أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 8 - صـ 158

جلسة 21 من فبراير سنة 1957

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: اسحق عبد السيد، ومحمد عبد الواحد علي، وأحمد قوشه، وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.

(20)
القضية رقم 74 سنة 23 القضائية

( أ ) بيع. فسخ "الشرط الفاسخ الضمني" عدم انفساخ عقد البيع إعمالاً للشرط الفاسخ الضمني في القانون المدني القديم والجديد إلا بإعذار المدين بالوفاء وتخلفه عن الوفاء حتى صدور الحكم النهائي. امتناع جواز الحكم بالفسخ إذا قام بتنفيذ التزامه قبل ذلك.
(ب) بيع. فسخ. هلاك الشيء المبيع. قضاء مستعجل. عدم انفساخ عقد البيع ببيع البضاعة المتعاقد عليها بأمر من القضاء المستعجل خشية تلفها حتى يفصل في النزاع القائم بين الطرفين. لا محل للقياس على حالة هلاك المبيع. المادة 297 مدني قديم و437 مدني جديد.
1 - لا يعتبر عقد البيع - في ظل القانون المدني القديم والجديد على السواء - مفسوخاً إعمالاً للشرط الفاسخ الضمني بمجرد تخلف البائع أو المشتري عن القيام بالتزامه بل يتعين لكي تقضي المحكمة بإجابة من يطلب الفسخ إلى طلبه أن يكون قد نبه على الطرف الآخر بالوفاء أي بأعذاره وأن يظل هذا الأخير متخلفاً عن الوفاء حتى صدور الحكم النهائي. فإذا قام المدين بتنفيذ التزامه قبل ذلك امتنع قانوناً جواز الحكم بالفسخ.
2 - بيع البضاعة المتعاقد عليها بأمر من القضاء المستعجل خشية تلفها حتى يفصل في النزاع القائم بين الطرفين بشأن البيع الصادر بينهما لا يؤدي إلى انفساخ هذا العقد ولا يسوغ في ذاته الفسخ إذ أن بيع البضاعة على هذا الوجه لا يقاس بهلاك الشيء المبيع الموجب لانفساخ عقد البيع ذلك أن الهلاك الذي نصت عليه المادة 297 من القانون المدني القديم المقابلة للمادة 437 من القانون الجديد هو زوال الشيء المبيع من الوجود بمقوماته الطبيعية بسبب آفة سماوية أو حادث مادي بفعل إنسان، أما بيع الشيء بأمر القضاء المستعجل خشية التلف فهو إجراء وقتي قصد به صيانة الشيء المبيع من الهلاك وحفظ قيمته لحساب من يقضي بالتسليم إليه ونقل النزاع الذي كان دائراً حول عين معينة إلى بديلها وهو الثمن المتحصل من بيعها وهو الذي ينصرف إليه أثر عقد البيع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أنه بتاريخ 11/ 3/ 1949 اتفقت الشركة الطاعنة على أن تبيع للشركة المطعون عليها 111 طناً من الحديد المبطط بسعر الطن 45 جنيهاً تسليم مخازن الطاعنة بالإسكندرية على أن تشحن البضاعة بمعرفة البائعة إلى محطة رملة بولاق لحساب المشترية ولم يحدد الاتفاق ميعاداً للتسليم كما لم يحدد طريقة معينة إلا أنه بتاريخ 21/ 3/ 1949 وافقت المطعون عليها أن يكون الشحن بالسيارة على حسابها بسعر الطن 160 قرشاً وتنفيذاً لذلك تسلمت المطعون عليها 46 طناً تقريباً ولم يحصل استلام باقي الكمية فبادرت الطاعنة عليها في 14/ 4/ 1949 للإسراع في الاستلام ثم عادت إلى إخطارها بذلك مرة أخرى لاستلام الـ 65 طناً الباقية خلال مدة لا تتجاوز آخر شهر مايو سنة 1949 وإلا كانت الطاعنة غير مسئولة عن هذا التأخير وكانت المطعون عليها ملزمة بمصاريف التخزين والتأمين والفوائد ولما لم تحظ الطاعنة يرد من المطعون عليها أعذرتها بالاستلام 6/ 6/ 1949 منذرة باتخاذ الإجراءات القضائية إن لم تستلم في خلال عشرة أيام وبتاريخ 14/ 6/ 1949 ردت المطعون عليها بشحن باقي الكمية المبيعة عن طريق شركة مصر للملاحة النهرية فردت الطاعنة بالقبول ثم عادت فأبلغت المطعون عليها في 10/ 8/ 1949 بتعذر الشحن عن هذا الطريق لقلة المياه في قناة المحمودية ولانشغال وحدات شركة مصر النهرية في أعمال النقل لوزارة التموين وطلبت اختيار طريقة أخرى للشحن