أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 8 - صـ 510

جلسة 23 من مايو سنة 1957

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: اسحق عبد السيد، ومحمد عبد الواحد علي، ومحمد متولي عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.

(54)
القضية رقم 147 سنة 23 القضائية

( أ ) بيع. فسخ. وفاء. حكم "تسبيب كاف". بيان أصل ثمن المبيع والفوائد في عقد البيع. اقتصار البائع في دعواه على طلب الفسخ دون طلب الباقي له من الثمن وفوائده استعمالاً لحقه المقرر في المادة 332 مدني قديم. منح المحكمة للمشتري مهلة للوفاء بما في ذمته استعمالاً لحقها المخول لها بالمادة 333 مدني قديم. الحكم بالفسخ دون بيان الباقي في ذمة المشتري. لا خطأ.
(ب) نقض. "أسباب يخالطها واقع". بيع. فسخ. التمسك لأول مرة أمام محكمة النقض بأن الحكم أغفل بحث ما إذا كان البائع قد تقدم بنفسه أو بوكيل عنه إلى محل المشتري لاستيفاء الباقي في ذمته طبقاً للمادة 329 مدني قديم. غير مقبول.
(جـ) بيع. فسخ. عقد. اعتبار فوات المهلة التي منحت للمشتري للوفاء بباقي فوائد الثمن مما يترتب عليه الفسخ. م 332 و333 مدني قديم.
(د) بيع. فسخ. صدور قرار - لا حكم - لمصلحة المشتري بمنحه مهلة للوفاء بالباقي في ذمته. كفايته لترتيب الفسخ على فوات المهلة.
(هـ) دفاع. بيع. حكم "تسبيب كاف". نقض "أثر الحكم في الطعن". عدم إصرار الخصم على دفاعه الذي أبداه أولاً بعد نقض الحكم والإحالة. إغفال الرد على هذا الدفاع. لا قصور. تعييب الحكم فيما قرره خطأ بشأن هذا الدفاع. غير منتج. مثال.
1 - متى كان أصل الثمن وسعر فائدته مبينين في عقد البيع وكان البائع حين أقام دعواه قصرها على طلب فسخ العقد استعمالاً لحقه المخول له بمقتضى المادة 332 من القانون المدني الملغى وطلبه طلباً واحداً أصلياً ولم يطالب بالباقي له من الثمن وفوائده حتى كانت المحكمة تلتزم تصفية الحساب بين الطرفين ثم تحكم بما يتحقق لديها في هذا الشأن - ومع ذلك فقد استعملت المحكمة بدورها حقها المخول لها بمقتضى المادة 333 مدني قديم وأمهلت المشتري للوفاء بما بقى في ذمته مما هو محدد في عقد البيع فلم يفعل فإن القانون لا يلزم المحكمة بأكثر من ذلك ولا يسمح لها بإعطاء أكثر من مهلة واحدة. وعلى ذلك فلا محل للنعي على الحكم إذ قضى بالفسخ بأنه لم يحدد مقدار الباقي في ذمة المشتري.
2 - إذا كان المشتري لم يتمسك أمام محكمة الموضوع بما ينعاه على الحكم إذا قضى بفسخ عقد البيع من أنه أغفل بحث ما إذا كان البائع قد تقدم بنفسه أو بوكيل عنه إلى محله لاستيفاء الباقي في ذمته من الثمن وفوائده طبقاً للمادة 329 مدني قديم فإن هذا النعي يكون غير مقبول لأنه يتضمن سبباً جديداً يخالطه واقع فلا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
3 - إذا كان الحكم قد رأى أن فوات المهلة التي منحتها المحكمة للمشتري دون وفائه بباقي فوائد الثمن المستحقة هو مما يترتب عليه فسخ عقد البيع فلا مخالفة في ذلك للمادتين 332 و333 مدني قديم.
