مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة بين 7 نوفمبر سنة 1932 وبين 26 أكتوبر سنة 1936) - صـ 550

جلسة 24 فبراير سنة 1936

برياسة حضرة مصطفى محمد بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات زكي برزي بك وأحمد أمين بك وعبد الفتاح السيد بك ومحمود سامي بك.

(444)
القضية رقم 2146 سنة 5 القضائية

( أ ) قذف. حق القاذف في إثبات صحة ما قذف به. جواز الإثبات بكل الطرق. قرار إداري. الطعن عليه. تقدير المطاعن الموجهة إليه. حق المحكمة في مناقشة هذا القرار توصلاً للتثبت مما طعن به عليه مطلق.
(المادة 160ع المعدّلة بالمرسوم رقم 28 لسنة 1935)
(ب) شهادة. تأسيس الحكم على شهادة منقولة عن شخص مجهول لم يسمع. لا يجوز.
1 - إن القانون لم يقيد حق القاذف في إثبات ما قذف به بأي قيد، بل هو يبيح له إثبات وقائع القذف بكل الطرق القانونية. واتخاذ أي قرار إداري في أمر معين لا يمنع من إثبات أن هذا القرار لم تلاحظ فيه المصلحة العامة وأنه قصد به المحاباة وخدمة الأشخاص. وليست المحاكم مقيدة عند تقدير هذه القرارات في قضايا القذف بأن تأخذ بالاعتبارات أو التأويلات التي قد تدلي بها الجهة التي أصدرت تلك القرارات.
2 - لا يصح للمحكمة أن تؤسس حكمها على شهادة منقولة عن شخص مجهول لم تسمع أقواله.


الوقائع

اتهمت النيابة العمومية حفني محمود بك بأنه في المدة بين 12 نوفمبر سنة 1933 إلى 12 إبريل سنة 1934 الموافق 23 رجب سنة 1352 و27 ذي الحجة سنة 1352 بمدينة القاهرة ألف مقالات نشرها تباعاً في جريدة السياسة اليومية التي هو رئيس تحريرها والتي طبعت ووزعت على الجمهور، وفي هذه المقالات:
(أوّلاً) أهان وسب هيئة نظامية وهي مجلس الوزراء الحالي بأن نسب إليه كذباً وبسوء نية وابتغاء التشهير أنه يتستر على تصرفات مخالفة للقانون وقعت من بعض الموظفين، وأنه يحارب من يسعى في كشف هذه التصرفات، وأنه فيما يأمر بتأليفه من لجان لتحقيق بعض المسائل لا يقصد إظهار حقيقته، وإنما يبغى إشباع غايات شخصية وسياسية، وأن عهده سيئ غاية السوء والحرّيات فيه مقيدة بأغلال تأباها أبسط مبادئ العدل والقانون.
(ثانياً) نقد علناً أعمال الوزارة وتجاوز في ذلك حدّ النقد المباح باستعمال عبارات مؤذية وبذيئة كوصفه إياها بأنها لا تقدّر كرامة الحكم ولا مصلحة مصر، ونعته الوزراء بالقذارة والاحتقار إلى غير ذلك من العبارات اللاذعة.
(ثالثاً) قذف موظفاً عمومياً هو حضرة....... وزير الأشغال بسبب أداء وظيفته بأن أسند إليه كذباً وبسوء نية وابتغاء التشهير أموراً لو صحت لأوجبت احتقاره عند أهل وطنه وهي أنه لغرض غير مصلحة الدولة قد خالف الأصول الموضوعة للمناقصات العامة وقرر شراء أدوات وآلات كهربائية بلا مناقصة بمبلغ كبير من مقاول معروف محدود، ثم رأى أخيراً تصحيحاً لمركزه أن يستطلع رأي وزارة المالية ولكنها لم توافقه على هذا الإجراء، وأنه أيضاً أدلى في مجلس النواب ببيان عن خطوط الكهرباء في محطات الصرف والطلمبات كله سخافة وسفسطة مكشوفة ومغالطات أراد بها خداع الجمهور.
(رابعاً) قذف موظفاً عمومياً هو حضرة...... وزير الزراعة وذلك بسبب أداء وظيفته بأن أسند إليه كذباً وبسوء نية وابتغاء التشهير أموراً لو كانت صادقة لأوجبت احتقاره عند أهل وطنه، إذ نسب إليه الاستفادة من منصبه كوزير في عدم دفع الأموال الأميرية المتأخرة قبله منذ ثلاث سنوات وفي الاستئثار بنفسه بمنتجات وزارته بثمن بخس وحرمان الجمهور من هذه المنتجات ومحاباة بعض الأفراد في شراء صفقة قطن من الوزارة وإيثاره على غيره إضراراً بمصلحة الدولة.
(خامساً) قذف وسب: (1) موظفاً عمومياً هو حضرة....... وزير المواصلات حالاً والأشغال سابقاً بسبب أداء وظيفته. و(2) حضرة صاحب السعادة محمد أحمد عبود باشا بأن أسند إليهما كذباً وبسوء نية وابتغاء التشهير أموراً تضمنت الخدش بشرفهما واعتبارهما، ووقائع لو كانت صادقة لأوجبت عقابهما قانوناً واحتقارهما عند أهل وطنهما إذ رماهما بعدم النزاهة، ونسب إلى أوّلهما أنه استفاد من منصبه وأسرار وظيفته كوزير للمواصلات في شراء أرض له ولأهله بجهة المعادي المزمع كهربة الخط الحديدي الموصل إليها من القاهرة، وأن بينه وبين الثاني علاقات مريبة وغير نزيهة، وأنه بحكم هذه العلاقات تصرف في مصلحة الثاني تصرفات يأباها القانون ولا تتفق مع المصلحة العامة الموكول إليه المحافظة عليها وتكشف عن هوى ومحاباة وأغراض. وذلك بصدد العطاءات والمقاولات والأعمال التي قدّمت إليه والتي من واجبه الإشراف عليها وقت أن كان وزيراً للأشغال بشأن شركة السيارات العمومية المصرية (ثورنيكروفت) ومحطات الصرف والطلمبات وتعلية خزان أسوان وقناطر نجع حمادي وخزان جبل الأولياء وحفر وتطهير بعض الترع العمومية، كما نسب إلى ثانيهما أنه استغل علاقته وصلته بالأوّل في الاستفادة من أموال الدولة بغير حق في عدّة مناسبات. من ذلك أخذه مبلغ خمسة وسبعين ألفاً من الجنيهات تعويضاً عما ادعاه من خسارة موهومة، وأخذه سمسرة في عملية توريد الحدايد اللازمة لقناطر نجع حمادي. كما استفاد في عقد اتفاقات مع المقاولين المتقدّمين لمشروع تعلية خزان أسوان فائدة بعيدة عن الذمة والنزاهة، وأنه جرى على التأثير في رجال الأعمال خارج القطر بتلك الصلة ليشركوه معهم فيما يقومون به في مصر من مقاولات ومشروعات عامة كمشروع جبل الأولياء وليقاسمهم فيما يعود به ذلك عليهم من أموال. وطلبت محاكمته بالمواد 148 و159 و160 و166 مكررة و167/ 3 - 4 و168 و261 و262/ 1 - 3 و265/ 1 - 3 و266/ 2 من قانون العقوبات.
وإن النيابة العمومية اتهمت المتهم المذكور أيضاً بأنه في 11 و13 و26 فبراير سنة 1934 الموافق 26 و28 شوّال و12 ذي القعدة سنة 1352 بمدينة القاهرة:
(أوّلاً) أهان وسب هيئة نظامية هي مجلس الوزراء الحالي وقذف وسب موظفين عموميين هم حضرات أصحاب الدولة والسعادة...... رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية و......... وزير المواصلات و....... وزير الأشغال بسبب أداء وظائفهم. وكان ذلك كله علنياً بأن ألف مقالات ونشرها في جريدة السياسة اليومية التي هو رئيس تحريرها. منها مقال بالعدد رقم 3343 تحت عنوان "نزاهة الحكم" رمى فيه الوزارة بالضعف وقلة الحزم والمحاباة والأغراض وعدم النزاهة ومحاولة التستر على تصرفات مريبة نسبت إلى بعض الأشخاص، ونعت فيه حضرة صاحب الدولة........ بالضعف والسهولة والتراخي وعدم الجدارة بتولي منصب الوزارة مما يتضمن خدشاً للشرف والاعتبار، وأسند كذباً وبسوء نية إليه وإلى حضرة صاحب السعادة......... أموراً لو كانت صادقة لأوجبت احتقارهما عند أهل وطنهما وهي استغلالهما نفوذ منصبهما في شراء أرض وإصلاحها لاستثمارها. كما أسند كذباً وبسوء نية إلى حضرة صاحب السعادة....... ما لو صح لأوجب احتقاره وهو أنه مستضعف في وزارته وكتب ثلاثة قرارات أو يزيد بنقل موظف بسيط وكان نصيب هذه القرارات أن أهدرها وكيل الوزارة. ومنها مقال بالعدد رقم 3346 بعنوان "في وزارة الأشغال" أسند فيه أيضاً كذباً وبسوء نية إلى حضرة صاحب السعادة........ وزير الأشغال أنه نزولاً على رغبة الملحق التجاري بدار المندوب السامي البريطاني سيلغي مناقصة توريد الحديد المصنوع اللازم لمبنى مستشفى فؤاد الأوّل الجديد وذلك بعد أن تمت إجراءاتها وفتحت ظروف العطاءات فيها وأنه سيعيد الإعلان من جديد مع إرجاء الأجل ليتمكن أصحاب المصانع في الخارج من الاشتراك في المناقصة.
