أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة 26 - صـ 621

جلسة 18 من مارس سنة 1975

برياسة السيد المستشار أحمد حسن هيكل نائب رئيس محكمة النقض وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم السعيد ذكرى، وعثمان حسين عبد الله، ومحمد صدقي العصار، ومحمود عثمان درويش.

(123)
الطعن رقم 13 لسنة 40 القضائية

(1) هبة "الهبة الباطلة".
الهبة الباطلة لعيب في الشكل. لا ترد عليها الإجازة إلا عن طريق تنفيذها اختياراً من جانب الواهب أو ورثته. أثر الإجازة. اعتبار الهبة صحيحة.
(2) عقد "تفسير العقد".
وضوح عبارة العقد. عدم جواز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين.
1 - النص في المادة 489 من القانون المدني على أنه "إذا قام الواهب أو ورثته مختارين بتنفيذ هبة باطلة في الشكل فلا يجوز لهم أن يستردوا ما سلموه" يدل على أن الهبة الباطلة لعيب في الشكل لا ترد عليها الإجازة إلا عن طريق تنفيذها اختيارياً من جانب الواهب أو ورثته بأن يكون الواهب أو الوارث عالماً بأن الهبة باطلة لعيب في الشكل ومع ذلك يقدم على تنفيذها راضياً مختاراً وهو على بينة من أمره فيسلم المال الموهوب إلى الموهوب له قاصداً من ذلك إجازة الهبة. فتنقلب الهبة الباطلة إلى هبة صحيحة بهذه الإجازة الخاصة، ولا يجوز له أن يسترد ما سلمه.
2 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه إذا كانت عبارات العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنين أقاما الدعوى رقم 550 لسنة 1960 مدني سوهاج الابتدائية المطعون عليها الأولى بصفتها وصية على ولديها القاصرين...... و....... طالبين الحكم ببطلان العقد المؤرخ 2/ 2/ 1953 الصادر من مورثهما المرحوم....... إلى ولديه القاصرين سالفي الذكر ببيع 16 فداناً و16 قيراطاً مبينة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى واعتباره كأن لم يكن، وقالا بياناً لدعواهما إن مورثهما المرحوم..... حرر عقداً عرفياً تاريخه 2/ 2/ 1953 ضمنه أنه باع إلى ولديه...... و..... أطياناً زراعية مساحتها 16 فداناً و16 قيراطاً بثمن قدره 3767 جنيهاً ونص في العقد على أنه وهب الثمن إلى المشترين، وإذ كان العقد على هذه الصورة هبة سافرة لم تفرغ في الشكل الرسمي وهو ما يبطلها وقضت محكمة الأحوال الشخصية بإلزام الطاعن الأول بصفته وصياً منضماً إلى المطعون عليها الأولى أن يودع لحساب القاصرين ريع هذه الأطيان موضوع الهبة الباطلة، فقد أقاما الدعوى بالطلبات سالفة البيان. ردت المطعون عليها الأولى بأن الطاعنين أجازا هذه الهبة بموجب عقد الصلح والقسمة المؤرخ 11/ 1/ 1956 المبرم بينهما وبعقد الإيجار المؤرخ 20/ 1/ 1957 الذي استأجر الطاعن الأول بمقتضاه 13 فداناً و16 قيراطاً من الأطيان التي آلت إلى القاصرين تنفيذاً لعقد الصلح والقسمة. وبتاريخ 28/ 3/ 1968 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف الطاعنان هذا الحكم بالاستئناف رقم 83 سنة 43 ق مدني أسيوط "مأمورية سوهاج" واختصما المطعون عليه الثاني الذي كان قد بلغ الرشد طالبين إلغاءه والحكم لهما بطلباتهما، ثم قصراها في مذكرتهما المقدمة لجلسة 8/ 11/ 1969 على بطلان العقد فيما جاوز مساحة 6 أفدنة و12 قيراطاً وهو القدر الذي قبلا أن تختص به المطعون عليها بصفتها بموجب محضر الصلح والقسمة المؤرخ 16/ 11/ 1956، وبتاريخ 8/ 11/ 1969 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض فيما قضى به من صحة الهبة بالنسبة لما جاوز 6 أفدنة و12 