أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 8 - صـ 438

جلسة 18 من إبريل سنة 1957

برياسة السيد محمد فؤاد جابر المستشار، وبحضور السادة: اسحق عبد السيد، ومحمد عبد الواحد علي، وأحمد قوشة، ومحمد متولي عتلم المستشارين.

(45)
القضية رقم 288 سنة 23 القضائية

( أ ) قضاة. مخاصمتهم. تسعير جبري. خطأ مهني. محكمة الموضوع. تقريرها لأسباب تكفي لحمل قضائها أن حبس المخاصم احتياطياً في تهمة عدم الإعلان عن الأسعار لا يعتبر خطأ مهنياً جسيماً. النعي على الحكم في هذا الخصوص. جدل موضوعي.
(ب) قضاة. مخاصمتهم "تقرير المخاصمة". دفاع. عدم إجابة المخاصم إلى طلبات لم يسبق له إبداؤها في تقرير المخاصمة. لا خطأ. م 800 مرافعات.
(جـ) دفاع. محكمة الموضوع. طلب الإحالة إلى التحقيق أو ضم تحقيقات أو استجواب. عدم التزام محكمة الموضوع بإجابة ذلك.
(د) إعلان. إجراءات. دعوى. مواعيد. قضاة "مخاصمتهم". محكمة الاستئناف. إعلان قرار تقصير أجل ميعاد الحضور أمام تلك المحكمة قبل الجلسة المحددة بأكثر من ثلاثة أيام. صحة هذا الإعلان. م 72 مرافعات.
(هـ) إعلان. محل مختار. الإعلان في قلم الكتاب. عدم إقامة محامي الخصم بالبلد الذي به مقر المحكمة وعدم اتخاذ الخصم موطناً فيه. إعلان المذكرات والأوراق إليه في قلم الكتاب. صحيح. المادة 84 مرافعات.
(و) دفاع. إعلان. إجراءات. دعوى. إعلان الخصم بالدعوى إعلاناً صحيحاً. عدم حضوره هو ولا محاميه للمرافعة. شكواه من عدم سماع دفاع شفوي منه. لا محل لها.
1 - إذا كان الحكم قد قرر أن حبس المخاصم احتياطياً في تهمة عدم الإعلان عن الأسعار طبقاً للمواد 19 و20 و21 من القرار رقم 180 سنة 1950 والمرسومين رقمي 96 سنة 1945 و163 سنة 1950 لا يعتبر خطأ مهنياً جسيماً وأقام قضاءه على اعتبارات تكفي لحمله فإن النعي في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما يستقل به قاضي الموضوع.
2 - إذا لم تجب المحكمة المخاصم إلى طلبات لم يسبق له إبداؤها بتقرير المخاصمة فإن الحكم لا يكون قد خالف المادة 800 من قانون المرافعات.
3 - تحقيق الدعوى هو من سلطة محكمة الموضوع وهي ليست ملزمة بإجابة طلب الإحالة إلى التحقيق أو ضم تحقيقات ما دامت قد قامت بتحقيق الدعوى وأقامت حكمها على أسباب سائغة وكافية لحمله دون حاجة إلى تحقيق أو استجواب ومؤدية إلى ما انتهى إليه قضاؤها.
4 - إذا كان قرار تقصير أجل ميعاد الحضور أمام محكمة الاستئناف دعوى المخاصمة قد أعلن إلى الخصوم قبل الجلسة المحددة لنظرها بأكثر من ثلاثة أيام فإن هذا الإعلان يكون صحيحاً قانوناً طبقاً للمادة 72 مرافعات متى كان لم ينع هذا التقصير أنه لم يكن لضرورة تقتضيه.
5 - إذا لم يكن محامي الخصم مقيماً بالبلد الذي به مقر المحكمة ولم يتخذ هذا الخصم موطناً فيها فيكون إعلان المذكرات والأوراق إليه صحيحاً في قلم الكتاب وذلك طبقاً للمادة 84 مرافعات.
