أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 8 - صـ 241

جلسة 21 من مارس سنة 1957

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: اسحق عبد السيد، وأحمد قوشه، ومحمد متولي عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.

(31)
القضيتان رقم 196 سنة 22 و55 سنة 23 القضائية

( أ ) حساب. إثبات. التوقيع على ورقة مجملة ذكر بها أن رصيد الحساب السابق مبلغ معين. عدم اعتبار ذلك دالاً على الإلمام بالحسابات السابقة.
(ب) وكالة. أهلية. مسئولية. هبة. صدور هبات وقروض من مورثة لم تكن حالتها العقلية تسمح لها بأي تصرف. مسئولية من كان يتولى إدارة أموالها عن هذه الهبات والقروض.
(ج) عقد "بطلانه". دعوى. دفوع. جواز. التمسك ببطلان العقد في صورة دفع من الدفوع الموضوعية.
(د) حكم. القبول المانع من المطعون فيه. مناقشة آثار الحكم وبيان مدى حجيته أو التراخي في الطعن على الحكم. عدم اعتباره رضاء بالحكم.
(هـ) دفاع. عدم إلزام المحكمة بتعقب الخصوم في شتى مناحي دفاعهم.
1 - لكي يؤخذ من وقع على كشف بإقراره يجب أن يثبت أنه كان عالماً بتفصيلات الحساب، فإذا كان التوقيع على ورقة مجملة ذكر بها أن رصيد الحساب السابق مبلغ معين فليس في هذا ما يدل على أن الموقع كان ملماً بالحسابات السابقة على إثبات هذا الرصيد.
2 - متى كان الحكم قد انتهى إلى أن حالة مورثة الخصوم العقلية لم تكن تسمح لها بأن تأتي أو تعقل معني أي تصرف استناداً إلى الأسباب السائغة التي أوردها وأن الهبات والقروض المقول بصدورها من المورثة لم تصدر منها عن رضاء صحيح وبالتالي يتحمل المسئولية عنها من كان يتولى إدارة أموالها والمتصرف فيها فإنه لا مخالفة في ذلك للقانون.
3 - ليس في القانون ما يمنع من التمسك ببطلان عقد في صورة دفع من الدفوع الموضوعية دون حاجة إلى رفع دعوى مستقلة بطلب الحكم بهذا البطلان.
4 - الرضاء بالحكم المانع من حق الطعن فيه يجب أن يكون صريحاً أو أن تكون تصرفات أو أقوال من ينسب إليه هذا الرضاء دالة بشكل واضح على حصوله. أما مناقشة آثار الحكم وبيان مدى حجيته فأمر لا يدل بذاته على الرضاء بالحكم، كما أن تراخي الطاعن في الطعن على الحكم لا يدل على ذلك الرضاء ما دام أن الحكم لم يعلن إليه.
5 - لا على المحكمة إذا هي لم تتعقب ما يثيره الخصوم من شتى مناحي الدفاع ما دام قضاؤها يقوم على ما يحمله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليها الأولى أقامت الدعوى 1076 سنة 1936 كلي مصر على الطاعن طلبت فيها الحكم بإلزامه بتقديم حساب عن وكالته عن المرحومة والدتهما من تاريخ وفاة والدهما في 5 من أكتوبر سنة 1921 إلى تاريخ وفاة والدتهما في 6 من مايو سنة 1929 وتدخلت المطعون عليها الثانية في الدعوى منضمة للمطعون عليها الأولى وطالبتا بتقديم الحساب حتى تاريخ تقديمه والحكم لهما على الطاعن بها يظهر من نتيجة فحص الحساب - دفع الطاعن بأنه قدم الحساب إلى تاريخ وفاة موكلته التي اعتمدت الحساب إلى الشهر السابق على وفاتها وتأسيساً على ذلك وعلى أن حق المطعون عليهما مستمد من المورثة فلا يجوز لهما مناقشة هذا الحساب أو الطعن فيه - وقد ردت المطعون عليهما بأن المورثة كانت عند إصدار التوكيل إلى الطاعن لا تعي ولا تدرك سهلة الانقياد والانخداع لضعف قواها العقلية واستندتا في ذلك إلى التوكيل الصادر منها إلى الطاعن في 15 من سبتمبر سنة 1925 تأكيداً للتوكيل الأول الصادر منها إليه في 17 من أكتوبر سنة 1921 إذ حرمت المورثة نفسها من التصرف إلا بموافقة الطاعن وأن ذلك بمثابة حجر غير قضائي أوقعته المورثة على نفسها وإلى أن أحكاماً عدة صدرت من القضاءين الوطني والمختلط تؤيد وجهة نظرهما عن حالة المورثة العقلية - وفي 11 من نوفمبر سنة 1937 قضت محكمة القاهرة الابتدائية تمهيدياً بندب خبير زراعي لمناقشة الحساب تفصيلاً وأقامت قضاءها على أن دفاع الطاعن من حيث عدم مناقشة الحساب إجمالاً أو من حيث تصرفاته كالهبة التي يدعي تمامها بالقبض كل هذا على غير أساس ولا يعتبر رضاء المورثة صحيحاً بسبب حالتها العقلية - استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 462 سنة 58 ق مصر. وفي 21 من ديسمبر سنة 1941 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف للأسباب التي استند إليها وأضافت إليها أن محكمة الاستئناف المختلط قد اعتبرت بحق في حكمها الصادر في 12/ 2/ 