قيراطاً، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، ويقولان في بيان ذلك إن الحكم قضى برفض الدعوى برمتها تأسيساً على أن الطاعنين قاما مختارين بتنفيذ الهبة الباطلة الصادرة من المورث إلى القاصرين بالعقد المؤرخ 2/ 2/ 1953، ذلك لأنهما قبلا في عقد الصلح والتقسيم المؤرخ 16/ 11/ 1956 أن تختص المطعون عليها بصفتها وصية على القاصرين بمساحة 6 ف و12 ط من 16 ف و16 ط موضوع الهبة المذكورة على أن تتنازل هي عن القدر الباقي وتقسم باقي الأطيان الواردة بعقد الصلح مناصفة بين الموهوب لهما وبين الطاعنين وشقيقاتهما، كما أن الطاعن الأول استأجر بعقد المؤرخ 20/ 1/ 1957 13 ف و16 ط من الأطيان التي آلت إلى القاصرين وأشر فيه إلى أنه جاء تنفيذاً لعقد الصلح ويعني ذلك أنه جاء بطريق غير مباشر تنفيذاً لعقد الهبة الباطلة، مما مفاده أن إجازة الطاعنين للهبة الباطلة لحقت القدر جميعه ولا يجوز لهما أن يستردا ما سلماه، في حين أن المستفاد من عقد الصلح أن الاتفاق تم على إبطال الهبة وتنفيذها اختياراً بالنسبة لمساحة 6 ف و12 ط من الأطيان الموهوبة، كما أنه يثبت في عقد الإيجار أنه تم تنفيذاً للهبة الباطلة بل أثبت فيه أنه تم تنفيذاً لعقد الصلح إذ لم يشتمل عقد الإيجار إلا على 13 ف و16 ط منها 6 ف و12 ط التي أجازها الطاعنان والباقي ما خص الموهوب لهما نتيجة قسمة الميراث طبقاً لعقد الصلح، وإذ اعتبر الحكم المطعون فيه عقدي الصلح والإيجار تنفيذاً اختيارياً لعقد الهبة بالنسبة لكل الأطيان الموهوبة، فإنه يكون قد مسخ عبارات العقدين وأخطأ في تطبيق القانون وشابه فساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أنه لما كان يتعين طبقاً للمادة 448 من القانون المدني أن تكون الهبة بورقة رسمية وإلا وقعت باطلة ما لم تتم تحت ستار عقد آخر، وكان النص في المادة 489 من القانون المذكور على أنه "إذا قام الواهب أو ورثته مختارين بتنفيذ هبة باطلة في الشكل فلا يجوز لهم أن يستردوا ما سلموه" يدل على أن الهبة الباطلة لعيب في الشكل لا ترد عليها الإجازة إلا عن طريق تنفيذها اختيارياً من جانب الواهب أو ورثته بأن يكون الواهب أو الوارث عالماً بأن الهبة باطلة لعيب في الشكل ومع ذلك يقوم على تنفيذها راضياً مختاراً وهو على بينة من أمره فيسلم المال الموهوب إلى الموهوب له قاصداً من ذلك إجازة الهبة فتنقلب الهبة الباطلة إلى هبة صحيحة بهذه الإجازة الخاصة ولا يجوز له أن يسترد ما سلمه، ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه انتهى إلى أن الطاعنين قد أجازا الهبة الباطلة موضوع العقد المؤرخ 2/ 2/ 1953 بالنسبة لجميع الأطيان الموهوبة واستدل على ذلك بعقد الصلح والتقسيم المؤرخ 16/ 11/ 1956 المبرم بين الطاعنين والمطعون عليها بصفتها وصية على القاصرين ويتضمن أن الطاعنين قبلا أن تختص المطعون عليها بصفتها بمساحة 6 ف و12 ط من 16 ف و16 ط موضوع عقد الهبة وأن باقي الأطيان موضوع عقد الصلح تقسم مناصفة بين الطاعنين وشقيقاتهما وبين المطعون عليها بصفتها، كما استند الحكم إلى أن الطاعن الأول استأجر من المطعون عليها بصفتها 13 ف و16 ط بعقد إيجار مؤرخ 20/ 1/ 1957 من الأطيان موضوع الصلح وأورد الحكم في هذا الخصوص قوله "إن عبارات عقد الصلح يفهم منها وجود التراضي على تنفيذ عقد الهبة فقد جاء في عنوانه أنه "محضر صلح وتقسيم" وجاء في ديباجته "أن الطرفين اتفقا وتراضيا على ما جاء في بنود العقد"، وعبارة "نظراً لأن العقد لم يسجل، فإن الطرف الثاني - الطاعنين - قد نازع