4 - متى تبين أن منح المهلة للمشترى للوفاء بما في ذمته إنما صدر لمصلحته بقرار من المحكمة استعمالاً لحقها المخول لها بمقتضى المادة 333 مدني قديم من جواز منح المهلة أو رفض طلبها مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع التقديرية وهو من الرخص التي أطلق الشارع فيها لقاضي الموضوع الخيار في أن يأخذ منها بأحد وجهي الحكم في القانون حسبما يراه هو من ظروف كل دعوى بغير معقب عليه. فلا يقبل من المشتري القول بأن منح المهلة يجب أن يصدر به حكم لا قرار حتى يترتب على فوات المهلة فسخ عقد البيع.
5 - متى تبين أن المشتري وإن كان قد تمسك عند بدء نظر القضية أمام محكمة الإحالة بعد نقض الحكم السابق صدوره فيها بوقوع تقصير من البائع ولم يصر في دفاعه حتى المراحل الختامية للدعوى على التمسك بذلك فإن الحكم لا يكون مشوباً بالقصور إذا أغفل الرد على هذا الدفاع ويكون من غير المنتج تعييب الحكم بأنه قرر خطأ أن عدم ثبوت تقصير البائع هو أمر لا تجوز العودة إلى المجادلة فيه بعد النقض والإحالة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذا الطعن - حسبما يستفاد من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليها الأولى بعد أن استصدرت قراراً من المجلس الحسبي باعت بعقد مصدق عليه في 27 من نوفمبر سنة 1941 إلى الطاعنين 215 فداناً بثمن مقداره 1400 جنيه وذكر في العقد أن المشتريين تسلما الأرض المبيعة ودفعا من الثمن 400 جنيه وتعهدا بسداد باقيه على أقساط سنوية يستحق الأول منها وقدره 400 جنيه في 27/ 11/ 1942 والثاني وقدره 300 جنيه في 27/ 11/ 1943 والثالث 300 جنيه في 27/ 11/ 1944 بحيث إذا تأخر المشتريان عن سداد قسط في ميعاده تستحق الأقساط الباقية وتحسب عنها فوائد تأخير بواقع 7% سنوياً - ولأن المشتريين لم يدفعا القسط الأول فقد أنذرتهما البائعة في 26/ 9/ 1943 بالوفاء وإلا اعتبر العقد مفسوخاً - فردا عليها بإنذار في 9/ 10/ 1943 قالا فيه إن دفع القسط معلق على قيامها بما يطلبه قلم الرهون لإجراء التسجيل بما في ذلك قرار من المجلس الحسبي يفيد التصريح لها وحدها بقبض الثمن بغير حضور معاون المجلس الحسبي وما يفيد إيداع ما قبض من الثمن خزانة بنك مصر لحساب القاصر - وفي 26/ 12/ 1943 أعادت إنذارهما بدفع القسط الثاني فلم يحركاً ساكناً. وفي 17/ 1/ 1944 أقامت عليهما الدعوى 1279 سنة 1944 مدني كلي مصر بطلب فسخ عقد البيع وإلزامهما بتعويض مقداره 500 جنيه. وفي 20/ 4/ 1944 أنذرها المشتريان بتقديم مستندات التمليك وقرار المجلس الحسبي المشار إليه في إنذارهما الأول - وفي 17/ 5/ 1944 عرضا عليها مبلغ 700 جنيه قيمة القسطين الأول والثاني مقابل تسليمهما المستندات المشار إليها ولما لم تقبل العرض أودعا المبلغ على ذمتها بنفس الشروط مخصوماً منه رسم الإيداع ومصاريف العرض - وفي 2/ 8/ 1944 أقام الطاعنان الدعوى 3001 سنة 1944 مدني كلي مصر على المطعون عليهما وعلى مصلحة المساحة وطلبا فيها الحكم بإلزام المطعون عليهما الأولين بأن يسلماها صوراً من قرارات المجلس الحسبي بتعيين المطعون عليها الأولى وصياً على القاصر ثم بالتصريح لها منفردة بقبض الثمن. وبإلزام المطعون عليها الأولى بتسليمهما مستندات التمليك بما فيها حكم القسمة وبإلزام المطعون عليهما الأولين متضامنين بأن يدفعا إليهما غرامة مقدارها خمسة جنيهات عن كل يوم من أيام التأخير. وفي 19/ 11/ 1944 عرض الطاعنان القسط الأخير المستحق في 27/ 11/ 1944 بنفس الشروط ولما لم تقبله أودع على ذمتها بعد خصم مصاريف العرض والإيداع. وفي 19/ 1/ 1946 أضافا إلى طلباتهما في دعواهما طلب الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع فقررت المحكمة ضم القضيتين. وفي 21/ 5/ 1946 حكمت في دعوى الطاعنين برفضها وفي الدعوى الأولى بفسخ عقد البيع وبندب خبير لتقدير التعويض.