1930 أن المورثة حجرت على نفسها بنفسها حجراً فعلياً بمقتضى التوكيل الصادر منها إلى الطاعن في 15 من سبتمبر سنة 1925 وذكرت محكمة الاستئناف المختلطة في حكمها المذكور أن السند موضوع الدعوى التي حكمت فيها لا سبب له وأنه بسبب تقدم المورثة في السن والتأثير الأدبي الذي وقع عليها من بعض أولادها انتزع منها توقيعها على ذلك السند - كما أضافت محكمة استئناف القاهرة أن محكمة مصر الابتدائية أصدرت في 15 من يونيو سنة 1928 حكماً ببطلان سند صادر من المورثة إلى ابنها أنسى وجاء بأسباب الحكم الذي تأيد استئنافياً أن المورثة كانت طاعنة في السن ضعيفة الإدارة وأن الطاعن اعترف بصدور هذا الحكم في مذكرتيه وأنه جاء بمذكرة المطعون عليهما أن الطاعن نفسه في تلك الدعوى طعن على سند أنسى بالبطلان باعتبار أنه أخذ من المورثة بطريق الاستهواء والاستغواء وأنها كانت طاعنة في السن - وزادت محكمة استئناف القاهرة بأن الحساب الذي قدمه الطاعن والذي يقول إن المورثة اعتمدته قد ذكرت فيه الإيرادات مجملة - ثم عرضت المحكمة - لما أثاره الطاعن من أن المطعون عليها الثانية صادقت على الحساب فقررت أن الطاعن لم يقدم على ذلك دليلاً، وأن المطعون عليها الثانية ذكرت أنها وقعت على ورقة مجملة ذكر فيها أن رصيد الحساب لغاية فبراير سنة 1929 382 جنيهاً و99 مليماً وإن هذه الورقة لا يصح اعتبارها مصادقة على الحساب من سنة 1921 إلى سنة 1929 وأنه إذا كان الطاعن قد وضع برأس هذه الورقة عبارة إجمالي الرصيد السابق فإن هذا لا يدل على أن المطعون عليها الثانية اطلعت على الحسابات السابقة. ثم استطردت المحكمة فذكرت أن الطاعن استند إلى المستند رقم 6 بالحافظة الأولى وأنها لم تجد هذا المستند إذ سحبت المستندات التي كانت مودعة بتلك الحافظة، وأوردت المحكمة ما ثبت بفهرس الحافظة عن هذه المستندات وعن المستند رقم 4 من نفس الحافظة، وخلصت من هذا البيان إلى صحة دفاع المطعون عليها الثانية في خصوص توقيعها على كشف الحساب وختمت المحكمة حكمها بأن ما ذكره الطاعن من أن الورثة بما فيهم المطعون عليهما قد عاملوا المورثة معاملة السيدة الصحيحة الرشيدة لا تأثير له على دعوى الحساب وليس من شأن المحكمة البحث فيه - وفي خلال ذلك كان الخبير المنتدب في الدعوى 1076 سنة 1936 كلي مصر قد قدم تقريره واقترح فيه فسخ عقد بيع وفائي صادر من المورثة إلى الطاعن في 2 من أكتوبر سنة 1925 ومحاسبة الطاعن عن إيرادها كما أثبت في تقريره أن من المصروفات التي تضمنتها كشوف الحساب مبلغ 4397 جنيهاً و495 مليماً ذكر أنه هبات وقروض من المورثة لبعض أولادها ومن بينهم الطاعن وللغير وفوض الخبير الرأي في شأن تلك الهبات والقروض - وفي 16 من يناير سنة 1943 قضت محكمة القاهرة الابتدائية برفض الدعوى وأقامت قضاءها على أنه لا محل لما اقترحه الخبير عن عقد البيع الوفائي لما ثبت لها من المستندات من أن الطاعن أوفى ثمن هذه الصفقة بموجب شيكات حولتها الطاعنة ابنها أنسى على سبيل التبرع وأنه لا محل لمساءلة الطاعن عن الهبات والقروض لأنها تبقى صحيحة حتى يقضي ببطلانها وأن للمطعون عليهما إذا أردنا إبطالها مقاضاة الموهوب لهم والمقترضين. استأنفت المطعون عليهما هذا الحكم وقيد الاستئناف برقم 802/ 60 ق استئناف مصر. وفي 5 من مايو سنة 1946 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الطاعن بأن يدفع إلى المطعون عليهما مبلغ 175 جنيهاً و814 مليماً وفوائده من تاريخ رفع الدعوى. فطعنت المطعون عليهما في الحكم بطريق النقض. وفي 13 من مايو سنة 1948 نقضت المحكمة الحكم في خصوص ريع 13 فداناً و3 قراريط و15 سهماً موضوع عقد البيع الوفائي وفي خصوص مبالغ الهبات والقروض وأقامت قضاءها في خصوص عقد البيع الوفائي على أن المطعون عليهما تمسكتا ببطلانه لسببين أولهما عدم أهلية البائعة والآخر صدوره من البائعة إلى وكيلها وأن ما أورده الحكم المطعون فيه من أن: "المحكمة تقر محكمة أول درجة فيما ذهبت إليه من إقرار هذا التصرف للأسباب التي ذكرتها خصوصاً بعد أن تبينت أن ثمن الأطيان المبيعة قد دفع فعلاً بموجب تحاويل على البنك" لا يصلح رداً على الدفع المؤسس على السببين السالف ذكرهما مما يعيبه بالقصور. كما أقامت قضاءها في خصوص الهبات والقروض على أن المطعون عليهما طلبتاً من محكمتي أول وثاني درجة استبعاد هذه المبالغ برمتها لأن الحكم الصادر من محكمة أول درجة