أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 8 - صـ 576

جلسة 13 من يونيه سنة 1957

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمد عبد الواحد علي، وأحمد قوشه، ومحمد متولي عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.

(64)
القضيتان رقما 246 و247 سنة 23 القضائية

( أ ) عرض وإيداع. وفاء. بيع "ثمن المبيع". شيك. قيام المشتري حال الموافقة بإيداع شيك لأمر البائع. اعتبار ذلك وفاء بالثمن مبرئاً لذمة المشتري. خطأ. المادتان 786 و792 مرافعات.
(ب) تسجيل. بيع "تزاحم المشترين". دعوى "دعوى صحة التعاقد". تسجيل المشتري لعقده بعد تسجيل صحيفة الدعوى المرفوعة من مشتر آخر لذات الأطيان. الحكم بشطب تسجيل العقد قبل التأشير فعلاً على صحيفة الدعوى المذكورة بالحكم بصحة التعاقد. خطأ.
(ج) بيع "الوعد بالبيع". عقد "تفسيره". محكمة الموضوع. سلطة محكمة الموضوع في تفسير العقد. مثال عن عقد الوعد بالبيع.
(د) فسخ. بيع "الوعد بالبيع". عقد. نقض "أسباب موضوعية". محكمة الموضوع. استخلاص المحكمة عدم اتفاق إرادة الطرفين على فسخ عقد الوعد بالبيع بناء على ما استبانته من واقعات الدعوى. طعن الوعد بالبيع بأن الموعود له عدل عن إتمام الصفقة فاعتبر هو العقد مفسوخاً. جدل في تقدير موضوعي.
(هـ) حكم "تسبيب معيب". بيع "الوعد بالبيع". شيوع. إغفال المحكمة البحث في حقيقة الأطيان المبيعة وما إذا كانت مفرزة كما هي موصوفة في عقد الوعد بالبيع أو شائعة مع غيرها على ما جاء بعريضة الدعوى المرفوعة بصحة العقد ونفاذه وإغفال التحدث عن هذا الخلاف في الحكم. قصور.
1 - مفاد نصوص المادتين 786 و792 من قانون المرافعات أنه إذا كان الدين الثابت في ذمة المدين مبلغاً من المال وأراد أن يبرئ ذمته من هذا الدين بعرضه على دائنه حال المرافعة فإنه يجب أن يكون هذا العرض نقوداً دون غيرها. فإذا كان المشتري قد أودع حال المرافعة شيكاً لأمر البائع واعتبر الحكم هذا الإيداع وفاء بالثمن مبرئاً لذمة المشتري من الدين فإنه يكون قد خالف القانون، ذلك لأن الشيك وإن كان يعتبر أداة وفاء إلا أن الالتزام المترتب في ذمة الساحب لا ينقضي بمجرد سحب الشيك بل بقيام المسحوب عليه بصرف قيمته للمستفيد.
2 - القضاء بشطب تسجيل المشتري لعقده قبل التأشير على هامش صحيفة الدعوى المرفوعة بصحة تعاقد آخر صادر عن ذات الأطيان المبيعة والمسجلة في تاريخ سابق على تاريخ التسجيل المحكوم بشطبه هو قضاء سابق لأوانه وفيه مخالفة للقانون حتى لو قضى للمشتري الآخر بصحة ونفاذ التعاقد، ذلك أن الحكم بشطب التسجيل لا يكون إلا بعد الحكم بصحة التعاقد والتأشير بذلك فعلاً على هامش صحيفة تلك الدعوى وما لم يحصل هذا التأشير لا يكون للحكم بصحة التعاقد أي حجية بالنسبة لتسجيل العقد.
3 - متى تبين أن ما ذهب إليه الحكم في صدد عقد الوعد بالبيع موضوع النزاع لا يخرج عن كونه تفسيراً لنصوص ذلك العقد استدلت عليه المحكمة من وجهته ومقصود عاقديه من ألفاظه وعباراته وما قارنه من ظروف ثم انتهت المحكمة من ذلك إلى نتيجة سائغة عقلاً تؤدي إليها مقدماتها فإن ذلك مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع التي لا رقابة لمحكمة النقض عليها.
4 - متى استخلص الحكم أن إرادة المتعاقدين لم تتفق على فسخ عقد الوعد بالبيع وكان استخلاصه لهذه النتيجة بناءً على ما استبانته المحكمة من واقعات الدعوى فإن طعن الواعد بالبيع بأن الموعود له عدل عن إتمام الصفقة وأنه لم يكن ثمت مانع بعد ذلك من أن يبيع إلى آخر إذ أنه اعتبر العقد مفسوخاً - هذا الطعن لا يخرج عن كونه مجادلة في تقدير موضوعي سائغ لمحكمة الموضوع وهو ما لا يقبل أمام محكمة النقض.