(ثانياً) نقد عملاً من أعمال الوزارة وتجاوز في ذلك حدّ النقد المباح باستعمال عبارات مؤذية وبذيئة بأن ألف مقالاً ونشره بالعدد رقم 3357 الصادر في 26 فبراير سنة 1934 من جريدة السياسة اليومية التي هو رئيس تحريرها تحت عنوان "العهد الحاضر" وصفه بأنه عهد فتن وفساد ويحمل في طياته جراثيم الفناء إلى غير ذلك من العبارات اللاذعة.
وطلبت محاكمته بالمواد 148 و156 و160 و166 مكررة و168 و261 و262/ 3 و265/ 1 و3 و266/ 2 من قانون العقوبات.
وادّعى حضرة........ بحق مدني قدره قرش صاغ وطلب الحكم به.
وادّعى حضرة........ بحق مدني قدره خمسة آلاف جنيه ضدّ المتهم وحضرة محمود عبد الرازق باشا بصفته مسئولاً عن حقوق مدنية بالتضامن بينهما كما ادّعى حضرة أحمد عبود باشا بحق مدني قدره عشرة آلاف جنيه ضدّ المتهم.
ولدى نظر هاتين الدعويين أمام محكمة جنايات مصر طلب الدفاع ضم ملفات بعض الأوراق المبينة تفصيلاً بمحضر الجلسة، وطلب أيضاً سماع شهود ذكر أسماءهم.
وبجلسة 15 ديسمبر سنة 1934 قرّرت المحكمة المذكورة بضم الدعويين إلى بعضهما ونظرهما معاً.
وبعد أن أخذت المحكمة في نظر الدعوى طلب الدفاع سماع شهادة شهود آخرين ذكرهم عن معلوماتهم في وقائع القذف الواردة بوصف التهمة وأخذت المحكمة في سماع أقوالهم. وأثناء ذلك طلب الدفاع عن المتهم سماع جميع الشهود الذين طلب سماعهم، واعتبار السب والقذف مرتبطين ومتصلين اتصالاً وثيقاً، وأن يباح الإثبات بسماع جميع الشهود. فقرّرت المحكمة السير في سماع الشهود الذين رأت سماعهم ثم قررت بعد ذلك إيقاف السير في الدعوى حتى يفصل في طلب الردّ الذي قرر به المتهم.
ولما قضي برفض طلب الردّ استأنفت المحكمة المذكورة السير في الدعوى. وقد تمسك الدفاع أمامها بسماع جميع الشهود الذين أعلنهم بصرف النظر عن التفريق القانوني بين ما صرح القانون بإثباته أو نفيه لأن المحكمة ليست مقيدة بقرارها السابق القاضي بسماع الشهود عن وقائع القذف الواردة بوصف التهمة. وتمسكت النيابة والحاضرون عن المدّعين بالحقوق المدنية بتنفيذ القرار السابق، فقررت المحكمة المذكورة أن هذا القرار صدر صحيحاً من هيئة مختصة وعن الوقائع التي يصح إثباتها فلا يجوز العدول عنه، غير أنها صرحت بأنه لا مانع من سماع شهود آخرين إذا اتضح لها أن شهادتهم تتناول الوقائع السابق التصريح بجواز إثباتها. وبعد ذلك سارت المحكمة في نظر الدعوى على الوجه المبين بالتفصيل بمحضر الجلسة وقد سمعت المرافعة وأتمت نظرها. وبجلسة 21 مايو سنة 1935 قضت المحكمة المشار إليها عملاً بالمادة 50 من قانون تشكيل محاكم الجنايات حضورياً ببراءة حفني محمود بك مما أسند إليه وبرفض الدعاوى المدنية الموجهة قبله والدعوى المدنية الموجهة قبل محمود عبد الرازق باشا المسئول مدنياً وألزمت كل مدّع بمصاريف دعواه.
فطعن حضرة رئيس نيابة مصر في هذا الحكم بطريق النقض في 6 يونيه سنة 1935 وطعن فيه حضرة محمد أحمد عبود باشا في أول يونيه سنة 1935 كما طعن فيه بهذا الطريق حضرة علي المنزلاوي بك في 3 منه وكذلك حضرة الأستاذ أحمد رشدي أفندي المحامي بصفته وكيلاً عن حضرة إبراهيم فهمي كريم باشا في 3 منه. وقدّم حضرة الأستاذ مرقس فهمي أفندي المحامي عن حضرة محمد أحمد عبود باشا تقريراً بأوجه الطعن في أوّل يونيه سنة 1935. وقدّم حضرة الأستاذ أحمد رشدي أفندي المحامي عن حضرة إبراهيم فهمي كريم باشا تقريراً بعدم ختم الحكم في الميعاد في 3 يونيه سنة 1935 دعمه بشهادة من قلم الكتاب بذلك. وقدّم حضرة الأستاذ وهيب دوس بك المحامي عن حضرة علي بك المنزلاوي تقريراً بعدم ختم الحكم في الميعاد أيضاً في 4 يونيه سنة 1935 ودعمه بشهادة من قلم الكتاب بذلك. وقدّم حضرة رئيس نيابة مصر تقريراً بعدم ختم الحكم في الميعاد القانوني في 6 يونيه سنة 1935 ودعمه بشهادة من قلم الكتاب بذلك.
وبجلسة 18 نوفمبر سنة 1935 قرر محامي الطاعن الثالث "محمد أحمد عبود باشا" بتنازله عن الطعن للأسباب التي ذكرها والمدوّنة بمحضر الجلسة. فقضت هذه المحكمة في هذه الجلسة بقبول تنازل محمد أحمد عبود باشا عن طعنه وألزمته بمصاريف دعواه المدنية وقررت بتأجيل القضية لجلسة 20 يناير سنة 1936 ورخصت لباقي الطاعنين بتقديم أسباب طعونهم في ظرف عشرة أيام من اليوم التالي لتاريخ هذه الجلسة، فلم تقدّم النيابة تقريراً بأسباب طعنها، وقدّم حضرة الأستاذ أحمد رشدي أفندي المحامي عن إبراهيم فهمي كريم باشا تقريراً بالأسباب في 28 نوفمبر سنة 1935 كما قدّم حضرة الأستاذ وهيب دوس بك المحامي عن علي بك المنزلاوي تقريراً بالأسباب في 27 نوفمبر سنة 1935.
وبعد أن أنهت هذه المحكمة سماع الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة أجلت النطق بالحكم لجلسة اليوم (24 فبراير سنة 1936).


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعون المقدّمة من النيابة العامة والمدعين بالحق المدني حازت شكلها القانوني.
عن طعن النيابة العامة:
من حيث إن النيابة اقتصرت في الطعن على الحكم على القول بأنه لم يختم في الميعاد القانوني بالرغم من منحها أجلاً لتقديم ما يكون لديها من أسباب أخرى.
ومن حيث إن عدم ختم الحكم في الميعاد لا يصلح وحده أن يكون سبباً لنقض الحكم كما استقرّ عليه قضاء هذه المحكمة فيتعين الحكم برفض الطعن موضوعاً.
عن طعن إبراهيم فهمي كريم باشا:
من حيث إن محصل الوجه الثاني - الذي ترى المحكمة البدء بالكلام عليه لانصبابه على جميع وقائع القذف - أن الحكم ناقش المبررات التي تقدّم بها الدفاع عن المدعين بالحق المدني إسقاطاً لحجة القاذف وهي: (أوّلاً) أن الأعمال موضوع القذف أعمال إضافية. (ثانياً) أن فيات أعمال المشروعات في العمليات الكبرى تكون كقاعدة عامة أرخص من نظيراتها في العمليات الصغرى. (ثالثاً) أن هذه الأعمال كانت لها صفة الاستعجال. (رابعاً) أن الاعتبارات الفنية لها المرتبة الأولى من الأهمية فيما يختص باتخاذ الأجهزة والآلات، وأنها من صنع ونسق واحد فقطع التغيير يجب أن تكون كذلك. (خامساً) أن لوزير الأشغال الحق في إضافة أعمال جديدة أو تنقيص الأعمال المقرّرة في العقد الأصلي بنسبة خمسة وعشرين في المائة. (سادساً) اعتماد وزارة المالية ومجلس الوزراء كل عملية منها. ناقش الحكم تلك المبررات من وجهتها الفنية والقانونية وخرج من ذلك إلى القول بأنها مبررات غير صحيحة، فخرج بمناقشته للناحية الفنية عن ولايته القضائية التي حدّدتها له القوانين، ودلل بمناقشته الناحية القانونية على أنه أخطأ فهم هذه القوانين. ذلك لأن وقائع القذف تتعلق بتصرفات وزارة الأشغال في الأعمال الداخلية في اختصاصها وفي اختصاص مجلس الوزراء بحكم القانون. وكلها بلا استثناء لا تدخل في اختصاص المحاكم الأهلية ولا يجوز لها أن تبحث فيها بأية حيلة من الحيل وبأي سبب يعرض، لأن التصرف في أموال الدولة وإدارة شئونها المالية والإدارية بجميع أنواعها ومن كافة نواحيها إنما هو من حق واختصاص السلطة الإدارية. وكل أعمالها في دائرة هذا الاختصاص لها صفة محترمة ليس لأي سلطة أخرى أن تقدّرها أو تعيد النظر في شأنها أو تناقش في صلاحيتها أو تثير شكاً في نزاهتها. وقد نص الدستور المصري أسوة بدساتير العالم على أن مجلس الوزراء هو المهيمن على مصالح الدولة. وبهذا النص الصريح يدخل في اختصاص مجلس الوزراء كل ما هو مقرّر بمقتضى القوانين للسلطات الإدارية بجميع أنواعها من إدارات منفذة إلى محاكم إدارية على اختلاف درجاتها إلى مجلس الدولة. ويخرج كل هذا من حدود السلطة القضائية فلا يجوز لها أن تنظر فيه. وقد عرضت جميع وقائع القذف على مجلس الوزراء وصدرت قرارات منه في شأنها، بل إن المجلس هو الذي أمر بإجراء جميع المقاولات التي أسندها المتهم إلى وزير الأشغال على خلاف الواقع. وأمام هذه القرارات، وقد صدرت من السلطة صاحبة الولاية، أصبحت المحاكم الأهلية ممنوعة من التعرّض لتلك الأعمال للنظر في أنها لم تكن لمصلحة الدولة مالياً واقتصادياً أو في أنها أبرمت عبثاً بواجب السلطة أو السلطات المختلفة التي أمرت بإبرامها، بل إن هذه الوقائع بذاتها قد عرضت على مجلس النوّاب وهو السلطة العليا التي لها وحدها أن تراقب تصرفات مجلس الوزراء بحكم الدستور، وأبدى عنها الوزير المختص بياناً، ولم يعترض المجلس على بيانه، ولم يطلب المجلس مناقشته ولا استجوابه ولا اتهامه، فلا يجوز لأي فرد بعد ذلك أن يطلب محاسبة الوزير أو محاسبة مجلس الوزراء على هذه التصرفات بذاتها، ولا يجوز لمحكمة قضائية أن تبحث فيها من طريق أن المتهم بالقذف من حقه أن يقدّم الدليل على صحة ما قذف به لأن في ذلك مخالفة للدستور الذي ينص على أن لمجلس النوّاب وحده حق اتهام الوزراء فيما يقع منهم من الجرائم في تأدية وظيفتهم. وقد اعتمد الطاعن في تقرير نظريته وهي ضرورة الفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والإدارية على أقوال الشراح وعلى لائحة ترتيب المحاكم الأهلية.
