أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 8 - صـ 204

جلسة 7 من مارس سنة 1957

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: اسحق عبد السيد، ومحمد عبد الواحد علي، وأحمد قوشه، ومحمد متولي عتلم، المستشارين.

(25)
القضية رقم 103 سنة 23 القضائية

( أ ) شيك. التزام. حكم "تسبيب معيب". صدور خطاب من البنك يفيد استلام المستفيد لقيمة الشيك. عدم صلاحية هذا الخطاب كدليل على أن مبلغ الشيك سلم على سبيل القرض للمستفيد. عدم إقامة الدليل القانوني في الحكم على أن هذا المبلغ سلم إلى المستفيد على سبيل القرض. قصور.
(ب) دين. التزام. إثبات. مطالبة الدائن بجزء من الدين المدعى إقراضه. عدم دلالته على سبق حصول قرض.
(ج) حكم. القبول المانع من الطعن فيه. معارضة. نقض. الطعن بطريق النقض في الحكم الغيابي. اعتباره نزولاً عن الحق في المعارضة وعدم اعتباره قبولاً مانعاً من الطعن فيه. م 387 مرافعات.
(د) نقض. أسباب جديدة. حكم. معارضة. إعذار. إعلان. الدفع ببطلان الإعذار الذي بني عليه اعتبار الحكم حضورياً سواء عملاً بالمادتين 72 و80 أو المادتين 12 و24 مرافعات. عدم جواز التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض.
1 - إذا كان الحكم قد أقام قضاءه بثبوت الدين في ذمة من حرر لمصلحته الشيك محل النزاع على خطاب من البنك يفيد صرف قيمة هذا الشيك إلى المستفيد فإن الحكم يكون قد انطوى على قصور في التسبيب لأن خطاب البنك إن صلح دليلاً على استلام المستفيد للمبلغ المبين بالشيك فإنه لا يقوم دليلاً على أن هذا المبلغ سلم إليه على سبيل القرض إذ الأصل في الشيك أنه أداة وفاء وكان على الحكم أن يقيم الدليل القانوني على أن المبلغ المبين بالشيك قد سلم إلى المستفيد على سبيل القرض.
2 - مطالبة الدائن بجزء من الدين الذي ادعى إقراضه إلى المدين لا تدل بذاتها على سبق حصول قرض.
3 - عدم الطعن في الحكم بطريق المعارضة لا يعد قبولاً للحكم مانعاً من الطعن فيه بطريق النقض لأنه إذا صدر حكم غيابي فللمحكوم عليه أن يتجاوز عن حقه في الطعن بطريق المعارضة وأن يطعن فيه بطريق الاستئناف أو النقض مباشرة حسب الأحوال. ويعتبر الطعن في هذه الصورة نزولاً عن الحق في المعارضة على ما تقضي به المادة 387 مرافعات.
4 - متى كان الطاعن لم يرفع معارضة في الحكم الذي وصف بأنه حكم حضوري بناء على الإعذار الذي أعلن إليه وبالتالي لم يعرض على محكمة الموضوع الدفع ببطلان الأعذار سواء عملاً بنص المادتين 72 و80 أو المادتين 12 و24 مرافعات فإنه لا يجوز التحدي بهذا الدفع لأول مرة أمام هذه المحكمة ما دام أن البطلان المدعى به لا يتصل سببه بالنظام العام.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 94 سنة 1949 كلي قنا على الطاعن وطلب الحكم بإلزامه بأن يدفع له مبلغ 380 جنيهاً واستند في ذلك إلى أنه أقرض الطاعن مبلغ 500 جنيه قبضه الأخير بموجب الشيك رقم 30053 المؤرخ 27 من مارس سنة 1948 من حسابه بالبنك الأهلي وركن في إثبات الدعوى إلى خطاب من فرع البنك الأهلي بالأقصر محرر في 22 من فبراير سنة 1949 ذكر فيه أن الشيك سالف الذكر الصادر من المطعون عليه لأمر الطاعن قد صرفت قيمته بتاريخ 27 من مارس سنة 1948 إلى ناروز داود الذي حول إليه الشيك من الطاعن. وأضاف المطعون عليه في صحيفة الدعوى أنه قبض من الطاعن مبلغ 120 جنيهاً من أصل الدين - لم يحضر الطاعن - وفي 24 من مارس سنة 1949 قضت المحكمة غيابياً برفض الدعوى وأقامت قضاءها على أن خطاب فرع البنك الأهلي لا حجية له على الطاعن لعدم صدوره منه ولعدم توقيعه عليه، كما أن هذا الخطاب لا يقطع في مديونية الطاعن لأن المطعون عليه لم يقدم الدليل على أن الطاعن