في 11 من نوفمبر سنة 1937 المؤيد استئنافياً قضى في شطره القطعي بأن الهبات والقروض المدعى بها لا أساس لها ولا يعتبر رضاء المورثة به صحيحاً وقد حاز قضاؤه في هذا الخصوص قوة الأمر المقضي ولأن المورثة لم تكن تعقل معنى الهبة ولا معنى أي تصرف آخر وأن الطاعن فوق هذا لم يقدم المستندات الدالة على صحتها وأن ما أورده الحكم المطعون فيه من "أن الطاعن قد بين المناسبات التي حصلت فيها معظم تلك التبرعات والمستندات الدالة على صحتها ولا ترى المحكمة ما يدل على صوريتها وليس في تصرف المورثة بهبة القليل من مالها لأبنائها المناسبات خاصة أو للجهات الخيرية شيء من الشذوذ أو منافاة العرف والمنطق وكذلك الحال بالنسبة للقروض" لا يصلح رداً على دفاع المطعون عليهما الذي لو صح لتغير وجه الحكم في الدعوى - بعد ذلك عجلت المطعون عليهما الدعوى أمام محكمة الإحالة. وفي 6 من إبريل سنة 1952 قضت محكمة استئناف القاهرة أولاً "بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض الدعوى بالنسبة لنصيب المطعون عليهما في مبلغ الهبات والقروض وبإلزام الطاعن بأن يدفع لهما مناصفة مبلغ 635 ج و900 م. ثانياً - بندب مكتب الخبراء لمعاينة الأطيان الواردة في عقد 2 من أكتوبر سنة 1925 وتقدير صافي ريعها وبيان حصة المطعون عليهما فيها..." وأقامت المحكمة قضاءها في خصوص مبالغ الهبات والقروض على "أن حكم محكمة أول درجة الصادر في 11 من نوفمبر سنة 1937 والذي تأيد استئنافياً في 21 من ديسمبر سنة 1941 قد قضى في شطره القطعي بأن هذه الهبات لا قيمة لها لأنها لم تصدر عن رضاء صحيح فحاز قضاؤه في هذا الخصوص قوة الأمر المقضي ولا محل لما دفع به الطاعن من أن الحكم التمهيدي حجة عليه في منطوقة فقط أما الأسباب فليست مرتبطة بالمنطوق ولا تجوز قوة الشيء المحكوم فيه وذلك لأن هذا الحكم المؤيد استئنافياً قد تولى الرد على ما تمسك به الطاعن من صحة هذه الهبات والقروض وانتهى إلى بطلانها لانعدام الرضاء فيها ثم قضى بندب خبير لفحص الحساب على هذا الأساس مما يجعل الأسباب مرتبطة بالمنطوق وتحوز قوة الشيء المحكوم فيه" - كما أقامت قضاءها في الشق التمهيدي من الحكم والخاص بتقدير ريع الأطيان المبينة بعقد 2 من أكتوبر سنة 1925 أنه تبين لها أن التصرف بالبيع الوفائي الصادر من المورثة إلى الطاعن في 2 من أكتوبر سنة 1925 في وقت معاصر للسند المحرر لمصلحة أخيه أنسى وللتوكيل الثاني الصادر منها إلى الطاعن صدر عن إرادة مشوبة وأن السيدة المذكورة كانت طاعنة في السن ضعيفة الإرادة فوقعت تحت تأثير ولديها وأحدهما الطاعن يستكتبها كل منهما ما يشاء ويتعين لهذا بطلان هذا العقد وأنه لا محل لبحث الوجه الآخر المبني على المادة 258 من القانون المدني القديم، وأنه ما دام قد قضي ببطلان العقد فإن المطعون عليهما تكونان محقتين في طلب نصيبهما في ريع الأطيان موضوع العقد ورأت لهذا ندب خبير زراعي لتقدير الريع. وقد طعن الطاعن في هذا الحكم في خصوص ما قضى به عن موضوع الهبات والقروض كما طعن كذلك في الحكم الاستئنافي التمهيدي الصادر في الاستئناف رقم 462/ 58 ق بتقرير في قلم كتاب هذه المحكمة في 22 من مايو سنة 1925 وذكر في التقرير أن كلا الحكمين لم يعلنا إليه. وقيد هذا الطعن برقم 196/ 22 ق. وفي 14 من ديسمبر سنة 1952 حكمت محكمة استئناف القاهرة في خصوص ريع الأطيان الواردة بعقد 2 أكتوبر سنة 1925 بعد أن قدم الخبير المنتدب تقريره بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام الطاعن بأن يدفع إلى المطعون عليهما مناصفة بينهما مبلغ 591 ج و673 م والمصروفات المناسبة عن الدرجتين..." فطعن الطاعن في هذا الحكم وفي الحكم التمهيدي الصادر في الاستئناف رقم 462 سنة 58 ق بتقرير في 28 من فبراير سنة 1952 ذكر فيه أن حكم 14 من ديسمبر سنة 1952 أعلن إليه في أول فبراير سنة 1953 وقيد هذا الطعن برقم 55 سنة 23 ق، وعرض هذا الطعن الأخير على دائرة فحص الطعون وطلبت النيابة ضمه إلى الطعن رقم 196 سنة 22 ق وأبدت رأيها برفضه وقررت دائرة فحص الطعون بجلسة 27 من فبراير سنة 1957 إحالة الطعن إلى الدائرة المدنية لجلسة 7 من مارس سنة 1957 وفيها نظر الطعنان وقررت المحكمة ضم الطعن 55 سنة 23 ق إلى الطعن 196 سنة 22 ق، وصممت النيابة على رأيها الذي أبدته من عدم جواز الطعن في الحكم الصادر في الاستئناف رقم 462 سنة 58 ق وبرفض الطعنين موضوعاً.
