أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 8 - صـ 378

جلسة 4 من إبريل سنة 1957

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمد عبد الواحد علي، وأحمد قوشه، ومحمد متولي عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.

(37)
القضية رقم 346 سنة 23 القضائية

( أ ) نقض. أسباب جديدة. دعوى "سببها". عمل. استناد العامل في دعواه بطلب التعويض إلى سبب جديد لم يطرحه على محكمة أول درجة ولا على محكمة الاستئناف. عدم جواز إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض. القانون رقم 41 لسنة 1944 والمادة 304 مدني.
(ب) إثبات. حكم "تسبيب كاف". محكمة الموضوع. سلطتها في استخلاص ما تقتنع به وما يطمئن إليه ضميرها في أسباب سائغة.
1 - إذا كان العامل قد أقام دعواه واستند في طلب التعويض إلى أن رب العمل منعه من استلام عمله بعد إبلاله من مرضه حين توجه إلى مقر العمل لهذا الغرض ثم فصله وأنه بذلك يكون قد فسخ العقد المحدد المدة فحق عليه التعويض، فإنه لا يجوز لهذا العامل أن يثير لأول مرة أمام محكمة النقض أنه يستند في طلب التعويض إلى أن رب العمل قد أخل بالتزاماته المتفق عليها في العقد فامتنع عن دفع مرتب المدة التي كان مريضاً فيها وأن امتناع رب العمل هذا يجيز له الامتناع عن العمل وفسخ العقد طبقاً لنص المادة 31 من قانون عقد العمل الفردي رقم 41 لسنة 1944 والمطالبة بالتعويض المنصوص عليه في المادة 403 من القانون المدني. ذلك أنه لا يقبل من المدعي ولأول مرة أمام محكمة النقض أن يستند في دعواه إلى سبب جديد لا يتصل بالنظام العام ولم يطرحه هو على محكمة أول درجة ولا على محكمة الاستئناف.
2 - لمحكمة الموضوع سلطانها المطلق في استخلاص ما تقتنع به وما يطمئن إليه ضميرها في أسباب سائغة تتفق من الثابت في الأوراق ولا تخرج عن محاضر التحقيق ولا عن المعقول.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذا الطعن - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام في 9 من نوفمبر سنة 1949 الدعوى 5482 سنة 1949 كلي مصر على المطعون عليه بصفته وطلب الحكم عليه بمبلغ 5000 ج مع المصروفات بحكم مشمول بالنفاذ. وقال في صحيفة الدعوى إنه بناء على اتفاق تم بينه وبين المطعون عليه استقال من وظيفته الحكومية بوزارة التجارة ليعمل مديراً لمصنع شركة الفيوم للنسيج وتحرر بينهما عقد كتابي تاريخه 5/ 10/ 1946 نص فيه على اختيار مديراً للمصنع لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد تبدأ من
1/ 10/ 1946 وبراتب شهري حدد بخمسين جنيهاً تدفع إليه في نهاية كل شهر. كما اتفق في العقد على أن الطاعن يمنح إجازة سنوية مدتها ثلاثة أسابيع. وإجازة مرضية لمدة شهرين بمرتب كامل - وأنه منذ قام بعمله الجديد بذل فيه قصارى جهده، وكافأته الشركة بزيادة مرتبة إلى مبلغ 66 ج ابتداء من أول عام 1949 ولكن مجهوده المتواصل انتهى به إلى المرض في أوائل أغسطس سنة 1949 فعرض نفسه على طبيب الشركة في 4/ 8/ 1949 فقرر له إجازة مرضية لمدة أسبوعين وسلمه شهادة طبية بذلك. وأخطر الشركة بخطاب موصى عليه في 5/ 8/ 1949 ولعدم تمام شفائه لجأ إلى طبيب الشركة مرة ثانية في 19/ 8/ 1949 ومد له في إجازته المرضية ثلاثة أسابيع أخرى تنتهي في 9/ 9/ 1949 وأخطر الشركة بخطاب ثان موصى عليه في 20/ 8/ 1949 - ولكن الشركة لم تصرف إليه أجرة عن شهر أغسطس في