أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة 26 - صـ 364

جلسة 12 من فبراير سنة 1975

برياسة السيد المستشار أنور أحمد خلف وعضوية السادة المستشارين: محمد أسعد محمود، وجلال عبد الرحيم عثمان، وسعد الشاذلي، وعبد السلام الجندي.

(77)
الطعن رقم 59 لسنة 39 ق "أحوال شخصية"

(1) دعوى "التدخل في الدعوى". نقض "الخصوم في الطعن".
القضاء بعدم قبول تدخل الخصم هجومياً أمام محكمة أول درجة، وبعدم قبول تدخله انضمامياً في الاستئناف. أثره. عدم جواز اختصامه في الطعن بالنقض.
2 - قانون "القانون الأجنبي". وصية.
الشروط الموضوعة للوصية. خضوعها لقانون الموصي وقت وفاته الاستناد إلى قانون أجنبي. واقع. وجوب تقديم الدليل عليه. مثال بشأن الوصية في القانون اليوناني.
3 - عقد "شكل العقد". قانون. وكالة.
شكل العقد. خضوعه لقانون البلد المبرم فيه. عقد الوكالة الصادر في الخارج. عدم جواز التحدي بأحكام قانون الشهر العقاري 114 لسنة 1946.
(4) وكالة "إثبات الوكالة". محاماة.
صدور التوكيل في قبرص. التصديق عليه من السلطات الرسمية بها، وتصديق قنصلية جمهورية قبرص بالقاهرة أيضاً، ثم تصديق مديرية أمن القاهرة على صحة ختم القنصلية، كان لإسباغ صفة الوكالة على المحامي. خلو التوكيل من تصديق القنصل المصري بجمهورية قبرص. لا أثر له. علة ذلك.
(5) وصية. نقض "أسباب الطعن".
السبب الجديد، عدم جواز إبدائه لأول مرة أمام محكمة النقض. مثال بشأن عقد وصية.
(6) بيع "دعوى صحة التعاقد". دعوى "التدخل في الدعوى". صلح.
التدخل الخصامي في دعوى صحة التعاقد بطلب رفضها. وجوب الفصل في طلب التدخل قبل القضاء بصحة أو قبول الصلح بشأنه.
(7) استئناف "نطاق الاستئناف". حكم "استنفاد الولاية". صلح.
قضاء محكمة أول درجة بإلحاق عقد الصلح بمحضر الجلسة وبعدم قبول طلب التدخل. استنفاد ولايتها في النزاع. القضاء بإلغاء الحكم استئنافياً وقبول التدخل. وجوب المضي في نظر موضوع التدخل. علة ذلك.
(8) وصية. قانون "القانون الواجب التطبيق". أحوال شخصية.
صدور الوصية من يوناني الجنسية. وجوب تطبيق قانون بلد الموصي وقت وفاته. المادة 55 من القانون المدني. الملغي. لا محل لتطبيق القانون المدني المصري أو الشريعة الإسلامية.
(9) قانون "القانون الواجب التطبيق". نظام عام. بيع.
استبعاد أحكام القانون الأجنبي الواجب التطبيق. مناطه. مخالفتها للنظام العام أو الآداب في مصر. لا يدخل في هذا النطاق مجرد اختلاف أحكام القانون الأجنبي عن أحكام القانون الوطني بصدد الشرط المانع من التصرف.
(10) عقد "تفسير العقد". محكمة الموضوع.
تفسير العقود. مما تستقل به محكمة الموضوع ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة.
(11) وصية. قانون.
مهمة منفذ الوصية في القانون المدني اليوناني. الحصول على إذن بالتصرف في الأموال من محكمة التركة. حالاته.
(12) اختصاص "اختصاص نوعي". أحوال شخصية "دعوى الأحوال الشخصية". وقف.
تشكيل دوائر لنظر قضايا الأحوال الشخصية والوقف. عدم تعلقه بالاختصاص النوعي.
1 - إذ كان الثابت أن محكمة أول درجة قضت بعدم قبول تدخل المطعون عليه الثالث الهجومي، ولم يستأنف هذا الحكم، وكانت محكمة الاستئناف قد رفضت أيضاً قبول تدخله الانضمامي للمطعون عليها الأولى في استئنافها، ولما كان لا يجوز - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يختصم أمام محكمة النقض من لم يكن مختصماً في النزاع الذي حسمه الحكم المطعون فيه، فإن الطعن يكون غير مقبول بالنسبة للمطعون عليه الثالث بصفته.