6 - متى كان إعلان الدعوى للخصم قد وقع صحيحاً قانوناً ولم يحضر هو ولا محاميه للمرافعة فليس له أن يشكو من عدم استماع دفاع شفوي منه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع تخلص كما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن في أنه بتاريخ 6 من أكتوبر سنة 1952 قام رجال البوليس بحملة تفتيش على المحلات التجارية بمدينة بور سعيد للتحقق مما إذا كان أصحابها يقومون بتنفيذ القوانين والقرارات الخاصة بالتموين وإذ تبين لهم أن الطاعن لا يضع البطاقات على بعض الأقمشة إعلاناً عن أسعارها وأصنافها حرر له البوليس المحضر رقم 1853 سنة 1952 قسم ثان بور سعيد وأرسله إلى النيابة مقبوضاً عليه وفي اليوم التالي استجوبه المطعون عليه الأول ثم قيد الواقعة جنحة طبقاً للمواد 19 و20 و21 من القرار رقم 180 سنة 1950 والمرسومين رقمي 96 لسنة 1945 و163 سنة 1950 وأمر بحبسه احتياطياً لمدة أربعة أيام على ذمة القضية ثم أشر بتاريخ 8 من أكتوبر سنة 1952 بتقديمها لجلسة 12 من أكتوبر سنة 1952 وفي اليوم التالي أي 9 من أكتوبر سنة 1952 قدم الأستاذ محمد حسن رشدي محامي الطاعن شكوى إلى رئيس النيابة "المطعون عليه الثاني" ذكر فيها أن نيابة بور سعيد الجزئية درجت على الأمر بحبس المتهمين لعدم الإعلان عن الأسعار حبساً احتياطياً وأن الأنباء تواترت في الصحف عن صدور أمر عسكري يجعل هذه القضايا من اختصاص المحاكم العسكرية الأمر الذي يترتب عليه إطالة حبس هؤلاء المتهمين كما يترتب عليه من جهة أخرى إلغاء ما تم في هذه القضايا من إجراءات وتخويل النيابة حق التصرف فيها من جديد وأنه لذلك يلتمس من رئيس النيابة الإفراج عن هؤلاء المتهمين جميعاً فطلب رئيس النيابة في نفس اليوم جميع القضايا الخاصة بعدم الإعلان عن الأسعار وبعد الاطلاع عليها أصدر تعليماته إلى وكلاء النيابة بالإفراج عن المتهمين فيها بالضمان فأفرج المطعون عليه الأول عن الطاعن في اليوم ذاته تنفيذاً لهذا الأمر، وإذ عرضت القضية على المحكمة حكم فيها ابتدائياً بالبراءة وتأيد الحكم استئنافياً - وفي 23 من فبراير سنة 1953 خاصم الطاعن المطعون عليهما الأولين على أساس أنه وقع منهما غدر وخطأ مهني جسيم وذلك في التحقيق الذي باشره أولهما في القضية المذكورة تحت إشراف ثانيهما وطلب الحكم بإلزامهما بأن يدفعا له متضامنين مبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض عما أصابه من ضرر مادي وأدبي مع مسئولية الدولة عما يحكم به من تضمينات، وقال عن سبب الدعوى أن التهمة التي كانت منسوبة إليه وهي عدم إعلانه عن أسعار بضائعة بطريقة ظاهرة طبقاً للمواد 19 و20 و21 من القرار رقم 180 سنة 1950 وللمرسومين بقانون رقم 96 سنة 1945 و163 سنة 1950 فضلاً عن عدم ثبوتها موضوعاً مما أيده الحكم ببراءته ابتدائياً واستئنافياً فإنه لا يجوز قانوناً حبس المتهم على ذمتها احتياطيا وأن الدفاع عنه قد وجه نظر المطعون عليه الأول إلى نصوص القانون في ذلك ولكنه لم يعبأ بها بل وجهه إلى ذلك زميله القاضي الأستاذ طه زاهر ولكنه أيضاً لم يعبأ برأيه وقرر حبس الطاعن أربعة أيام احتياطياً وهذا يعتبر غدراً أو خطأ مهنياً جسيماً يقع تحت حكم المادة 797/ 1 مرافعات، وأن المطعون عليه الثاني بصفته رئيساً للأول قد سايره في ذلك ولم يغير رأيه إلا بعد التظلم المتكرر من تصرف النيابة. وقد دفع المطعون عليه الأول بعدم قبول دعوى المخاصمة للتقرير بها من غير ذي صفة، كما طلب المطعون عليهما الأول والثاني الحكم بعدم جواز المخاصمة. وبتاريخ 12 من إبريل سنة 1953 أصدرت المحكمة حكماً برفض الدفع وبقبول الدعوى وبجواز قبول المخاصمة وأحالت القضية إلى دائرة أخرى لنظرها موضوعاً. وفي 18 من يوليو سنة 1953 صدر الحكم المطعون فيه برفض دعوى المخاصم بكامل أجزائها وبإلزامه بغرامة مقدارها خمسون جنيهاً وبمبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة لكل من المطعون عليهم وفي 2 من سبتمبر سنة 1953 قرر الطاعن الطعن بالنقض في الحكم المذكور، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 13 من فبراير سنة 1957 فقررت إحالته على هذه الدائرة لنظره بجلسة 14 من مارس سنة 1957، وقد طلب الطاعن نقض الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً بطلباته المبينة في تقرير المخاصمة واحتياطياً إحالة القضية على محكمة استئناف المنصورة. ولم يقدم المطعون عليهما الأولان دفاعاً، وقدمت المطعون عليها الثالثة مذكرة طلبت فيها القضاء برفض الطعن، وقدمت النيابة مذكرة رأت فيها رفض الطعن.
