أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 8 - صـ 176

جلسة 28 من فبراير سنة 1957

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: اسحق عبد السيد، ومحمد عبد الواحد علي، ومحمد متولي عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.

(22)
القضية رقم 64 سنة 23 القضائية

( أ ) وكالة. إثبات. "قواعد الإثبات" نقض. "أسباب جديدة". التمسك بعدم جواز إثبات عقد الوكالة إلا بالكتابة إذا زاد موضوع التصرف محل الوكالة على عشرة جنيهات. عدم جواز التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض.
(ب) وكالة. إثباتها. إجارة. استناد الحكم في إثبات الوكالة في التأجير إلى إقرارات الموكل في دفاعه أمام محكمة الموضوع أو في شكوى إدارية وإلى أقوال الوكيل في شكوى إدارية. لا خطأ.
(جـ) فضالة. وكالة. الإقرار بعقد الفضالة. ترتب جميع آثار الوكالة عليه. م 190 مدني جديد.
(د) وفاء. عرض. إجارة. قيام المستأجر بعرض مبلغ معين شفعه بأنه عرض مبرئ لذمته من التزامه كاملاً بالأجرة وإيداعه خزينة المحكمة بعد رفضه. عدم التزام المؤجر بقبول هذا العرض الناقص.
(هـ) دفاع. إثبات. طلب الإحالة إلى التحقيق. شهادة. محكمة الموضوع. عدم التزامها بإجابة طلب الإحالة إلى التحقيق. اعتمادها على أقوال شهود سمعوا في غير مجلس القضاء كقرينة قضائية. لا خطأ.
(و) نقض. تقرير الطعن. خلوه من بيان وجه النعي على الحكم في خصوص الخطأ في فهم واقعة من الوقائع. اعتبار سبب الطعن مجهلاً.
(ز) نقض. التوكيل في الطعن. التقرير بالطعن من محامي الطاعن بمقتضى توكيل والتأشير على تقرير الطعن وصورته المعلنة للمطعون عليه بما يفيد وفاة الطاعن وحلول ورثته محله ثم إعلان الطعن بناء على طلب ورثة الطاعن. عدم ادعاء المطعون عليه بأن الطعن قرر به في حياة الطاعن. اعتبار الطعن مقرراً به في حياته.
1 - إنه وإن كان عقد الوكالة لا يجوز إثباته إلا بالكتابة إذا زاد موضوع التصرف محل الوكالة على عشرة جنيهات إلا أنه إذا كان الموكل لم يتمسك بهذا الدفاع أمام محكمة الموضوع فإنه لا يملك التحدي به أمام هذه المحكمة لأول مرة لأن قواعد الإثبات ليست من النظام العام ولأنه لا يجوز أن يثار أمام هذه المحكمة إلا ما كان معروضاً على محكمة الموضوع من أوجه الدفاع.
2 - إذا كان الحكم قد استند في إثبات الوكالة في التأجير إلى إقرارات الموكل سواء في دفاعه أمام محكمة الموضوع أو في شكوى إدارية وإلى أقوال الوكيل في شكوى إدارية من أنه استأجر ماكينة لحساب الموكل فإن هذا الاستناد لا مخالفة فيه للقانون لأن تنفيذ الوكالة أو الإقرار بها صراحة أو ضمناً من الأدلة التي يجيزها القانون لإثبات الوكالة أو لإعفاء الخصم من تقديم الدليل عليها.
3 - الإقرار بعقد الفضالة يرتب عليه جميع آثار الوكالة على ما تقضي بذلك المادة 190 من القانون المدني الجديد التي قننت ما استقر عليه الفقه والقضاء في عهد القانون المدني الملغي.
4 - إذا كان المستأجر لما عرض على المؤجر مبلغاً معيناً شفعه بأنه عرض مبرئ لذمته من التزامه كاملاً بالأجرة ولما رفض هذا العرض أودعه خزينة المحكمة ولم يقدم ما يدل على أن المستأجر طلب أمام محكمة الموضوع خصم هذا المبلغ من الأجرة بل ذكر في مذكرته التي قدمها لمحكمة الموضوع أنه عرض هذا المبلغ وأودعه براءة لذمته من كامل الالتزام بالأجرة فإن المؤجر لا يكون ملزماً بقبول هذا العرض الناقص.
5 - محكمة الموضوع ليست ملزمة بإجابة طلب الإحالة إلى التحقيق ما دامت قد وجدت في الدعوى من الأدلة ما يكفي لتكوين اعتقادها ولا يعيب المحكمة اعتمادها على أقوال شهود سمعوا في غير مجلس القضاء لأن المرجع في تقدير تلك الأقوال كقرينة قضائية هو اقتناع قاضي الموضوع - على أن المجادلة في هذا الخصوص تتعلق بتقدير الدليل في الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع.
6 - إذا كان تقرير الطعن قد خلا من بيان وجه النعي على الحكم في خصوص الخطأ في فهم واقعة من الوقائع فإن سبب الطعن يكون مجهلاً.
7 - متى تبين من تقرير الطعن أنه قرر به من المحامي عن مورث الطاعنين بمقتضى توكيل سبق صدوره منه لهذا المحامي ثم أشر على تقرير الطعن وصورته التي أعلنت إلى المطعون عليه بعد ذكر اسم الطاعن بما يفيد وفاته وحلول ورثته محله ثم أعلن تقرير الطعن إلى المطعون عليه بناء على طلب ورثة الطاعن وقد خلت الأوراق من بيان تاريخ وفاة الطاعن كما تبين أنه ليس في الأوراق ما ينفي أن الطعن قرر به في قلم كتاب هذه المحكمة في حياة الطاعن ولم يدع المطعون عليه عكس ذلك فإنه أخذاً بظاهر الأوراق يكون الطعن قد قرر به في حياة الطاعن.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليه الأول أقام الدعوى رقم 353 سنة 1946 كلي القاهرة على محمود إبراهيم خليل مورث الطاعنين طلب فيها الحكم بإلزامه بمبلغ 243 جنيهاً و200 مليم قيمة أجرة ماكينة لكبس تبن القمح بواقع 140 قرشاً يومياً من تاريخ بدء الانتفاع في 9 من يناير سنة 1945 كنص عقد الإيجار وبما يستجد من الأجرة على هذا الأساس حتى نهاية انتفاع مورث الطاعنين بالماكينة. وخلال نظر الدعوى أدخل مورث الطاعنين المطعون عليه الثاني ضامناً وطلب أن يقضي عليه أصلياً ومباشرة للمطعون عليه الأول واحتياطياً أن يقضي عليه بما عسى أن يقضي به عليه هو - وفي 23 من فبراير سنة 1947 قضت المحكمة حضورياً بإلزام مورث الطاعنين بأن يدفع للمطعون عليه الأول مبلغ 1076 جنيهاً و200 مليم قيمة الأجرة المستحقة من 9/ 1/ 1945 لحين صدور الحكم وإلزام المطعون عليه الثاني بأن يدفع لمورث الطاعنين مبلغ 414 جنيهاً و400 مليم وشملت الحكم بالنفاذ فاستأنف المطعون عليه الثاني هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 474 سنة 64 ق استئناف القاهرة، كما استأنفه مورث الطاعنين وقيد استئنافه برقم 477 سنة 64 ق وبجلسة 6/ 4/ 1947 قررت المحكمة ضم الاستئناف الأول إلى الاستئناف الثاني. وفي 18 من مايو سنة 1947 قضت المحكمة بقبول الاستئنافين شكلاً وبرفض استئناف مورث الطاعنين وبقبول استئناف المطعون عليه الثاني وإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به في دعوى الضمان ورفض دعوى مورث الطاعنين في تلك الدعوى... فطعن مورث الطاعنين في هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنه برقم 133 سنة 17 ق. وفي 24 من فبراير سنة 1949 نقضت محكمة النقض الحكم المطعون فيه وأحالت الدعوى على محكمة استئناف مصر - بعد ذلك عجلت الدعوى أمام محكمة الإحالة وطلب كل من مورث الطاعنين والمطعون عليه الثاني إلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من شمول الحكم بالنفاذ. وفي 22 من مايو سنة 1949 حكمت المحكمة بقبول الاستئنافين شكلاً وفيما يتعلق باستئناف مورث الطاعنين بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من الشمول بالنفاذ فيما زاد على 980 قرشاً وفيما يتعلق باستئناف المطعون عليه الثاني بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من الشمول بالنفاذ... وفي 4 من يناير سنة 1953 