استأنف الطاعنان هذا الحكم وقيد برقم 720 سنة 63 ق استئناف القاهرة. وفي 20/ 11/ 1946 أودعا مبلغ 48 جنيهاً و305 مليماً على اعتبار أنه يشمل رسوم الإيداع وفوائد المبالغ المودعة - وفي 29/ 2/ 1948 قررت محكمة الاستئناف تأجيل الدعوى أسبوعاً واحداً لإيداع تكملة الثمن - وفي 6/ 3/ 1948 أودع الطاعنان مبلغ 15 جنيهاً على اعتبار أنه هو الفرق بين قيمة الفوائد بواقع 7% وقيمتها بواقع 5% - وفي 7/ 3/ 1948 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبصحة ونفاذ عقد البيع.
طعنت البائعة في هذا الحكم بطريق النقض وقيد برقم 154 سنة 18 ق وإقامته على ثلاثة أسباب - ويتحصل السبب الثالث منها في أن الحكم خالف القانون إذ لم يقض بالفسخ مع ثبوت تقصير المشتريين في الوفاء بفوائد الثمن حتى تاريخ الإيداع الأخير الحاصل في 6/ 3/ 1948 وهي كالثمن تأخذ حكمه - كما شابه القصور إذ لم يعدد أسباباً لقضائه باعتبار الإيداع صحيحاً مبرئاً لذمة المشتريين مع أنه كان مقصوراً على ما استحق من فوائد الثمن لغاية مايو سنة 1948 - وفي 25/ 5/ 1950 حكمت المحكمة بنقض الحكم في خصوص السبب الثالث وبإحالة القضية على محكمة الاستئناف في هذا الخصوص ورفضت الطعن فيما عداه.... إلخ.
أعيد نظر الدعوى أمام محكمة الاستئناف وحكمت في 19/ 4/ 1953 في موضوع الاستئناف برفضه وبتأييد الحكم المستأنف فقرر الطاعنان الطعن في هذا الحكم بطريق النقض.
عرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 20/ 3/ 1957 وفيها قرر وكيل الطاعنين أن الدعوى انتهت صلحاً وطلب التأجيل للتقرير بالنزول عن الطعن، فتأجلت لجلسة 27/ 3/ 1957 وفيها صمم الحاضر عن الطاعنين على طلباته الواردة بتقرير الطعن بناء على طلب موكليه وطلبت النيابة رفض الطعن، فقررت المحكمة إحالة الطعن على الدائرة المدنية والتجارية لجلسة 9/ 5/ 1957 وفيها أصر الطاعنان والنيابة على طلباتهما وطلب الحاضر عن المطعون عليها الأولى رفض الطعن - أما المطعون عليها الثانية فاكتفت بتقديم مذكرة تقول فيها إنه لا شأن لها في هذا النزاع.
ومن حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله في خمسة أسباب يتحصل الأول منها في أن الحكم قضى بفسخ البيع دون تحديد مدى الالتزام المقول بحصول التقصير في أدائه في حين أن دعوى الفسخ هي دعوى تبعية بمعنى أنها غير مقصودة لذاتها - وإنما الغرض منها تهديد المشتري للحصول منه على الثمن. ولهذا لا يعتبر الفسخ طلباً أصلياً. بل طلباً احتياطياً أن بحكم به عند تخلف المشتري عن دفع الثمن - ولكن الحكم المطعون فيه أبى على الطاعنين تحديد مقدار الفوائد المطلوبة، كما أبى عليهما فض النزاع القائم حول المستحق منها. وذلك بمقولة إن مجرد تفويت المهلة التي سبق منحها للطاعنين مانع لهما من التقدم بأي عرض جديد يمكن أن يقيهما القضاء بالفسخ. وليس في هذا القول غناء - ذلك لأن المهلة المشار إليها لم تكن مسبوقة بتحديد مدى الالتزام بدفع الفوائد وتعيين مقدارها بعد الفصل في النزاع القائم حولها خصوصاً وأن الطاعنين كانا بعد الإحالة على ما هو واضح من مذكرتهما المقدمة لجلسة 20/ 5/ 1951 قد التمسا من المحكمة تصفية هذا النزاع وأبديا استعدادهما لدفع كل ما يتقرر أنه في ذمتهما بعد تحديده قضاء.