2 - الشروط الموضوعية للوصية موضوع النزاع سواء ما تعلق منها بحق الإيصاء أو القدر الذي تنفذ فيه الوصية يخضع للقانون اليوناني وهو قانون الموصي وقت موته، ولما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الاستناد إلى قانون أجنبي، واقعة يجب على الخصوم إقامة الدليل عليها، وإذ كان الطاعنون لم يقدموا ما يفيد أن نصاً في القانون اليوناني يرتب البطلان على انعدام وجود الموصى له عند الإيصاء، فليس يجدي في هذا المقام التحدي ببطلان الوصية استناداً إلى حكم قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946.
3 - إشكال العقود والتصرفات - وعلى ما يجرى به قضاء النقض - تخضع لقانون البلد الذي أبرمت فيه، لما كان ذلك فإنه لا وجه للتذرع بشأن عقد الوكالة الصادر في قبرص بأحكام قانون الشهر العقاري المصري رقم 114 لسنة 1946.
4 - متى كان البين من الرجوع إلى التوكيل المقدم من المطعون عليها الأولى أنه تم في قبرص وحرر باللغة الإنجليزية وقد صدقت السلطات الرسمية المختصة بلارنكا بجزيرة قبرص على توقيعات الموكلين وتلا ذلك تصديق قنصلية جمهورية قبرص بالقاهرة ثم تبعه تصديق مديرية أمن القاهرة على صحة ختم القنصلية في 5 من يونيو سنة 1965 فإن هذا التوكيل يعتبر حجة في إسباغ صفة الوكالة للمحامي الحاضر عن المطعون عليها الأولى، لا يغير من ذلك أنه جاء خلواً من تصديق القنصل المصري بجمهورية قبرص وفق المادة 64/ 14 من قانون نظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي رقم 166 لسنة 1954، لأن ما يجرى به هذا النص وإن خول اختصاصاً لأعضاء البعثات الدبلوماسية المصرية بالتصديق على الإمضاءات الموقع بها على المحررات الصادرة من سلطات البلاد التي يؤدون فيها أعمالهم إذا كان الغرض منها الاحتجاج بها أمام السلطات المصرية، إلا أنه لا يرتب - أو أي نص آخر - جزاء على تخلفه طالما كانت التوقيعات مصدقاً عليها من السلطة المختصة في جهة إصدارها ومصدقاً أيضاً على صحة توقيع هذه السلطة الأمر الذي يضمن سلامة الإجراءات، خاصة ولم يقدم الطاعنون دليلاً على أن الشكل الذي أفرغ فيه التوكيل موضوع النعي هو غير الشكل المحلي في مقاطعة لارنكا بجزيرة قبرص.
5 - إذ كان ما يثيره الطاعنون المشترون بشأن مدى حق المطعون عليها الأولى - الموصى لها بريع العين المبيعة - وهل هو حق عيني أو شخصي، ومدى الالتزام الذي تحملت به ذمة الموصي وتمحيص شروط دعوى إبطال التصرفات، يعتبر سبباً جديداً مما لا يجوز إبداؤه لأول مرة أمام محكمة النقض، فإن النعي يكون على غير أساس.
6 - تمسك المتدخلة في دعوى صحة التعاقد بطلب رفض الدعوى لبطلان عقد البيع، يعد تدخلاً خصامياً تطلب به المتدخلة لنفسها حقاً ذاتياً مرتبطاً بالدعوى الأصلية ويتعين على المحكمة ألا تقضي بصحة التعاقد أو تقبل الصلح بشأنه إلا بعد الفصل في طلب التدخل رفضاً أو قبولاً، اعتباراً بأن هذا البحث هو مما يدخل في صميم الدعوى المطروحة، وعلى أساس أن الحكم الذي يصدر بصحة التعاقد أو بإلحاق الصلح المبرم بمحضر الجلسة منوط بالتحقيق من عدم سلامة دعوى الخصم المتدخل أياً كان السبب وسواء كان مرده إلى تخلف الصفة أو إلى فساد الادعاء [(1)].