قضت المحكمة في الاستئنافين. أولاً - في استئناف مورث الطاعنين بتعديل الحكم المستأنف وإلزام المورث المذكور بأن يدفع للمطعون عليه الأول مبلغ 908 جنيهات و200 مليم. وثانياً - في استئناف المطعون عليه الثاني بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به عليه وبرفض دعوى مورث الطاعنين قبله. وفي 9 من مارس سنة 1953 قرر المحامي عن مورث الطاعنين الطعن في هذا الحكم بطريق النقض وذكر في تقرير الطعن أن الحكم أعلن لمورث الطاعنين في 7 من فبراير سنة 1953 وبعد أن قدم المطعون عليهما دفاعهما وأودعت النيابة مذكرتها عرض الطعن على دائرة فحص الطعون وطلبت النيابة أمامها رفض الطعن، وقررت الدائرة بجلسة 23 من يناير سنة 1957 إحالة الطعن على الدائرة المدنية لجلسة 14 من فبراير سنة 1957 وفيما صممت النيابة على رأيها برفض الطعن.
وحيث إن النيابة لاحظت في مذكرتها أن تقرير الطعن قد رفع باسم مورث الطاعنين بتوكيل سبق صدوره منه لمحاميه الذي قرر بالطعن وأنه أشير في التقرير إلى وفاة الطاعن وحلول ورثته محله بعبارة أضيفت إلى التقرير جاءت خالية من بيان تاريخ الوفاة أو تاريخ تدوين تلك العبارة، كما خلت أوراق الطعن من بيان تاريخ الوفاة وإن كان يستدل من إعلان تقرير الطعن بناء على طلب ورثة الطاعن في 17 من مارس سنة 1953 أن الوفاة سابقة على حصول هذا الإعلان، ولكن لا يمكن الجزم بما إذا كان الطعن قد رفع من المورث قبل وفاته أو رفع باسمه بعد وفاته وانتهت النيابة إلى أنها - حملاً على الظاهر الذي لم يدع المطعون عليهما خلافه - ترى أن الطاعن توفى بعد التقرير بالطعن وقبل إعلانه للمطعون عليهما ومن ثم تكون إجراءات الطعن قد تمت وفق القانون.
وحيث إنه يبين من تقرير الطعن أنه قرر به من المحامي عن مورث الطاعنين بمقتضى التوكيل المشار إليه في التقرير ثم أشر على تقرير الطعن وصورته التي أعلنت إلى المطعون عليهما بعد ذكر اسم الطاعن بعبارة "توفى وحل محله ورثته" بالقلم الكوبيا الأزرق - ثم أعلن تقرير الطعن إلى المطعون عليهما بناء على طلب ورثة الطاعن في 17 من مارس سنة 1953. وقد خلت العبارة المؤشر بها على تقرير الطعن، كما خلت الأوراق - من بيان تاريخ وفاة الطاعن. ولما كان ليس في الأوراق ما ينفي أن الطعن قرر به في قلم كتاب هذه المحكمة في حياة الطاعن وكان المطعون عليهما من ناحيتها لم يدعيا عكس ذلك فإنه أخذاً بظاهر الأوراق يكون الطعن قرر به في حياة الطاعن. ومن ثم فإن الطعن - وقد استوفى أوضاعه الشكلية - يكون مقبولا شكلاً.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب يتحصل أولها في النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون إذ اعتمد في ثبوت وكالة عبد الحليم عبد الله عن مورث الطاعنين في إبرام العقد الخاص باستئجار الماكينة من المطعون عليه الأول المحرر في 9 من يناير سنة 1945 على إقرارات صدرت من المورث المذكور في دفاعه أمام محكمة أول درجه من أنه استأجر الماكينة ولم ينكر أمام تلك المحكمة أن عبد الحليم عبد الله وقع على العقد بصفته وكيلاً عنه وإلى ما ذكره عبد الحليم عبد الله في تحقيق شكوى إدارية من أنه استأجر الماكينة نيابة عن المورث وأن في هذا الذي اعتمد عليه الحكم مخالفة للقانون لأن قيمة العقد تزيد على عشرة جنيهات وكان يجب أن تثبت هذه الوكالة بالكتابة قبل إبرام العقد، وأن الإقرارات التي صدرت من مورث الطاعنين والتي أوردها الحكم المطعون فيه لا تؤدي إلى أكثر من أن عبد الحليم عبد الله كان فضولياً في تعاقده مع المطعون عليه الأول وتأسيساً على ذلك لا يلتزم المورث نتيجة لهذا العقد إلا بقدر ما استفاد.