وحيث إن المطعون عليهما دفعتا بعدم جواز الطعن في الحكم التمهيدي الاستئنافي الصادر في الاستئناف رقم 462 سنة 58 ق القاهرة استناداً إلى أن الطاعن قبل هذا الحكم قبولاً يمنعه من الطعن فيه إعمالاً لنص المادة 377 من قانون المرافعات وقد انضمت إليهما النيابة في هذا الدفع واستندت المطعون عليهما ومعهما النيابة في التدليل على قبول الطاعن لهذا الحكم إلى أن الحكم المذكور أيد حكم محكمة أول درجة الصادر في 11 من نوفمبر سنة 1937 لأسبابه ولما ذكره من أسباب جديدة وأن هذه الأسباب وتلك قد حسمت مسألتين أولاهما خاصة بتوقيع المورثة على كشوف الحساب والثانية خاصة بتوقيع المطعون عليها الثانية على واحد من تلك الكشوف وخلص الحكم بهذه الأسباب إلى عدم الاعتداد بتوقيع المورثة على كشوف الحساب لما ثبت للمحكمة من ضعف قوى المورثة العقلية ومن أن كشوف الحساب جاءت مجملة دون بيان المفردات والتفصيلات كما خلص الحكم إلى عدم الاعتداد بتوقيع المطعون عليها الثانية على الكشف الأخير لما ثبت للمحكمة من أن عبارة عن ورقة مجملة لا تفصيل فيها وأن التوقيع على تلك الورقة لا يدل على اطلاع من وقعت على حسابات السنين السابقة والتصديق عليها - وأن الطاعن بعد صدور الحكم التمهيدي في الاستئناف رقم 462 سنة 58 ق قدم مذكرة إلى محكمة الاستئناف حاول فيها أن يثير الجدل من جديد حول حجية توقيع المورثة وتوقيع المطعون عليها الثانية على كشوف الحساب فنبهت المطعون عليهما في مذكرة لهما إلى عدم جواز قبول هذا الجدل احتراماً لحجية الأمر المقضي فقدم الطاعن بعد ذلك مذكرتين إلى محكمة الاستئناف أقر فيها إقراراً صحيحاً بأنه يجب تمشياً مع حجية الحكم في هذا الخصوص أن يجري البحث على أساس عدم وجود تصديق صحيح من المورثة أو المطعون عليها الثانية على الحساب ولم يقترن هذا الإقرار من جانبه بأي تحفظ أو اعتراض ثم قد الطاعن مذكرة ثالثة أمام محكمة الإحالة ردد فيها ما أورده في مذكرتيه السابقتين وأضافت المطعون عليهما إلى ذلك أنه كان من الآثار التي ترتبت على تنفيذ الطاعن للحكم رقم 462 سنة 58 ق وقبوله قبولاً صريحاً أن محكمة الاستئناف في حكم 5 من مايو سنة 1946 حين قضت بإلزام الطاعن بأن يرد إلى التركة أكثر من 900 جنيه لم تتقيد في ذلك بما كان يدعيه الطاعن قبل حكم 462 سنة 58 ق من تصديق المورثة والمطعون عليها الثانية على الحساب وأن الطاعن لم يطعن على حكم 5 من مايو سنة 1946 بطريق النقض.
وحيث إنه يبين من صورة مذكرة الطاعن التي قدمت منه إلى محكمة الاستئناف بجلسة 7 من أكتوبر سنة 1950 "مستند 4 حافظة الطاعن الأول" أن الطاعن أورد فيها رداً على الدفع الذي تقدمت به المطعون عليهما من التمسك بقوة الأمر المقضي بالحكم الصادر في الاستئناف رقم 462 سنة 58 ق ما يأتي: "تطعن المستأنفتان في المبالغ التي تبرعت بها المورثة لأولادها بحجة أنها لم تكن في حالة أهلية... إن الحكم التمهيدي الصادر من محكمة أول درجة بتاريخ 11 من نوفمبر سنة 1937 والذي تأيد استئنافياً بتاريخ 21/ 12/ 1941 هو حجة علينا في منطوقه فقط أما الأسباب فليست مرتبطة بالمنطوق وليس لها قوة الشيء المحكوم به ولا هي مقيدة للمحكمة في حكمها القطعي... على أن المناقشة في سلامة التصرفات الصادرة من المورثة كانت بعيدة عن الحكم التمهيدي منطوقاً وأسباباً بدليل أن محكمة الاستئناف حين قضت بتأييد الحكم التمهيدي قالت في ختام أسبابها: 1 - إن قول المستأنف إن الورثة بما فيهم المستأنف عليهما قد عاملوا المورثة معاملة السيدة الصحيحة الرشيدة فإن هذا لا تأثير له على ما تقدم بصدد دعوى الحساب وليس من شأن هذه المحكمة البحث فيه - فالمحكمة الاستئنافية قطعت بأن الحكم التمهيدي لم يتعرض لهذه التصرفات ولا يمكن القول بعد ذلك بأن لهذا الحكم حجية ما في هذا الصدد وكل ما له من حجية هو جواز المناقشة في الحساب وعدم تقيد المستأنفين بتصديق المورثة عليه... فلنفترضه إذن حساباً جديداً مقدماً لهما وعليهما أن يبينا مطاعنهما الجدية الصحيحة على هذا الحساب - إن هذا المعنى هو ما ورد في الحكم القطعي الابتدائي الصادر في الدعوى الحالية فقد ذكر ما يأتي عن الحكم التمهيدي: إنه خرج من ذلك إلى إطراح تصديق المورثة وتصديق المدعية الثانية من بعدها على الحساب... وقال في موضوع آخر - ولا سبيل للمحكمة والحالة هذه إلى الرجوع فيما قضت به من استبعاد تصديق المورثة والمدعية الثانية على حساب المدعى عليه - وقد اعتمدت المستأنفتان هذه الأسباب وأقرتاها في مذكرتهما الاستئنافية الأولى وعدنا هذا الجزء من الحكم الابتدائي بحثاً قيماً في أثر الحكم التمهيدي - فأثره إذن مقصور على حق المستأنفين في مناقشة الحساب وعدم تقيدهما بتوقيع المورثة وبتوقيع إحداهما" ثم عاد الطعن وردد هذا المعنى في مذكرتيه المقدمتين لمحكمة الاستئناف بجلسة 12 من مارس سنة 1944 و17 من مارس 1945 "المستندين المودعين تحت رقم 4 حافظة 6" ويبين من هذه الذي أورده الطاعن في تحدثه عن الحكم الصادر في الاستئناف رقم 462 سنة 58 ق أنه ناقش أثر هذا الحكم وحجيته فيما قرره من عدم الاعتداد بتوقيع المورثة، والمطعون عليها الثانية على كشوف الحساب وسلم بحجية الحكم في هذا الخصوص وليس في هذا الذي أورده الطاعن ما يدل على قبوله للحكم ورضائه به لأن الرضاء بالحكم المانع من حق الطعن فيه يجب أن يكون صريحاً أو أن تكون تصرفات أو أقوال من ينسب إليه الرضاء بالحكم دالة بشكل واضح على حصول هذا الرضاء أما مناقشة آثار الحكم وبيان مدى حجيته فأمر لا يدل بذاته على الرضاء بالحكم - كما أن تراخي الطاعن في الطعن على الحكم لا يدل على رضائه به ما دام أن الحكم لم يعلن إليه وكان من حق الطاعن أن يترتب حتى يقضي في موضوع الخصومة ولما كان موضوع الخصومة قد قضى فيه لمصلحة الطاعن في خصوص مبالغ الهبات والقروض وريع الأرض التي اشتمل عليها عقد 2 من أكتوبر سنة 1925 بالحكم الذي نقتضه هذه المحكمة فإن سكوت الطاعن عن الطعن في الحكم المذكور بطريق النقض لا يمكن اعتباره رضاء بالحكم التمهيدي الصادر في الاستئناف رقم 462 سنه 58 ق - ومن ثم يكون هذا الدفع متعين الرفض - لما كان هذا وكان الطعنان قد استوفيا أوضاعهما الشكلية فإنهما يكونان مقبولين شكلاً.