نهايته تنفيذاً لعقد الاتفاق. لذلك رأى قبل انتهاء إجازته المرضية أن يذهب إلى الشركة ليطالبها بمرتب شهر أغسطس وليتسلم عمله ولكن الشركة منعت عنه الأجر واستلام العمل فأرسل إليها بواسطة وكليه خطاباً في 5/ 9/ 1949 يطالب بأجره ويمهلها ثلاثة أيام للدفع وإلا فسيكون مضطراً لاتخاذ الإجراءات القانونية ضدها فلم تأبه لطلبه ولا لتهديده فعاود الكرة أكثر من مرة لاستلام الأجر والعمل بدون جدوى حتى اضطر لإنذار الشركة في 24/ 9/ 1949 أعاد فيه ما ذكره في خطابه وأمهلها أسبوعاً لدفع مرتب أغسطس ولتمكينه من استلام عمله وإلا اعتبر امتناعها إخلالاً بالعقد موجباً للمسئولية عن كافة حقوقه. وفي اليوم التالي (أي في 25/ 9/ 1949) وصله أول خطاب من الشركة اتهمته فيه بأنه انقطع فجأة عن عمله بغير مبرر بدعوى المرض ولو صح مرضه لكان لزاماً عليه أن يحصل على إجازته بالطريقة المقررة لموظفي الشركة وذلك بأن يطلب إليها إحالته على طبيب الشركة ويعرض نفسه عليه حذوه في ذلك حذو جميع الموظفين مما يسقط حقه في المرتب عن المدة التي تغيبها - أما ما يدعيه من منعه عن مباشرة عمله فغير صحيح إذ أنه لم يتقدم لاستلام عمله، وفي مكنته استلام عمله في الوقت الذي يريده - ومما تجدر الإشارة إليه أنه إن صح أن لديه شهادات مرضية فإنه لم يعرضها في حينها على إدارة الشركة لاعتمادها، ويقول المطعون عليه إن هذا الخطاب وصله يوم 29/ 9/ 1947 ورغم أنه يعلم أن ما جاء به غير صحيح فقد رأى أن يفوت على الشركة غرضها (الاستغناء عن خدماته والإفلات من مسئوليتها) فاصطحب شاهدين وتوجه إلى إدارة الشركة في يوم 30/ 9/ 1949 فامتنع المطعون عليه عن مقابلتهم وأناب عنه نائبه (محمد الجوهري) وفهموا منه أن الشركة مصرة على عدم دفع مرتب أغسطس وعن إعادته إلى عمله فتوجه مع شاهديه إلى قسم عابدين وحرر مذكرة أحوال أثبت فيها ذلك - وفي يوم 25/ 10/ 1949 أرسلت الشركة إلى الطاعن خطاباً ثانياً أثبتت فيه انقطاعه عن العمل مدة ثلاثة شهور متعاقبة بغير مبرر الأمر الذي اضطرها صيانة لمصالحها إلى تعيين آخر بدله وحملته مسئولية فعله وما لحق بها من خسائر بسبب انقطاعه وتحفظ حقها في الرجوع عليه بالتضمينات، وفي 9/ 11/ 1949 أقام الدعوى على ما سلف يطالب بمبلغ الخمسة آلاف جنيه على التفصيل الآتي:
132 جنيهاً مرتب شهري أغسطس وسبتمبر سنة 1949.
1830 جنيهاً قيمة ما يستحقه من مرتب حتى نهاية العقد في آخر سبتمبر سنة 1951.
3038/ 5000 جنيهاً قيمة ما يستحقه من تعويض.
وصمم على طلب الحكم له بهذا المبلغ لنفس الأسباب التي ذكرها في خطاباته وفي إنذاره وفي عريضة الدعوى من عدم دفع مرتب أغسطس، ومن منعه من استلام عمله رغم المطالبة بذلك مراراً وطلبت الشركة رفض الدعوى. وبجلسة 13/ 5/ 1950 حكمت محكمة مصر حكماً تمهيدياً بإحالة الدعوى على التحقيق ليثبت المدعي بكافة الطرق القانونية أن المدعى عليه منعه من العودة إلى عمله عقب انتهاء إجازته المرضية وفصله بعد ذلك، وللمدعى عليه نفي ذلك وإثبات أن المدعي هو الذي امتنع عن التوجه للعمل. وبعد أن تنفذ الحكم التمهيدي في 17/ 10/ 1951 بأن سمعت المحكمة أقوال شهود الطرفين حكمت بجلسة 28/ 4/ 1951 بإلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعي مبلغ 1066 ج عبارة عن مرتب شهر أغسطس (66 ج) والباقي بصفة تعويض أخذاً بأقوال شهود المدعي فيما قرره من أن الشركة هي التي منعته من العودة إلى عمله.