ومن حيث إنه يلوح من عبارة هذا الوجه أن الطاعن أقحم نظرية الفصل بين السلطات في الدعوى الحالية بدون أي مبرر، لأن محكمة الموضوع لم توقف تنفيذ القرارات الإدارية التي كانت موضوع القذف ولم تؤولها، بل إن هذه القرارات نفذت بالفعل ولم يكن اختصاص الوزير أو مجلس الوزراء بتنفيذها محل شك، ولم يعرض شيء من ذلك على المحكمة، ولكن موضوع الدعوى الحالية يقوم على أساس آخر هو حق كل فرد في نقد أعمال الموظفين العموميين وقد تأيد هذا الحق الطبيعي بترخيص القانون لكل ناقد بإثبات وقائع القذف التي ينسبها للموظفين. وليس في ذلك أي معنى للتعدّي على سلطة الموظفين أو على اختصاصهم. ومحكمة الموضوع إذ قضت على أساس أن القرارات موضوع القذف لم تلاحظ فيها المصلحة العامة، وأن المبررات التي استند عليها الطاعن في اتخاذ قراراته غير صحيحة، لم تتجاوز اختصاصها، بل إنها طبقت القانون وهو يبيح للقاذف إثبات وقائع القذف تطبيقاً سليماً، فلا يمنع قيام أي قرار إداري في أمر معين من إمكان إثبات أن هذا القرار لم تلاحظ فيه المصلحة العامة، وأنه قصد به المحاباة وخدمة الأشخاص، وأنه مخالف للقوانين. وليست المحاكم مقيدة عند تقدير هذه القرارات في قضايا القذف بالأخذ بالاعتبارات أو التأويلات التي تدلي بها الجهة التي أصدرت تلك القرارات لأن القانون لم يقيد حق القاذف في الإثبات بأي قيد فيجوز له إثبات صحة وقائع القذف بكل الطرق القانونية.
ومن حيث إن الأسباب التي بني عليها الوجه الأول من أوجه الطعن هي: (أوّلاً) أن الحكم أثبت وهو يتكلم عن محطة البوصيلي أن إبراهيم فهمي كريم باشا عندما عرض عليه هذا الموضوع أمر بإزالة المحطة بأكملها بما في ذلك المباني، كما أمر بكهربتها. وقد ترتب على ذلك أن زادت النفقات وأزيلت المباني بلا مبرر وبعثرت الماكينات مع أن المباني لم تهدم والماكينات لم تبعثر، وكان وجود المباني واستعمال الماكينات القائمة من المبررات التي دعت كريم باشا إلى تغيير محطة البوصيلي من ماكينات ديزل إلى ماكينات كهربائية. بل لقد أثبت الحكم نفسه ما يناقض هذه النتيجة إذ جاء فيه أن أعمال كهربة المحطة قدّرت بمبلغ ستين ألف جنيه استبعد منها ثلاثة عشر ألف جنيه قيمة آلات حالية كما جاء فيه أن تكاليف المشروع بعد تعديله قدّرت بمبلغ 68700 جنيه استنزل منها سبعة عشر ألف جنيه وأوضح بأن منها ثلاثة عشر ألف جنيه قيمة ماكينات حالية ستتخلف وتستعمل في مشروع مستعمرة طرة وأربعة آلاف جنيه قيمة طلمبتين مخلفتين ستستعملان في مشروع محطة فوّه. (ثانياً) أثبت الحكم وهو يتكلم عن تغذية المنصورة من الشبكة الكهربائية لشمال الدلتا أن ما تم من الإجراءات في إعطاء هذه الصفقة إلى عبود باشا وشركة سيمنس إخوان يلفت النظر ويثير الشكوك، وأن التصرفات المتناهية في الشذوذ وخصوصاًً إلحاح وزارة الأشغال المتكرر في فسخ العقد الذي تم بين بلدية المنصورة ومحل إخوان سولزر وقبولها أن تحل محل هذا الأخير على أن تتحمل كل ما يترتب على ذلك من الخسائر ثم إعطاء العملية لعبود باشا وسيمنس إخوان بغير مناقصة لا يمكن أن يبررها إلا رغبة كريم باشا الملحة في نفع صديقه المقاول عبود باشا. ولقد أخذ الحكم بوجهة جريدة السياسة فقال إن قصر الشبكة الكهربائية على تحسين حالة الري والصرف في الوجه البحري دليله رأي لعثمان باشا محرّم في 13 يناير سنة 1930، ونسى الحكم في جانب هذا أن العطاآت عن الشبكة الكهربائية لم ترد إلا في إبريل سنة 1930 وقبل عطاء سيمنس فيها في يونيه سنة 1930. وفي 29 سبتمبر سنة 1930 أصدر كريم باشا باتفاقه مع رئيس الحكومة ووزير الداخلية والمالية قراراً بتشكيل لجنة لدراسة مشروع تموين البلاد التي ستمر منها الخطوط الكهربائية بالقوى الزائدة عن حاجة الري، وكان صدور هذا القرار تنفيذاً لسياسة جديدة بشأن استغلال هذه القوى. وتنفيذاً لهذه السياسة أيضاً طلبت إدارة البلديات تموين كثير من البلديات بالنور من هذه الشبكة الكهربائية فيكون من الخطأ استناد الحكم على رأي عثمان محرّم باشا. ومن الخطأ أيضاً قول الحكم إن كريم باشا قبل من مقاولي الشبكة الكهربائية أن يجعلوا قبولهم كهربة محطة البوصيلي معلقاً على إعطائهم عملية تغذية المنصورة من الشبكة الكهربائية مع علمه بأن إعطاء هذه العملية الأخيرة خارج عن اختصاصه لأن الذي تسجله الأوراق أن كريم باشا لم يقبل هذا الشرط بغير إجازة دولة صدقي باشا، وقد كان رئيساً للحكومة ووزيراً للمالية والداخلية. كذلك أخطأ الحكم في قوله إن محطة المحوّلات للمدينة بعد أن كانت نفقاتها في جميع التصميمات والكتب الرسمية وفي الطلب الذي أرسل لموافقة المالية لا يزيد عن سبعة آلاف جنيه ارتفعت قيمة الثمن بمجرّد إسناد العملية إلى عبود باشا وسيمنس إخوان إلى أربعة عشر ألف جنيه. أخطأ الحكم في ذلك لأن مبلغ السبعة آلاف جنيه لم يرد ذكره إلا في مقايسة لحضرة طراف بك علي في سنة 1929 مع أنه جاء في هذه المقايسة نفسها أن هذا المبلغ هو لتكليف محطة قوّتها 1200 كيلوات. أما المحطة التي طلبت في سنة 1932 فقوّتها 2200 كيلوات، وكان الاستهلاك في سنة 1929 مقدّراً بمليون ومائة وسبعين ألف، فأصبح في سنة 1932 مقدّراً بمليونين وستمائة ألف كيلوات.
(ثالثاً) ذكر الحكم عند الكلام على محطة صرف رقم 7 أن سرعة عظيمة اتبعت في إعطاء هذه الصفقة إلى عبود باشا، ولا يبرر هذه السرعة إلا الرغبة في التعاقد مع عبود باشا، وأن ارتفاع قيمة مصاريف هذه المحطة من أربعة وخمسين ألف جنيه إلى واحد وستين ألف جنيه مع عدم حصول أي تغيير في المواصفات يدل بغير شك على أن عبود باشا كان لصلته الوثيقة بكريم باشا يعامل بكل سخاء على حساب الخزانة العامة وأن الأعمال كانت تسير في عهد كريم باشا على غير قاعدة وكان يسرع في إعطاء العمليات إلى عبود باشا قبل أن تمحص وقبل أن يتفق نهائياً على قيمة تكاليفها. ومن الغريب أن يتعرّض الحكم لمحطة صرف رقم 7 وأن يسندها إلى كريم باشا مع أنها أسندت في إبريل سنة 1933 بعد أن ترك كريم باشا وزارة الأشغال بأربعة أشهر. وقد قدّم الدفاع لمحكمة الجنايات بياناً لوزارة الأشغال قيل فيه عن محطة صرف رقم 7 إنها تدخل ضمن برنامج أعمال الصرف المقرّرة في شمال الدلتا وإن الوزارة رأت الاكتفاء بإقامة الآلات اللازمة لصرف الأراضي المنزرعة فقط حتى لا تحرم من التمتع بوسائل الصرف الذي عم معظم أراضي شمال الدلتا المنزرعة منها والبور على أن تقام في المستقبل الآلات اللازمة لصرف الأراضي البور من باقي الزمام المقرر لها، وذلك بموافقة مجلس الوزراء في يوليه سنة 1932. وقد اتخذت الوزارة مثل هذا الإجراء في محطة الطلمبات بالقرب من أبي قير حيث أسندت عملية إنشاء محطة جديدة إضافية للصرف منها بدون مناقصة إلى شركة إخوان سولزر بمبلغ 45354 جنيهاً بموافقة مجلس الوزراء بتاريخ 28 أغسطس سنة 1930 وذلك عند ما عجزت المحطة القديمة عن القيام بمطالب الصرف في هذه المنطقة. وقد وافقت وزارة المالية على إسناد عمليات البوصيلي والمنصور ورقم 7 إلى المقاولين السالفي الذكر كل منهم فيما يخصه، كما أن هذه العمليات أدخلت في ميزانية وزارة الأشغال التي عرضت على البرلمان ووافق عليها في حينها.
