أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 8 - صـ 214

جلسة 7 من مارس سنة 1957

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة. وبحضور السادة: اسحق عبد السيد، ومحمد عبد الواحد علي، وأحمد قوشه، وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.

(27)
القضية رقم 311 سنة 23 القضائية

( أ ) شفعة. العقار المشفوع فيه. بيع عقارات متعددة منفصلة عن بعضها. جواز التجزئة وقيام حق الشفيع في أن يأخذ بالشفعة العقار الذي توافرت فيه أسباب الشفعة دون العقارات الأخرى. دكريتو الشفعة 1901.
(ب) شفعة. طلب الشفعة في الحالة التي تجوز فيها تجزئة الأطيان المبيعة. تضرر المشتري لترك باقي الصفقة تحت يده وإبداء الشفيع استعداده لأخذ هذا الباقي رفعاً للضرر عن المشتري. الحكم للشفيع بالجزء المطلوب بالشفعة وكذلك بباقي الصفقة. لا خطأ. اعتراض المشتري أمام محكمة الموضوع بأن ما أبداه الشفيع من أخذ الباقي بأنه طلب جديد للشفعة لم تتوافر شروطه ومواعيده. لا يؤثر.
(ج) شفعة. توارثها. قانون. مواريث "ما يصح اعتباره مالاً يورث". انتقال حق الشفعة بالإرث.
(د) نقض. الصفة في الطعن. بيان ما إذا كان الخصم وارثاً لغيره. عدم لزوم بيانه في تقرير الطعن متى تقررت هذه الصفة قبل صدور الحكم المطعون فيه. الدفع بذلك من المطعون عليه شفوياً بالجلسة. لا يقبل. المادتان 429 و440 مرافعات.
(هـ) نقض. الصفة في الطعن. دعوى "تمثيل الخصوم فيها". أهلية. قاصر. تمثيل الطاعن بشخصه أمام محكمة الموضوع وصدور الحكم في مواجهته وذكره به وتقريره بالطعن باعتباره بالغاً. التمسك بقصر الطاعن شفوياً بالجلسة. غير جائز.
1 - قصدت المادة 11 من دكريتو 23 مارس سنة 1901 الصادر بشأن الشفعة - معالجة حالة ما إذا بيع عقار واحد لعدة أشخاص فأباحت التجزئة في صورة وحرمتها في صورة أخرى وهي حالة تختلف عن حالة بيع عقارات متعددة لا عقار واحد وحكم هذه الحالة أن العقارات المبيعة إن كانت منفصلة فلا يحق للشفيع أن يطلب منها إلا ما توافرت له فيه أسباب الشفعة دون العقارات الأخرى. فإذا تبين أن الأطيان المطلوبة بالشفعة منفصلة تمام الانفصال عن باقي الأطيان المبيعة وأن الشفيع يجاور المقدار الذي يطلب أخذه بالشفعة من أكثر من جهة مع وجود حقوق ارتفاع ري وصرف بين هذه الأطيان والأرض المشفوعة بها ولم يطعن المشتري على ما حصله الحكم من ذلك بأي مطعن فإن الحكم فيما قرره من جواز التجزئة في هذه الحالة يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً.
2 - إذا كان الحكم قد قضى للشفيع بأحقيته في أخذ جزء من الأطيان المبيعة بالشفعة في الحالة التي تجوز فيها التجزئة كما قضى بأحقيته أيضاً في أخذ باقي الصفقة وذلك قبولاً لما ردده المشتري في دفاعه أمام محكمة الموضوع من تضرر لترك باقي الصفقة تحت يده رغم ضعفها وصعوبة استغلالها واستجابة لما أظهره الشفيع من استعداد لأخذ هذا الباقي رفعاً للضرر عن المشتري فإن التكييف الصحيح لذلك هو أن الطرفين قد تراضيا على أخذ الشفيع لباقي الصفقة إذا ثبت من جهة حقه في أخذ الجزء المشفوع فيه بالشفعة وثبت من جهة أخرى إصابة المشتري بأضرار من تخلف الجزء الباقي في يده. فمتى كان الحكم قد أثبت قيام الأسس التي بني عليها هذا التراضي فإنه لا يكون قد أخطأ إذا أعمل أثره وقضى للشفيع بأخذ باقي الصفقة رفعاً للضرر الذي شكا منه المشتري. ولا يغير من ذلك أن يكون المشتري قد اعترض أمام محكمة الموضوع على ما أبداه الشفيع من أخذ باقي الأطيان بأنه طلب جديد للشفعة لم تتوافر شروطه ومواعيده.
