أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 8 - صـ 148

جلسة 7 من فبراير سنة 1957

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: اسحق عبد السيد، وأحمد قوشه، ومحمد متولي عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.

(18)
القضية رقم 7 سنة 26 القضائية "أحوال شخصية"

وقف. وقف خيري. الرجوع فيه. وقف خيري صدر قبل العمل بالقانون رقم 48 لسنة 1946 حرم الواقف فيه نفسه وذريته من الاستحقاق ومن الشروط العشرة وجعل الاستحقاق لغيره. عدم جواز الرجوع فيه. التحدي بالفقرة الثالثة من المادة 11 من القانون المذكور التي تتحدث عن وقف المسجد. لا يصح.
لا يجوز الرجوع في الوقف الخيري الصادر قبل العمل بالقانون رقم 48 لسنة 1946 إذا حرم الواقف نفسه وذريته من الاستحقاق ومن الشروط العشرة وجعل الاستحقاق لغيره وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 11 من ذلك القانون. ولا يصح التحدي بأنه لو صح هذا الفهم لما كان هناك محل لإيراد الفقرة الثانية من المادة المذكورة التي تتحدث عن وقف المسجد. ذلك لأن المشرع إنما أراد بالفقرة الثالثة أن يقرر عدم جواز الرجوع في وقف المسجد أو ما وقف على المسجد إطلاقاً سواء كان انعقاده قبل العمل بذلك القانون أو بعد ذلك فلا يجوز الرجوع فيه في الأحوال التي يجوز فيها الرجوع في الوقف الخيري.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد
المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعن أشهد على نفسه بتاريخ 11 من مارس سنة 1939 بأنه وقف قطعة أرض مساحتها 176.9 متراً ببندر المنيا ليقام عليها مبنى لتحفيظ القرآن أو أي عمل من أعمال البر والإحسان وشرط النظر لنفسه مدة حياته ومن بعده لمن وردت أسماؤهم بحجة الوقف على التعاقب، وفي سنة 1954 طلب إلى محكمة المنيا الشرعية في مادة التصرفات رقم 12 لسنة 1954 أن تسمع إشهاداً منه بالرجوع عن وقفه المذكور ليصير العقار الموقوف مملوكاً له، وفي 8 من ديسمبر سنة 1955 قررت المحكمة رفض الطلب، فاستأنف هذا القرار. وفي 10 من مارس سنة 1956 قضى بتأييد الحكم المستأنف، فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وطلب الطاعن إحالته على دائرة المواد المدنية ومسائل الأحوال الشخصية، وطلبت النيابة رفض الطعن، فقررت المحكمة إحالته على هذه الدائرة ثم حدد لنظره جلسة 17 من يناير سنة 1957، وصممت النيابة أمام هذه الهيئة على طلب رفض الطعن.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله ذلك أنه أقام قضاءه على أن المادة 11 من القانون رقم 48 سنة 1946 تقضي بأنه يجوز للواقف أن يرجع عن وقفه ما دام حياً أهلياً كان أو خيرياً إلا في أحوال ثلاثة مستثناة: الأولى منها حالة ما إذا جعل الواقف الاستحقاق لغيره وحرم نفسه وذريته من الاستحقاق ومن الشروط العشرة. والثانية حالة ما إذا جعل الواقف الاستحقاق لغيره وثبت أن الاستحقاق كان في نظير عوض مالي أو ضماناً لحقوق ثابتة قبل الواقف. والحالة الثالثة هي حالة وقف المسجد ابتداء وما وقف عليه ابتداء. ورتب الحكم على ذلك أن الطاعن وقد وقف على غيره وحرم نفسه وذريته من الاستحقاق ومن الشروط العشرة فإنه لا يكون له حق الرجوع في وقفه، ووجه الخطأ في ذلك أنه يبين من نص المادة 11 سالفة الذكر أن الأصل هو أنه يجوز للواقف الرجوع عن وقفه مطلقاً أهلياً كان أو خيرياً والاستثناء لا يكون إلا في صورتين الأولى منهما هي ما تناولته الفقرة الثانية من المادة وهي حالة ما إذا جعل الواقف الوقف على غيره وحرم نفسه وذريته من الشروط العشرة أو يكون الواقف قد جعل الاستحقاق لغيره نظير عوض مالي أو لضمان حقوق ثابتة في ذمته، والصورة الأخرى هي ما نصت عليه الفقرة الثالثة بخصوص وقف المسجد فقالت "ولا يجوز الرجوع ولا التغيير في وقف المسجد ولا فيما وقف عليه" ثم عدلت هذه الفقرة بعد ذلك بالقانون رقم 78 سنة 1947 فأصبح نصها: "ولا يجوز الرجوع ولا التغيير في وقف المسجد ابتداء ولا فيما عليه ابتداء" ويقول الطاعن إن القيود التي أوردتها الفقرة الثانية فقيدت بها حق الواقف في الرجوع عن وقفه لا تنصرف إلا إلى الوقف الأهلي وهو ما يتصور فيه أن يكون الواقف قد عقده في نظير عوض مالي أو ضماناً لحقوق ثابتة في ذمته ولكنه لا يجوز ولا يتصور في الوقف الخيري. ومن ثم فإنه يجوز للواقف أن يرجع عن وقفه الخيري إطلاقاً لا يستثنى من ذلك إلا وقف المسجد ابتداء أو ما وقف على المسجد ابتداء إذ لو قصد المشرع إلى غير ذلك لما كان بحاجة إلى وضع نص خاص باستثناء وقف المسجد اكتفاء بالنص العام الوارد بالفقرة الثانية من المادة 11 من القانون ودلالة إيراد هذا النص الخاص هو أن وقف المسجد وما وقف على المسجد هو وحده المستثنى من الوقف الخيري الذي يجوز للواقف أن يرجع عنه.