7 - متى كانت محكمة أول درجة قد قضت في الشق الأول من الدعوى - بشأن صحة ونفاذ عقد البيع - بإلحاق عقد الصلح بمحضر الجلسة، وفي الشق الثاني - بشأن طلب التدخل - بعدم قبول التدخل أخذاً بتخلف شرط الصفة والمصلحة في المؤسسة المتدخلة، فإن محكمة أول درجة تكون بذلك قد استنفدت ولايتها في النزاع القائم، وقالت كلمتها في موضوع الدعوى بشقيها، ولما كانت محكمة الاستئناف قد تحققت من وجود الصفة والمصلحة للمتدخلة وقضت بإلغاء حكم محكمة أول درجة وبقبول تدخل المؤسسة، فإنه يتعين عليها ألا تقف عند هذا الحد بل تمضي في الفصل في موضوع طلب التدخل وتحقيق دفاع الخصوم في الدعوى الأصلية ودفاع المتدخلة بشأنها باعتبار أن الاستئناف ينقل الدعوى برمتها إلى المحكمة الاستئنافية، ولا يسوغ لها التخلي عن الفصل في هذا الطلب إلى محكمة أول درجة، لأن الفصل في موضوع طلب التدخل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - لا يعد منها تصدياً، وإنما هو فصل في طلب استنفدت محكمة أول درجة ولايتها بشأنه.
8 - طبقاً للمادة 55 من القانون المدني الملغي - الذي تمت الوصية في ظله تسري على الوصية أحكام قانون بلد الموصي وقت وفاته. وإذ كان الثابت أن الموصي يوناني الجنسية، وقد حررت الوصية في 21 من إبريل سنة 1936 وأشهرت عقب وفاته أمام المحكمة القنصلية اليونانية بالزقازيق بتاريخ 12 من أغسطس 1937 فإنه يطبق في شأنها القانون الذي تشير به قواعد الإسناد وهو القانون المدني اليوناني دون القانون المدني المصري أو الشريعة الإسلامية.
9 - المناط في استبعاد أحكام القانون الأجنبي الواجب التطبيق - وفق المادة 28 من القانون المدني - هو أن تكون هذه الأحكام مخالفة للنظام العام أو الآداب في مصر بأن تمس كيان الدولة أو تتصل بمصلحة عامة وأساسية للجماعة، ولا يدخل في هذا النطاق مجرد اختلاف أحكام القانون الأجنبي عن أحكام القانون الوطني في صدد شرط المنع من التصرف.
10 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تفسير العقود بوجه عام واستظهار نية طرفيها أمر تستقل به محكمة الموضوع ما دام قضاؤها في ذلك يقوم على أسباب سائغة وطالما أنها لم تخرج في تفسيرها للعقد واستظهار نية المتعاقدين من المعنى الظاهر لعباراته.
11 - النص في المادتين 2020 و2021 من القانون المدني اليوناني، يدل على أن مهمة منفذ الوصية في الأصل مقيدة بتنفيذ أحكام الوصية ومحددة بأعمال الإدارة ولا يباح له التصرف عند الضرورة الملجئة إلا بموافقة الوارث، فإن لم يكن هناك وارث أصلاً أو تعذر إبداء رأيه لسبب أو لآخر، فلا مناص من الحصول على إذن بذلك من محكمة التركة، وإذ نهج المطعون فيه هذا المنهج، فإن يكون قد التزم التفسير السليم لنصوص القانون المدني اليوناني آنفة الإشارة.