ومن حيث إن الوقائع التي يثيرها الطاعن في هذا الوجه لم تكن موضوع قذف من قبل حفني بك محمود "المدّعى عليه الأوّل" إذ كل ما أسنده إلى الطاعن في هذا الشأن هو أنه أعطى هذه العمليات وغيرها إلى عبود باشا بدون مناقصة محاباة له. وقد أثبت الحكم هذه الواقعة ودلل عليها بأدلة أخرى تؤدي إلى ما استخلصه منها، ولم يكن تعرّض محكمة الموضوع للوقائع التي يشكو منها الطاعن الآن إلا من قبيل التزيد في التدليل بما عثرت عليه في الأوراق الرسمية فلا مصلحة للطاعن في التمسك بما جاء في هذا الوجه. أما ما يدّعيه من أن الحكم نسب إليه عملية صرف رقم 7 مع أنها أسندت في إبريل سنة 1933 بعد أن ترك هو وزارة الأشغال بأربعة شهور فلا قيمة له لأن الحكم أثبت أن أوّل خطاب أرسله كريم باشا إلى المالية يطلب إسناد هذه العملية إلى مقاول الخمس عشرة محطة الخاصة بالصرف بشمال الدلتا (عبود باشا) كان في 28 يونيه سنة 1932 وأن مدير الميكانيكا والكهرباء تنفيذاً لأمر كريم باشا أخطر المقاول عبود باشا بإسناد العملية إليه في 13 يوليه سنة 1933 وتلك السرعة لا يبررها إلا الرغبة في التعاقد مع عبود باشا خصوصاً إذا لوحظ أنه لم يتفق مع هذا الأخير على المدّة التي سينهي فيها العمل إلا في 10 يونيه سنة 1933 حيث حدّد له ثمانية عشر شهراً ابتداءً من 12 يوليه سنة 1933، وهذا الذي أثبته الحكم يدل على أن الطاعن أعطى عملية صرف رقم 7 إلى عبود باشا في 28 يونيه سنة 1932 أي قبل أن يترك وزارة الأشغال خلافاً لما يدّعيه.
ومن حيث إن محصل الوجه الثالث أن الحكم أثبت أن نعت البيان الذي تلاه وزير الأشغال بالسفسطة والمغالطة تراه المحكمة وصفاً صحيحاً لا إسراف فيه مع أن الوقائع التي احتواها هذا البيان صحيحة من الأوراق المقدّمة للمحكمة.
ومن حيث إنه فضلاً عن أن هذا الوجه خاص بتهمة أخرى وقعت على مجني عليه آخر لا علاقة للطاعن بها ولا مصلحة له في التكلم عنها فإن ما يثيره بشأنها متعلق بتقدير الوقائع وهو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها.
ومن حيث إن محصل الوجه الرابع أن الحكم وهو يبحث في التهمة الخاصة بتعلية خزان أسوان لم يعن ببحث مسألتين أساسيتين أو أنه لم يلتفت إليهما. أما المسألة الأولى فهي قول الحكم إن كريم باشا شهد لمحل باركنسون في 17 سبتمبر سنة 1929 فلا يمكن أن يكون استبعاده عن تعلية خزان أسوان الثانية لعدم كفاءة هذا المحل إذ أن الشهادة السالفة الذكر لا تتنافى مع رأيه الذي قال به في شأن تعلية خزان أسوان الثانية. على أن الأمر لم يكن أمر شهادة عن كفاءة باركنسون إذ أن اختيار البيوت التي يصح أن يكون لها شأن في تلك التعلية من شأن المهندس الاستشاري فيكون من الخطأ التأكيد بأن استبعاد باركنسون ما كان لعدم الكفاءة وإنما كان لإفساح الطريق لعبود باشا. أما المسألة الثانية فإن الدفاع عن الطاعن تمسك بحديث لدولة صدقي باشا ظهر في جريدة المقطم بتاريخ 4 ديسمبر سنة 1930 أوردته النيابة العامة في مذكرتها إلى المحكمة فلم تعن المحكمة به ولم تلتفت إليه بتاتاً لتقول عنه كلمة يفهم منها أنها تقبله أو ترفضه.
ومن حيث إن الشق الأوّل من هذا الوجه غير صحيح لأن الحكم لم يهمل بحث دفاع الطاعن في مسألة كفاءة محل باركنسون وطريقة اختيار البيوت التي يصح أن يعهد إليها تعلية خزان أسوان. فقد أثبت الحكم أن استبعاد محل باركنسون بحجة عدم الكفاءة لم يكن له ما يبرره لأنه ليس بصحيح أن السير ماكدونالد أساء الشهادة في حقه، بل بالعكس ثابت من الكتاب الرقيم 7 أكتوبر سنة 1930 أنه أحسن الشهادة في كفاءته ومؤهلاته. أما ما ذكره بعد ذلك من أنه يرى عند المفاوضة الاتصال أوّلاً بمحل توبهام جونس فلا يشعر مطلقاً بعدم كفاءة المحل المذكور. وإذا صح لكريم باشا أن يفهم من ذلك، وهو أمر بعيد الاحتمال، أن المهندس الاستشاري لا يثق بمحل باركنسون فلا يصح له أن ينسى ما سطره هو في خطابه المرسل للمالية بتاريخ 17 سبتمبر سنة 1929 في صدد مشروع جبل الأولياء إذ أنه شهد فيه مع المهندس الاستشاري فون لي وشركائه بكفاءة هذا المحل واستعداده للقيام بالأعمال الجسيمة. أما الشق الثاني من هذا الوجه فغير منتج لأن المحكمة سمعت شهادة إسماعيل صدقي باشا نفسه وأخذت بشهادته وهي ليست في مصلحة الطاعن كما ذكر الحكم.
ومن حيث إن محصل الوجه الخامس أن الحكم أثبت أن دفع مبلغ خمسة وسبعين ألف جنيه لشركة السير جون جاكسون كان تعويضاً له عن عدم قبوله في عطاآت التعلية الثانية لخزان أسوان. والواقع الصحيح والأوراق وما أثبته الحكم نفسه في أسبابه يقطع بأن ما رآه الحكم في هذا الشأن غير صحيح لأن حادثة قطع السدّ وقعت قبل انتحار السير جريفث أي في فبراير سنة 1930 بينما سير جريفث انتحر في 27 سبتمبر سنة 1930 وقد كتب محل جون جاكسون للمهندس الاستشاري فون لي في 13 مايو سنة 1930 ثم في 4 سبتمبر سنة 1930 يطالب بالتعويض ولم يكن في محيط تفكير الوزارة أو جون جاكسون أن نورتن جريفث سينتحر. وقد جاء في الحكم أيضاً أنه تلقاء هذه الحقائق الواضحة بدأ المقاول في تواضع عند ما تقدّم لوزارة الأشغال في طلبه المؤرّخ 4 سبتمبر سنة 1930 يستجدي عطفها ووزارة الأشغال جريئة فرفضت طلبه وأشر وكيل الوزارة بحفظ المذكرة التي رفعها إلى كريم باشا في 17 أكتوبر سنة 1930 مما يدل على رفض طلب المقاول. أثبت الحكم ذلك مع أنه أثبت في موضع آخر منه أن وكيل الوزارة رفع مذكرة إلى وزير الأشغال كريم باشا بتاريخ 17 أكتوبر سنة 1930 بمضمون الكتاب السابق أي كتاب فون لي المهندس الاستشاري، وفي نهايتها ذكر أن الموضوع أحيل إلى الخزانات وقسم القضايا لدرسه. وقد عرضت هذه المذكرة على كريم باشا كما يستفاد من إشارة مدير مكتبه عليها بذلك في 21 أكتوبر سنة 1930 ثم وضعت عليها إشارة أخرى غير مؤرّخة بالحفظ بتوقيع وكيل الوزارة، وهذا الذي أثبته الحكم لا ينتج ما ذهب إليه مطلقاً من أن هذا الحفظ معناه رفض طلب المقاول، بل إن المنطق السليم لا يجيز هذا الاستنتاج لأن المذكرة في آخرها أن أمر ما فيها رفع إلى قسم القضايا لإبداء الرأي فيه ولم تكتب هذه المذكرة وترفع للوزير إلا لإخباره بما يجري، وما دام قد علم بما فيها فقد أدّت مأموريتها وتحفظ.
ومن حيث إن كل ما جاء في هذا الوجه متعلق بتقدير الوقائع وهو من شأن محكمة الموضوع وحدها فهي صاحبة الحق في تقدير الدليل واستخلاص ما تطمئن إليه سواء أكان ذلك في قضايا القذف أو غيرها ولا رقابة عليها فيه اللهم إلا إذا كانت الوقائع التي استخلصت منها نتيجة ما وصلت إليه لا تنتجه عقلاً ولا شيء من ذلك في الدعوى الحالية.