استلم المبلغ المبين بالشيك على سبيل القرض إذ قد يكون الغرض من سحب الشيك وفاء دين أو إنابة الطاعن في صرف قيمته لحساب المطعون عليه - استأنف المطعون عليه هذا الحكم وطلب إلغاءه والحكم بطلباته مستنداً إلى خطاب فرع البنك الأهلي بالأقصر وأضاف إلى ذلك أنه يركن إلى ذمة الطاعن وطلب توجيه اليمين الحاسمة إليه بالصيغة التي بينها في صحيفة الاستئناف، وقيد هذا الاستئناف برقم 99 سنة 26 ق أسيوط وحدد لنظره جلسة 21 من مايو سنة 1951 وفيها لم يحضر الطاعن فأجلت الدعوى لجلسة 8 من أكتوبر سنة 1951 لإعادة إعلان الطاعن وإعذاره بأن الحكم الذي يصدر في الدعوى يعتبر حضورياً - أعلن الإعذار للطاعن في 4 من أكتوبر سنة 1951 مخاطباً مع شيخ البد، وبالجلسة المحددة لم يحضر الطاعن. وفي 5 من يونيو سنة 1952 قضت محكمة الاستئناف "بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام الطاعن بأن يدفع إلى المطعون عليه مبلغ 380 جنيهاً ومصروفات الدرجتين وأتعاب المحاماة عنهما - وأقامت المحكمة قضاءها على أن الحكم المستأنف تخيل دفاعاً للطاعن في غيبته وأن خطاب فرع البنك الأهلي يثبت بشكل قاطع أن الطاعن استلم مبلغ 500 جنيه من حساب المطعون عليه المودع بالبنك وأن في مطالبة المطعون عليه بجزء من المبلغ الدليل على صحة الدعوى - وأوردت المحكمة في خصوص طلب توجيه اليمين الحاسمة أنها لا ترى توجيهها إلى الطاعن استناداً إلى أن المطعون عليه وإن كان قد طلب توجيهها في صحيفة الاستئناف إلا أنه لم يصر على هذا الطلب في مذكرته الختامية واعتبرت المحكمة أن توجيه اليمين على هذه الصورة ما هو إلا وجه من أوجه الدفاع لا طلب أصلي وأن القانون المدني وقانون المرافعات الجديدين يتركان للقاضي تقدير ضرورة توجيه اليمين أو رفضها إذا ما اقتنع بقيام الدليل على موضوعها بطرق أخرى من طرق الإثبات بدليل إلغاء المادتين 225 من القانون المدني القديم و166 من قانون المرافعات القديم - وفي 20 من إبريل سنة 1953 طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وأبدت النيابة رأيها بنقض الحكم المطعون فيه، وقررت دائرة الفحص بجلسة 23 من يناير سنة 1957 إحالة الطعن إلى الدائرة المدنية لجلسة 21 من فبراير سنة 1957 وفيها صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن المطعون عليه دفع بعدم جواز الطعن استناداً إلى أن الطاعن قبل الحكم المطعون فيه وآية ذلك أن الطاعن عاب على الحكم في السبب الأول من أسباب الطعن أنه بني على إجراء باطل هو بطلان الإعذار المعلن إليه وأنه ترتب على هذا الإجراء الباطل أن وصف الحكم المطعون فيه بأنه حضوري، وأنه كان على الطاعن إذا أراد التحدي بهذا الوجه من أوجه البطلان أن يعارض في الحكم المطعون فيه في الميعاد الذي حدده القانون وأن يضمن صحيفة المعارضة اعتراضه على الحكم في هذا الخصوص وأن الطاعن إذ أهمل سلوك هذا الطريق فقد دل على أنه قبل الحكم مما لا يجوز له معه الطعن فيه بطريق النقض.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن عدم الطعن في الحكم المطعون فيه بطريق المعارضة لا يعد قبولاً للحكم مانعاً من الطعن فيه بطريق النقض لأنه إذا صدر حكم غيابي فللمحكوم عليه أن يتجاوز عن حقه في الطعن فيه بطريق المعارضة وأن يطعن فيه بطريق الاستئناف أو النقض مباشرة حسب الأحوال، ويعتبر الطعن في هذه الصورة نزولاً عن الحق في المعارضة على ما تقضي به المادة 387 من قانون المرافعات التي تنص على أن: "يعتبر الطعن في الحكم الغيابي بطريق آخر غير المعارضة نزولاً عن حق المعارضة" أي أن القانون لم يرتب على الطعن في الحكم الغيابي بطريق آخر غير المعارضة إلا أثراً واحداً هو اعتباره نزولاً عن حق المعارضة