استأنف الطرفان هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة وقيد الاستئنافان برقمي 518 (الشركة) و866 (المطعون عليه) سنة 66 ق. وبجلسة 12/ 4/ 1953 حكمت بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وبإلزام الشركة بأن تدفع للطاعن مبلغ 184 ج و800 م والمصروفات المناسبة عن الدرجتين وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة (عبارة عن مرتب أغسطس وتسعة أيام من سبتمبر مدة المرض والباقي قيمة المكافأة عن ثلاث سنوات باعتبار نصف شهر عن كل سنة) فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.
عرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 30/ 1/ 1957 وفيها أصر الطاعن على طلباته وطلبت النيابة الإحالة، فقررت المحكمة إحالة الطعن إلى الدائرة المدنية، وأمامها أصر الطاعن والنيابة على طلب نقض الحكم وطلب المطعون عليه رفض الطعن.
ومن حيث إن الطاعن ينعى بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفته لشروط عقد الاتفاق المحرر بينه وبين المطعون عليه والعقد شريعة المتعاقدين ومخالفته تؤدي إلى مخالفة قواعد القانون الصحيحة وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن العقد اتفق فيه على منحه إجازة مرضية لمدة شهرين بمرتب كامل وأن مرتبه يدفع إليه في نهاية كل شهر، كما أن قانون عقد العمل الفردي رقم 41 لسنة 1944 الذي يحكم واقعة النزاع ينص في المادة 31 منه على أنه يجوز للعامل أن يترك العمل قبل نهاية العقد أو بدون سبق إعلان في الحالات الآتية: (1)..... (2) إذا لم يقم صاحب العمل إزاء العامل بالتزاماته طبقاً لأحكام هذا القانون
(3)، (4)، (5). ثم نصت المادة 32 من هذا القانون على أنه: "إذا ترك العامل العمل لأحد الأسباب الواردة بالمادة السابقة يلزم صاحب العمل بتعويض العامل على الوجه المبين في المادة 23 من هذا القانون إذا كان العقد غير محدد المدة - فإذا كان محدد المدة استحق العامل تعويضاً مساوياً للتعويض المنصوص عنه في المادة 403 من القانون المدني الأهلي، 491 من القانون المدني المختلط. والثابت الذي لا جدال فيه أن الشركة أخلت بالتزاماتها فامتنعت عن دفع مرتب شهر أغسطس للطاعن من بعد أن نبه عليها بذلك مرتين في خطابه المؤرخ 5 من سبتمبر سنة 1949، في إنذاره المعلن للشركة في 24/ 9/ 1949 وامتناعها هذا يجيز له الامتناع عن العمل وفسخ العقد والمطالبة بالتعويض المنصوص عليه في المادة 403 من القانون المدني - والحكم المطعون فيه إذ التفت عن ذلك كله - عقد الاتفاق وقانون عقد العمل والقانون المدني - يكون قد خالف قانون العقد كما خالف قواعد القانون الصحيحة.
ومن حيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك لأن هذا السبب جديد لم يعرض من قبل على محكمة أول درجة ولا على محكمة الاستئناف فلا يجوز للطاعن أن يثيره لأول مرة أمام محكمة النقض، والثابت أن الطاعن أقام دعواه واستند في طلب التعويض إلى أن الشركة المطعون عليها منعته من استلام عمله بعد إبلاله من مرضه حين توجه إلى المصنع لهذا الغرض ثم فضلته وهي بذلك قد فسخت العقد المحدد المدة فحق عليها التعويض المطالب به - وعلى هذا السبب وحده شرح دعواه في مذكراته أمام محكمة أول درجة ثم في عريضة استئنافه ومذكراته أمام محكمة الاستئناف - وللتحقق من صحة هذا السبب وحده صدر الحكم التمهيدي من محكمة أول درجة بجلسة 13 من مايو سنة 1950 حيث قالت "حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعي (الطاعن) بكافة الطرق القانونية أن المدعى عليه منعه من العودة إلى عمله عقب انتهاء إجازته المرضية ثم فصله بعد ذلك، وللمدعى عليه نفي ذلك وإثبات أن المدعي هو الذي امتنع عن التوجه للعمل" وعلى ضوء ما استخلصته محكمة أول درجة من أقوال الشهود في هذا الخصوص أصدرت حكمها استناداً إلى أقوال شهود الطاعن ولكن محكمة الاستئناف أصدرت حكمها المطعون فيه استناداً إلى أقوال شهود المطعون عليها إذ رجحت أقوالهم لاتفاقها مع الثابت في المستندات ولاقتناعها بالرأي الذي انتهت إليه - فلا يقبل من الطاعن ولأول مرة أمام هذه المحكمة أن يستند في دعواه إلى سبب جديد لا يتصل بالنظام العام ولم يطرحه هو على محكمة أول درجة ولا على محكمة الاستئناف.