وحيث إن هذا النعي مردود بما أورده الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص حيث قال: "وحيث إن المستأنف محمود خليل إبراهيم آثار في صحيفة استئنافه وفي دفاعه أنه غير مقيد بهذا الاتفاق السابق بيانه لأنه موقع عليه من شخص ليس له صفة النيابة والتأجير عنه. ولكن هذا القول مردود إذ أن هذا الاتفاق وإن كان المستأنف لم يوقع عليه حقيقة ولكنه أقره واعتمده إذ قرر في مذكرة دفاعه المقدمة لجلسة 23 من فبراير سنة 1947 أمام محكمة أول درجة العبارات الآتية: (رفع المدعي كامل محمد إسماعيل هذه الدعوى يطالبنا بمبلغ 243ج و200 م إيجار ماكينة ديرنج لكبس التبن الأبيض استلمناها منه في 9 من يناير سنة 1945 بموجب شروط محررة بيننا وبينه لمدة ثلاثة شهور قابلة للتجديد بأجرة قدرها 140 قرشاً يومياً وهذا المبلغ الذي يطالبنا به هو إيجار الماكينة لغاية 16 من يوليه سنة 1945 أي 6 شهور و8 أيام واقتصر دفاعه في هذه المذكرة على دعوى الضمان ولم ينكر أن عبد الحليم عبد الله تعاقد على استئجار الماكينة بصفته وكيلاً عنه وفضلاً عن ذلك فإنه ظاهر من الصورة الرسمية من الشكوى الإدارية رقم 1066 سنة 1947 بني مزار المقدمة ضمن مستندات المستأنف أن عبد الحليم عبد الله قدم بتاريخ 12/ 3/ 1947 بلاغاً إلى مأمور مركز بني مزار يقول فيه إن المستأنف كلفه باستئجار هذه الماكينة، وكذلك ظاهر من الصورة الرسمية للشكوى الإدارية رقم 1168 سنة 1947 بني مزار المقدمة أيضاً بحافظة المستأنف أن محاميه الأستاذ عبد الحميد عبد الحق قدم بلاغاً بتاريخ 12/ 3/ 1947 يذكر فيه صراحة أن المستأنف استأجر بتاريخ 9/ 1/ 1945 ماكينة كبس تبن ديرنج من مالكها - كل ذلك يدحض ما يثيره المستأنف خاصاً بهذا العقد ومحاولته التنصل منه ومن شروطه إذ أن عبد الحليم عبد الله بتوقيعه على عقد إيجار الماكينة إنما كان يتعاقد بصفته نائباً عن المستأنف محمود خليل إبراهيم ووكيلاً عنه وعلى ذلك فإن ما ينشأ عن هذا العقد من حقوق والتزامات يجب إضافتها إلى هذا المستأنف الذي لا يستطيع التحلل من آثارها" - وهذا الذي أورده الحكم لا مخالفة فيه للقانون - ذلك أنه وإن كان عقد الوكالة لا يجوز إثباته إلا بالكتابة إذا زاد موضوع التصرف محل الوكالة على عشرة جنيهات إلا أنه لما كان مورث الطاعنين لم يتمسك بهذا الدفاع أمام محكمة الموضوع فإنه لا يملك التحدي به أمام هذه المحكمة لأول مرة لأن قواعد الإثبات ليست من النظام العام ولأنه لا يجوز أن يثار أمام هذه المحكمة إلا ما كان معروضاً على محكمة الموضوع من أوجه الدفاع - كما أن استناد الحكم إلى إقرارات مورث الطاعنين سواء في دفاعه أمام محكمة أول درجة أو في الشكوى الإدارية رقم 1168 سنة 1947 بني مزار باستئجار الماكينة وإلى أقوال عبد الحليم