وحيث إن الطاعن أقام الطعن رقم 196 سنة 22 ق على خمسة أسباب. كما أقام الطعن رقم 55 سنة 23 ق على خمسة أسباب اتحدت أربعة منها هي الأسباب الأول والثاني والثالث والخامس في لفظها ومبناها مع الأسباب المقابلة لها في الطعن الأول وانفراد كل من الطعنين بالسبب الرابع وترى المحكمة لهذا التحدث عن الأسباب المشتركة في كلا الطعنين ثم التحدث عن السبب الرابع في كل من الطعنين على حدة.
وحيث إن السبب الأول في الطعنين يتحصل في النعي على الحكم التمهيدي الصادر في الاستئناف رقم 462 سنة 58 ق بالخطأ في تطبيق القانون فيما انتهى إليه من استبعاد مصادقة المطعون ضدها عليها الثانية على الحساب وبقصور البيان ذلك أن الطاعن دفع أمام محكمتي أول درجة والاستئناف بعدم أحقية المطعون عليها الثانية في الرجوع في الحساب لأنها اعتمدته وقبضت نصيبها من رصيده وأن المطعون عليها الثانية ردت على هذا الدفاع بأن تصديقها إنما كان على أن رصيد حساب المورثة لغاية فبراير سنة 1929 هو مبلغ 382 جنيهاً و99 مليماً - ويضيف الطاعن أن إقرارها بالتصديق والقبض يمنعانها من الرجوع في الحساب وأن ما أورده الحكم في الرد على دفاعه يجافي القانون من إهدار مصادقة المطعون عليها الثانية، كما شاب أسباب الحكم في هذا الخصوص غموض وقصور في البيان.
وحيث إن هذا النعي مردود بما أورده الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص حيث قال: "وحيث إنه عن قول المستأنف أن المستأنف عليها الثانية صادقت على الحساب فإنه لم يقدم ما يدل على ذلك، وقالت المستأنف عليها المذكورة أنها وقعت على ورقة مجملة ذكر فيها فقط أن الرصيد لغاية فبراير سنة 1929 هو مبلغ 382 جنيهاً و99 مليماً فلا يصح اعتبار هذه الورقة مصادقة على الحساب من سنة 1921 إلى 1929 ولم يقصد بها إلا إيراد الحساب المبين بها من تاريخ 3 من مارس سنة 1929 إلى 31 منه فإن كان المستأنف قد وضع برأس هذا الكشف عبارة إجمالي الرصيد السابق فإن هذا لا يدل على الاطلاع على الحسابات السابقة. واستند المستأنف في مذكرته المقدمة لجلسة 18/ 10/ 1941 على المستند رقم 6 حافظة أولى رقم 34 من ملف الدعوى الابتدائية. وبالبحث وجد أن مستندات هذه الحافظة مسحوبة ولم تقدم لهذه المحكمة على أن المستأنف لم ينكر على المستأنف عليها الثانية ذلك القول وقال في مذكرته هذه إن إقرارها بأن رصيد الحساب السابق لغاية آخر فبراير سنة 1929 وهو 382 جنيهاً و99 مليماً هو التصديق الذي يمنعها من الرجوع في هذا الحساب، وقد ورد ذلك في الكشف رقم 4 حافظة أولى وتسلسل الحساب بعده في ذات الكشف لغاية آخر مارس 1929 - وقد وجدت المحكمة أنه مذكور في فهرست الحافظة أن المستند رقم 6 هو كشف حساب تركة المورثة ابتداء من 6 من مايو سنة 1929 يوم الوفاة وقد اعتمده الورثة جميعاً بما فيهم الست صوفية، وأن المستند رقم 4 هو كشف حساب ما للست المورثة وما عليها من آخر فبراير سنة 1929 لغاية آخر مارس سنة 1929 وموقع عليه من المورثة. ويؤخذ من هذين البيانين وذلك القول صحة قول المستأنف عليها الثانية". ويبين من هذا أن الحكم أقام قضاءه على أن المطعون عليها الثانية ذكرت أنها وقعت على ورقة مجملة وعلى أن الطاعن لم ينكر ذلك وعلى ما حصله مما هو ثابت في فهرست حافظة الطاعن عن المستندين اللذين ركن إليهما الطاعن. وهذا الذي أورده الحكم وأقام قضاءه عليه لا مخالفة فيه للقانون ولا يشوبه القصور - ذلك أنه لكي يؤخذ من وقع على كشف الحساب بإقراره يجب أن يثبت أنه كان عالماً بتفصيلات الحساب وليس في توقيع المطعون عليها الثانية على ورقة مجملة ذكر بها أن رصيد الحساب السابق مبلغ معين ما يدل على أنها ألمت بالحسابات السابقة على إثبات هذا الرصيد - أما النعي على الحكم بالقصور فمردود بأن الحكم أورد دفاع الطاعن ورد المطعون عليها الثانية عليه ونقل ما هو ثابت بفهرست حافظة الطاعن عن المستندات التي ركن إليها ثم خلص من ذلك إلى النتيجة التي انتهى إليها وهي صحة دفاع المطعون عليها الثانية في هذا الخصوص - ولا محل بعد هذا لما أثاره المطعون عليهما في مذكرتهما من الدفع ببطلان الطعن في خصوص هذا السبب لأنه فضلاً عن عدم الجدوى من هذا الدفع فإنه يبين من تقرير الطعن أن الطاعن أورد في بيان هذا السبب ما يكفي لتوضيح ما ينعاه على الحكم المطعون فيه.