لا قبولاً للحكم مانعاً من الطعن فيه - لما كان ذلك وكان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن بني على سببين يتحصل أولهما - في النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون فيما وصف فيه بأنه حكم حضوري - ذلك أن الإعذار الذي أعلن إلى الطاعن والذي بني عليه اعتبار الحكم حضورياً قد شابه بطلان من ثلاثة أوجه أولها: أن هذا الإعذار أعلن إلى الطاعن في 4 من أكتوبر سنة 1951 للحضور أمام محكمة استئناف أسيوط بجلسة 8 من أكتوبر سنة 1951 مخالفاً بذلك المادتين 95، 72 من قانون المرافعات التي تنص أولاهما على حق المدعي في طلب التأجيل إذا لم يحضر المدعى عليه مع إعذار الأخير بأن الحكم الذي يصدر يعتبر حضورياً، وتنص ثانيتهما على أن ميعاد الحضور أمام محكمة الاستئناف ثمانية أيام، ولما كان الإعذار قد أعلن إلى الطاعن قبل الجلسة المحددة بثلاثة أيام فإنه يكون قد وقع باطلاً. الوجه الثاني - أن الإعذار أعلن إلى الطاعن مخاطباً مع شيخ البلد ابتداء ولم يبين المحضر الذي قام بالإعلان الخطوات السابقة على تسليم الإعلان لشيخ البلد ولا اسم من خاطبه بموطن الطاعن وامتنع عن الاستلام ومن ثم يكون الإعذار قد وقع باطلاً لمخالفته نص الفقرة الأولى من المادة الثانية عشرة من قانون المرافعات. الوجه الثالث - إن الصورة التي سلمت لشيخ البلد من إعلان الإعذار قد خلت من بيان أن المحضر قد وجه إلى الطاعن في موطنه خطاباً موصى عليه بعلم الوصول يتضمن تسليم صورة الإعلان لجهة الإدارة مخالفاً بذلك الفقرة الثانية من المادة الثانية عشرة من قانون المرافعات.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه لما كان الطاعن لم يرفع معارضته في الحكم المطعون فيه وبالتالي لم يكن الدفع ببطلان الإعذار سواء عملاً بنص المادتين 72 و80 أو المادتين 12 و24 مرافعات مما عرض على محكمة الموضوع فإنه لا يجوز التحدي بهذا الدفع لأول مرة أمام هذه المحكمة ما دام أن البطلان المدعى به لا يتصل سببه بالنظام العام.
وحيث إن حاصل السبب الآخر من أسباب الطعن أن الحكم المطعون فيه عاره قصور في التسبيب ذلك أن خطاب فرع البنك الأهلي بالأقصر لا يدل على أن الطاعن استلم المبلغ المبين بالشيك على سبيل القرض، كما أن ما ذكره الحكم من أن "عدم مطالبة المطعون عليه إلا بالجزء الباقي من الدين دليل على قيام الطاعن بسداد جزء منه" يعتبر استدلالاً فاسد الأساس إذ لا يصح أن يتخذ من تصرف المطعون عليه دليلاً على الطاعن - هذا فضلاً عن أن الحكم لم يعن بالرد على ما ساقه الحكم الابتدائي من أسباب، كما اتخذ الحكم من تخلف الطاعن دليلاً على ثبوت الدعوى وفي هذا ما يجافي القانون لأن القاضي لا يجوز له أن يحكم إلا استناداً إلى الدليل الذي يقدمه المدعى عليه أو لم يحضر.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على "أن خطاب البنك الأهلي يثبت ثبوتاً قاطعاً أن الطاعن استلم لحسابه مبلغ 500 جنيه من حساب المطعون عليه وأنه سدد جزءاً من دينه بدليل أن المطعون عليه لا يطالب بكل المبلغ بل بجزء منه" وهذا الذي أورده الحكم كدليل على ثبوت الدين في ذمة الطاعن ينطوي على قصور في التسبيب لأن خطاب البنك الأهلي إن صلح دليلاً على استلام الطاعن للمبلغ المبين بالشيك فإنه لا يقوم دليلاً على أن هذا المبلغ سلم إلى الطاعن على سبيل القرض إذ الأصل في الشيك أنه أداة وفاء. كما أن مطالبة المطعون عليه بجزء من الدين الذي ادعى إقراضه إلى الطاعن لا تدل بذاتها على سبق حصول القرض - وكان على الحكم أن يقيم الدليل القانوني على أن المبلغ المبين بالشيك قد سلم إلى الطاعن على سبيل القرض، أما وهو لم يفعل فإنه يكون قاصر البيات متعين النقض.