12 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تشكيل دوائر لنظر قضايا الأحوال الشخصية والوقف يدخل في نطاق التنظيم الداخلي لكل محكمة مما تختص به الجمعية العمومية بها ولا يتعلق بالاختصاص النوعي.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 640 لسنة 1965 مدني أمام محكمة الزقازيق الابتدائية ضد المطعون عليه الثاني، وقالوا شرحاً لها إنه بصفته منفذاً لوصية المرحوم..... الموثقة أمام مدير أعمال القنصلية الملكية اليونانية بالزقازيق بتاريخ 21 من إبريل سنة 1936 باع إليهم بعقد بيع ابتدائي تاريخه 30 من يناير سنة 1965 العقار المبين الحدود والمعالم نظير مبلغ 7000 ج سددا منها مبلغ 2000 ج على أن يدفع الباقي عند إعداد مستندات التمليك، وإذ نكل البائع عند تنفيذ التزامه فقد أقاموا دعواهم بطلب صحة ونفاذ العقد المشار إليه شيوعاً على أساس تسعة قراريط لكل من الطاعنين الأول والثاني وستة قراريط للطاعن الثالث مقابل الثمن المسمى. وخلال نظر الدعوى بالمحكمة طلب كل من المطعون عليه الأول بصفته ممثلاً لمؤسسة مطعم التلاميذ بمدينة لارنكا بدولة قبرص والمطعون عليه الثالث بوصفه وكيلاً عن ورثة الموصي، التدخل في الدعوى طالبين رفضها تأسيساً على أن المطعون عليه الثاني - البائع - لا يملك باعتباره منفذاً للوصية التصرف في العقارات الموصى بها والمخصص ريعها للإنفاق على مؤسسة مطعم التلاميذ الخيرية قدم الطاعنون والمطعون عليه الثاني عقد صلح بينهما. ومحكمة أول درجة قضت بتاريخ 6 من إبريل سنة 1967 (أولاً) بعدم قبول طلبي التدخل (ثانياً) بإلحاق عقد الصلح المؤرخ أول ديسمبر سنة 1965 بمحضر الجلسة وإثبات محتواه فيه لتكون له قوة السند التنفيذي واعتباره وانتهاء الدعوى به استأنفت المؤسسة - المطعون عليها الأولى - هذا الحكم بشقيه، وقيد استئنافها برقم 94 لسنة 10 ق المنصورة (مأمورية الزقازيق) طالبة إلغاء الحكم المستأنف وقبولها خصماً متدخلاً ورفض الدعوى، طلب المطعون عليه الثالث بصفته وكيلاً عن ورثة الموصي التدخل في الاستئناف منضماً للمؤسسة المستأنفة، وبتاريخ 31 من ديسمبر سنة 1968 حكمت المحكمة (أولاً) بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم قبول طلب تدخل مؤسسة مطعم التلاميذ خصماً في الدعوى وبقبول تدخلها (ثانياً) بعدم جواز اختصام المطعون عليه الثالث بصفته وكيلاً عن ورثة الموصي في الاستئناف ورفض طلب تدخلهم خصوماً منضمين (ثالثاً) إلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من إلحاق عقد الصلح المؤرخ أول ديسمبر سنة 1965 بمحضر الجلسة وبرفض دعوى صحة ونفاذ عقد البيع الرقيم 30 من يناير سنة 1965 طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون عليه الثالث بصفته، وأبدت الرأي في الموضوع بنقض الحكم، عرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة عدلت النيابة عن رأيها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن الدفع المبدى من النيابة العامة ببطلان الطعن بالنسبة للمطعون عليه الثالث بصفته وكيلاً عن ورثة البائع في محله، ذلك أنه لما كان الثابت أن محكمة أول درجة قضت بعدم قبول تدخله الهجومي ولم يستأنف هذا الحكم، وكانت محكمة الاستئناف قد رفضت أيضاً قبول تدخله الانضمامي للمطعون عليها الأولى في استئنافها، وإذ كان لا يجوز وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن يختصم أمام محكمة النقض من لم يكن مختصماً في النزاع الذي حسمه الحكم المطعون فيه، فإن الطعن يكون غير مقبول بالنسبة للمطعون عليه الثالث بصفته.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية بالنسبة المطعون عليهما الأولى والثاني.