ومن حيث إن محصل الوجه السادس أن الحكم استخلص وهو يبحث مسألة حفر وتطهير بعض الترع أن ما طعنت به السياسة على أعمال كريم باشا في هذه المسألة صحيح مع أن الحكم نفسه أثبت أن الرأي بقى لا يستقر حتى تغيرت الوزارة في 4 يناير سنة 1933 فانتقل كريم باشا إلى وزارة المواصلات وعين محمد شفيق باشا وزيراً للأشغال مكانه فتقدّم إليه إذ ذاك محمود شاكر أحمد بك مفتش عام وجه بحري بمذكرة ضافية ذكر فيها ما جرى في هذا الموضوع وأبلغ صورتين منها لوكيل الوزارة بكتاب تاريخه 12 يناير سنة 1933 وعلى هذا الكتاب إشارة من مدير مكتب الوزير بأن هذه المذكرة موجودة تحت نظر معالي الوزير. ثم أثبت الحكم بعد ذلك أن شفيق باشا فاوض الشركات الثلاث التي قبلت تخفيض ثمن المتر المكعب من 35 مليماً إلى 34 مليماً ورفع مذكرة لدولة وزير المالية ورئيس اللجنة المالية في 30 يناير سنة 1933 شبيهة في صيغتها ونتيجة الرأي بمذكرة يونيه سنة 1932 ثم جاء الحكم بعد ذلك وأثبت مذكرة أخرى لوزارة الأشغال رفعتها إلى مجلس الوزراء بتاريخ 4 مايو سنة 1933 وقد أقرّها مجلس الوزراء في 11 مايو سنة 1933، فإذا كانت هذه هي الوقائع التي أثبتها الحكم فكيف جاز لهذا الحكم أن يذكر بعد ذلك أن القول بأن مجلس الوزراء هو الذي بت في الأمر لا ينفي عن كريم باشا أن نصيباً من المسئولية يقع عليه.
ومن حيث إن الطاعن أغفل وهو يسطر هذا الوجه جميع الوقائع التي أسندها الحكم إليه في موضوع حفر وتطهير الترع قبل انتقاله إلى وزارة المواصلات. وتلك الوقائع هي التي استخلص منها الحكم مسئولية الطاعن، فذكر بعد سرد الوقائع تفصيلاً أن القول بأن مجلس الوزراء هو الذي بت في الأمر لا ينفي عن كريم باشا أن نصيباً من المسئولية يقع عليه، ويكفي للتدليل على ذلك الإشارة عن مظاهره المتضاربة وسكوته من 15 يونيه سنة 1930 عند ما تقدّم مدير عام ري وجه بحري لأوّل مرة بمشروع عقد جديد، وطلب طرح العمل في المناقصة إلى مارس سنة 1931 عند ما قابله الوكيلان عن شركتي الكراكات المصرية والجيزة المساهمة فأبدى لهما تردّده بين المفاوضة أو طرح العمل في المناقصة، ذلك بعد أن فوّت هذا الأجل الطويل بلا جدوى ثم سار في طريق مد العقود. وظاهر من ذلك أن محكمة الموضوع استخلصت من الوقائع المعروضة عليها مسئولية الطاعن، وهذا الاستنتاج من حقها ولا رقابة عليها فيه.
ومن حيث إن محصل الوجه السابع أن قول الحكم إن طعن جريدة السياسة على كريم باشا في موضوع تدخله في عمليات بوّابات الفتحات لقناطر نجع حمادي مما ترتب عليه إعطاء الصفقة لشركة رانسم وربير واستحقاق عبود باشا السمسرة التي كان متفقاً عليها مع الشركة المذكورة - إن طعن جريدة السياسة في ذلك صحيح، وإن كريم باشا هو الصديق الذي عناه عبود باشا في خطابه إلى شركة رانسم وربير مع أن كل ذلك غير صحيح ولم تكن صلة كريم باشا بهذه العملية إلا كصلة غيره من أصحاب الشأن في الوزارة صلة سطحية كما يستفاد من خطاب فون لي. فلا الواقع يؤيد الحكم فيما ذهب إليه ولا الأوراق التي أثبتها في أسبابه.
وحيث إن هذا الوجه متعلق أيضاً بتقدير الدليل وهو أمر موضوعي من اختصاص محكمة الموضوع كما تقدّم القول.
ومن حيث إن محصل الوجه الثامن أن الحكم جرى على خطة جريدة السياسة وهو يبحث في مسألة شركة ثورنيكروفت فأنكر حق اللجنة المنصوص عليه في المادة 26 من كتاب الشروط وقال إن تعرّضها لهذا الأمر بإجازة وزير الأشغال كريم باشا يجعل طعن السياسة صحيحاً. ونسى الحكم أن كريم باشا لم يكن الوحيد الذي تصرّف في هذا الأمر، بل إنه فصل فيما قام بين اللجنة وبين الشركة من خلف على بعض التفاصيل وصادقه على تصرفه هذا إسماعيل صدقي باشا باعتباره رئيساً للحكومة ووزيراً للداخلية وللمالية. وعلى أن هذا الذي أجازه صدقي باشا كان في غير مصلحة الشركة لانتقاص عدد المقاعد عما ورد بكتاب شروط الالتزامات، وإذاً تكون النتيجة التي خلص إليها الحكم، وأساسها فهمه الخاطئ لكتاب الشروط والالتزامات وصرف الأوراق الرسمية عن الغاية التي وجدت إليها، نتيجة غير سليمة وأساسها غير سليم.
ومن حيث إنه فضلاً عن أن الطاعن اقتضب الوقائع التي أثبتها الحكم في هذا الشأن والتي استخلص منها النتيجة التي وصل إليها فإن هذا الوجه متعلق برمته بتقدير الأدلة وهو من شأن محكمة الموضوع ولا يجوز رفعه لمحكمة النقض.
ومن حيث إن محصل الوجه التاسع أن الحكم أثبت أن كريم باشا وهو وزير المواصلات تصرف تصرفاً غير لائق عند ما تعاقد مع شركة المعادي على شراء أرض منها لأنه ما كان يجهل أن لهذه الشركة التي تعاقد معها مصلحة كبرى في إتمام مشروع خط حلوان، ذلك المشروع الذي إن لم يكن له الرأي النهائي في تنفيذه فعلى الأقل له رأي له قيمته في ذلك التنفيذ بصفته رئيساً لمجلس السكة الحديد الأعلى وبصفته وزيراً للوزارة المهيمنة على هذا المشروع. وإن هذه الشركة مدفوعة بهذه المصلحة الظاهرة تقدّم له كل التسهيلات الممكنة لتتم التعاقد معه. وقد ظهر أثر ذلك في الشروط التي اشترطتها الشركة في العقد سواء في قيمة الأرض أو في طريقة دفع الثمن أو في الفائدة التي اتفق عليها، وهي شروط إذا قورنت بالشروط الواردة في العقدين المقدّمين من محامي المتهم لظهر أنها في غاية السخاء. والواقع الصحيح في هذه المسألة وما قدّم إلى المحكمة من أوراق لا تؤدي إلى هذه النتيجة التي ذهب إليها الحكم، لأن شهادة محمود بك شاكر تقطع بأنه لم يكن ثمة نشاط خاص بكهربة خط حلوان والأوراق التي قدّمت للمحكمة وهي قائمة الأسعار وتاريخ شراء كريم باشا وحلوله محل آخر وهو شوقي باشا بنفس السعر وخطاب الشركة على أنها تعرض في سنة 1934 بعض قطع بأثمان أقل من متوسط أثمان سنة 1933 - كل ذلك قاطع في الدلالة على أن شراء كريم باشا لهذه الأرض كان شأنه شأن كل فرد اشترى في الوقت المعاصر لشرائه. كذلك قدّم كريم باشا إلى المحكمة التقارير السنوية للشركة وفيها مبالغ طائلة تقرضها الشركة لملاك الأراضي فيها لمعاونتهم. فلم تكن إذاً معاملة كريم باشا معاملة استثنائية كما ذهب إليه الحكم فلا الواقع يؤيده ولا الأوراق تؤيده.
ومن حيث إن الوقائع التي يثيرها الطاعن الآن عرضت على محكمة الموضوع وقالت فيها كلمتها وقولها هو القول الفصل ولا شأن لمحكمة النقض به لتعلقه بتقدير الدليل.
ومن حيث إن محصل الوجه العاشر أن الحكم عرض لمسألة سلامة النية فقال إن الوقائع التي وجهت من جريدة السياسة صحيحة، وإن الباعث إلى طعنها على الوزارة اعتقادها أن ما ينسبه المتهم صحيح، وإن في الكشف عن عيوبهم وأخطائهم خدمة للمصلحة العامة مع أن وقائع القذف غير صحيحة من نفس الأوراق التي أراد الحكم أن يدلل بها على صحة الدفاع أو من أوراق أخرى في ملف الدعوى أهملها الحكم تماماً. وأما أن المتهم اعتقد أن ما ينسبه لكريم باشا صحيح فهو قول غير صحيح. لأنه عند ما سئل في التحقيق يوم 28 مارس سنة 1934 أجاب بأن كل الذي نشره عنده مستندات أو وقائع يستطيع بها التدليل على صحته. وفي يوم 30 مارس سنة 1934 نشر مقالاً بجريدة السياسة يقول فيه إن الواجب الوطني يقتضي أن كل إنسان لديه معلومات تفيد التحقيق أن يتقدّم بها سواء أكان موظفاً أم غير موظف. وفي 31 مارس سنة 1934 سئل في التحقيق عما إذا كان أحضر مستنداته فقال إن الأوراق التي تختص بالأجزاء المنصبة على هذه الوقائع في الملفات التي طلب إحضارها أي أن ما لديه ليس إلا مذكرات خاصة له. كما أنه لم يؤلف تلك المقالات للمصلحة العامة لأنه كان يغضب لعدم إسناد عملية تعلية خزان أسوان لعبود باشا. فلما تغيرت نفسيته على عبود باشا أصبح يرى إسناد هذه التعلية له تصرفاً مريباً من ناحية كريم باشا. كما أنه أسند مسألة الخمسة وسبعين ألف جنيه لكل شخص يحس بثورة عليه فأسندها إلى توفيق باشا دوس في سنة 1932، ثم جاء في 2 إبريل سنة 1934 وقال إن دفع هذا المبلغ كان لعبود باشا. وفي 3 إبريل سنة 1934 قال إن المبلغ دفع لشركة جاكسون لأن كريم باشا لم يعط لشركته فرصة الدخول في عطاء تعلية خزان أسوان فهل يمكن للحكم بعد ذلك أن يسمح لنفسه بأن يقول إن الكتابة بهذا الصدد كانت للمصلحة العامة وإن المتهم قدّرها حق قدرها. على أن جريدة السياسة لم تكتب عن المسألة الواحدة مرة واحدة بل كانت تعيد النشر في بعض المسائل بغير سبب ظاهر مما يقطع بسوء القصد وبنية التشهير.