وحيث إن السبب الثاني في الطعنين يتحصل في النعي على الحكم التمهيدي الصادر في الاستئناف رقم 462 سنة 58 ق بالخطأ في الإسناد بمقولة إن الطاعن استند في دعواه ضمن ما استند إلى كشف الحساب الموقع عليه من المطعون عليها الثانية والذي كان مودعاً تحت رقم 6 بالحافظة الأولى رقم 34 من ملف الدعوى الابتدائية وأن الحكم المطعون فيه ذكر في أسبابه أن المحكمة تبين لها أن مستندات تلك الحافظة قد سحبت مع أن المستندات المذكورة لم تسحب إلا في 12 من يونيه سنة 1944 أي بعد صدور الحكم المطعون فيه. واستند الطاعن في إثبات هذا النعي إلى الصورة الرسمية لهذه الحافظة والتي أودعها تحت رقم 2 بحافظته الأولى في الطعن رقم 196 سنة 22 ق وخلص الطاعن إلى أن هذا الخطأ في الإسناد دليل على أن المحكمة أصدرت حكمها دون أن تطلع على المستندات وأن ذلك ينطوي على بطلان جوهري يعيب الحكم.
وحيث إن النعي مردود بأنه نعي يعوزه الدليل المقنع لأن التأشير على حافظة المستندات بتاريخ سحبها لا ينهض دليلاً كافياً على عدم صحة ما أورده الحكم عن سبق سحب تلك المستندات في تاريخ سابق بدليل أن الحكم نقل عن فهرست الحافظة ملخص تلك المستندات مما يقطع بأن الحافظة كانت تحت نظر المحكمة وأن المستندات لم تكن بها وقت صدور الحكم - وفضلاً عن ذلك فإن هذا النعي غير منتج لأن المحكمة نقلت تلخيص الطاعن للمستندين اللذين ركن إليهما والمدون على حافظته ثم ناقشت ما ذكره الطاعن عن المستند رقم 6 في مذكرته وخلصت من هذا البيان ومن قول الطاعن إلى النتيجة التي انتهت إليها - وفوق هذا فإن الطاعن لم يدع أن المستندين المشار إليهما كانا يحويان من البيانات غير ما أثبته الحكم عنهما.
وحيث إن السبب الثالث من أسباب الطعن في الطعنين يتحصل في أن الحكم رقم 462 سنة 58 ق استئناف القاهرة مشوباً بالغموض وقصور البيان إذ لم يوضح الحكم مراده في خصوص مناقشة الحساب ومدى حجيته في هذا الشأن وهل أراد إهدار مدلول كل ورقة صدرت من المورثة أم أنه أراد فقط إجازة مناقشة الحساب في مجموعه - وأن هذا الغموض قد أدى إلى تبلبل في فهم المراد من الحكم إذ فهمته محكمة أول درجة على أنه استبعد تصديق المورثة على الحساب المقدم من الطاعن في حين أن الحكم القطعي المطعون فيه في هذا الطعن قد أهدر كل تصرف وكل ورقة صدرت من المورثة ابتداء من تاريخ التوكيل الثاني الصادر منها إلى الطاعن.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه قد أورد في خصوص ما تنازعه طرفا الخصومة عن قيمة توقيع المورثة على كشوف الحساب "أن حكم محكمة أول درجة في محله لأنه وإن كان التوكيل الأول المؤرخ في 17/ 10/ 1921 المقدم من المستأنف أخيراً توكيل عادي للإدارة لا يدل على ضعف أو استسلام أو عدم إدراك فإن التوكيل الثاني الحاصل في 15 من سبتمبر سنة 1925 يدل على كل ذلك إذ قد جاء في هذا التوكيل بعد أن صادقت الموكلة على أعمال المستأنف عن المدة الماضية أنها تقبل إدارته وأعماله في المستقبل بأوسع سلطة وتعطيه حق التصرف في جميع أعيانها المنقولة الذكر وحقوقها الشخصية وأنها طالما كان المستأنف متمتعاً بتلك السلطة المتقدمة الذكر لا يصح لها أن تتصرف هي بأي تصرف في أملاكها المنقولة أو الثابت أو غير ذلك سواء بمقابل أو بغير مقابل إلا إذا صادق على ذلك المستأنف كما لا يصح لها أن تقوم بأي عمل من أعمال الإدارة وأنه بما أن الوكالة مجانية لا يسأل المستأنف عن أي خطأ سواء كان يسيراً أو جسيماً وأن المستأنف لا يعزل من الوكالة إلا بكتاب مظروف موصى عليه مكتوب كله بخط يد الموكلة وموقع عليه منها بإمضائها. وقد اعتبرت محكمة الاستئناف المختلطة بحق في حكمها الصادر 12/ 2/ 1930 في استئناف لنفس المستأنف وباقي إخوته عدا واحد وأخوته ومنهن المستأنف