ثم عادت فشحنت الحديد فعلاً في 12/ 8/ 1949 بمقولة إنها تمكنت من تذليل صعوبة الشحن وأخطرت المطعون عليها بذلك في 16/ 8/ 1949 إلا أن المطعون عليها رفضت الاستلام لأنها كانت قد أرسلت خطاباً للطاعنة في 15/ 8/ 1949 تخطرها فيه بأنها تعتبر العقد مفسوخاً لتأخير الطاعنة في الشحن مدة شهرين لاتستسيغها المعاملات التجارية وردت الطاعنة في 17/ 8/ 1949 بأن التأخير يرجع إلى اختيار المطعون عليها الشحن بالطريق النهري الذي تعذر استعماله في هذه المدة لقوة قاهرة وبناء على ذلك رفعت الطاعنة ضد المطعون عليها الدعوى رقم 2017 تجاري كلي مصر طالبة إلزامها بأن تدفع إليها مبلغ 2726 جنيهاً و504 مليمات وهو ثمن الكمية الباقية طبقاً للسعر المتفق عليه في العقد بعد خصم 233 جنيهاً و18 مليماً قيمة العربون المدفوعة مقدماً فأرسلت المطعون عليها إلى الطاعنة إنذاراً في 24/ 10/ 1949 عرضت فيه استعدادها لدفع ثمن هذه الكمية طبقاً للتسعير الجبري الذي كان قد يحدد في أغسطس سنة 1949 وجملة الثمن على هذا الأساس 2077 جنيهاً و90 مليماً بعد خصم رصيد الشركة المطعون عليها لدى الطاعنة وعرضت هذا المبلغ بشيك على بنك باركليز ثم عادت فأرسلت الطاعنة إنذاراً آخر في 4/ 1/ 1950 تعرض فيه استلام الحديد ودفع الثمن حسب التسعير الجبري على أن يترك للقضاء الفصل في أمر الفرق المختلف عليه وبجلسة 26/ 1/ 1950 أمام محكمة الدرجة الأولى قبلت الطاعنة هذا العرض ولكن المطعون عليها اشترطت رفع الحجز الموقع على أموالها تحت يد البنك ولم تقبل الطاعنة ذلك وفشل العرض وأودع البنك المحجوز لديه مبلغ 2946 جنيهاً و504 مليمات في خزانة المحكمة ثم رفعت المطعون عليها ضد الطاعنة الدعوى رقم 859 سنة 1950 تجاري كلي مصر وطلبت فيها الحكم بفسخ عقد البيع المحرر بتاريخ 11/ 3/ 1949 بالنسبة لكمية الحديد الباقية وإلزام الطاعنة بأن تدفع لها مبلغ 233 جنيهاً و18 مليماً والفوائد مع تعويض قدره 1500 جنيه وتقرر ضم الدعويين وفي خلال ذلك رفعت الطاعنة الدعوى رقم 540 سنة 1950 مستعجل مصر طلبت فيها تعيين حارس لبيع الحديد خشية تعرضه للتلف وقضى بذلك وبيع الحديد فعلاً وبلغت حصيلة ثمنه 1204 جنيهات و690 مليماً تسلمتها الطاعنة ولذا عدلت طلباتها إلى مبلغ 1521 جنيهاً و814 مليماً وبتاريخ 26/ 5/ 1951 قضت محكمة الدرجة الأولى أولاً - في دعوى المطعون عليها رقم 859 سنة 1950 برفضها وإلزامها بمصاريفها - ثانياً - في الدعوى رقم 2017 سنة 1949 تجاري كلي مصر بإلزام المطعون عليها بأن تدفع للطاعنة مبلغ 1288 جنيهاً و726 مليماً والفوائد بواقع 5% من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة في 10/ 10/ 1949 حتى السداد والمصاريف بما في ذلك مصاريف الدعوى المستعجلة و500 قرش مقابل أتعاب المحاماة فاستأنفت المطعون عليها هذا الحكم بالقضية رقم 474 سنة 68 ق محكمة استئناف القاهرة كما استأنفته الطاعنة استئنافاً مقابلاً قيد برقم 637 سنة 69 ق بالنسبة لمبلغ 233 جنيهاً و18 مليماً التي خصمها الحكم الابتدائي رغم أن هذا الخصم كان قد أجرى فعلاً بواسطة الطاعنة. وبتاريخ 9/ 12/ 1952 قضت محكمة الاستئناف بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع أولاً - برفض استئناف الطاعنة وإلزامها بمصروفاته - ثانياً في استئناف المطعون عليها بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعنة وإلزامها بمصروفاتها عن الدرجتين وبإلزامها بأن تدفع للمطعون عليها مبلغ 233 جنيهاً و18 مليماً والفوايد 6% من تاريخ المطالبة الحاصلة في 24/ 10/ 1949 حتى السداد والمصاريف المناسبة عن الدرجتين فقررت الطاعنة بالطعن في الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى هذه الدائرة وأبدت النيابة العامة رأيها برفض الطعن.
وحيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه اعتبر أن مجرد تأخير الطاعنة في شحن الحديد المبيع إلى المطعون عليها موجب لفسخ عقد البيع في حين أن الفسخ لا يقع بمجرد عدم تنفيذ الالتزام بل يتعين أن يسبقه إعذار من الدائن للمدين يكلفه فيه رسمياً بالوفاء بالتزامه وإلا قضى بفسخه والثابت في واقعة الدعوى أن المطعون عليها لم تعذر الطاعنة بالتسليم بل أنها قد تجاوزت عن التأخير في الشحن وطلبت بإنذاريها المؤرخين 24/ 10/ 1949 و4/ 1/ 1950 استلام الحديد ونازعت فقط في قيمة الثمن طالبة احتسابه على أساس السعر الجبري الذي تحدد بعد تاريخ الاتفاق لا على أساس السعر المتفق عليه في عقد البيع هذا إلى أن الحكم قد أخطأ أيضاً في القانون إذ اعتبر أن عقد البيع قد انفسخ لمجرد أن الحديد قد بيع بأمر القضاء المستعجل ذلك أن الفسخ لا يقع إلا بالتراضي أو بحكم القضاء أما حكم القضاء المستعجل يبيع الحديد خشية التلف فلا يعتبر قضاء بالفسخ كما أن واقعة البيع المادية لا تعتبر في ذاتها موجبة للفسخ. وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أن عقد البيع في ظل القانون المدني القديم والجديد على السواء لا يعتبر مفسوخاً إعمالاً للشرط الفاسخ الضمني بمجرد تخلف البائع أو المشتري عن القيام بالتزامه بل يتعين لكي تقضي المحكمة بإجابة من يطلب الفسخ إلى طلبه أن يكون قد نبه على الطرف الآخر بالوفاء أي بأعذاره وأن يظل هذا الأخير متخلفاً عن الوفاء حتى صدور الحكم النهائي فإذا قام المدين بتنفيذ التزامه قبل ذلك امتنع قانوناً جواز الحكم بالفسخ ويبين من واقعة الدعوى على ما أثبته الحكم الابتدائي ودلت عليه المستندات المقدمة من الطاعنة أن المطعون عليها وإن تمسكت بتأخير الطاعنة في شحن الحديد المبيع عن طريق شركة مصر للملاحة النهرية مدة شهرين وكتبت إليها في 15/ 8/ 1949 تقول بأنها تعتبر العقد مفسوخاً لهذا التأخير إلا أن الطاعنة كانت قد شحنت البضاعة فعلاً في 12/ 8/ 1949 قبل أن يصلها أي إنذار من المطعون عليها كما أن المطعون عليها قد عادت بعد رفع الدعوى ضدها فقبلت بإنذارها المؤرخ 24/ 10/ 1949 استلام البضاعة بثمن التسعير الجبري الذي تحدد بعد تاريخ الاتفاق وقدمت هذا الثمن بموجب شيك على بنك باركليز ثم عادت فكررت هذا العرض بإنذارها المؤرخ 4/ 1/ 1950 طالبة استلام الحديد مقابل الثمن المعروض مع ترك أمر الخلاف على الثمن للقضاء.