ومن حيث إن الطاعن ينعى بالسببين الثاني والثالث على الحكم المطعون فيه تناقضه وتخاذل أسبابه - ذلك بأن الحكم المطعون فيه قطع في أسبابه في أن الطاعن كان مريضاً حقيقة وأنه انقطع عن عمله بسبب هذا المرض ثم قضت له بمرتبه عن مدة مرضه كاملة من أول أغسطس إلى 9 من سبتمبر سنة 1949 فامتناع الشركة عن دفع هذا المرتب في وقته إنما كان إخلالاً منها بالالتزام الذي يفرضه عليها عقد الاتفاق المحرر بينها وبين الطاعن ثم هو إخلال في الوقت نفسه بقانون عقد العمل الفردي - وكل ذلك كان يوجب على المحكمة أن تحكم للطاعن بالتعويض الذي طالب به والجابر للضرر الذي أصابه ولكنها في حكمها بالمرتب عن مدة المرض وبرفض التعويض تكون قد ناقضت نفسها - حين قالت إن الطاعن انقطع عن العمل بمحض إرادته وتغيب عن الشركة من غير أن يخطرها بمرضه وأن الشركة لذلك كان لها العذر ابتداء في حبس المرتب عن الطاعن - ولا شك أن هذا التناقض يعيب الحكم ويبطله.
ومن حيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه بعد أن استعرض أقوال الشهود الذين سمعوا أمام محكمة أول درجة قال: "وحيث إنه لا نزاع في أن انقطاع المستأنف عن العمل كان بسبب المرض، كما يستفاد من الشهادات الطبية الصادرة من طبيب الشركة والتي ذكر فيها أنه يحتاج للعلاج والراحة لغاية 9/ 9/ 1949 ولا شك أن المستأنف يستحق المرتب عن فترة مرضه عملاً بالمادة الثانية من عقد الاتفاق والشركة وإن كان لها العذر ابتداء في حبس المرتب عن فترة تغيب المستأنف بسبب عدم علمها رسمياً بمرضه لأنه لم يتقدم إليها كما هو العرف المتبع بطلب أورنيك لعرض نفسه على طبيبها وإخطارها بالإجازة التي يحتاجها للراحة والعلاج - ولكن ما دام قد ثبت بطريق لا يقبل الشك أنه كان مريضاً فهي إذن ملزمة بدفع المرتب إليه عن مدة المرض ( أي مبلغ 85 جنيهاً و800 مليم ). وحيث إنه بالنسبة لما نسبه المستأنف للشركة من أنها منعته عن العمل فإنه يبدو من الأوراق أن الشركة لما لم تدفع إليه مرتبه عن شهر أغسطس سنة 1949 بعد خطابه المرسل إليها في 5/ 9/ 1949 امتنع عن العودة للمصنع واستمر متغيباً عن عمله من 9/ 9/ 1949 وهو تاريخ انتهاء فترة العلاج والراحة ولم يعد إليه - بل ظل قاطعاً صلته بالشركة حتى 24/ 5/ 1949 حيث أرسل إليها إنذاره الذي ذكر فيه لأول مرة أن الشركة أوصدت بابها في وجهه حتى لا يواصل العمل - ولم يبين كيف حالت الشركة بينه وبين استمراره في عمله إذ اتضح من أقوال الشهود - كما سبق - أنه لم يعد إلى المصنع بعد انقطاعه عن العمل - وهو لم يقدم دليلاً على عكس ذلك - بل إن الشركة بادرت وأرسلت إليه خطاباً مسجلاً تنفي فيه أنه تقدم لاستلام عمله أو أن أحداً من موظفيها منعه من العودة إلى العمل - وكلفته في خطابها المذكور بالعودة لمباشرة عمله في الوقت الذي يريد - أما قول المستأنف وشاهديه أنهم لما ذهبوا لمقر الشركة في 30/ 9/ 1949 ليتسلم عمله فهموا من الأستاذ محمد الجوهري أن الشركة لا ترغب في