ومن حيث إن الطاعن بنى طعنه على ثلاثة أسباب يتحصل أولها في النعي ببطلان الحكم المطعون فيه لأنه مترتب على إجراءات باطلة من ثلاثة وجوه: أولها - أن الدعوى كان محدداً لها جلسة 21 من أكتوبر سنة 1953 ثم عجلت لجلسة 28 من يونيه سنة 1953 ولم يصل إلى الطاعن إخطار التعجيل إلا في 24 من يونيه سنة 1953 أي قبل موعد الجلسة بأقل من ثمانية أيام وهذا إجراء مخالف لمفهوم المادتين 72 و80 من قانون المرافعات الأمر الذي يترتب عليه بطلان إعلان التعجيل وما تلاه من إجراءات بما فيها الحكم المطعون فيه ولا محل للاعتراض بأن هذه القواعد مقررة عند رفع الدعوى إذ أن نص المادة 72 مرافعات عام لا تخصيص فيه على قصره على صحيفة الدعوى وإعلانها لأول مرة، وثانيها - أنه بعد حجز القضية للحكم أعلنت مذكرات الخصوم للطاعن في قلم الكتاب مع أن الطاعن كان قد اتخذ في تقرير المخاصمة محلاً مختاراً. وثالثها - أن الأصل في إجراءات المرافعات أمام محكمة الموضوع أن تكون شفوية والإخلال بهذه القاعدة في خصوص الدعوى الحالية ومع قيام العذر الذي أبداه الطاعن ومنعه من الحضور للمرافعة الشفوية والذي لم تستطع محكمة الموضوع أن تنفيه - هو مخالفة لهذا الأصل بدون مبرر ولا يغني عن ذلك أن تكون الدعوى قد حجزت للحكم مع التصريح بتقديم مذكرات لأن الأصل هو المرافعة الشفوية وهو جزء من علنية الجلسات وإذا أصر عليها الخصوم في مثل صورة الدعوى فإن عدم الإجابة إليها بدون عذر مقبول يعتبر إخلالاً خطيراً بالإجراءات.
ومن حيث إن هذا السبب مردود في أوجهه الثلاثة بأنه يبين من الحكم المطعون فيه ومن محاضر جلسات قضية المخاصمة أنها كانت محجوزة للحكم لجلسة 12 من إبريل سنة 1953 وفيها حكمت المحكمة برفض الدفع وبقبول الدعوى شكلاً وبجواز المخاصمة وبإحالتها إلى الدائرة الثانية لنظر موضوعهاً بجلسة 22 من إبريل سنة 1953 وفي هذه الجلسة ذاتها مثل أطراف الخصومة بمحامين عنهم، وقد حضر الأستاذ عبد الحميد الجميل عن الأستاذ عبد المجيد نافع عن المخاصم (الطاعن) وطلب التأجيل حتى يحضر لأنه مشغول بالمرافعة في قضية أخرى، وطلبا محاميا المطعون عليهما الأولين حجز الدعوى للحكم مع التصريح بتقديم مذكرات تكميلية لمن يشاء منعاً من تعطيل الفصل في الدعوى، والأستاذ عبد الحميد صمم على التأجيل لحضور الأستاذ عبد المجيد نافع للمرافعة في الدعوى، فقررت المحكمة تأجيل الدعوى لجلسة 23 مايو سنة 1953 للحكم ومذكرات تكميلية لمن يشاء في أسبوعين والمدة مناصفة يبدأها المخاصم. وبجلسة 23 من مايو 1953 قررت المحكمة فتح باب المرافعة لجلسة 20 من يونيه سنة 1953 وعلى النيابة ضم التحقيقات المشار إليها في أسباب قرارها في خلال أسبوع وصرحت لطرفي الخصومة بالاطلاع إليها في الأسبوع التالي ثم صدر قرار من رئيس الدائرة بأنه نظراً لأن يوم 20 من يونيه سنة 1953 يوافق عطلة رسمية بمناسبة إعلان الجمهورية فتؤجل الدعوى لجلسة 21 من أكتوبر سنة 1953 وبتاريخ 23 من يونيه سنة 1953 قصر أجل الدعوى لجلسة 28 من يونيه سنة 1953 وفي هذه الجلسة الأخيرة لم يحضر المخاصم ولم يحضر عنه أحد ثم حجزت الدعوى بعد مرافعة محامي المطعون عليهم للحكم لجلسة 18 من يوليو سنة 1953 وفيها صدر الحكم المطعون فيه، ولما كانت المادة 72/ 1 من قانون المرافعات تنص على أن ميعاد الحضور أمام المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف يكون ثمانية أيام على الأقل في الدعاوى المدنية وثلاثة أيام في الدعاوى