عبد الله في الشكوى 1066 سنة 1947 بني مزار من أنه استأجر الماكينة لحساب مورث الطاعنين لا مخالفة فيه للقانون لأن تنفيذ الوكالة أو الإقرار بها صراحة أو ضمناً من الأدلة التي يجيزها القانون لإثبات الوكالة أو لإعفاء خصمه من تقديم الدليل عليها - وفضلاً عن هذا فإنه إذ اعتبر عقد 9 من يناير سنة 1945 عقد فضالة فإن إقرار مورث الطاعنين له يرتب عليه جميع آثار الوكالة على ما تقضي بذلك المادة 190 من القانون المدني الجديد التي قننت ما استقر عليه الفقه والقضاء في عهد القانون المدني الملغي والذي تم العقد في ظله.
وحيث إن السبب الثاني يتحصل في النعي على الحكم بمخالفة قواعد الإثبات ذلك أن مورث الطاعنين دفع أمام محكمة ثاني درجة بأن الماكينة المؤجرة تعطلت عن العمل لعيب أصاب آلتها ولكن الحكم المطعون فيه رد على هذا الدفاع بأن المورث لم يبده أمام محكمة أول درجة وأخذ من قصر دفاعه أمام هذه المحكمة الأخيرة على توجيه دعوى الضمان تنازله عن الدفاع المؤسس على تعطل الماكينة مع أن القانون يبيح له إبداء ما فاته من أوجه الدفاع أمام محكمة أول درجة في الاستئناف - كما أن الحكم المطعون فيه قرر أن خطاب محامي المطعون عليه الأول المؤرخ في 27/ 6/ 1945 الذي أقر فيه بتعطيل الماكينة لا تؤدي عباراته إلى هذا المعنى وزاد على ذلك أنه كان في مكنة مورث الطاعنين أن يتخذ الإجراءات القضائية التي تكفل إثبات ما يريد مع أن واقعة تعطل الماكينة واقعة مادية يمكن إثباتها بالبينة.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه في خصوص ما ادعاه مورث الطاعنين من تعطل الماكينة وأنه لم ينتفع بها إلا سبعة أيام، على أن الدعوى وجهت من المطعون عليه الأول إلى المورث وذكر في صحيفتها أن المورث انتفع بالماكينة ستة شهور وثمانية أيام قبل رفع الدعوى وطولب في تلك الصحيفة بالأجرة كاملة عن هذه المدة فاقتصر دفاع المورث أمام محكمة الدرجة الأولى على توجيه دعوى الضمان إلى المطعون عليه الثاني وأنه لو كان ما يدعيه أمام محكمة الاستئناف عن تعطل الماكينة وعدم انتفاعه بها عدا السبعة أيام التي ذكرها لبادر إلى تقديم هذا الدفاع منذ اللحظة الأولى - كما أورد الحكم نص الخطاب الذي بعث به محامي المطعون عليه الأول إلى مورث الطاعنين في 27 من يونيه سنة 1945 والذي ورد فيه "أما ادعاؤكم بأن الماكينة كانت معطلة واحتاجت لتصليح فهو ادعاء حديث لم يقولوا به إلا بعد أن طالبناكم بسداد الأجرة..." واستخلص الحكم من هذه العبارة أنها لا تؤدي إلى ما ذكره مورث الطاعنين من إقرار محامي المطعون عليه الأول بتعطل الماكينة. ثم أورد الحكم ما جاء بتحقيقات الجنحة رقم 582 سنة 1946 بني مزار والشكويين 1066، 1186 سنة 1947 بني مزار ونقل أقوال من سمعوا فيها وخلص منها