عودته إلى العمل فهو قول ترتاب المحكمة في صحته لأنه يتناقض مع تصرف الشركة التي أرسلت إليه من قبل ذلك بيومين اثنين خطاباً تكلفه فيه بمباشرة عمله بالمصنع - وكان الأولى بالمستأنف لو أنه أراد العودة لعمله أن يذهب إلى المصنع تنفيذاً لأمر الشركة ليباشر عمله فيه - فإذا منعه أحد هناك سجل ذلك بالطريق الذي يراه (1) إما بإبلاغ البوليس الذي يتبعه المصنع - (2) أو إدارة العمل - (3) أو الاستشهاد بشهود على هذا المنع - أما وهو لم يفعل فإن ذهابه لمقر إدارة الشركة لا يعني سوى أنه ذهب للتفاهم على قبض مرتب شهر أغسطس الذي كانت الشركة ترى أنه غير محق فيه - ولما لم يستطع التفاهم على قبض هذا المرتب أمعن في إصراره على الامتناع عن العمل - ويؤيد هذا الرأي ما شهد به في التحقيق محمد الجوهري وعلي الفقي - هذا إلى أن الشركة في سبيل إظهار صحة دفاعها عرضت على المستأنف العودة إلى العمل وحددت له ميعاد انتهى في 1/ 5/ 1950 ليتوجه إلى المصنع ليتسلم عمله والقيام به على الوجه المتفق عليه وهذا العرض لم يرد عليه المستأنف بالقبول". وهذا القول الواضح من جانب الحكم المطعون فيه لا تناقض فيه لأن الحكم اعتمد في ثبوت مرض الطاعن على الشهادات التي قدمها للمحكمة والتي لم يقدمها من قبل ذلك للشركة ولم يتبع إجراءاتها في استلام نموذج المرض لتكون الشركة على بينة من الأمر في وقته - ولذلك التمس لها الحكم العذر في حبسها لمرتبه ابتداء وهو قول سائغ تؤيده أقوال شهود الشركة الذين رجح الحكم المطعون فيه أقوالهم فأخذ بها دون أقوال شهود الطاعن بما للمحكمة من سلطانها المطلق في استخلاص ما تقتنع به وما يطمئن إليه ضميرها في أسباب سائغة تتفق مع الثابت في الأوراق ولا تخرج عن محاضر التحقيق ولا عن المعقول.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه في باقي أسباب الطعن الرابع والخامس والسادس مخالفته للثابت في الأوراق وقصوره كذلك في التسبيب بمقولة إن الطاعن عند مرضه عرض نفسه على طبيب الشركة مرتين وصرح له بإجازتين مرضيتين تنتهيان في 9/ 9/ 1949 وأنه أخطر الشركة بذلك بخطابين مسجلين وقدم الإيصالين على هذا الإخطار ضمن مستنداته ثم انتظر أن ترسل إليه الشركة مرتب شهر أغسطس ولكنها لم تفعل فأرسل إليها خطابه الثالث والمسجل في 5/ 9/ 1949 ثم حاول بعد إبلاله العودة إلى عمله فمنعته فأرسل إليها إنذاره المؤرخ 24/ 9/ 1949 يسجل عليها تعنتها معه فلما وصله في 29/ 9/ 1949 خطاب الشركة المؤرخ 27/ 9/ 1949 تنكر عليه المرض وتزعم فيه أنه ممتنع عن العمل سارع في اليوم التالي (30/ 9/ 1949) بالذهاب لمقر الشركة مع شهوده ولما أصرت الشركة على موقفها سجل عليها عملها في مذكرة أحوال قسم عابدين في نفس التاريخ أي (30/ 9/ 1949) - ورغم هذه المستندات القاطعة الدلالة في إثبات ما يدعيه - فإن الحكم المطعون فيه أطرح هذه المستندات ولم يعمل أثرها القانوني - ولكنه على العكس حكم بما يناقضها وبذلك يكون قد خالف الثابت في