التجارية. ويكون الميعاد ثلاثة أيام أمام محاكم المواد الجزئية، ونصت الفقرة الثانية من المادة المذكورة على أنه يجوز في حالة الضرورة نقص هذين الميعادين إلى ثلاثة أيام وإلى أربع وعشرين ساعة، ولما كان قرار تقصير الأجل من جلسة 21 من أكتوبر سنة 1953 إلى جلسة 28 من يونيه سنة 1953 قد صدر في 23 من يونيه سنة 1953 وأعلن للطاعن وباقي الخصوم في 24 من يونيه سنة 1953 فإن هذا الإعلان يكون صحيحاً قانوناً، ولم يتضمن النعي أن هذا التقصير لم يكن لضرورة تقتضيه، ولما كانت المادة 84 من قانون المرافعات قد أوجبت على الخصم الذي لا يكون له وكيل بالبلد الذي به مقر المحكمة أن يتخذ له موطناً فيه، ولما لم يكن محامي الطاعن مقيماً بالمنصورة (مقر محكمة الاستئناف) ولم يتخذ هو موطناً فيها فيكون إعلان المذكرات والأوراق إليه صحيحاً في قلم الكتاب، ولما كان إعلان التقصير لجلسة 28 من يونيه 1953 قد وقع صحيحاً قانوناً ولم يحضر هو ولا محاميه للمرافعة فليس له أن يشكو من عدم استماع دفاع شفوي منه.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون إذ وصف الواقعة التي أثبتها بأنها من الخطأ اليسير الذي يقع فيه أي عضو نيابة مع أنها خطأ مهني جسيم، وقال في بيان ذلك إن من أول واجبات المطعون عليه الأول بوصفه وكيلاً للنيابة أن يعرف الجرائم التي يجوز فيها الحبس الاحتياطي أو لا يجوز، وأنه من المسلم به أن الجريمة التي كانت منسوبة للطاعن عقوبتها الحبس لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة جنيهات أو بإحداهما، وأن المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية نصت على أنه لا يجوز الحبس الاحتياطي في قضايا الجنح التي ينص القانون على ألا تزيد عقوبتها عن الحبس ثلاثة أشهر. ومخالفة هذا النص الأخير يعتبر خطأ مهنياً جسيماً، وأما ما أورده الحكم المطعون فيه تبريراً لتصرف المطعون عليه الأول من احتمال أن يكون الطاعن عائداً وأن الرأي العام والحكومة كانت مهتمة بمسائل التموين، ومن أنه يجوز أن يكون المطعون عليه الأول قد فهم أن الحبس احتياطياً جائز دائماً في قضايا الجنح فهذا تعليل غير سائغ لأن الحبس لا يكون لمجرد الظن ولأن القضاء يجب أن يكون بعيداً عن المؤثرات الخارجية ولأن احتمال فهم المطعون عليه الأول للقانون على الوجه الذي قال به الحكم المطعون فيه يكون الخطأ الجسيم الذي لا يغتفر خاصة وأن وكيل الطاعن وأحد السادة القضاة قد نبهاه إلى هذا الخطأ.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما أورده الحكم المطعون فيه من أن "الفقرة الأولى من المادة 3 من المرسوم بقانون رقم 163 سنة 1950 نصت على عقاب من يخالف أحكام قرارات وزير التجارة والصناعة الخاصة بالإعلان عن الأسعار بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة شهور وبغرامة لا تقل عن خمسة جنيهات ولا تزيد على خمسين جنيهاً أو بإحدى هاتين العقوبتين، ونصت الفقرة الثالثة من هذه المادة على أنه في حالة العود تضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى"، ثم استطرد إلى أن "المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه إذا تبين بعد استجواب المتهم أن الدلائل كافية وكانت الواقعة جناية أو جنحة معاقباً عليها بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة شهور جاز لقاضي التحقيق أن يأمر بحبس المتهم احتياطياً ومن هنا يظهر أن عدم جواز الحبس الاحتياطي يجيء عن طريق