عدم صحة ما ادعاه مورث الطاعنين من تعطل الماكينة الذي لم يتخذ المورث أي إجراء قانوني لإثبات حالته وانتهى الحكم إلى عدم إجابة ما طلبه المورث من إحالة الدعوى إلى التحقيق استناداً إلى أن الدلائل التي أوردها كافية لبيان وجه الحق في الدعوى - وهذا الذي استخلصه الحكم وأقام عليه قضاءه استخلاص سائغ يكفي لحمله ولم تكن المحكمة ملزمة بإجابة طلب الإحالة إلى التحقيق ما دام أنها استبانت وجه الحق في المسألة المتنازع عليها من الدلائل التي استعرضتها في حكمها وأقامت عليها قضاءها - كما أن النعي على الحكم بإهدار دفاع مورث الطاعنين استناداً إلى عدم إبدائه أمام محكمة أول درجة مردود بأن الحكم أقام قضاءه على عدم صحة الواقعة المدعاة من الدلائل التي ساقها وما جاء بالحكم عن عدم تمسك مورث الطاعنين بهذا الدفاع أمام محكمة أول درجة لا ينطوي على خطأ في القانون بل هو تقدير موضوعي لقيمة الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع ولا على المحكمة أن تعتبر عدم التحدي بهذا الادعاء دليلاً مضافاً إلى الأدلة الأخرى مؤدياً إلى عدم جدية هذا الادعاء.
وحيث إن السبب الثالث يتحصل في تعييب الحكم المطعون فيه بالخطأ في فهم الواقع والخطأ في تطبيق القانون استناداً إلى أن الحكم لم يستنزل من قيمة الأجرة مبلغ 980 قرشاً كان مورث الطاعنين قد عرضه على المطعون عليه الأول، ولما رفض الأخير استلامه أودعه المورث خزينة المحكمة وصرح بصرفه بدون قيد أو شرط وأن محكمة الاستئناف عندما عرض عليها طلب إلغاء الحكم المستأنف فيما اشتمل عليه من شموله بالنفاذ أصدرت حكمها بإلغاء وصف النفاذ فيما زاد على المبلغ - كما أن محكمة الجيزة قضت بصفة مستعجلة ببراءة ذمة مورث الطاعنين ورفضت الحجز استناداً إلى سبق عرض هذا المبلغ وإيداعه - وفوق هذا فإن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بأقوال أسطى الماكينة زكي نخله في قضية الجنحة رقم 582 سنة 1946 بني مزار لمناسبة اتهامه فيها بتبديد بعض أدوات اشتراها بسبب تعطل الماكينة استناداً إلى أن مورث الطاعنين شهد لصالحه في تلك القضية التي قضي فيها بالبراءة مع أن مورث الطاعنين لم يؤد الشهادة في تلك القضية وأن الذي شهد فيها شخص آخر يدعى محمود خليل الميكانيكي وبذلك يكون الحكم قد شابه فساد في الاستدلال - كما أخطأ الحكم إذا أخذ على مورث الطاعنين عدم قيامه بتسليم الماكينة للمطعون عليه الأول بدليل عدم حصوله على مستند كتابي منه باستردادها ولم يقم من ناحية أخرى بعرض الماكينة على المطعون عليه الأول عرضاً رسمياً ليبرئ ذمته من الالتزام بتسليمها - ذلك أن المستأجر غير ملزم بتسليم الشيء في محل المؤجر، كما أنه لا يلتزم بعرض ذلك الشيء على المؤجر لأن الأصل أن الوفاء في محل المدين.