3 - حق الشفعة من الحقوق التي يجري فيها التوارث على ما جرى به قضاء هذه المحكمة.
4 - بيان إن كان الخصم وارثاً لغيره ليس مما قصدت المادة 429 مرافعات إلى بيانه في تقرير الطعن فيما أشارت إليه من البيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم متى كانت صفة الخصم كوارث لغيره من الأخصام قد تقررت قبل صدور الحكم المطعون فيه واستقرت ضمن واقعات هذا الحكم، ومن ثم فلا يقبل من المطعون عليه إبداء الدفع بذلك شفوياً بالجلسة عملاً بالمادة 440 من قانون المرافعات.
5 - متى تبين أن الطاعن كان ممثلاً بشخصه في الدعوى أمام محكمة الموضوع وأن الحكم صدر في مواجهته وذكر به وقد تقرر بالطعن منه باعتباره بالغاً على ما كان يقول به نفس المطعون عليه في دعواه ولم يدفع المطعون عليه بقصر الطاعن فيما قدمه من دفاع في مذكرته فلا يجوز له لإبداء هذا الدفع شفوياً بالجلسة لأنه لا يقوم على سبب من النظام العام.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليه الأول ووالديه اسطفانوس بسطوروس والست أمينة خليل رفعوا الدعوى رقم 237 سنة 1947 كلي الفيوم ضد الطاعنين وأنطون يوسف ذكرى والآنسة ماري يوسف ذكرى وقالوا فيها بأنهم علموا أن هذين الأخيرين باعا للطاعنين على الشيوع أطياناً قدرها 73 فداناً بناحيتي الناصرية والبسيونية بعقد عرفي مؤرخ 9/ 7/ 1947 بثمن قدره 4000 جنيه فسارعوا إلى إبداء رغبتهم في أخذ 46 فداناً و16 قيراطاً و13 سهماً بالشفعة وهو القدر الواقع بناحية الناصرية والذي يتوافر لهم فيه شروط الشفعة لوقوعه في وسط أملاكهم ومجاورتهم له من أكثر من حد ولهم عليه وله على أملاكهم المجاورة حقوق ارتفاق ري وصرف ومرور ولذا طلبوا أن يحكم لهم بأحقيتهم مجتمعين ومنفردين في أخذ هذا القدر بالشفعة مقابل الثمن الحقيقي الذي وصل إلى علمهم وهو 1672 جنيهاً وملحقاته أو بأي ثمن آخر يثبت أنه الثمن الحقيقي مع ملحقاته والتصريح لهم بتسجيل الحكم مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - ولما قال المدعى عليهم إن الطاعنين الثالث والرابع قاصران أدخل المدعون والداهما علي سيد أحمد عطية بصفته ولياً طبيعياً عليهما. وفي أثناء سير الدعوى توفى اسطفانوس بسطوروس والست أمينة خليل فحل محلهما المطعون عليهما الأول والثانية بصفتهما وارثين لهما - كما توفى أنطون يوسف ذكرى والآنسة ماري يوسف ذكرى وحل محلهما ورثتهما المطعون عليهما الثالثة بصفتيها والرابعة. ودفع الطاعنون الدعوى بالدفوع الآتية: 1 - سقوط الحق في الشفعة لعدم إبداء الرغبة في الميعاد القانوني. 2 - بطلان إعلانه الرغبة وصحيفة الدعوى. 3 - عدم صحة عرض الثمن. 4 - بطلان دعوى الشفعة لعدم جواز تجزئة الصفقة المبيعة. 5 - عدم توافر شروط الشفعة. 