عليهما ضد لونو بيربيريزا وأنسى كامل تويج الأخ الذي ليس بين المستأنفين - أن الموكلة والدة المستأنفين حجرت على نفسها بنفسها حجراً فعلياً بمقتضى ذلك التوكيل الصادر منها للمستأنف في 15 من سبتمبر سنة 1925 وقد جاء في هذا الحكم الاستئنافي المختلط وكان موضوع الدعوى مطالبة بيربيزا صهر أنسى للموكلة بمبلغ 2000 جنيه بمقتضى سند مؤرخ في 5 من سبتمبر سنة 1925 أنه ثبت للمحكمة أن الذين لا سبب له وأنه بسبب تقدم الموكلة في السن والتأثير الأدبي الذي وقع عليها من بعض أولادها انتزع منها توقيعها على ذلك السند خدمة لولدها أنسى وأن توقيعها على السند مرة أخرى لإطالة أجل الدفع يدل على ضعف إرادتها وقد حصل هذا التوقيع بعد التوكيل الصادر منها لابنها المستأنف في 15 من سبتمبر سنة 1925 الذي وضعت به نفسها تحت الحجر الفعلي وعارض أنسى كامل تويج في هذا الحكم ورفضت معارضته وتأيد الحكم في 27 من مايو سنة 1930 ورفع بيريزا عنه التماساً ورفض في27 من مايو سنة 1931 - وحيث إنه فضلاً عن ذلك فإن المستأنف عليهما قالتا أيضاً إن محكمة مصر الابتدائية الأهلية حكمت في 25 من إبريل سنة 1933 ببطلان سند دين آخر صادر من الموكلة إلى ابنها أنسى بمبلغ 3000 جنيه بتاريخ 15 من يونيه سنة 1928 وأنه جاء في هذا الحكم أنه لا نزاع في أن الموكلة كانت طاعنة في السن وأنها كانت ضعيفة الإرادة وأن هذا ثابت من إقرار نفس الورثة وأن هذا الحكم قد تأيد استئنافياً. وأنه وإن كانت المستأنف عليهما لم تقدما ما يدل على ذلك فقد اعترف المستأنف بصدور هذا الحكم في مذكرتيه قائلاً إن سنده وسند الحكم المختلط لم يظهرا في عالم الوجود إلا في سنة 1929 بعد وفاة الموكلة وحكم في شأنهما بعد ذلك فلا يدلان على أن الموكلة كانت مسلوبة الإرادة منذ سنة 1921 وليس لهما قوة الشيء المحكوم به إلا فيما فصل فيه بالذات - وهذا القول غير كاف في دحض دلالة الحكمين على حالة الموكلة وقد كان المستأنف ممثلاً في الدعويين ومن ضمن الورثة بل أن مذكرة المستأنف عليها إنه جاء في حكم محكمة مصر الأهلية السالف الذكر أن المستأنف نفسه طعن في السند بالبطلان باعتبار أنه أخذ من المورثة بطريق الاستهواء والاستغواء وأنها كانت طاعنة في السن وكان من السهل جداً على أي إنسان أن يستكتبها سنداً بما يريد لضعف قواها العقلية وأن المستأنف استند على الحكم المختلط الذي سبقت الإشارة إليه. وحيث إنه فضلاً عن ذلك فإن الحساب الذي قدمه المستأنف قائلاً إن الموكلة اعتمدته قبل وفاتها قد ذكرت فيه إيرادات المنازل والأطيان على الخصوص مجملة دون بيان الإيراد والمنصرف" - ثم أورد الحكم بعد ذلك ما سبق بيانه في الرد على السبب الأول في خصوص توقيع المطعون عليها الثانية على كشف الحساب، وخلص الحكم من كل ذلك إلى صحة دفاع المطعون عليها فيما تنازعه الطرفان في هذا الشأن - وهذا الذي أورده الحكم وأقام عليه قضاءه لا يشوبه غموض لأن الحكم أقيم على عدم الاعتداد بتوقيع المورثة وتوقيع المطعون عليها الثانية على كشوف الحساب استناداً إلى سببين أولهما أن تلك الكشوف مجملة غير منفصلة وثانيهما أنه فيما يختص بتوقيع المورثة فإن ذلك التوقيع لا يعتد به إذ كانت المورثة مسلوبة الإرادة سهلة الانقياد لضعف قواها العقلية وتقدمها في السن وهو عيب من شأنه أن يفسد إرادتها ويبطل جميع تصرفاتها - كما أنه لا تناقص بين ما فهمه الحكم الابتدائي القطعي وما فهمه الحكم الاستئنافي القطعي المطعون فيه من مدلول الحكم 462 سنة 58 ق لأن الحكمين يلتقيان عند عدم الاعتداد بتوقيع المورثة وتوقيع المطعون عليها الثانية على كشوف الحساب وكان من الأسس التي اعتمد عليها الحكمان فيما انتهيا إليه من عدم الاعتداد بتوقيع المورثة ما ورد بهما عن حالة المورثة العقلية.