وحيث إن هذا النعي مردود في جميع وجوهه - ذلك أن مورث الطاعنين لما عرض على المطعون عليه الأول مبلغ 980 قرشاً شفعه بأنه عرض مبرئ لذمته من التزامه كاملاً بالأجرة ولما رفضه المطعون عليه الأول أودعه المورث خزينة المحكمة ولم يقدم الطاعنون ما يدل على أن مورثهم طلب أمام محكمة الاستئناف خصم هذا المبلغ من الأجرة بل إن مذكرة المورث التي قدمها لمحكمة الاستئناف قد ذكر بها أنه عرض هذا المبلغ وأودعه براءة لذمته من كامل الالتزام بالأجرة ولم يكن المطعون عليه الأول ملزماً بقبول هذا العرض الناقص - أما ما ذكره الطاعنون عن حكم محكمة الجيزة فإنه فضلاً عن أنهم لم يقدموا ما يدل على تمسكهم به أمام محكمة الاستئناف فإن الثابت من ذلك الحكم أنه قضى بعدم الاعتداد بالحجز الذي أوقعه المطعون عليه الأول على سيارات مملوكة لمورث الطاعنين نفاذاً للحكم الصادر في هذه الدعوى من محكمة أول درجة استناداً إلى ما قضت به محكمة الاستئناف في الاستئناف الوصفي بتاريخ 22 من مايو سنة 1949 من إلغاء ذلك الحكم فيما قضى به من الشمول بالنفاذ فيما زاد على 980 قرشاً وإلى أن مورث الطاعنين قد عرض هذا المبلغ الأخير على المطعون عليه الأول ثم أودعه خزينة المحكمة بعد رفض قبوله وبذلك انعدام موجب الحجز - وهذا الذي أورده حكم محكمة بندر الجيزة في الدعوى 637 سنة 1949 لا يؤدي إلى براءة ذمة مورث الطاعنين من مبلغ الـ 980 قرشاً وأما ما ينعاه الطاعنون على الحكم في خصوص عدم أخذه بأقوال زكي نخله استناداً إلى أن من أدى الشهادة لصالحه في دعوى الجنحة 582 سنة 1946 بني مزار شخص آخر غير مورث الطاعنين فمردود بأنه نعي عار عن الدليل إذ ليس في أوراق تلك الدعوى ما يدل على أن محمود خليل شاهد النفي فيها شخص آخر غير مورث الطاعنين - كما أن ما ينعاه الطاعنون على الحكم فيما أورده عن عدم قيام مورثيهم بتسليم الماكينة إلى المطعون عليه الأول أو عرضها عليه عرضاً رسمياً مردود بأن الحكم لم يتعرض إلى المكان الذي كان يجب أن يتم فيه التسليم، ولكن الحكم لم يأخذ بدفاع مورث الطاعنين من أنه سلم الماكينة إلى المطعون عليه الأول في 28 من أغسطس سنة 1945، لعدم الاطمئنان إلى الأدلة التي ساقها المورث تأييداً لهذا الدفاع.
وحيث إن السبب الرابع يتحصل في أن تعييب الحكم المطعون فيه بالإخلال بحق الدفاع والتخاذل في الأسباب والاستناد إلى أدلة تشكيكية استناداً إلى أن مورث الطاعنين طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات واقعة تعطل الماكينة فرفضت المحكمة إجابة طلبه بحجة أن الدلائل في الدعوى كافية لبيان وجه الحق فيها مع أن العبرة في التحقيق هي بما تجريه المحكمة التي لا يجوز لها أن تعتمد على أقوال شهود لم تسمعهم ولم يحلفوا اليمين كما ذكرت المحكمة أنها لم تخرج من التحقيقات السابقة بنتيجة يمكن الاطمئنان إليها فكان عليها أن تسمع الشهود ولتنتهي إلى ما يمكن الاطمئنان إليه.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن محكمة الموضوع ليست ملزمة بإجابة طلب الإحالة إلى التحقيق ما دامت قد وجدت في الدعوى من الأدلة ما يكفي لتكوين اعتقادها وأنه لا يعيب المحكمة اعتمادها على أقوال شهود سمعوا في غير مجلس القضاء لأن المرجع في تقدير تلك الأقوال كقرينة قضائية هو اقتناع قاضي الموضوع - على أن المجادلة في هذا الخصوص تتعلق بتقدير الدليل في الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع.
