يحجب الضوء والهواء عن الطرقة، وبذلك فإنه سلف المطعون ضده الذي لم ير له حقاً على الأرض المجاورة للطرقة من أرض الجار، لا يستطيع أن يملك خلفه أكثر مما يملك بالنسبة للطرقة، أما بالنسبة للنافذة فإن الطاعن قد ترك أمامها مسافة تزيد عن المقرر قانوناً، ومع ذلك فإن سلف المطعون ضده وقع كشاهد على عقد شراء سلف الطاعن في سنة 1953 الذي جاء فيه أن العقار المبيع خال من أي حق من حقوق الارتفاق دون تحفظ وتوقيع سلف المطعون ضده على العقد مع وجود تلك العبارة فيه يعتبر منه تنازلاً صريحاً عن حق الارتفاق، وفضلاً عن ذلك فإن سلف المطعون ضده وقد وجد سوراً مقاماً أمام الطرقة وسوراً آخر فاصلاً بين العقارين ومسافة تزيد عن المقرر قانوناً أمام النافذة فلم يعترض على البناء عند إقامته في سنة 1961 وسكت على ذلك حتى سنة 1966 وعدم اعتراضه وسكوته يعتبر منه تنازلاً ضمنياً عن حق الارتفاق، وقد تمسك الطاعن بذلك وأخذ به الحكم الابتدائي إلا أن الحكم المطعون فيه خالفه في ذلك بما ذهب إليه من أن ما وقع من سلف المطعون ضده لا يعتبر تنازلاً لأن حق الارتفاق لا يمكن التنازل عنه وهو خطأ من الحكم لأن حق الارتفاق يمكن التنازل عنه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن الحكم المطعون فيه قد استند في قيام حق الارتفاق بتخصيص المالك الأصلي إلى ما ثبت لديه من أن المالك الأصلي أقام علامة ظاهرة بين العقارين أنشأ بها علاقة تبعية بينهما تدل على وجود حق الارتفاق لو أن الملاك كانوا مختلفين وأنه عند اختلاف الملاك استبقوا هذا الوضع ولم يشترطوا صراحة ما يخالفه مستخلصاً ذلك استخلاصاً سائغاً من أوراق الدعوى ومرتباً عليه نشوء حق الارتفاق ورد على دفاع الطاعن بأن "هذا الحق لا يسقط إلا إذا تضمن عقد الشراء ما يفيد صراحة إنكار الارتفاق إعمالاً للفقرة الأخيرة من المادة 1017 من القانون المدني، ولما كان لم يثبت في عقد ملكية المستأنف عليه شرط صريح لنفي هذا الارتفاق فإنه لا يكون هناك محل للمجادلة في ثبوت هذا الحق، كما قال الحكم: "إن عدم اعتراض سلف المطعون ضده على تعدي الطاعن عليه بالبناء على الأرض المذكورة لا يسقط حقه طالما لم تمض المدة القانونية لسقوطه، وليس في الأوراق ما يفيد تنازله عن التمسك بهذا الحق الأمر الذي يبيح للمطعون ضده التمسك بهذا الحق"، وهذا الذي ذهب إليه الحكم مستخلصاً فيه القرائن التي أخذ بها مما هو ثابت في الأوراق استخلاصاً سائغاً ومعرضاً عن غيرها، يحقق غرض القانون: ذلك أن الفقرة الثانية من المادة 1017 من القانون المدني تنص على أن ترتيب حق الارتفاق بتخصيص المالك الأصلي يكون إذا تبين بأي طريق من طرق الإثبات أن مالك عقارين منفصلين قد أقام بينهما علامة ظاهرة فأنشأ بذلك علاقة تبعية بينهما من شأنها أن تدل على وجود ارتفاق لو أن العقارين كانا مملوكين لملاك مختلفين، وقد ثبت للحكم قيام تلك العلامة بشروطها القانونية على نحو ما جاء في الرد على الأسباب الأول والثاني والخامس والسادس، ولما كان الحكم قد استخلص القرائن الدالة على ذلك استخلاصاً سائغاً من أمور ثابتة في أوراق الدعوى، ورتب عليها حكم القانون الصحيح وأنزله على واقع الدعوى، فلا يقبل من الطاعن التحدي أمام محكمة النقض بأمور أخرى لها دلالات لم يستنبطها الحكم ولم يأخذ بها، إذ أن استخلاص القرائن مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع التقديرية بلا معقب عليها من محكمة النقض إذا كان استخلاصها سائغاً ومقبولاً كما أن الأخذ بقرينة دون غيرها مما يدخل في سلطتها التامة في الموازنة بين الأدلة والترجيح بينهم، وبذلك يكون الحكم قد انتهى صحيحاً إلى قيام حق الارتفاق خاصة وأن الطاعن لم يثبت أن التصرف الذي صار العقاران بمقتضاه مملوكين لملاك مختلفين وهو عقد شراء سلف المطعون ضده في سنة 1952 لمنزله قد تضمن شرطاً صريحاً يخالف ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من ثبوت قيام حق الارتفاق فذلك هو المعول عليه دون عقد شراء سلف الطاعن الذي تم في سنة 1935 ودون عقد الطاعن نفسه الذي تم في سنة 1957 بعد أن كان حق الارتفاق حقيقة واقعة منذ اختلاف الملاك في سنة 1952، فلا يجدي الطاعن النعي على الحكم فيما استخلصه من أنه لم يثبت في عقد ملكيته شرط صريح لنفي هذا الارتفاق لأن ذلك لم يكن لازماً لقضائه؛ أما تحدي الطاعن بالتنازل الصريح أو الضمني الذي نسبه لسلف المطعون ضده وأخذ به الحكم الابتدائي وخالفه فيه الحكم المطعون فيه فذلك مردود بأن العبارة التي وردت في عقد شراء سلف الطاعن من أن العقار خال من أي حق من حقوق الارتفاق، لم تصدر من سلف المطعون ضده وكل ما يمكن نسبته إلى ذلك السلف في هذا الصدد أنه وقع كشاهد على العقد المتضمن لهما دون إجازة صريحة لما ورد فيه وهذا لا يعني أنه قد تنازل صراحة عن حق الارتفاق المقرر لمنزله على العقار موضوع العقد: إذ التنازل الصريح هو الذي يصدر من صاحبه في عبارة واضحة تدل على ذلك ولا تحتمل التأويل ما ساقه الطاعن ليس كذلك. ومتى كان ذلك، وكان التنازل الضمني عن حق الارتفاق قد نفاه الحكم بما له من سلطة تقديرية في استخلاص القرائن متى كان استخلاصه لها سائغاً، بما قاله - من أن عدم اعتراض سلف المطعون ضده على تعدي الطاعن لا يسقط حقه وإنه ليس في الأوراق ما يفيد تنازله عن هذا الحق - وهذا الذي قاله الحكم سائغ ومعقول ومن ثم يكون نعي الطاعنة في السببين الثالث والرابع غير سديد.
وحيث إن الطاعن ينعى في السبب السابع على الحكم التناقض والفساد والقصور في التسبيب وتبياناً لذلك يقول إن الحكم قد انتهى إلى أن الطاعن لم يقم بهدم الشفة وأنه لا دليل على ذلك من الأوراق. ومع ذلك فإنه في معرض تسببه للتعويض الذي قضى به عليه ذهب إلى قيامه بهدم الشرفة التي كانت بمنزل المطعون ضده وبناء مطبخ مكانها فوقع في تناقض فضلاً عما تصمنه من قصور في الأسباب.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن الحكم المطعون فيه على ما هو واضح من أسبابه، فرق بين أمرين شرفة في منزل المطعون ضده الذي طلب رد أرضها والتعويض عن إزالته، وهذه نفى الحكم سبق وجودها وبتالي هدمها بما قاله - من أنه لم يثبت في الأوراق أنه كانت هناك على نهاية الطرقة بالدور الأرضي بمنزل المطعون ضده (المستأنف) أيه شرفة - وشرفة أخرى في منزل الطاعن نفسه وهي التي قال الحكم عنها في أسبابه - أن الطاعن تعدى على المطعون ضده بسد فتحة الطرقة القائمة بالدور الأرضي لمنزله وهدم الشرفة التي كانت بمنزل الطاعن (المستأنف عليه) وأقام بناء مطبخ مكانها بالبناء الذي أقامه على أرض النزاع مما ترتب عليه قلة الضوء والهواء وهو الضرر الذي عوض المطعون ضده عنه ومن ثم فإن التعارض الذي قال به الطاعن لا وجود له في أسباب الحكم لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يبين موضع الفساد والقصور في أسباب الحكم المطعون فيه غير ما تقدم فإن النعي في هذا السبب يكون غير مقبول.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعين الرفض.