ومن حيث إنه جاء في الحكم المطعون فيه خاصاً بسلامة النية أنه ثابت من التحقيق الذي جرى أمام النيابة وبالجلسة أنه لا يوجد بين المتهم وهؤلاء الوزراء أي حقد أو ضغينة تدفعه إلى التشهير بعيوبهم والحط من كرامتهم للانتقام منهم أو لشفاء غل في نفسه، بل كان الباعث إلى طعنه عليهم اعتقاده أن ما ينسبه إليهم صحيح، وأن في الكشف عن عيوبهم وأخطائهم خدمة للمصلحة العامة وقد تأيدت لدى المحكمة سلامة نيته كل التأييد بعد أن أثبت لها صحة الوقائع التي أسندها إليهم. وهذا الذي أثبته الحكم يعدّ فصلاً في مسألة موضوعية من اختصاص محكمة الموضوع وحدها فلا يجوز بعد ذلك أن يعرض هذا الأمر على محكمة النقض بحجة أن الوقائع غير صحيحة، وأن المتهم لم يكن يعتقد صحتها وأنه يقصد التشهير لتعلق كل ذلك بتقدير الوقائع التي عرضت على محكمة الموضوع.
ومن حيث إن محصل الوجه الحادي عشر والأخير أن الحكم أخطأ قانوناً في اعتبار وجود ارتباط بين عبارات السب التي صدرت من المتهم ووقائع القذف لأن الذي يتصفح المقالات التي صدرت في جريدة السياسة في المدة المحددة في قرار الاتهام يرى أن عباراتها بذيئة لا تتصل بالقذف. على أن عبارة الارتباط يجب أن تفسر بدقة وعلى المعنى الضيق دون أي توسع فيها، كما يجب أن يكون أساس السب هو صحة واقعة القذف مع توافر حسن النية. فإذا صح عند القاضي أن القاذف كان يرمي أولاً وبالذات إلى التشهير وأن نية الخدمة العامة تصاحب الرغبة في التشهير طاغية متغلبة على النية الأخرى زعزع ذلك من تقديره حسن النية ووجبت مؤاخذة المتهم على صفات السب التي نسبها للمجني عليه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أورد جميع عبارات السب والإهانة التي صدرت من المتهم في حق الطاعن وفي حق الوزارة وبين أنها أقطعت من مقالات كانت تنشرها جريدة السياسة مع مقالات أخرى عديدة كانت ترمي بها إلى الطعن على حكومة عبد الفتاح باشا يحيى وبعض أعضائها لما كانت تلاحظه من تصرفات غير سليمة ومخالفة للقوانين فهي كل لا يتجزأ. ثم رد الحكم كل عبارة من عبارات السب إلى المقال الذي احتواها وانتهى إلى القول بأنه يتضح من ذلك أن عبارات السب والإهانة الواردة بالبند السابق ذكره مرتبطة ومتصلة اتصالاً وثيقاً بوقائع القذف التي سبق إسنادها إلى نفس الأشخاص الذين وجهت إليهم جريمة السب والإهانة. ومن ثم فلا محل لمؤاخذة المتهم عنها طبقاً للمادة 160 من قانون العقوبات المعدّلة بالمرسوم رقم 28 لسنة 1935.
ومن حيث إن ما رأته محكمة الموضوع في هذه الدعوى من الارتباط بين ألفاظ السب وعبارات القذف جاء مؤسساً على أسباب مؤدّية له وليس في ذلك أية مخالفة للقانون.
عن طلب ضم الأوراق:
ومن حيث إن الدفاع عن الطاعن طلب من هذه المحكمة ضم مستندات وأوراق لاطلاعها عليها وذلك لتأييد ما ذهب إليه، ولا ترى المحكمة محلاً لإجابة هذا الطلب بعد أن تبين مما تقدّم أن تلك الأوراق كانت موضع بحث محكمة الموضوع وتقديرها، ولم يتقدّم من الطاعن ما يبرر إجابة هذا الطلب.
ومن حيث إنه مما تقدّم يتعين رفض الطعن ومصادرة الكفالة.
عن طعن علي بك المنزلاوي:
ومن حيث إن محصل الوجه الأوّل من أوجه الطعن أن حفني محمود بك المتهم قذف الطاعن في مقالين في 20 نوفمبر و21 نوفمبر سنة 1933 بجريدة السياسة بأنه وجد لدى وزارة الزراعة كمية من تقاوي البرسيم صدر الأمر بتوزيعها على الطالبين من المزارعين فلما ارتفعت أسعار هذه التقاوي وبلغت سبعة جنيهات مصرية للأردب أضيفت كلها لحساب علي بك المنزلاوي وزير الزراعة بسعر الأردب 200 قرش ودفع ثمنها وتصدّرت إلى مزارعه. وظاهر من ذلك أن حفني بك محمود يتهم علي بك المنزلاوي باختلاس فرق الثمن بين سبعة جنيهات وجنيهين وعن كل ناتج هذه التقاوي. وقد حققت المحكمة الأمر تحقيقاً دقيقاً فظهر لها أن البرسيم محل البحث وزع بمعرفة لجنة نظرت في طلبات الطالبين وقررت توزيع الموجود وقدره 166 أردباً بينهم، وأن علي بك المنزلاوي ناله منها عشرة أرادب من بين واحد وثلاثين طالباً، وأن الثمن الذي تقدّر للجميع كان 200 قرش عن الأردب، وأن هذا الثمن الطبيعي لهذا الصنف وقت التصرف فيه، وأن علي بك المنزلاوي عند ما تقدّم بطلبه لم يكن له شأن بوزارة الزراعة وما كان يملك أن يأمر بإضافة القدر كله لحسابه لأنه كان وزيراً للأوقاف. وظهر فوق هذا كله أن نفس المتهم حفني بك محمود يعلم بكذب الواقعة التي يكتب عنها في جوهرها الهام لأنه تقدّم للمحكمة بإيصال من شخص اسمه إبراهيم محفوظ يفيد أنه طلب أردبين ودفع ثمنهما 400 قرش. وجوهر الأمر يقوم على اختلاس فرق الثمن بين 200 قرش الذي دفع و700 قرش الذي قال المتهم إنه الثمن الحقيقي للبرسيم. وظاهر من ذلك أن الواقعة التي نسبها المتهم للمجني عليه مكذوبة من أساسها، ولكن المحكمة بالرغم من ذلك قالت إن الواقعة ثبتت في جوهرها لأنه ثبت لديها أن علي بك المنزلاوي اشترى عشرة أرادب دفع ثمنها بعد مضي زمن، في حين أن كثيرين من الأفراد رفض طلبهم، كما قالت إنه لا عبرة بما جاء بمقال السياسة بشأن مقدار الثمن وكمية البرسيم وصفة علي بك المنزلاوي وقت الشراء من أنه كان وزيراً للأوقاف لا لوزارة الزراعة لأنه من التفصيلات. وظاهر من ذلك أن المحكمة خلقت واقعة لم ترد في مقال السياسة لا تصريحاً ولا تلميحاً، بل وتناقض تلك الواقعة مناقضة صريحة، وتكون المحكمة بذلك لم تفصل في الواقعة المطروحة عليها بل قذفت هي من جديد بواقعة من عندها لم ترد في المقال بل إن المقال يتعارض مع مدلولها.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أثبت أن جريدة السياسة نشرت بالعدد 3276 الصادر في 20 نوفمبر سنة 1933 مقالاً تحت عنوان "وزير الزراعة وتقاوي البرسيم" جاء فيه "وصل إلى علمنا أنه كان لدى وزارة الزراعة كمية من تقاوي البرسيم صدر الأمر بتوزيعها على الطالبين من المزارعين. فلما ارتفعت أسعار هذه التقاوي وبلغت سبعة جنيهات مصرية للأردب أضيفت كلها لحساب حضرة صاحب العزة علي بك المنزلاوي وزير الزراعة بسعر الأردب 200 قرش ودفع ثمنها وتصدّرت إلى مزارعه. ومع أن الذي أبلغنا هذا الخبر سيتحدى كل من يكذبه فإننا ننشره بكل تحفظ لأنه من الغرابة بمكان، فهو تصرف لا يجوز أن يصدر من وزير ولا من موظف صغير إلخ". ونشرت جريدة السياسة بالعدد 3277 بتاريخ 21 نوفمبر سنة 1933 مقالاً تحت عنوان "المنزلاوي بك وبرسم وزارة الزراعة" كررت فيه ما قالته في العدد السابق وزادت عليه أن الأستاذ إسماعيل إبراهيم مراد عضو مجلس النوّاب وجه سؤالاً إلى رئيس الوزراء ووزير الزراعة بشأن هذا الموضوع للإجابة عليه. وقد حققت المحكمة هذا الموضوع بالاطلاع على البلاغ الرسمي الصادر من وزارة الزراعة بتاريخ 24 مارس سنة 1934، وعلى أقوال علي بك المنزلاوي نفسه والمتهم وعلى الملف الخاص بموضوع البرسيم. واستخلصت من كل ذلك أن هذه الواقعة قد ثبتت في جوهرها لأنه تبين أن علي بك المنزلاوي اشترى عشرة أرادب دفع ثمنها بعد مضي زمن كما تقدّم بيانه في حين أن كثيرين من الأفراد رفض طلبهم كما حدث لإبراهيم محفوظ أفندي الذي طلب شراء أردبين فقط ودفع ثمنهما مقدّماً وقبل طلبه ثم رفض بعد ذلك بحجة نفاد البرسيم. ولا عبرة لما جاء بمقال السياسة بشأن مقدار الثمن وكمية البرسيم وصفة علي بك المنزلاوي وقت الشراء من أنه كان وزيراً لوزارة الأوقاف لا لوزارة الزراعة لأنه من التفصيلات التي لا تؤثر في جوهر ما قصدته جريدة السياسة من نشر مقالها الذي رمت به إلى الطعن على أعمال وزير نافس الجمهور فيما تعرضه الحكومة عليه من منتجاتها لإرشاده وتشجيعه.