ومن حيث إن هذا النعي مردود بأنه يبين من أسباب الحكم المطعون فيه أن محكمة الاستئناف بعد أن بينت في أسباب حكمها مقدار الثمن الوارد في عقد البيع والمبالغ التي أودعها الطاعنان من أصل الثمن وفوائده لغاية 8/ 3/ 1948 أوضحت أن المبالغ المودعة حتى ذلك التاريخ لا تفي بكامل الثمن والفوائد وفقاً لما ورد في عقد البيع - وبحسب الحكم أن يكون قد أقام قضاءه في هذا الخصوص على ما سبق بيانه - ولما كان أصل الثمن مبيناً في العقد وكان سعر الفائدة مبيناً فيه كذلك فإنه كان من المفروض علم الطاعنين بمدى التزاماتهما في خصوص الثمن والفوائد - هذا فضلاً عن أن المطعون عليها الأولى حين أقامت دعواها قصرتها على طلب فسخ عقد البيع استعمالاً لحقها المخول لها بمقتضى المادة 332 من القانون المدني الملغى (الذي يحكم واقعة النزاع) وطلبته طلباً واحداً أصلياً ولم تطالب بالباقي لها من الثمن وفوائده حتى كانت المحكمة تلتزم تصفية الحساب بين الطرفين ثم تحكم بما يتحقق لديها في هذا الشأن - ومع ذلك فقد استعملت المحكمة بدورها حقها المخول لها بمقتضى المادة 333 مدني قديم وأمهلت الطاعنين للوفاء بما بقي في ذمتهما مما هو محدد في عقد البيع فلم يفعلا والقانون لا يلزم المحكمة بأكثر من ذلك ولا يسمح لها بإعطاء أكثر من مهلة واحدة.
ومن حيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثاني على الحكم خطأه في القانون كذلك إذ اعتبر الطاعنين متأخرين في دفع فوائد الثمن بما استوجب الفسخ في حين أنه لم يثبت أن المطعون عليها الأولى تقدمت بنفسها أو بوكيل عنها إلى محلهما لاستيفاء المطلوب لاسيما أن عقد البيع المقضى بفسخه خلا من اتفاق على دفع الثمن في مكان معين - ثم إن المادة 329 من القانون المدني الملغى نصت على أنه في حالة عدم وجود شرط صريح في العقد يكون الثمن واجب الدفع في مكان تسليم المبيع وإذا كان الثمن مؤجلاً يكون دفعه في محل المشتري - وقد أغفل الحكم المطعون فيه بحث هذا الشرط اللازم قانوناً لإثبات التأخير. والذي هو شرط للحكم بالفسخ - وكان من واجب المحكمة من تلقاء نفسها أن تتثبت من توافر الشروط القانونية المسوغة للفسخ.