6 - أولوية الطاعنين لأخذ الأطيان المبيعة لتوافر شروط الشفعة فيهم. 7 - انعدام صفة المطعون عليهما الأولين في طلب الشفعة بعد وفاة والديهما لعدم جواز توارث الشفعة. 8 - انعدام مصلحتها في الأخذ بالشفعة لتملك كل منهما مائتي فدان وبتاريخ 25/ 4/ 1948 أصدرت محكمة الدرجة الأولى حكماً بتحقيق تاريخ علم الشفعاء بالبيع وشروطه ثم أصدرت في 19/ 7/ 1948 حكماً آخر بندب مكتب الخبراء لمعرفة ما إذا كانت الأرض المشفوع فيها منفصلة عن باقي الأطيان المبيعة أو متصلة ببعضها وتقدير ثمن الأطيان المشفوع فيها - وقد استأنف الطاعنون هذا الحكم بالقضية رقم 695 سنة 65 ق محكمة استئناف القاهرة فقضى بتأييده في 14/ 2/ 1949 - ثم أصدرت المحكمة الابتدائية في 15/ 1/ 1950 حكماً قضى برفض الدفع بسقوط الحق في الأخذ بالشفعة ورفض الدفع ببطلان إعلان الرغبة وصحته وبإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات حقيقة الثمن - وتنفذ هذا التحقيق ثم قضت المحكمة الابتدائية في 28/ 2/ 1951 بإعادة المأمورية للخبير لبيان بعض نقط مبينة في حكمها ثم قضت أخيراً في 19/ 11/ 1952 برفض الدعوى وإلزام المطعون عليهما الأولين بالمصروفات. فاستأنفا هذا الحكم بالقضية رقم 886 سنة 69 ق محكمة استئناف القاهرة - وأبدى المطعون عليهما الأولان أمامها ما سبق أن أبدياه أمام المحكمة الابتدائية من استعدادهما لأخذ كل الصفقة المبيعة إذا تضرر المشترون (الطاعنون) من أخذهما الجزء المشفوع فيه فقط. وبتاريخ 16/ 6/ 1953 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبأحقية المطعون عليهما الأولين إلى أخذ 72 ف و11 ط و20 س المبينة بصحيفة الدعوى الابتدائية وعقدي البيع الابتدائي والمسجل نظير دفعهما الثمن وقدره 3624 جنيهاً و610 مليمات - فقرر الطاعنون الطعن في هذا الحكم بطريق النقض، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى هذه الدائرة وأبدت النيابة العامة رأيها بقبول الطعن شكلاً وبنقض الحكم على أساس خطئه في القضاء للشفيعين بباقي الصفقة المبيعة رغم فوات ميعاد إبداء الرغبة في أخذ هذا الباقي بالشفعة وبرفض باقي أسباب الطعن.
وحيث إن المطعون عليهما الأولين دفعا بالجلسة بأربعة دفوع أصرا على اثنين منها أحدهما دفع بعدم قبول الطعن شكلاً لعدم اختصام الآنسة ماري يوسف ذكرى إحدى البائعين للأطيان المشفوع فيها ولعدم تضمين تقرير الطعن ما يفيد أنها توفيت وأن المعلنين بالتقرير هم ورثتها، أما الدفع الآخر فهو بعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة للطاعنين الثالث والرابع لعدم وجود صفة لهما في رفعه لأنهما لم يختصما أمام محكمة الموضوع ولأنهما قاصران وكان يمثلهما وليهما الطبيعي علي سيد أحمد عطية.