القياس والاستنتاج العكسي... ورب قائل يقول تعليقاً على هذا النص إن القياس غير جائز في أحكام القانون الجنائي وأن نص المادة 134 سالفة الذكر وإن أجازت الحبس الاحتياطي في الجنح التي تزيد عقوبة الحبس فيها على ثلاثة شهور فإنها لم تنص على تحريم الحبس الاحتياطي إذا كانت عقوبة الحبس لا تزيد على ثلاثة شهور وهذا التأويل قد يرد بخاطر عضو النيابة..." ثم خلص الحكم المطعون فيه إلى "أن الحبس الاحتياطي في الجريمة المنسوبة للمخاصم هي من المسائل التقديرية التي تحتمل مختلف التأويلات التي يصح فيها الاجتهاد فهي إذن مسألة تقديرية وليست مسألة حسابية لا يجوز فيها غير حل واحد" - ولما كان لمحكمة الموضوع سلطة تامة في تقدير ما إذا كانت الواقعة المطروحة تكون خطأ مهنياً جسيماً أو يسيراً، وكان الحكم المطعون فيه قد قرر أن حبس الطاعن احتياطياً في تهمة عدم الإعلان عن الأسعار طبقاً للمواد 19 و20 و21 من القرار رقم 180 سنة 1950 والمرسومين رقمي 96 سنة 945 و163 سنة 1950 لا يعتبر خطأ مهنياً جسيماً وأقام قضاءه على ما سلف بيانه على اعتبارات تكفي لحمله فإن النعي في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما يستقل به قاضي الموضوع دون رقابة في ذلك مما يتعين معه رفض هذا السبب.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في تعييب الحكم المطعون فيه بقصور تسبيبه وبإخلاله بحق الدفاع وبالخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول الطاعن أولاً - إنه طلب استجواب المطعون عليه الأول فيما هو منسوب إليه ولكن الحكم أغفل الرد على هذا الطلب. ثانياً - إنه طلب فتح باب المرافعة لضم تحقيقات تمت بعد حجز القضية للحكم ولكن الحكم المطعون فيه رفض هذا الطلب. ثالثاً - إنه كان طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لسماع أقوال الشهود المبينة أسماؤهم في تقرير المخاصمة عن الوقائع المبينة في ذلك التقرير - هذه الوقائع التي سبق للمحكمة أن قررت أنها متعلقة بالدعوى. ولكن الحكم المطعون فيه رفض هذا الطلب بمقولة إنه كان يتعين على الطاعن إبداؤه في تقرير المخاصمة أو أمام غرفة المشورة تطبيقاً لنص المادة 800 من قانون المرافعات وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ تفسير المادة المذكورة لأنها خاصة بشكل تقديم طلب المخاصمة ولأن نصها إنما يتطلب بيان أوجه المخاصمة وأدلتها وأن تودع معه الأوراق المؤيدة لها ولا يستلزم أن يطلب المقرر بالمخاصمة إحالة الدعوى إلى التحقيق ما دام قد ذكر الواقعة في التقرير وذكر الشاهد عليها ولأنه لم يرد بالمادة نص على البطلان إذا خولفت الإجراءات الموضحة فيها ولا بطلان إلا بنص.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن تحقيق الدعوى هو من سلطة محكمة الموضوع وهي ليست ملزمة بإجابة طلب الإحالة إلى التحقيق أو ضم تحقيقات ما دامت قد قامت بتحقيق الدعوى وأقامت حكمها على أسباب سائغة مما أشير إليه في الرد على السبب السابق وهي أسباب كافية لحمل الحكم دون حاجة إلى تحقيق أو استجواب ومؤدية إلى ما انتهى إليه قضاءها. ولما كانت المادة 800 من قانون المرافعات قد نصت على أنه "يجب أن يشتمل التقرير على بيان أوجه المخاصمة وأدلتها وأن تودع معه الأوراق المؤيد لها" فإذا لم يجب المحكمة المخاصم إلى طلبات لم يسبق له إبداؤها بتقرير المخاصمة فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه لذلك جميعه يتعين رفض الطعن.