ومن حيث إن هذا النعي غير مقبول لأنه يتضمن سبباً جديداً يخالطه واقع ولم يسبق عرضه على محكمة الموضوع فلا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض - وهو فضلاً عن ذلك مردود بأنه يبين من وقائع الدعوى أن الطاعنين أنذرا البائعة إليهما أكثر من مرة بأنهما ممتنعان عن تسليمها الثمن بمقولة إنها لم تسلمهما مستندات التمليك. الأمر الذي يفيد أن سعيها إليهما في محل إقامتهما لاقتضاء الثمن لم يكن من شأنه أن يؤدي إلى وفاء هذا الثمن، ثم إنهما بالرغم من تلك الإنذارات عرضا عليها ما استحق في نظرهما من الثمن في محل إقامتها هي بالشروط التي أثبتاها في محضر العرض. فلما لم تقبلها أودعا المبالغ المعروضة خزانة المحكمة بالشروط نفسها مما يقطع في أن سعيها إليهما لقبض باقي الثمن لم يكن ممهد السبل أو مقبولاً لدى الطاعنين.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم ألزم نفسه القضاء بالفسخ وجوباً لمجرد فوات المهلة دون الوفاء الكامل في حين أن المادة 333 مدني قديم لم تنص على جزاء الحكم بالفسخ وجوباً في هذه الحالة - ولم يرد بها نص مماثل لما جاء في المادة 1655 مدني فرنسي من أنه في حالة فوات المهلة دون دفع يقضى بالفسخ فضلاً عن أنه مع وجود هذا النص في فرنسا قام خلاف في الفقه الفرنسي فرأى البعض أن لا يقبل عرض من المشتري بعد انقضاء المهلة. ورأى فريق أن حق المشترى في توقي الفسخ يظل قائماً حتى صدور الحكم النهائي - ورأى فريق ثالث أن مناط الفسخ متروك لتقدير القاضي لظروف التأخير - وقد أبقى المشرع المصري حكم فسخ البيع متسقاً مع حكم فسخ سائر العقود الملزمة للجانبين - وهو الأمر الذي أكده المشرع في التقنين المدني الجديد إذا حذف من مواد البيع ما يقابل المادة 333 مدني قديم وذلك اكتفاء بتقرير القاعدة العامة للفسخ والواردة في المادة 157 التي نصت الفقرة الثانية منها على أنه يجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلاً إذا اقتضت الظروف ذلك. كما يجوز له أن يرفض الفسخ إذا كان ما لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة للالتزام في جملته - وعلى ذلك يكون مخالفاً للقانون قول الحكم المطعون فيه إن مجرد فوات المهلة دون وفاء كامل موجب الفسخ لزوماً ومانع من كل مناقشة أو عرض جديد.
ومن حيث إن هذا النعي مردود بأن المادة 333 مدني قديم المشار إليها إذ نصت على جواز إعطاء مهلة لدفع الثمن - فإن هذا النص إنما ورد على سبيل الاستثناء من الأصل المقرر في المادة السابقة عليها - المادة 332 - وهو أحقية البائع في طلب الفسخ لعدم وفاء المشتري بالثمن - كما أن المادة 333 نفسها نصت على أنه لا يجوز إعطاء أكثر من ميعاد واحد - فإذا كان الحكم المطعون فيه قد رأى أن فوات المهلة التي منحت للطاعنين دون وفائهما بباقي الفوائد المستحقة هو مما يترتب عليه الفسخ فلا مخالفة في ذلك للقانون الواجب التطبيق على واقعة الدعوى.
ومن حيث إن السبب الرابع يتحصل في أن الحكم اعتبر أن المهلة التي منحتها الهيئة التي أصدرت الحكم المنقوض هي من قبيل المهلة التي يترتب على فواتها قفل باب الوفاء وتستلزم الحكم بالفسخ. في حين أنه لو صح أن المهلة المشار إليها في المادة 333 مدني قديم يترتب على فواتها الحكم بالفسخ فإن المقصود بذلك هو المهلة التي يصدر بها حكم لا مجرد قرار عادي بالتأجيل. يدل على ذلك أن المادة 333 نصت على جواز وضع المبيع تحت الحجز عند الاقتضاء. ووضع المبيع تحت الحجز لا يكون لا بحكم. ويؤيده أيضاً ما نص عليه في المادة المذكورة من امتناع إعطاء أكثر من ميعاد واحد - وقد علل الشراح الحكمة في ذلك بأن المهلة التي تعطى لأول مرة لا يمكن تعديلها إلا بطريق الطعن في الحكم. مما يفيد أن منحها هي ذاتها يجب أن يصدر به حكم. ويؤكد هذا المعنى قضاء هذه المحكمة في الطعن 155 سنة 18 ق (جلسة 23/ 3/ 1950).