وحيث إن الدفع الأول مردود بأن الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الآنسة ماري يوسف ذكرى قد توفيت وأن المستأنف عليهم تحت رقم 6 هم ورثتها ورثة المرحوم أنطون يوسف ذكرى وهم بأنفسهم المطعون عليهما الثالثة عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها ثم المطعون عليها الرابعة أما القول بأن تقرير الطعن لم يتضمن بيان صفة المطعون عليهما الثالثة والرابعة كورثة للمرحومة ماري يوسف ذكرى فهو - فضلاً عما تقدم قول جديد لم يسبق للمطعون عليهما الأولين إبداؤه في مذكرتيهما وهو لا يتصل بالنظام العام لأن بيان إن كان الخصم وارثاً لغيره ليس مما قصدت المادة 429 مرافعات إلى بيانه فيما أشارت إليه من البيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم" متى كانت صفة الخصم كوارث لغيره من الأخصام قد تقررت قبل صدور الحكم المطعون فيه واستقرت ضمن واقعات هذا الحكم. ومن ثم فلا يقبل من المطعون عليهما إبداء ذلك شفوياً بالجلسة عملاً بالمادة 440 من قانون المرافعات. وحيث إن الدفع الآخر مردود بأن الطاعنين الثالث والرابع كانا ممثلين بشخصهما في الدعوى أمام محكمة الموضوع وأن الحكم صدر في مواجهتهما وذكرا به تحت رقم 3 و4 من المستأنف عليهم، أما والدهما علي سيد أحمد عطية فقد ذكر تحت رقم 5 "بصفته ولياً شرعياً على ولديه سيد وحسن المقال بأنهما قاصران..." وقد تقرر بالطعن من الطاعنين المذكورين باعتبارهما بالغين على ما كان يقول به نفس المطعون عليهما الأولين في دعواهما ولم يدفع المطعون عليهما بقصر هذين الطاعنين فيما قدماه من دفاع في مذكرتيهما فلا يجوز لهما إبداء هذا الدفع شفوياً بالجلسة لأنه يقوم على سبب من النظام العام.
وحيث إنه لما تقدم ولأن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية يكون الطعن مقبولاً شكلاً.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب: يتحصل أولها في أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون إذ قضى للمطعون عليهما الأولين بأخذ جميع الأطيان المبيعة وقدرها 72 ف وكسور بالشفعة بناء على الرغبة التي أبدياها بتاريخ 4/ 8/ 1952 وبعد أن سقط حقهما في الشفعة بمضي الميعاد القانوني من تاريخ علمهما وعلم مورثيهما بالبيع في 15/ 7/ 1947 ذلك أن مورثي المطعون عليهما المذكورين مع المطعون عليه الأول سبق أن أعلنوا رغبتهم في 21 و27 من يوليه سنة 1947 و2 من أغسطس سنة 1947 في أخذ جزء من الأطيان المبيعة مقداره 46 ف وكسور بالشفعة وبذلك تحدد موقفهم نهائياً بهذه الرغبة التي رفعوا بها دعوى الشفعة والتي لا تستند إلى أساس صحيح من القانون لعدم جواز تجزئة الشفعة فيما بيع لعدة أشخاص مشاعاً بينهم طبقاً للمادة 11 من قانون الشفعة القديم إلا أن الحكم المطعون فيه بعد أن أقر خطأ جواز التجزئة عاد فأخذ بمبدأ عدم التجزئة وقضى للمطعون عليهما بأخذ جميع الأطيان المبيعة ولكنه وقع في خطأ آخر إذ قضى لهما بالشفعة بعد سقوط حقهما فيها بناء على الرغبة التي أبدياها في 4/ 8/ 1952 لأخذ كامل الأطيان المبيعة بعد انقضاء الميعاد القانون من تاريخ العلم بالبيع وليس صحيحاً في القانون ما قرره الحكم من أن الطلب الذي قدمه المطعون عليهما أخيراً لأخذ الصفقة بتمامها لا يستلزم مراعاة الإجراءات والمواعيد المقررة للأخذ بالشفعة.