وحيث إن الطعن بني على ستة أسباب، ينعى الطاعنون بالسبب الثاني منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقولون إن محكمة أول درجة أسست قضاءها بعدم قبول تدخل المطعون عليها الأولى على سند من عدم قيام دليل على أن لمصدري التوكيل للمحامي الحاضر عن المؤسسة صفة تخولهم تمثيلها أمام القضاء، وأن الشهادتين الصادرتين من سفارة جمهورية قبرص بالقاهرة متناقضتان ولا تثبتان هذه الصفة، وعلى الرغم من ذلك فإن محكمة الاستئناف قضت بقبول التدخل استناداً إلى هاتين الشهادتين دون أن تناقش المطاعن التي ساقها الحكم الابتدائي عليهما، وفي حين أن سفارة قبرص بالقاهرة ليست الجهة المختصة بإثبات الصفة، بل يلزم لذلك دليل رسمي على وجود المؤسسة خاصة وإنها لم تكن قائمة أولها كيان قانوني أو محددة المكان والغرض عند الإيصاء فتعد باطلة وفق المادة السادسة من قانون الوصية المصري رقم 71 لسنة 1946، كما أن سند التوكيل الصادر للمحامي معيب هو الآخر لعدم تصديق السفارة المصرية بقبرص على ما به من توقيعات، ولأن الموثق لم يثبت اطلاعه على سند الصفة طبقاً لأحكام قانون الشهر العقاري المصري رقم 114 لسنة 1946. علاوة على عدم توافر مصلحة المؤسسة في التدخل لأن الوصية إنما تخولها حقاً شخصياً ينصب على فائض الريع دون العقارات الموصى بها والتي يمكن استبدال أخرى بها تدر ريعاً مماثلاً أو يزيد. وإذ لم يعرض الحكم للالتزام الذي تتحمل به ذمة الموصي ولا شروط دعوى إبطال التصرفات وما تقتضيه من بحث لمدى حسن نية المشترين، فإنه يكون قد عاره قصور في التسبيب فضلاً عن مخالفة القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه عرض لثبوت صفة المطعون عليها الأولى بقوله "....... يبين من الاطلاع على ما قدمته مؤسسة مطعم التلاميذ من مستندات أنها مؤسسة ذات كيان قائم فعلاً، وقد أنشئت تنفيذاً لوصية المرحوم...... يدل على ذلك الشهادة الصادرة من جمهورية قبرص بالقاهرة المؤرخة 22/ 11/ 1966 إذ يتضح منها أن السادة.... و.... و..... أعضاء في مؤسسة خريستالين وكوستا سافا، لا يدع مجالاً للشك في وجود هذه المؤسسة يؤيد ذلك ما سطره المستأنف عليه الرابع..... منفذ الوصية - المطعون عليه الثاني - من إقرار يعترف فيه بأن صافي نصيب مطعم التلاميذ بلارنكا الموصى له هبة.... المطعون عليها الأولى في إيرادات النصيب الموصى به والموجود في حيازته مبلغ 3666 ج في المدة من 1/ 1/ 1954 لغاية 31/ 12/ 1959، ومبلغ 2000 ج تقريباً عن المدة من 1/ 1/ 1960 لغاية 31/ 12/ 1963، وقد تحرر هذا الإقرار بتاريخ 27/ 1/ 1964..." وهي تقريرات موضوعية سائغة لا تناقض فيها ولها سندها من أوراق الدعوى وكافية لحمل قضاء الحكم في ثبوت وجود المؤسسة وصفة من يحق لهم تمثيلها، ولا على الحكم بعد ذلك إذا هو لم يتعقب ما أورده حكم محكمة أول درجة لأن فيما انتهى إليه إطراح ضمني لما جاء بالحكم المستأنف من أسانيد. ولما كانت الشروط الموضوعية للوصية موضوع النزاع سواء ما تعلق منها بحق الإيصاء أو القدر الذي تنفذ فيه الوصية يخضع للقانون اليوناني وهو قانون الموصي وقت موته على ما سيلي في الرد على السببين الخامس والسادس، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الاستناد إلى قانون أجنبي واقعة يجب على الخصوم إقامة الدليل عليها، وكان الطاعنون لم يقدموا ما يفيد أن نصاً في القانون اليوناني يرتب البطلان على انعدام وجود الموصى له عند الإيصاء، فليس يجدي في هذا المقام التحدي ببطلان الوصية استناداً إلى حكم قانون الوصية المصري رقم 71 لسنة 1946 - لما كان ذلك وكانت أشكال العقود والتصرفات - وعلى ما يجرى به قضاء النقض - تخضع لقانون البلد الذي أبرمت فيه فلا وجه للتذرع بأحكام قانون الشهر العقاري المصري رقم 114 لسنة 1946. وإذ كان البين