وحيث إن السبب الخامس من أسباب الطعنين يتحصل في النعي على الحكم الصادر بتاريخ 6 من إبريل سنة 1952 بالقصور تأسيساً على أن الطاعن دفع بأن الورثة بما فيهم المطعون عليهما قد عاملوا المورثة معاملة السيدة الصحيحة وأورد الأدلة التي يستند إليها في مذكرته أمام محكمة الاستئناف ولكن الحكم المطعون فيه أغفل الرد على هذا الدفاع الجوهري.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه إذ تحدث عن حالة المورثة الفعلية قد اعتمد على قوة الأمر المقضي المستفادة من حكم الاستئناف المختلطة وحكم محكمة القاهرة الابتدائية الصادر في 25 من إبريل سنة 1933 المؤيد استئنافياً، وما أورده الحكم 462/ 58 ق في الشق القطعي الذي فصل فيه وهو عدم الاعتداد عليها بتوقيع المورثة على كشوف الحساب لضعف قواها العقلية - وهذه الأسانيد التي اعتمد عليها الحكم المطعون فيه فيما انتهى إليه من إهدار توقيع المورثة على كشوف الحساب وإهدار التصرفات المسندة إليها سواء عن الهبة أو عن القرض - كافية لحمله ولا على المحكمة إذا هي لم ترد كل ما يثيره الخصوم من أوجه الدفاع ما دام أنها أقامت قضاءها على ما يحمله.
وحيث إن السبب الرابع في الطعن 196 سنة 22 ق يتحصل في النعي على الحكم الصادر في 6 من إبريل سنة 1952 بالخطأ في تطبيق القانون وبالقصور في البيان استناداً إلى أن القضاء ببطلان هبات وقروض بدعوى أنها صدرت من ناقص الأهلية يؤدي قانوناً إلى إلزام الموهوب لهم والمقترضين بردها لا إلى إلزام الوكيل بهذا الرد - كما أن الطاعن دفع أمام محكمة الاستئناف بأنه من الواجب في حالة الطعن في الهبات والقروض إدخالهم والمقترضين في الدعوى - وأن الطاعن دفع أيضاً بأن المطعون عليهما اعترفتا بهذه الهبات والقروض في قضية السند التي كان قد أقامها أنسى كامل تويج عليهما وعلي باقي الورثة وضمن مذكرته هذا الدفاع بشقيه وساق الأدلة على الدفاع الأخير ولكن الحكم المطعون فيه أغفل الرد كل ما أثاره في هذا الخصوص.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه أورد وجهة نظر المطعون عليهما في شأن الهبات والقروض كما أورد ما جاء بأسباب الحكم التمهيدي الصادر من محكمة أول درجة في 11 من نوفمبر سنة 1937 وما جاء بأسباب الحكم التمهيدي الاستئنافي الصادر في الاستئناف رقم 462 سنة 58 ق واستخلص أن هذين الحكمين قد انتهيا في شطرهما القطعي إلى أن هذه الهبات والقروض لا قيمة لها لأنها لم تصدر عن رضاء صحيح وأن قضاء الحكمين في هذا الخصوص قد حاز قوة الأمر المقضي - وأضاف الحكم إلى ذلك أن المورثة لم تكن تعقل الهبة ولا أي تصرف آخر استناداً إلى ما جاء بحكم محكمة الاستئناف المختلطة وحكم محكمة القاهرة الابتدائية الصادر في 25 من إبريل سنة 1933 المؤيد استئنافياً - عن حالة المورثة العقلية، وخلص من كل ذلك إلى النتيجة التي انتهى إليها من أن تلك الهبات والقروض لم تصدر من المورثة التي لم تكن تعقل معنى الهبة أو أي تصرف آخر، ورتب الحكم على ذلك النتيجة الحتمية لما انتهى إليه وهي مسئولية الطاعن الذي كان يتولى إدارة أموال المورثة عن تلك المبالغ. وهذا الذي أورده الحكم وأقام عليه قضاءه لا مخالفة فيه للقانون لأنه ما دام أن الحكم قد انتهى إلى أن حالة المورثة العقلية لم تكن تسمح لها بأن تأتي أو تعقل معنى أي تصرف استناداً إلى الأسباب السائغة التي أوردها وأن تلك الهبات والقروض لم تصدر من المورثة وبالتالي يتحمل الطاعن وهو المتصرف في أموالها المسئولية عنها. كما أن ما أورده الحكم في هذا الخصوص لا يعتوره قصور إذ لم يكن الحكم في حاجة إلى الرد على ما أثاره الطاعن عن طلب إدخال الموهوب لهم والمقترضين ولا على ما أثاره من القول باعتراف المطعون عليهما بهذه الهبات والقروض ما دام أنه أقام قضاءه على أن تلك الهبات والقروض لم تصدر من المورثة، وبحسب الحكم ذلك ولا على المحكمة إذا هي لم تتعقب ما يثيره الخصوم من شتى مناحي الدفاع ما دام قضاؤها يقوم على ما يحمله.
وحيث إن السبب الرابع في الطعن رقم 55 سنة 23 ق يتحصل في النعي على الحكم الصادر في 14 من ديسمبر سنة 1952 بالخطأ في تطبيق القانون استناداً إلى أن الحكم قضى بالريع في دعوى حساب على اعتبار أن عقد البيع الصادر من المورثة إلى الطاعن في 2 من أكتوبر سنة 1925 باطل دون أن ترفع دعوى ببطلان هذا العقد أو فسخه في مواجهة جميع الورثة فضلاً عن أن المطعون عليهما لم تدفعا ببطلان هذا العقد أمام محكمة الموضوع.
وحيث إن هذا النعي مردود بما أورده الحكم الصادر في 6 من إبريل سنة 1952 من أن المطعون عليهما دفعتا ببطلان عقد البيع كما أن الحكم الصادر من هذه المحكمة في 13 من مايو سنة 1948 في الطعن رقم 137 سنة 16 ق أورد أن المطعون عليهما دفعتا ببطلان ذلك العقد لسببين وأن ما أورده الحكم المطعون فيه في ذلك الطعن لا يصلح رداً على الدفع ببطلان العقد، وفي هذا الرد الكافي على ما يثيره الطاعن من أن المطعون عليهما لن تدفعا ببطلان عقد البيع - وليس في القانون ما يمنع من التمسك ببطلان عقد في صورة دفع من الدفوع الموضوعية دون حاجة إلى رفع دعوى مستقلة بطلب الحكم بهذا البطلان.
وحيث إنه لكل ذلك يتعين رفض الطعون.