وحيث إن هذا السبب مردود بأن المادة 11 من دكريتو 23 من مارس سنة 1901 الصادر بشأن الشفعة والمنطبق على واقعة الدعوى إذ نصت على أنه: "إذا بيع العقار لعدة أشخاص مشاعاً بينهم فلا تجوز الشفعة إلا فيه بتمامه، أما إذا عينت في العقد حصة كل منهم مفرزة كان للشفيع الحق في طالب أخذه بتمامه أو أخذ حصة واحدة أو أكثر مع مراعاة القواعد المقررة لطلب الأخذ بالشفعة". قصدت معالجة حالة ما إذا بيع عقار واحد لعدة أشخاص فأباحت التجزئة في صورة وحرمتها في صورة أخرى، ولكن الحالة موضوع الدعوى تختلف عن ذلك إذ هي حالة بيع عقارات متعددة لا عقار واحد، وحكم هذه الحالة أن العقارات المبيعة إن كانت منفصلة فلا يحق للشفيع أن يطلب منها إلا ما توافرت له فيه أسباب الشفعة دون العقارات الأخرى. ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أن الـ 46 ف و16 ط و13 س المطلوبة بالشفعة على ما ثبت من تقرير الخبير "منفصلة تمام الانفصال عن باقي الأطيان المبيعة بواسطة سكة حديد الحكومة المصرية وطريق زراعي حكومي" وأن مورثي المطعون عليهما الأولين والمطعون عليه الأول يجاورون هذا المقدار من أكثر من جهة مع وجود حقوق ارتفاع ري وصرف بين هذه الأطيان والأرض المشفوع بها وكان الطاعنون لم يطعنوا على ما حصله الحكم المطعون فيه من ذلك بأي مطعن فإن الحكم فيما قرره من جواز التجزئة في هذه الحالة يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً ويكون قد أصاب في قضائه للمطعون عليهما الأولين بأحقيتهما في أخذ هذا المقدار بالشفعة. أما قضاؤه لهما بأخذ باقي الصفقة المبيعة فقد استند فيه إلى قوله: "إن المستأنفين قد أبدوا استعدادهم بجلسة 4/ 8/ 1952 أمام محكمة أول درجة وأصروا على هذا الاستعداد في مذكرتهم الختامية أمام هذه المحكمة لأخذ الصفقة بتمامها فيما لو ادعى المستأنف عليهم وقوع ضرر من أخذ الجزء المشفوع فيه فقط، ولم يعترض المستأنف عليهم على ذلك في مذكراتهم المقدمة أخيراً إلى محكمة أول درجة بل تمسكوا بالثمن الوارد في العقد وقالوا إن في أخذ الجزء المشفوع وترك الباقي إضراراً بهم لصعوبة استغلال الجزء الباقي من غير الجزء المشفوع فيه، وترى المحكمة أن تجيب المستأنفين إلى هذا الطلب إذ أيد ما جاء بتقرير الخبير ما ادعاه المستأنف عليهم من ضرر قد يصيبهم من ترك باقي الصفقة وهو صعوبة استغلال باقي الأطيان وأفضلية الجزء المشفوع فيه عن الباقي". ويبين من هذا الذي أورده الحكم المطعون فيه أن قضاءه للمطعون عليهما الأولين بأخذ باقي الصفقة لم يكن إجابة لطلب جديد بالشفعة تقدما به بعد سقوط الحق فيه على ما يقول الطاعنون في نعيهم بل كان قبولاً لما رددوه في دفاعهم أمام محكمة الموضوع من تضرر لترك باقي الصفقة تحت أيديهم رغم ضعفها وصعوبة استغلالها واستجابة لما أظهره المطعون عليهما الأولان من استعداد لأخذ هذا الباقي رفعاً للضرر عنهم. والتكييف الصحيح لذلك هو أن الطرفين قد تراضيا على أخذ المطعون عليهما الأولين لباقي الصفقة إذا ثبت