ومن حيث إنه ظاهر من المقالين اللذين نشرتهما جريدة السياسة حسب الثابت في الحكم أن المدعى عليه قذف في حق علي بك المنزلاوي علناً بأن نسب إليه أنه بصفته وزيراً للزراعة استولى لنفسه على محصول تقاوي البرسيم بسعر الأردب جنيهين مع أن ثمنه الحقيقي سبعة جنيهات أي أنه اختلس فرق الثمن واستعمل سلطة وظيفته لمصلحته الخاصة. وهذا القذف يستوجب عقاب فاعله إلا إذا أثبت صحة ما قذف به وكان حسن النية ولا يقصد إلا المصلحة العامة.
ومن حيث إن ما استخلصته محكمة الموضوع بعد تحقيق هذه الواقعة يؤدي إلى أن القاذف لم يثبت شيئاً مما قذف به. فلم يكن علي بك المنزلاوي وزيراً للزراعة وقت شرائه تقاوي البرسيم، ولم يأخذ كل المحصول، ولم يختلس فرق الثمن، بل إنه اشترى بثمن المثل وعومل كغيره من أفراد الناس. لذلك يكون قول الحكم إن هذه الواقعة ثبتت في جوهرها غير مطابق للواقع الذي أثبته الحكم نفسه، ويكون المتهم مسئولاً عن القذف القائم على هذه الواقعة. ولا عبرة بما جاء في الحكم تبريراً لبراءة المتهم من أن علي بك المنزلاوي اشترى عشرة أرادب دفع ثمنها بعد مضي زمن في حين أن كثيرين من الأفراد رفض طلبهم، لأن هذه الواقعة الأخيرة لم ترد في مقال السياسة ولم تكن موضوع القذف.
ومن حيث إن محصل الوجه الثاني أن الحكم عند الفصل فيما نسبه المتهم إلى علي بك المنزلاوي من أنه اشترى منتجات الوزارة لنفسه لمناسبة واقعة أشجار قسم البساتين لم يرد فيه ما يعتبر إثباتاً لصحة هذه الواقعة. فرواية دولة محمد محمود باشا وثقة المحكمة بها لا تؤدي إلى صحتها. واعتقاد المحكمة صدق الموظف الذي ألقى بهذه الرواية لدولته لا تفيد صحتها لاحتمال أن تكون معلومات هذا الموظف خاطئة. والقانون يستلزم للبراءة أن يتقدّم الإثبات الكامل على صحة الواقعة. فإذا خلا الحكم من هذا الإثبات كان باطلاً لنقص أسبابه.
ومن حيث إنه جاء في الحكم أن جريدة السياسة نشرت بالعدد 3378 في 22 مارس سنة 1934 مقالاً تحت عنوان "وزير الزراعة يشتري ما تنتجه وزارة الزراعة فيحرم جمهور المزارعين منه". جاء فيه "يذكر القرّاء ما نشرنا من أشهر حين أخذ حضرة صاحب العزة علي بك المنزلاوي البرسيم التقاوي الموجود بوزارة الزراعة بثمن قدره جنيهان حين ارتفع سعر البرسيم التقاوي ارتفاعاً كبيراً. ويومئذ أجابتنا وزارة الزراعة إجابة لم تنف الخبر وإن حققت بعض الشيء منه. واليوم تكرّرت هذه المسألة فأخذ وزير الزراعة ما تنتجه الوزارة من أشجار الفاكهة بثمن بسيط جداً. فإذا سأل أحد من المزارعين وأصحاب الحدائق وطلب من الوزارة أن تعطيه شتلات أشجار الفاكهة هذه أجيب بأن الوزير حجزها لنفسه. وتفصيل ذلك أن وزارة الزراعة عرضت بمعرض الربيع منذ أربعة أيام أو خمسة أشجاراً للفاكهة منها شتلات برتقال نامية نموّاً حسناً. وقد سأل بعض كبار الملاك عن ثمن هذه الشتلات فقيل له إن ثمن الشتلة الواحدة منها ثلاثة قروش فقط. وقد رأى السائل هذا السعر حسناً جداً وطلب حجز الشتلات المعروضة فقيل له إن وزير الزراعة حجزها لنفسه. وبذلك كانت وزارة الزراعة تعرض لحساب وزير الزراعة لا لحسابها ولا لحساب الجمهور. ولا ريب في أن هذا أمر يدعو إلى الدهشة، فالمفهوم أن الموظف يجب أن يكون آخر من يستفيد من عمل يتم في دائرة وظيفته كما يجب أن يفضل الجمهور أوّلاً. وإذا كان ذلك هو الشأن بالنسبة للموظفين إطلاقاً فأحر به أن يكون الشأن بالنسبة للوزراء. فإذا تبين أن الوزير في وزارة ما يشتري ما تنتجه الوزارة كان معنى ذلك اعتبار هذه الوزارات دوائر خاصة للعمل لمصلحة الوزير لا لمصلحة الجمهور ولا للمصلحة العامة. وكثيراً ما سمعنا من هذا القبيل أن الجمهور يطلب أسمدة معينة أو بذوراً معينة لفواكه أو لأزهار فلا يستطيع الحصول عليها لسبب من نوع هذا الذي قدّمنا فهل يقال مع ذلك إن مصلحة الجمهور والمصلحة العامة هي التي تراعى في هذا العهد من عهود الحكم بمصر".
ومن حيث إن الحكم أثبت بعد ذلك أنه تبين من كل ما تقدّم أن ما نشرته جريدة السياسة عن أشجار المعرض صحيح بدليل ما شهد به محمد محمود باشا الذي تثق المحكمة بشهادته تمام الثقة من أن موظف وزارة الزراعة المتولي عرض منتجاتها في المعرض أخبره عند ما أظهر رغبته في شراء بعض الأشجار أنها محجوزة لوزير الزراعة، وترى المحكمة أنه كان صادقاً في إخباره بذلك لأن طلب محمد محمود باشا كان فجائياً ولا يوجد أي باعث يدعو هذا الموظف إلى أن يختلق هذه الواقعة ضد وزيره. ولكنه لما انكشف الأمر أريد إخفاء الحقيقة فجمع ثمن ما تورّد من بيع المنتجات في ثلاث قسائم تاريخها 22 مارس سنة 1934 أي يوم نشر المقال عن هذه الواقعة رغماً عن تعدّد المشترين واختلاف محال إقامتهم وعدم وجود أي رابطة بينهم، ثم تحررت ثلاثة أذونات تحميل في يوم واحد بتاريخ 21 مارس سنة 1934 أي بعد انتهاء المعرض، فضلاً عما حوته تلك الأذونات من التصحيح في الأرقام دون غيرها من الأذونات الواردة بالدفتر مما يدل على أن في الأمر شيئاً أريد ستره. ولذلك لا تلتفت المحكمة إلى ما جاء بمذكرة المساعد الفني الرقيمة 30 مايو سنة 1934 من أنه لم يتقدّم إليه أحد لشراء أشجار ورفض طلبه، لأنه ليس في وسعه أن يقرّر غير ذلك بعد أن وصلت المسألة إلى حدّ إصدار بلاغ رسمي من الوزارة بتكذيبها. وكذلك لا تعوّل المحكمة على ما جاء بمذكرته الأخرى الرقيمة 21 إبريل سنة 1935 التي أخذ يبرر فيها تصرفه في توريد الثمن بعد انتهاء المعرض وفي قوله بأن تسليم الأشجار لا يتم إلا في نهاية المعرض وعندئذ يحصل الثمن ويورد الخزانة لأنه إن صح إرجاء التسليم إلى نهاية المعرض فإن الثمن يجب تحصيله فوراً لكي يعتبر أن البيع تم.
ومن حيث إنه يبين مما تقدّم أن الحكم اعتمد في ثبوت واقعة أشجار المعرض على شهادة محمد محمود باشا وعلى رواية من أخبره وهو شخص مجهول لم تسمعه المحكمة كما اعتمدت على جمع ما تورّد من بيع المنتجات في ثلاث قسائم.
ومن حيث إن شهادة محمد محمود باشا غير منتجة في الدعوى لأنه ناقل عن شخص مجهول لم تسمعه المحكمة فلا يجوز لها أن تؤسس حكمها على رواية شخص مجهول ولا على أقوال من نقل عنه.
ومن حيث إنه لا يبقى بعد ذلك محل للتعويل على ما ارتكنت عليه المحكمة من جمع المبيعات كلها في ثلاث قسائم ووجود بعض التصليحات فيها لأن ذلك وحده لا ينتج عقلاً صحة الواقعة.
ومن حيث إنه بناء على ذلك يصبح الحكم فيما يتعلق بهذه الواقعة خلواً من الدليل على صحتها ومن ثم يكون المتهم مسئولاً عن جريمة القذف القائمة على هذه الواقعة أيضاً.