من الرجوع إلى التوكيل المقدم من المطعون عليها الأولى أنه تم في قبرص وحرر باللغة الانجليزية وصدر من كل من.... و.... بصفتهم الأمناء على الجمعية الخيرية "..... وهبة...... إلى الأستاذين.... و.... المحامين مجتمعين أو منفردين لاتخاذ كافة الأعمال القانونية اللازمة، وقد صدقت السلطات الرسمية المختصة بلارنكا بجزيرة قبرص على توقيعات الموكلين في 28 من مايو 1965، وتلا ذلك تصديق قنصلية جمهورية قبرص بالقاهرة في أول يونيو 1965 على توقيع السلطة المختصة ثم تبعه تصديق مديرية أمن القاهرة على صحة ختم القنصلية في 5 من يونيو 1965 فإن هذا التوكيل يعتبر حجة في إسباغ صفة الوكالة للمحامي الحاضر عن المطعون عليها الأولى لا يغير من ذلك أنه جاء خلواً من تصديق القنصل المصري بجمهورية قبرص وفق المادة 64/ 14 من قانون نظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي رقم 166 لسنة 1954 لأن ما يجرى به هذا النعي وإن خول اختصاصاً لأعضاء البعثات الدبلوماسية المصرية بالتصديق على الإمضاءات الموقع بها على المحررات الصادرة من سلطات البلاد التي يؤدون فيها أعمالهم إذا كان الغرض منها الاحتجاج بها أمام السلطات المصرية، إلا أنه لا يرتب - أو أي نص آخر - جزاء على تخلفه طالما كانت التوقيعات مصدقاً عليها من السلطة المختصة في جهة إصدارها ومصدقاً أيضاً على صحة توقيع هذه السلطة الأمر الذي يضمن سلامة الإجراءات خاصة ولم يقدم الطاعنون دليلاً على الشكل الذي أفرغ فيه التوكيل موضوع النعي هو غير الشكل المحلي في مقاطعة لارنكا بجزيرة قبرص، لما كان ما تقدم وكان ما يثيره الطاعنون بشأن مدى حق المطعون عليها الأولى وهل هو حق عيني أو شخصي ومدى الالتزام الذي تحملت به ذمة الموصي وتمحيص شروط دعوى إبطال التصرفات، يعتبر سبباً جديداً مما لا يجوز إبداؤه لأول مرة أمام محكمة النقض، فإن النعي بكافة وجوهه يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقولون إن ما كان مطروحاً على محكمة أول درجة هو عقد الصلح المبرم بين الطاعنين وبين المطعون عليه الثاني بصفته، وقد رأت المحكمة أنه من أعمال التوثيق فقضت برفض قبول تدخل المطعون عليها الأولى وبإلحاق عقد الصلح بمحضر الجلسة، استناداً إلى أنها لم تستبن فيه مخالفة للنظام العام أو الآداب، وأن أثر التصديق عليه نسبي فيما بين أطرافه لا يمتد إلى سواهم من أصحاب الصفة أو المصلحة في المناضلة عن العقار موضوع التصرف، وبذلك فإن محكمة أول درجة قد حجبت نفسها عن نظر موضوع التداعي. غير أن محكمة الاستئناف بعد أن ألغت هذا الحكم وقضت بقبول التدخل مضت في نظر موضوع الدعوى، وما كان لها أن تتصدى للموضوع إلا بعد أن تقول محكمة الدرجة الأولى كلمتها فيه إعمالاً لمبدأ التقاضي على درجتين وهو من المبادئ الأساسية للنظام القضائي، مما يعيب حكمها بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن الدعوى المعروضة كانت تنطوي أمام محكمة أول درجة على شقين أولهما ما طلبه الطاعنون من صحة ونفاذ عقد البيع الصادر لهم من المطعون عليه الثاني بصفته، والثاني ما طلبته المطعون عليها الأولى من رفض دعوى الطاعنين استناداً إلى أن ريع المبيع ينصرف طبقاً للوصية إلى المؤسسة، وأن تصرف المطعون عليه الثاني كان تصرفاً لا يملكه، وقد قرر الخصوم الأصليون في الدعوى - وهم الطاعنون والمطعون عليه الثاني بصفته - أنهم أنهوا صلحاً النزاع المتعلق بالتعاقد على بيع العقار وطلبوا إلحاق عقد الصلح بمحضر الجلسة رغم قيام طلب التدخل بشأنه، ولما كان تمسك المتدخلة في دعوى صحة التعاقد بطلب رفض الدعوى لبطلان عقد البيع يعد تدخلاً خصامياً تطلب به المتدخلة لنفسها حقاً ذاتياً مرتبطاً بالدعوى الأصلية، ويتعين على المحكمة ألا تقضي بصحة التعاقد أو تقبل الصلح بشأنه إلا بعد الفصل