من جهة حقهما في أخذ الجزء المشفوع فيه بالشفعة وثبت من جهة أخرى إصابة الطاعنين بأضرار من تخلف الجزء الباقي في أيديهم، فمتى كان الحكم قد أثبت قيام الأسس التي بني عليها هذا التراضي فإنه لا يكون قد أخطأ إذ أعمل أثره وقضى للمطعون عليهما الأولين بأخذ باقي الصفقة رفعاً للضرر الذي شكا منه الطاعنون. ولا يغير من ذلك أن يكون الطاعنون قد اعترضوا أمام محكمة الاستئناف على ما أبداه المطعون عليهما الأولان من أخذ باقي الأطيان بأنه طلب جديد للشفعة لم تتوافر شروطه ومواعيده. فقد رد الحكم على هذا الاعتراض بقوله إن استعداد المطعون عليهما الأولان لأخذ جميع الصفقة "لا يعتبر إبداء لرغبة جديدة لأخذ كل الصفقة بالشفعة لأن الدعوى رفعت أصلاً بطلب أخذ الستة وأربعين فداناً وكسور التي تتوافر فيها شروط الشفعة بالنسبة للشفعاء، وأما طلبهم أخذ باقي الصفقة فلا يتطلب بالنسبة له ما يتطلبه القانون لطلب الشفعة لأنه متروك لتقدير المحكمة فيما إذا رأت أن في تجزئة الصفقة وتبعيضها إضراراً بالمشتري فقد يجري انقضاء على إلزام الشفيع بأخذ باقي الصفقة منعاً من الأضرار التي تحيق بالمشتري فيما لو ترك له هذا الجزء الخارج عن الأطيان المشفوع فيها، ولا يشترط حينئذ في إبداء الرغبة في أخذ باقي الصفقة ولا في الحكم بها ما يشترط القانون للشفعة من شروط وأوضاع خاصة لا يلزم توافرها إلا بالنسبة للعين المطالب بأخذها بطريق الشفعة..." وما أورده الحكم من ذلك مقروناً بما سبقت الإشارة إليه من أسباب أخرى قد كشف عن قصد محكمة الموضوع الاستجابة إلى تراضي الطرفين على تحميل المطعون عليهما باقي الصفقة بعد استعراض دفاعهما واستخلاص ثبوت حق المطعون عليهما في أخذ الـ 46 فداناً وكسور التي توافرت لهما فيها شروط الشفعة وثبوت الضرر الذي ادعاه الطاعنون من ترك باقي الصفقة في أيديهم وثبوت موافقتهم ضمناً على تحميل الشفيعين بهذا الباقي عند القضاء لهم بالقدر المشفوع فيه، وهذا الذي انتهى إليه الحكم المطعون فيه صحيح في القانون ومن ثم يتعين رفض هذا السبب.
وحيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه إذ قضى برفض الدفع المقدم من الطاعنين بعدم وجود صفة للمطعون عليهما الأولين في طلب الشفعة وبعد قيام شروط الاستشفاع لديهما قبل تاريخ عقد البيع ذلك أن الرغبة التي أبداها مورثاهما في الشفعة قد سقطت بموتهما وليس من شأن هذه الرغبة أن تورث إذ ليست من الحقوق العينية التي يصح توارثها بل هي مجرد رخصة ومشيئة تنقضي بوفاة صاحبها، على ما قال به الرأي الراجح في الشرعية الإسلامية. أما ملكية الأطيان المشفوع بها التي آلت للمطعون عليهما بالإرث فهي ملكية طارئة بعد بيع الأطيان المشفوع فيها ولا تسوغ لهما طلب الشفعة فيما بيع الطاعنين قبل أيلولة هذه الملكية إليهما. أما ما كان يملكه المطعون عليه الأول ملكاً خاصاً وطلب الشفعة بموجبة فإن حقه فيه قد سقط لعدم إبداء رغبته في أخذ كامل الصفقة إلا بعد فوات الميعاد القانوني ولعدم جواز تجزئة الشفعة.