ومن حيث إن محصل الوجه الثالث أن المتهم نشر مقالاً بجريدة السياسة في 12 نوفمبر سنة 1933 جاء فيه أن وزير الزراعة الحالي ووزير الأوقاف سابقاً يمتلك أرضاً يستحق عليها نحو ألف جنيه ضرائب عقارية كل سنة والناس يتحدّثون بأن عزته لم يدفع هذه الضرائب من ثلاث سنوات. ونشر في مقال 15 نوفمبر سنة 1933 أن الحكومة فوجئت وهي في عنفوان العمل الذي تبذله في سبيل إنقاذ النزاهة أن وزيراً ممن يساهمون في عملية هذا الإنقاذ ويسعون لتلك الغايات النبيلة لم يدفع الضرائب العقارية المستحقة عليه للحكومة والتي تزيد على ثلاثة آلاف جنيه. وهذه العبارات تدل على أن الكاتب يعتقد أن الضرائب التي يدفعها علي بك المنزلاوي سنوياً تقرب من ألف جنيه وأنه متأخر في سداد أموال ثلاث سنوات كاملة أي أنه لم يدفع شيئاً من الضرائب مدة ثلاث سنوات. وقد حققت المحكمة هذه الواقعة فظهر لها أن علي بك يدفع سنوياً مبلغاً يتراوح بين 6500 جنيه و7000 جنيه ضرائب عقارية وأنه في إبريل سنة 1933 كان مطلوباً منه 3244 جنيهاً وهذا أقل من نصف مال السنة الواحدة أضيف إليه 6923 جنيهاً مال سنة 1933 فأصبح المجموع 10170 جنيهاً، دفع منها بين إبريل سنة 1933 وإبريل سنة 1934: 7570 جنيهاً فأصبح الباقي عليه من ذلك التاريخ 2600 جنيه. وقد أوضح الطاعن للمحكمة أن عدم دفع المال عند استحقاق القسط لا يعتبر تأخيراً لأن رجال التحصيل يحتاجون إلى الوقت اللازم لجمعه لحين حلول القسط الثاني. وإن أقل الناس إلماماً بهذه الشئون يعلم أن قيد مال السنة طلباً على المموّل لا يفيد تأخيره مطلقاً، وإنه حتى بفرض أن علي بك المنزلاوي كان متأخراً في مبلغ 3244 جنيهاً في إبريل سنة 1933 وهو التاريخ السابق لنوفمبر سنة 1933 عند ما كتبت السياسة مقالات القذف فهو لم يكن متأخراً في أموال ثلاث سنوات كما أراد الكاتب أن يقول وكما أكد ذلك في مقاله الثاني بتاريخ 15 نوفمبر سنة 1933. فالواقعة إذاً في جوهرها غير صحيحة.
ومن حيث إن المتهم نشر جملة مقالات بجريدة السياسة بينها الحكم. قال في الأولى منها وهي الرقيمة 12 نوفمبر سنة 1933 إن علي بك المنزلاوي يمتلك أرضاً يستحق عليها نحو ألف جنيه ضرائب عقارية كل سنة والناس يتحدّثون بأن عزته لم يدفع هذه الضرائب منذ ثلاث سنوات ويتحدّثون أكثر من هذا بأن حجوزات كانت توقعت على زراعته وفاء للمبالغ المطلوبة للضرائب العقارية، وأن العزبي باشا وكيل الداخلية كان قد أصر على أن يتخذ إجراءات لاستيفاء هذه المبالغ ثم طلب إليه أن يسكت فسكت. ونشر في مقال 15 نوفمبر سنة 1933 أن وزيراً ممن يساهمون في عملية هذا الإنقاذ ويسعون لتلك الغايات النبيلة لم يدفع الضرائب العقارية المستحقة عليه للحكومة والتي تزيد عن ثلاثة آلاف جنيه، كما نشر جملة مقالات أخرى مندّداً بتأخر علي بك المنزلاوي في دفع الضرائب في حين أنها تجبى من الفلاح بالكرباج ومتسائلاً عما تم في الحجوزات التي توقعت على زراعاته.
ومن حيث إن الحكم أثبت أنه ظاهر من الكشف المرسل من مصلحة الأموال المقرّرة بتاريخ 23 فبراير سنة 1935 أن المتأخر علي المنزلاوي بك كان لغاية إبريل سنة 1932 مبلغ 2696 جنيهاً و983 مليماً فصار في آخر إبريل سنة 1932 3244 جنيهاً و289 مليماً ثم صار في آخر إبريل سنة 1934 مبلغ 2600 جنيه و42 مليماً. وظاهر أيضاً من كشوف الحجوزات أنه توقع بناحية أبو صير ستة حجوزات بينها حجز توقع في 17 نوفمبر سنة 1932 نظير مبلغ 542 جنيهاً و198 مليماً وتحدّد للبيع يوم 28 ديسمبر سنة 1932 ثم رفع الحجز في 24 و29 نوفمبر سنة 1933، وآخر توقع في 8 ديسمبر سنة 1932 نظير مبلغ 1581 جنيهاً و599 مليماً، وتحدّد للبيع يوم 18 يناير سنة 1933، ثم رفع الحجز للسداد في 20 أغسطس سنة 1933 و14 أكتوبر و13 نوفمبر و22 ديسمبر سنة 1933، وتوقع بناحية كفر العرب جملة حجوزات بينها ثلاثة ذكر أمام اثنين منها أنهما تبدّداً وتجدّد بدلهما وأمام الثالث أنه تبدّد ثم حصل السداد. كما توقع بناحية سنباط جملة حجوزات منها حجز نظير مبلغ 52 جنيهاً و127 مليماً توقع بتاريخ 16 أكتوبر سنة 1932 وحدّد للبيع يوم 25 ديسمبر سنة 1932 ورفع الحجز في 15 أكتوبر سنة 1932 للسداد بعد أن تبدّد الحجز وتوقع بناحية سمنود حجزان أحدهما بتاريخ 13 سبتمبر سنة 1933 وحدّد للبيع يوم أوّل نوفمبر سنة 1933 ورفع الحجز للسداد في 14 ديسمبر سنة 1934 كما توقع بناحية محلة زياد حجزان أحدهما نظير مبلغ 128 جنيهاً و214 مليماً توقع بتاريخ 27 أغسطس سنة 1933 وتحدّد للبيع 14 أكتوبر سنة 1933 ثم رفع الحجز في 20 أغسطس سنة 1934 للسداد.
ومن حيث إن الحكم خلص من ذلك إلى القول بأن علي بك المنزلاوي وقت أن كتبت جريدة السياسة مقالاتها كان متأخراً في تسديد ما عليه من الأموال، وأنه تبين من كشوف الحجوزات السابق الإشارة إليها أن المنزلاوي بك كان يعامل معاملة خاصة فيها كثير من المراعاة بدليل أن الحجوزات التي كانت تتوقع على المحصولات كانت تحدّد لها أيام للبيع فإذا جاء الأجل لا يحصل البيع بل تنقضي فترات طويلة جداًً حتى يحصل السداد. وقد وصلت في بعض هذه الحجوزات ثلاثة عشر شهراً، كما حصل في الحجز المتوقع بناحية سمنود حيث تحدّد للبيع أوّل نوفمبر سنة 1933 ورفع الحجز للسداد في 14 ديسمبر سنة 1934 وبدليل أن الحجوزات التي تبدّد وتحرّر عنها محاضر تبديد لم يتخذ فيها أي إجراء بالنسبة للمبدّدين. ثم رد الحكم على ما قاله الحاضر عن المنزلاوي بك من أن جريدة السياسة عند ما نشرت عنه أنه لم يدفع الضرائب العقارية المستحقة عليه ثلاث سنوات لم تكن صادقة لأن المنزلاوي بك على فرض أنه لم يدفع شيئاً من الأموال من إبريل سنة 1933 إلى نوفمبر سنة 1933 فإن المتأخر عليه لا يزيد عن أموال سنة واحدة لا ثلاث - رد الحكم على الاعتراض فقال إن المحكمة لا تراه منطبقاً على الواقع لأنه ثبت من كشف المتأخرات أن مبلغاً يتفاوت بين 2600 جنيه و3244 جنيهاً تأخر في ذمة علي بك المنزلاوي من سنة 1932 إلى سنة 1934 أي نحو ثلاث سنين وليس في مقالات جريدة السياسة ما يدل على أنها أرادت أن تقول إنه تأخر في كامل أموال الثلاث سنين.
ومن حيث إنه يؤخذ من هذه الوقائع التي أثبتها الحكم أن المتهم أثبت لمحكمة الموضوع أن علي بك المنزلاوي متأخر في دفع الأموال، وأن هذا التأخير استمر ثلاث سنين، وأن علي بك المنزلاوي يعامل معاملة خاصة من جهة عدم السير في إجراءات البيع عند حلول مواعيده وهذا الذي أثبته المتهم هو جوهر واقعة القذف التي نسبها للطاعن. ولذلك يكون الحكم قد أصاب الحقيقة إذ برأ المتهم من هذه التهمة ويكون هذا الوجه على غير أساس ويتعين رفضه.
ومن حيث إنه يظهر مما تقدّم جميعه أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون على الواقعتين الثابتتين فيه وهما واقعة تقاوي البرسيم وواقعة أشجار المعرض، ولذلك وجب نقضه فيما قضي بشأنهما وإلزام حفني بك محمود الذي حرر ونشر مقالات القذف التي اشتملت على الواقعتين المذكورتين ومحمود عبد الرازق باشا صاحب امتياز جريدة السياسة والمسئول مدنياً عما يرتكبه رئيس التحرير من جرائم النشر بالتعويض الذي يستحقه علي بك المنزلاوي بسبب ما ناله من الضرر الناشئ عن فعلهما وتقدّر المحكمة هذا التعويض بمبلغ مائة جنيه يحكم به على المدعى عليهما متضامنين.