في طلب التدخل رفضاً أو قبولاً، اعتباراً بأن هذا البحث هو مما يدخل في صميم الدعوى المطروحة، وعلى أساس أن الحكم الذي يصدر بصحة التعاقد أو بإلحاق الصلح المبرم بمحضر الجلسة منوط بالتحقق من عدم سلامة دعوى الخصم المتدخل أياً كان السبب وسواء كان مرده إلى تخلف الصفة أو إلى فساد الادعاء، وكانت محكمة أول درجة قد قضت في الشق الأول من الدعوى بإلحاق عقد الصلح بمحضر الجلسة، وفي الشق الثاني بعدم قبول التدخل أخذاً بتخلف شرط الصفة والمصلحة في المؤسسة المتدخلة، فإن محكمة أول درجة تكون بذلك قد استنفذت ولايتها في النزاع القائم وقالت كلمتها في موضوع الدعوى بشقيها، لما كان ذلك، وكانت محكمة الاستئناف قد تحققت من وجود الصفة والمصلحة المتدخلة وقضت بإلغاء حكم محكمة أول درجة وبقبول تدخل مؤسسة مطعم التلاميذ، فإنه يتعين عليها ألا تقف عند هذا الحد، بل تمضي في الفصل في موضوع طلب التدخل وتحقيق دفاع الخصوم في الدعوى الأصلية ودفاع المتدخلة لشأنها باعتبار أن الاستئناف ينقل الدعوى برمتها إلى المحكمة الاستئنافية، ولا يسوغ لها التخلي عن الفصل في هذا الطلب إلى محكمة أول درجة لأن الفصل في موضوع طلب التدخل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يعد منها تصدياً وإنما هو فصل في طلب استنفدت محكمة أول درجة ولايتها بشأنه، لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر، فإن النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسببين الخامس والسادس خطأ الحكم المطعون فيه في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إن الحكم طبق أحكام القانون المدني اليوناني على الوصية وانتهى إلى أنها تحظر التصرف في الموصى به رغم تعارضها مع قواعد الشريعة الإسلامية التي ترى أن التأييد في الوصية بالغلة لا يمنع من البيع على خلاف التأبيد في الوقف، ورغم مخالفتها لأحكام القانون المدني المصري التي تقضي في المادة 823 بعدم صحة الشرط الوارد في الوصية بمنع التصرف.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه طبقاً للمادة 55 من القانون المدني الملغي - الذي تمت الوصية في ظله - تسري على الوصية أحكام قانون بلد الموصي وقت وفاته، وإذ كان الثابت أن الموصي يوناني الجنسية، وقد حررت الوصية في 21 من إبريل سنة 1936 وأشهرت عقب وفاته أمام المحكمة القنصلية اليونانية بالزقازيق بتاريخ 12 من أغسطس 1937، فإنه يطبق في شأنها القانون الذي تشير به قواعد الإسناد وهو القانون المدني اليوناني دون القانون المدني المصري أو الشريعة الإسلامية. لما كان ذلك، وكان المناط في استبعاد أحكام القانون الأجنبي الواجب التطبيق - وفق المادة 28 من القانون المدني - هو أن تكون هذه الأحكام مخالفة للنظام العام أو الآداب في مصر بأن تمس كيان الدولة أو تتصل بمصلحة عامة وأساسية للجماعة، وكان لا يدخل هذا النطاق مجرد اختلاف أحكام القانون الأجنبي عن أحكام القانون الوطني في صدد شرط المنع من التصرف، فإن النعي على الحكم لتطبيقه القانون اليوناني لا محل له.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسببين الثالث والرابع على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقولون إن الحكم أسس قضاءه برفض دعوى صحة التعاقد على سند من القول بأن المطعون عليه الثاني باع إليهم عقاراً لا يملك التصرف فيه، وأن حقه مقصور على إدارة العقارات الموصى بها وتوزيع ريعها على الجهات المعينة في الوصية، وإنه كان حقاً عليه اللجوء إلى المحكمة لاستصدار إذن بالبيع قبل إجرائه في حين أن نصوص الوصية صريحة في حرمان زوجة الموصي وحدها من التصرف دون منفذ الوصية، كما أن المادتين 2020، 2021 من القانون المدني اليوناني تبيحان لمنفذ الوصية التصرف حال الضرورة، ولا تستلزمان إذن المحكمة إلا