وحيث إن هذا السبب مردود بأنه وإن كانت أحكام الشريعة الإسلامية في رأي فقهاء الحنفية تقضي بعدم توارث الشفعة إلا أن هذه الأحكام لا تعتبر من القانون الواجب على المحاكم تطبيقه في العلاقات المدنية إلا فيما أحاله القانون إليها، أما ما استمده الشارع من أحكام الشريعة في القوانين، كما هو الحال في الشفعة، فإنه أصبح جزءاً من القانون المدني يخضع لأحكامه دون أحكام الشريعة الإسلامية. والفصل في تعرف الحقوق المالية هو من صميم القانون المدني، وما الاستشفاع إلا حق من هذه الحقوق التي توافرت فيها العناصر المالية من نفع وقابلية للاستئثار مما يعتبر معه مالاً ويصح توارثه على ما جرى به قضاء هذه المحكمة، ولما كان مورثا المطعون عليهما الأولين قد أعلنا رغبتهما في الشفعة ورفعا الدعوى بها وقد توافرت لهما شرائطها وانتقل حقهما في الشفعة بالإرث إلى المطعون عليهما فإن الحكم فيما قضى به لهما على هذا الأساس لا يكون قد خالف القانون ولا أخطأ في تطبيقه.
وحيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم المطعون فيه خالف الثابت في الأوراق فيما استند إليه من أسباب عن صورية الثمن الوارد في عقد البيع. ذلك أنه ارتكن إلى التحقيق الذي أجرته المحكمة الابتدائية نفاذاً لحكمها الصادر في 15/ 1/ 1950، وقال إن هذا الحكم قد صدر لتحقيق الثمن في حين أنه كان قاصراً على تحقيق واقعه العلم بالبيع، كما أن الحكم المطعون فيه نسب إلى الشهود ومن بينهم محمد طه وهيب ما يخالف أقوالهم في محضر التحقيق إذ لم يذكر أحد من شهود المستأنفين شيئاً عن الثمن، أما محمد طه حبيب فهو ليس من شهود المستأنفين المطعون عليهما الأولين بل هو من شهود الطاعنين ولم يتحدث عن الثمن إلا عرضاً إذ قال إن ثمن الصفقة كلها 4000 جنيه ولم يذكر أبداً أن ثمن الفدان 50 جنيهاً كما جاء في الحكم.
وحيث إن هذا السبب مردود بأنه يبين من الاطلاع على الحكم الصادر من المحكمة الابتدائية في 15/ 1/ 1950
(والمقدم بحافظة الطاعنين الأولى بملف الطعن) أنه قضى فيما قضى به "بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعون الثمن الحقيقي الذي تمت به الصفقة جميعها وأن المبلغ الوارد بالعقد وهو 4000 جنيه هو ثمن صوري وذلك بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها البينة وللمدعي عليهم النفي بالطرق ذاتها... وبذلك يكون الحكم المطعون فيه لم يخالف الثابت في الأوراق حين استند في شأن الثمن إلى أقواله "شهود المستأنفين (المطعون عليهما الأولين) الذين سمعوا في التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة بناء على حكمها الصادر في 15 يناير سنة 1950 بهذا الشأن...." كما أنه يبين من الاطلاع على الصورة الرسمية لمحضر التحقيق (المقدم بحافظة المطعون عليهما الأولين رقم 7 بملف الطعن) أن هذا التحقيق تم نفاذاً للحكم الصادر في 15/ 1/ 1950 المشار إليه وأن شهود المستأنفين الثلاثة ومن بينهم محمد طه وهيب قد شهدوا بأن الثمن الذي تم به البيع للطاعنين هو 50 جنيهاً للفدان، وقد جاء في محضر التحقيق أن المستأنف عليهم (الطاعنين) ارتكنوا إلى أقوال الشاهد محمد طه حبيب في تحقيق سابق عن أن الثمن 4000 جنيه ونوقش هذا الشاهد فيما سبق أن قرره من ذلك فقال إنه كان يقصد ما ورد بالعقد أما حقيقة الثمن الذي تم عليه الاتفاق في حضوره فهو 50 جنيهاً للفدان - ولما كان ما أورده الحكم المطعون فيه في أسبابه عن الثمن من أقوال شهود المطعون عليهما الأولين التي أخذ بها ومن بينهم محمد طه وهيب مطابقاً لما جاء بمحضر التحقيق - على ما سلف بيانه - فإن النعي على الحكم بمخالفة الثابت في الأوراق يكون في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.