الأوراق - وكذلك الحال بالنسبة لما قرره حكم محكمة أول درجة في اعتماده على أقوال شهود الطاعن المؤيد بالمستندات فلم يرى الحكم المطعون فيه مناقشة ذلك والرد عليه - ولكنه عمد إلى أسباب جديدة لم يكن مبعثها الاعتقاد واليقين بل تراوح بين عقيدتين وتردد بين أمرين فقد قال بالنسبة لشهود الطاعن إن المحكمة ترتاب في أقوالهم وكانت هذه الريبة هي التي انتهت بالحكم المطعون فيه إلى الرأي الذي انتهى إليه - مخالفاً للثابت في الأوراق في أسباب يشوبها القصور الذي يعيب الحكم ويبطله - فإذا أضيف إلى ذلك ما قاله الحكم عن عرض الشركة على الطاعن في أول مايو سنة 1950 وعدم رده على هذا العرض بالقبول يبين القصور واضحاً لأن هذا العرض من جانب الشركة إنما حصل منها كتابة في مذكرتها المقدمة لجلسة 13/ 5/ 1950 ولم يتسلمها الطاعن إلا في 27/ 4/ 1950 أي قبل الميعاد الذي حددته الشركة بيومين أو ثلاثة - ومع ذلك فقد رد الطاعن في مذكرته التي قدمها لتلك الجلسة (13/ 5/ 1950) بأن هذا العرض إنما هو مناورة مكشوفة يقصد منها إضاعة حقوق الطاعن ولذلك قال عنه إنه عرض مرفوض لمخالفته للقانون وللواقع والعدالة ولذلك تكون الشركة هي المقصرة وهي التي فسخت العقد، ولذلك يتعين الحكم عليها بالطلبات - وهذا القول من جانبه يتنافى مع ما جاء بالحكم المطعون فيه مما يعيبه ويبطله.
ومن حيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه لم يعتمد في إثبات مرض الطاعن وأحقيته لمرتبه عن مدة المرض على إيصالي الخطابين المسجلين المدعي بإرسالهما للشركة في خلال شهر أغسطس سنة 1949 ولا على الخطاب المرسل من وكيل الطاعن في 5/ 9/ 1949 ولا على الإنذار المرسل منه للشركة والمعلن إليها في 24/ 9/ 1949 لأن الطاعن لم يقدم الدليل على أن الشركة استلمت هذه الخطابات ولم يذكر في إنذاره أنه أخطر الشركة بمرضه أو بالإجازة التي منحت له - ولكن الحكم اعتمد في قضائه على الشهادتين الطبيبتين اللتين أودعهما الطالب ملف الدعوى وعلى ما ثبت فيهما أنهما صادرتان من طبيب الشركة ولذلك قال الحكم إنه يلتمس العذر للشركة في حبس مرتب الطاعن عن شهر أغسطس وأضاف إلى ذلك أن الطاعن لم يتقدم إلى الشركة حسب العرف والعادة المتبعة ليتسلم نموذج مرض يثبت فيه المرض وتقرير الطبيب في شأنه مما كان يخول الطاعن صرف الدواء مجاناً على حساب الشركة وفقاً للقانون ومما كان يغنيه في الوقت نفسه عن الخطابات المسجلة والإنذارات، ثم إن الحكم بعد ذلك ناقش أقوال الشهود على النحو الثابت في الرد على السببين السابقين وانتهى بماله من سلطة التقدير والاقتناع إلى الأخذ بأقوال شهود الشركة - ثم تكلم بعد ذلك عن العرض الأخير الذي عرضته الشركة على الطاعن وقرر أنه لم يقبله - وهو ما يقول به الطاعن نفسه في مذكراته أمام محكمة الاستئناف وفي تقرير الطعن - فلا يبقى محل بعد ذلك كله للقول بمخالفة الثابت في الأوراق أو أن الحكم عاره قصور يعيبه ويبطله.
ومن حيث إنه لذلك يتعين رفض الطعن.