إذا كان الوارث موجوداً وإذ توفيت الزوجة وانعدم الوارث فتصبح يد منفذ الوصية مطلقة في التصرف دون لزوم للإذن من المحكمة – هذا إلى أن منفذ الوصية لجأ تزيداً منه إلى القضاء لاستصدار الإذن بالبيع في الدعوى رقم 240 لسنة 1965 أحوال شخصية أجانب إسكندرية، وكان واجباً على محكمة الاستئناف أن توقف الدعوى القائمة حتى يتم الفصل في طلب الإذن، فيكون قضاؤها برفض دعوى صحة التعاقد منطوياً على خروج على قواعد الاختصاص النوعي، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تفسير العقود بوجه عام واستظهار نية طرفيها أمر تستقل به محكمة الموضوع ما دام قضاءها في ذلك يقوم على أسباب سائغة. ولما أنها لم تخرج في تفسيرها للعقد واستظهار نية المتعاقدين من المعنى الظاهر لعباراته وكان البين من الاطلاع على الصورة الرسمية للوصية موضوع النزاع أن نصها جرى كما يلي: "...... أعين وارثة عامة زوجتي....... بشرط أن تقوم بتنفيذ الوصايا الآتية....... هذا على أن تستمر كافة أموالي الثابتة الأخرى - ما عدا المساحتين 3 ف و14 ط و22 س، 3 ف و11 ط و4 س" التي أوصي بها لزوجتي - دون نزع ملكيتها وتقوم بإدارتها زوجتي كما تشاء وتحصل على إيراداتها مدى حياتها..... وبعد وفاة زوجتي توزع إيرادات أموالي الثابتة بالطريقة الآتية... هذا وتنشأ بباقي إيرادات أموالي مؤسسة خيرية بناحية سكالا لارنكاس بقبرص تسمى - هبة..... ويكون الغرض منها العناية بطبقة فقيرة بلا موارد... وأترك منفذاً لوصيتي كل من السيد/...... وقد توفى - والسيد/........ - المطعون عليه الثاني - سواء مجتمعين أو كل منهما على انفراد - سيقومان بتنفيذ رغباتي الأخيرة. كما أترك لذات المنفذين مدى حياتهما إدارة أموالي وتحويل إيراداتها إلى أصحاب الحق وكذا الإشراف على تنفيذ رغبتي....." وكان الحكم قد استخلص من نص الوصية المذكور أن نية الموصي قد انعقدت على منع منفذ الوصية من التصرف بالبيع في الأعيان الموصى بها فيما عدا ما خصص فيها لزوجته، وكانت عبارات الوصية تحمل هذا المعنى فإنه لا يكون قد تجافى عن صحيح قواعد التفسير. لما كان ذلك، وكان النص في المادة 2020 من القانون المدني اليوناني على أن "مأمورية المنفذ هي تنفيذ أحكام الوصية وللمنفذ الحق في أن يباشر أي عمل سواء أباحه الموصي صراحة أم كان ضرورياً لتنفيذ أوامره. وبذات الشروط يكون له الحق في إدارة التركة كلها أو بعضها وفي المادة 2021 على أنه...... في حالات المادة السابقة إذ اقتضى الأمر بيع عقارات التركة أو أوراق مالية حكومية أو أسهم أو سندات شركات مساهمة أو الاقتراض أو الصلح أو إنفاق مصروفات تزيد على مائة ألف دراخمة، ولم يوافق الوراث على ذلك فإن للمنفذ الحق في أن يشرع في هذه الأعمال بعد الإذن له في ذلك من محكمة التركة وتستمع المحكمة قبل ذلك إلى الوارث ما لم يكن ذلك مستحيلاً أو متعذراً بصفة استثنائية يدل على أن مهمة منفذ الوصية في الأصل مقيدة بتنفيذ أحكام الوصية ومحددة بأعمال الإدارة، ولا يباح له التصرف عند الضرورة الملجئة إلا بموافقة الوارث، فإن لم يكن هناك وارث أصلاً أو تعذر إبداء رأيه لسبب أو لآخر فلا مناص من الحصول على إذن بذلك من محكمة التركة، وإذ نهج المطعون فيه هذا المنهج فإن يكون قد التزم التفسير السليم لنصوص القانون المدني اليوناني آنفة الإشارة. لما كان ما تقدم، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تشكيل دوائر لنظر قضايا الأحوال الشخصية والوقف يدخل في نطاق التنظيم الداخلي لكل محكمة مما تختص به الجمعية العمومية بها ولا يتعلق بالاختصاص النوعي، فإن النعي على الحكم بمخالفة القانون يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما سلف يتعين رفض الطعن برمته.


[(1)] نقض 3/ 2/ 1970 مجموعة المكتب الفني السنة 21 ص 221.