ومن حيث إن هذا النعي غير مقبول من الطاعنين لأن منح المهلة إنما صدر لمصلحتهما بقرار المحكمة استعمالاً لحقها المخول لها بمقتضى المادة 333 مدني قديم من جواز منح المهلة أو رفض طلبها مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع التقديرية وهو من الرخص التي أطلق الشارع فيها لقاضي الموضوع الخيار في أن يأخذ منها بأحد وجهي الحكم في القانون حسبما يراه هو من ظروف كل دعوى بغير معقب عليه - أما حكم هذه المحكمة الذي يشير إليه الطاعنان في سبب هذا النعي فلا يشفع لهما لأنهما رغم نقض حكم محكمة الاستئناف الأول بما يقتضي زواله واعتباره كأن لم يكن ويعيد الخصوم إلى مراكزهم الأولى قبل صدور الحكم المنقوض. ورغم إتاحة الفرصة الواسعة لهما في تجنب الفسخ بالوفاء بالثمن كاملاً فإنهما لم يفعلا شيئاً وظلا مقصرين في الوفاء حتى صدور الحكم المطعون فيه بعد نحو اثني عشر عاماً من تاريخ التصديق على عقد البيع.
ومن حيث إن السبب الخامس يتحصل في أن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر ما جاء في الحكم الابتدائي وفي حكم محكمة الاستئناف المنقوض خاصاً بثبوت عدم تقصير البائعة وثبوت تقصير المشتريين - إذ اعتبر الحكم ما ورد في هذين الحكمين حجة نهائية وأمراً مقضياً لا تجوز المجادلة فيه - فإنه يكون قد خالف القانون - ذلك أن الحكم الابتدائي لا تكون له حجية لدى محكمة الاستئناف عند نظر الاستئناف المرفوع عنه كما أن الحكم الاستئنافي الذي نقض لقصور في التسبيب لا تكون له حجية لدى محكمة الإحالة. ولا يصح القول بأن نقض ذلك الحكم لم يكن إلا في خصوص السبب الثالث. ذلك لأن الحكم المنقوض لم يقض إلا قضاء واحداً وهو رفض طلب الفسخ. وقد نقض هذا الحكم لعيب شكلي مما يقطع بأن النقض كان كلياً لا جزئياً - وقد ترتب على هذه المخالفة قصور الحكم المطعون فيه إذا لم يتعرض لدفاع الطاعنين في خصوص التقصير المسند منهما إلى المطعون عليها الأولى لعدم تسليمها إياهما عقود تمليك المورث الأصلي وحكم القسمة وصور قرارات المجلس الحسبي.
ومن حيث إن هذا النعي مردود بأنه يبين من أسباب الحكم المطعون فيه أن الطاعنين وإن كانا قد تمسكا عند بدء نظر القضية أمام محكمة الاستئناف بعد الإحالة بوقوع التقصير من البائعة إلا أنهما عادا فقررا في مذكرتيهما المقدمتين لجلستي 20/ 5/ 1951، 5/ 3/ 1952 "أنه إزاء ما قالته المستأنف عليها الأولى - أمام محكمة النقض عن فوائد التأخير المستحقة عن باقي الثمن وما ذكرته من عدم صحة إيداع المبالغ السابقة التي كان صرفها معلقاً على شروط فإنهما على استعداد لإيداع مبلغ 270 جنيهاً يصرف منه مبلغ 18 جنيهاً و667 مليماً لتغطية ما يمكن أن تستحقه من فوائد تأخير بواقع 7% حتى لا يكون هناك محل لأية منازعة من قبلها ويبقى الباقي مودعاً بخزانة المحكمة حتى يقول القضاء كلمته فيه بعد تصفية الحساب بين الطرفين والحكم نهائياً فيه". وهذا الذي أورده الحكم يفيد أن دفاع الطاعنين أمام الإحالة تركز أخيراً في نزاعهما بشأن مقدار الفوائد المستحقة ويدل بالتالي على أنهما لم يصرا في دفاعهما حتى المراحل الختامية للدعوى على التمسك بحصول تقصير من البائعة - وعلى ذلك لا يكون الحكم المطعون فيه مشوباً بالقصور إذ أغفل الرد على هذا الدفاع. ويكون من غير المنتج تعييب الحكم بأنه قرر خطأ أن عدم ثبوت تقصير البائعة هو أمر لا تجوز العودة إلى المجادلة فيه.
ومن حيث إنه لذلك كله يتعين رفض الطعن.