الطرف الأول - المطعون عليهما - في أحقيته لهذا القدر" لا يمكن أن تفيد المنازعة بدليل ما جاء مباشرة عقبها من أنه - وقد قبل الطرف الثاني أن يختص الطرف الأول بما مقداره 6 ف و12 ط على أن يتنازل الطرف الأول عن باقي القدر الوارد بالعقد العرفي المؤرخ 2/ 2/ 1953 (تنفيذ عقد الهبة) ذلك لأن معنى العبارة الأخيرة بوضوح أنه رغم المنازعة السابقة للمستأنفين - الطاعنين - في صحة العقد العرفي فإنهما قبلا وتراضيا على أن تختص المستأنف عليها بصفتها - المطعون عليهما - بجزء من القدر الموهوب ويختص المستأنفان بالباقي، وعبارة أن "تتنازل" قاطعة الدلالة في أن المستأنفين قد أجازا الهبة بمقتضى عقد الصلح هذا مقابل أن يتنازل الموهوب لهما عن جزء من القدر الموهوب لهما لأن التنازل بطبيعته لا يكون إلا من صاحب حق معترف بحقه، ولا محل كذلك لما ذهب إليه المستأنفان من أن المفهوم من عقد الإيجار المؤرخ 20 يناير سنة 1957 أنه هو أيضاً يتضمن إهداراً لعقد الهبة بدعوى أنه لم يذكر في العقد أن هذا الإيجار كان تنفيذاً لعقد الهبة بل جاء فيه أنه تنفيذاً لعقد الصلح - لا محل لهذا القول لأن إشارة عقد الإيجار لعقد الصلح معناها بطريق اللزوم إشارته لعقد الهبة لأن عقد الصلح سجل في مقدمته أنه أبرم نتيجة لوجود عقد الهبة الباطل وأنه ما دام عقد الإيجار قد أشار إلى أنه جاء تنفيذاً لعقد الصلح فإن ذلك معناه أنه جاء بطريق غير مباشر تنفيذاً لعقد الهبة الباطل والتي كانت الدافع لعقد الصلح، ولما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه إذا كانت عبارات العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين، وكانت عبارات عقد الصلح التي أوردها الحكم واضحة وصريحة في أن الطاعنين ينازعان في أحقية القاصرين للأطيان الموهوبة، وكانت العبارة الواردة بعقد الصلح من أنه قد قبل الطرف الثاني - الطاعنان - أن يختص الطرف الأول - المطعون عليها بصفتها وصية على القاصرين - بما مقداره 6 ف و12 ط من القدر الوارد بهذا العقد على أن يتنازل الطرف الأول عن باقي القدر الوارد في العقد العرفي المؤرخ 2/ 2/ 1953 لا تفيد أن الطاعنين قد أجازا الهبة الباطلة عن القدر جميعه بل يستفاد منها أن الطاعنين أقرا للموهوب لهما بمساحة قدرها 6 ف و12 ط من الأطيان الموهوبة البالغة 16 ف و16 ط على أن يتنازل الموهوب لهما عن التمسك بعقد الهبة الباطلة بالنسبة لما زاد عن 6 ف و12 ط ويقسم هذا الباقي عن الطرفين طبقاً لما ورد في عقد الصلح على ما سلف البيان، وكان ما ذهب إليه الحكم من أن عقد الإيجار المؤرخ 20/ 1/ 1957 الصادر إلى الطاعن الأول عن 13 ف و16 ط من الأطيان موضوع عقد الصلح قد جاء تنفيذاً للهبة الباطلة بطريق غير مباشر هو قول سائغ ذلك أن عقد الإيجار المذكور حسبما قرر الحكم لم يشر إلى عقد الهبة وإنما أثبت فيه أنه جاء تنفيذاً لعقد الصلح وقد تمسك الطاعنان في دفاعهما بأن عقد الإيجار لم يشتمل إلا على 13 ف و16 ط منها 6 ف و12 ط وهو القدر الذي أجازه الطاعنان والباقي هو نصيب الموهوب لهما نتيجة قسمة الأطيان التي تركها المورث تنفيذاً لعقد الصلح. لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر عقدي الصلح والإيجار تنفيذاً اختيارياً للهبة الباطلة بالنسبة لجميع الأطيان الموهوبة ورتب على ذلك قضاءه برفض دعوى الطاعنين برمتها فإنه يكون قد مسخ عبارات عقدي الصلح والإيجار وانحرف بها عن معناها الظاهر بما يستوجب نقضه فيما قضى به من صحة الهبة بالنسبة لما عدا 6 ف و12 ط من الأطيان الموهوبة.