وحيث إن السبب الخامس يتحصل في النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في فهم القانون والخطأ في فهم واقعة المائة جنيه تأسيساً على أن محكمة النقض في حكمها في الطعن 133 سنة 17 ق قررت أن ما ذكره الحكم المطعون فيه في ذلك الطعن من أن الطاعن لم يدفع مبلغ المائة جنيه الذي اشترط ألا يكون مستحقاً إلا بعد الفصل في الدعوى بورقة المحاسبة المحررة في 12 من يناير سنة 1946 ليس من شأنه أن يؤدي إلى اعتبار المطعون عليه الثاني في حل من التزامه بموجب اتفاق أول نوفمبر سنة 1945 متى كان هذا المبلغ قد اندمج في المحاسبة سالفة الذكر واتفق فيها على كيفية وفائه وشروط استحقاقه - ولكن الحكم المطعون فيه عاد فردد ما سبق أن أورده الحكم المنقوض في هذا الخصوص - وأضاف الطاعنون أن الحكم المطعون فيه أخطأ فهم واقعة المائة جنيه وذكروا أنهم سيبينون وجه هذا الخطأ في مذكرتهم الشارحة، وقد خلت تلك المذكرة من التحدث عن هذا الوجه.
وحيث إن هذا النعي بشقيه مردود ذلك أنه يبين من حكم هذه المحكمة في الطعن 133 سنة 17 ق أنها أوردت في خصوص دعوى الضمان أن الحكم المنقوض "استند في رفض دعوى الضمان إلى القول بأن الطاعن لم يدفع مبلغ المائة جنيه إلى المطعون عليه الثاني مستدلاً على ذلك بما أسفرت عنه محاسبة 12 من يناير سنة 1946 من مديونية الأول للثاني دون أن يتعرض الحكم لشروط استحقاق الدين الناتج من هذه المحاسبة ومنها أنه لا يكون إلا بعد الفصل في هذه القضية، لما كان عدم دفع الطاعن مبلغ المائة جنيه ليس من شأنه أن يؤدي إلى اعتبار المطعون عليه الثاني في حل من التزامه بموجب اتفاق أول نوفمبر سنة 1945 متى كان هذا المبلغ قد اندمج في المحاسبة سالفة الذكر واتفق فيها على كيفية وفائه وشروط استحقاقه - لما كان ذلك كان الواجب على المحكمة أن تتحدث عن حكم شروط استحقاق مبلغ المائة جنيه التي أقامت على عدم دفعه قضاءها برفض دعوى الضمان" - في حين أن الحكم المطعون فيه أورد نص اتفاق أول نوفمبر سنة 1945 الذي دلت عبارته على أن المطعون عليه الثاني لم يتسلم مبلغ المائة جنية من مورث الطاعنين، ثم أيد الحكم ذلك بعبارة الاتفاق الذي عقد بين الطرفين في يوم تحرير ورقة المحاسبة المؤرخة 12 من يناير سنة 1946 والذي لم ينازع فيه مورث الطاعنين - وحصل الحكم من هذا الاتفاق الأخير الذي يبين من عبارته أنه حرر بعد وفي يوم تحرير ورقة 12 من يناير سنة 1946 أن مبلغ المائة جنية موضوع اتفاق أول نوفمبر سنة 1945 كان أجراً على توسط المطعون عليه الثاني بين مورث الطاعنين والمطعون عليه الأول وأن هذا المبلغ لم يدفع إلى المطعون عليه الأول ولم يندمج في ورقة المحاسبة المحررة في 12 من يناير سنة 1946 - ويبين من هذا اختلاف وجهة الحكم المطعون فيه في خصوص دعوى الضمان عن وجهة الحكم المنقوض - ومن ثم يكون تعييب الحكم المطعون فيه بالعيب الذي نقض من أجله الحكم في الطعن 133 سنة 17 ق غير صحيح - أما تعييب الحكم المطعون فيه بالخطأ في فهم واقعة المائة جنيه فإن تقرير الطعن قد خلا من بيان وجه النعي على الحكم في خصوصه، ومن ثم يكون هذا الشق من سبب الطعن مجهلاً.
وحيث إنه لكل ذلك يتعين رفض الطعن.