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه في خصوص ما ينعاه الطاعن على قوله "ومن حيث إن هذا الذي ذهب إليه الطالب - الطاعن - لا سند له من القانون لأن المادة 11 عامة تشمل كل وقف فيجوز للواقف أن يرجع عن وقفه ما دام حياً أهلياً كان أو خيرياً إلا في الأحوال المستثناة في المادة المذكورة وهي أحوال ثلاثة الحالة الأولى إذا جعل الواقف الاستحقاق لغيره وحرم نفسه وذريته من الاستحقاق ومن الشروط العشرة والحالة الثانية إذا جعل الواقف الاستحقاق لغيرة وثبت أن الاستحقاق كان في نظير عوض مالي أو ضماناً لحقوق ثابتة والحالة الثالثة وقف المسجد وما وقف عليه، أما الدليل على أن المادة المذكورة عامة تشمل كل وقف أهلياً كان أو خيرياً لا لبس فيها وكذلك جملة "فيما وقفه قبل العمل بهذا القانون" في الفقرة الثانية فهي تشمل كل وقف صادر قبل العمل بالقانون رقم 48 لسنة 1946 أهلياً كان أو خيرياً فعبارة المادة صريحة تجيز للواقف أن يرجع عن وقفه سواء كان وقفاً أهلياً أو خيرياً إلا في الأحوال الثلاثة المستثناة في المادة 11 المذكورة، وقول الطالب إن الفقرة الثانية من المادة 11 خاصة بالوقف الأهلي تنافيه عبارة المادة نفسها ولا تقييد فيها بكون الوقف أهلياً أو خيرياً بل فيها ما يدل على أنها عامة كما بينا.
ومن حيث إن ما قرره الطالب في مذكرته المودعة بالملف من أنه يجوز للواقف الرجوع في كل وقف خيري بلا قيد ولا شرط إلا وقف المسجد وما وقف عليه فهذا تقرير لا سند له من القانون لأن أحكام الرجوع عن الوقف مبينة في المادة المذكورة ولم تأت هذه المادة بهذا الحكم الذي يقول به الطالب... إنما أباحت الرجوع من الواقف في كل وقف خيري أو أهلي إلا في الأحوال المستثناة فيها، ومما يؤيد هذا الرأي ما دار من مناقشة حول هذه المادة في مجلس النواب وفي مجلس الشيوخ... فمن مناقشة لجنة العدل بمجلس الشيوخ يبين أن المادة 11 عامة تشمل كل وقف أهلياً كان أو خيرياً إلا ما استثنى فيها من الحالات الثلاثة التي قدمناها، ويبين مما تقدم أن قول المستأنف - الطاعن - إن الفقرة الثانية من المادة 11 المذكورة خاصة بالوقف الأهلي وقوله إن كل وقف خيري يجوز للواقف الرجوع فيه بدون قيد ولا شرط إلا المسجد وما وقف عليه لا سند له من القانون.
ومن حيث إن الوقف المطلوب الرجوع عنه... وقف صادر قبل العمل بالقانون رقم 48 لسنة 1946 وقد حرم الطالب نفسه وذريته من الاستحقاق ومن الشروط العشرة فهو وقف لا يجوز الرجوع فيه عملاً بالفقرة الثانية من المادة 11 المذكورة.
وحيث إن هذا الذي أقام الحكم قضاءه عليه لا مخالفة فيه للقانون ذلك أنه ظاهر من سياق نص الفقرة الثانية من المادة 11 من القانون رقم 48 لسنة 1946 أن المشرع قصد إلى تحريم رجوع الواقف عن وقفه السابق على العمل بالقانون رقم 48 لسنة 1946 إذ حرم نفسه وذريته من الاستحقاق ومن الشروط العشرة وجعل الاستحقاق لغيره إذ لفظ الغير عام مطلق يشمل كل من عدا الواقف جهة كان هذا الغير أو من أهل الاستحقاق أهلياً كان الوقف أو خيرياً فمتى توافرت شروط الاستثناء الواردة في هذه الفقرة امتنع على الواقف أن يرجع عن وقفه أياً كان هذا الوقف، ولا يدفع هذه الحجة ما يقول به الطاعن من أن المشرع قصد إلى إباحة رجوع الواقف عن وقفه إطلاقاً سواء كان ذلك قبل العمل بالقانون رقم 48 لسنة 1946 أو بعد ذلك فيما عدا حالة وقف المسجد أو ما وقف على المسجد بدليل أنه أفرد لهذه الحالة الأخيرة فقرة خاصة هي الفقرة الثالثة من المادة 11 ذلك أن الحكمة التي اقتضت هذا النص الخاص هي تقرير قاعدة شرعية أجمع عليها أئمة الفقهاء وهي عدم جواز الرجوع في وقف المسجد أو ما وقف على المسجد إطلاقاً فأراد المشرع أن يدفع كل شبهة في عدم جواز الرجوع عن هذا الوقف متى انعقد سواء كان انعقاده قبل العمل بالقانون رقم 48 لسنة 1946 أو بعد ذلك ولا يجوز الرجوع فيه في الأحوال التي يجوز فيها الرجوع في الوقف الخيري فالفقرة الثالثة تقرر حكماً خاصاً بالمسجد لا يغني عنه ما سبق أن قررته المادة من أحكام بشأن الأوقاف الخيرية الأخرى.
وحيث إنه يبين من ذلك أن الطعن لا يستند إلى أساس ويتعين رفضه.