ولما رفض هذا العرض بجلسة 26/ 1/ 1950 أمام محكمة الدرجة الأولى بسبب اشتراطها رفع الحجز الموقع على أموالها تحت يد البنك طلبت المطعون عليها الفسخ بدعواها رقم 859 سنة 1950 تجاري كلي مصر التي ضمت لدعوى الطاعنة ومؤدى ذلك أن الطاعنة وقد شحنت الحديد ووضعته تحت تصرف المطعون عليها لاستلامه مقابل دفع الثمن المتفق عليه في العقد وأن المطعون عليها وقد قبلت الاستلام فعلاً وأنها نازعت في الثمن بمقولة إنه يجب أن يكون على أساس التسعير الجبري الذي تحدد في خلال مدة التأخير في الشحن يكون الطرفان في الواقع قد أعملا العقد أي أن البائعة قامت بالتسليم قبل الحكم بالفسخ، وقبلت المشترية الاستلام وإنما انحصر النزاع بين الطرفين فيمن يتحمل فرق السعر أهي الطاعنة باعتبارها مسئولة عن تعويض الخسارة الناشئة عن تقصيرها في الشحن في موعد مناسب كما تقول المطعون عليها أم هي المطعون عليها التي تتحمل هذه الخسارة باعتبار أن التأخير في الشحن كان بسبب اختيارها طريق الملاحة النهرية وما اعترضها من عقبات قهرية على حد قول الطاعنة ويبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه بعد أن ذهب إلى أن الشركة البائعة هي التي تسببت في هذه الخسارة بعملها الذي أتته مخالفاً للقانون وهو عدم الشحن في الوقت المناسب بغير عذر مقبول وعليها وحدها تقع تبعة ذلك... عاد فتنكب النتيجة اللازمة لهذه المقدمة على فرض صحتها وهي إلزام الطاعنة بتعويض الخسارة والقضاء لها بباقي الثمن إذ تخطى هذه النتيجة إلى القول بأنه على هدي ما تقدم تكون دعوى شركة التسليفات التجارية بكامل أجزائها على غير أساس... وأنه عن الرصيد فلا نزاع من جانب الشركة البائعة في ترتب هذا المبلغ في ذمتها... وأنه لا خلاف كذلك في أن عقد البيع قد انفسخ ببيع البضاعة المتعاقد عليها بمقتضى حكم قاضي الأمور المستعجلة بناء على طلب الشركة البائعة واستحال النزاع بعد ذلك على الثمن ولا ترى هذه المحكمة محلاً للبحث في أثر كتاب 15 من أغسطس سنة 1949 الذي بعث به المشتري للشركة البائعة يخطرها بفسخ التعاقد لتأخرها في إرسال البضاعة ثم قبول الصلح بعد ذلك على أساس الاستلام ودفع الثمن الذي حدده التسعير الجبري الجديد وما إذا كان يجوز له أو لا يجوز أن يطلب اعتبار العقد مفسوخاً بعد أن عدل عن كتابه السابق وارتضى الصلح ما دام أن عقد البيع قد انفسخ ببيع البضاعة وانتهت العلاقة القانونية بين الطرفين. وهذا الذي قرره الحكم مخالف للقانون ذلك أن الفسخ الذي قضى به ليست له مسوغاته القانونية من تنبيه بالوفاء وإصرار على عدم الوفاء حتى صدور الحكم النهائي بالفسخ على ما سلف بيانه كما أن بيع البضاعة المتعاقد عليها بأمر من القضاء المستعجل خشية تلفها حتى يفصل في النزاع القائم بين الطرفين لا يؤدي إلى انفساخ العقد ولا يسوغ في ذاته الفسخ إذ أن بيع البضاعة على هذا الوجه لا يقاس بهلاك الشيء المبيع الموجب لانفساخ عقد البيع على ما تقول المطعون عليها ذلك أن الهلاك الذي نصت عليه المادة 297 من القانون المدني القديم المقابلة للمادة 437 من القانون الجديد هو زوال الشيء المبيع من الوجود بمقوماته الطبيعية بسبب آفة سماوية أو حادث مادي بفعل إنسان أما بيع الشيء بأمر القضاء المستعجل خشية التلف فهو إجراء وقتي قصد به صيانة الشيء المبيع من الهلاك وحفظ قيمته لحساب من يقضي بالتسليم إليه ونقل النزاع الذي كان دائراً حول عين معينه بذاتها إلى بديلها وهو الثمن المتحصل من بيعها وهو الذي ينصرف إليه أثر عقد البيع.
وحيث إنه لما تقدم يكون الحكم قد أخطأ في تطبيق القانون ويتعين لذلك نقضه.