5 - متى تبين أن الحكم جرى في أسبابه على أن الأطيان المتنازع عليها محددة مفرزة كما هي موصوفة في عقد الوعد بالبيع في حين أنها وصفت في عريضة الدعوى المرفوعة بصحة ونفاذ هذا العقد بأنها شائعة في أطيان أخرى وأغفل الحكم التحدث عن هذا الخلاف ولم تبحث المحكمة في حقيقة الأطيان وما إذا كانت محددة أو شائعة مع غيرها فإن هذا الإغفال يشوب الحكم بقصور يبطله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أنه بتاريخ 19 من إبريل سنة 1941 اشترى كل من فايز عبد المسيح الطاعن - وميشيل جورجي قسطندي - المطعون عليه الثاني - بالمزاد - 63 ف و17 س محكوماً بنزع ملكيتها ضد ورثة المرحوم حنا عبد المسيح ثم اتفق المشتريان على أن يختص ميشيل قسطندي بعشرين فداناً من هذه الأطيان محددة مفرزة بثمن مقداره 155 جنيهاً للفدان الواحد وحدث بعد ذلك أن باع ميشيل أربعة أفدنة مما اختص به بمقتضى ذلك الاتفاق إلى شفيق حنين - المطعون عليه الثالث بالثمن الذي اشتراها به أي 155 جنيهاً للفدان وفي 5 من مارس سنة 1942 تحرر عقد اتفاق بين السيدة مفيدة مسعد عبد المسيح - المطعون عليها الأولى - وبين ميشيل وشفيق تعهدا بموجبه بأن يبيعا لها العشرين فداناً سالفة الذكر بسعر 160 جنيهاً للفدان إذا طلبت الشراء في خلال سنتين من تاريخ الاتفاق وفي 28 من أكتوبر سنة 1946 رفعت السيدة مفيدة الدعوى رقم 536 سنة 1946 مدني كلي المنيا على كل من ميشيل جورجي قسطندي وشفيق حنين وقالت إنها أبدت لهما رغبتهما في الشراء بتاريخ 2 من مارس سنة 1944 فأجاباها بأنها لم تدفع إليهما الثمن وعندئذ ردت عليهما في 5 من مارس سنة 1944 بأنها على استعداد لدفع الثمن إليهما نقداً إذا هما قاما بتطهير الأطيان من كل حق عيني عليها كما أنها مستعدة لإيداع هذا الثمن على ذمتهما وذمة أرباب الديون المسجلة في حالة ما إذا عجزا عن ذلك ولكنهما لم يستجيبا إلى طلبها وأخذا في مماطلتها مما اضطرها إلى رفع الدعوى عليهما طالبة الحكم بإثبات صحة التعاقد الحاصل بينها وبينهما في 5 من مارس سنة 1942 وادعت أنها أودعت الثمن ومقداره 3200 جنيه خزينة المحكمة على ذمتهما وقيدت صرفه إليهما بشرط أن يقدما ما يدل على قيامهما بتطهير الأطيان من الحقوق العينية وبشرط قيامهما بتحرير عقد البيع النهائي لها، وفي أثناء سير الدعوى اختصمت السيدة مفيدة أخاها فايز عبد المسيح وقالت إنه اشترى الأطيان ذاتها بعقد بيع مؤرخ في 14 من مارس سنة 1946 وسجل في 27 من ديسمبر سنة 1946 على الرغم من علمه بالاتفاق الذي تم بينها وبين البائعين له والمؤرخ 5 من مارس سنة 1942 وبما اتخذته ضدهما من إجراءات إذ أن عريضة دعواها مسجلة في 31 من أكتوبر سنة 1946 أي قبل تسجيل عقد شرائه منهما، وانتهت من ذلك إلى طلب الحكم لها بطلباتها التي سلف ذكرها, وبشطب التسجيل الحاصل لصالح الطاعن لسبق تاريخ تسجيل عريضة دعواها على تاريخ تسجيل عقده، دفع ميشيل وشفيق الدعوى بأن السيدة مفيدة لم تكن جادة في الشراء وأنها قصرت في دفع الثمن إليهما إذ عرضته عليهما لأول مرة في جلسة 19 من نوفمبر سنة 1946 بشيك على بنك مصر وهو عرض غير مبرئ للذمة هذا فضلاً عن أنه لا حق لها في المطالبة بأخذ الأطيان بالذات وذلك لأن عقد الاتفاق المحرر بينها وبينهما صريح في أن لهما الخيار بين أن يبيعا لها أو أن يبيعا لغيرها في مقابل أن يدفعا لها مبلغ 800 ج وكل ما لها بمقتضى ذلك الاتفاق هو أن تطالب بهذا المبلغ إذا ما ثبت لها الحق في المطالبة به، وفي 24 من نوفمبر سنة 1948 قضى برفض الدعوى، فاستأنفت السيدة مفيدة هذا الحكم وقيد استئنافها برقم 689 سنة 66 ق استئناف القاهرة. وفي 14 من إبريل سنة 1953 قضى بإلغاء الحكم المستأنف وبصحة عقد 5 من مارس سنة 1942 وبتحوله إلى عقد بيع تام بإبداء الرغبة في الشراء الحاصلة في 2 من مارس سنة 1944... مع شطب تسجيل عقد البيع الصادر عن هذه الأطيان للمستأنف عليه الثالث فايز مسعد عبد المسيح، فطعن في هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنه برقم 246 سنة 23 ق، كما طعن فيه كل من ميشيل جورجي قسطندي وشفيق حنين وقيد طعنها برقم 247 سنة 23 ق، وعرض الطعنان على دائرة فحص الطعون فقررت إحالتهما على هذه الدائرة لنظرهما بجلسة 16 من مايو سنة 1957 وفي هذه الجلسة قررت المحكمة ضم الطعن رقم 246 سنة 23 ق إلى الطعن رقم 247 سنة 23 ق وللارتباط وصممت النيابة على ما جاء بمذكرتها المقدمة في كل منها طالبة نقض الحكم المطعون فيه.
وحيث إن كلا الطعنين أقيم على أربعة أسباب اتفق السبب الثالث في كل منهما في النعي على الحكم المطعون فيه خطأه في تكييف عقد الوعد بالبيع المؤرخ 5 من مارس سنة 1942 والمحرر بين كل من ميشيل جورجي قسطندي وشفيق حنين - الطاعنين - في الطعن الثاني 247 سنة 23 ق - من جهة والسيد مفيدة عبد المسيح - المطعون عليها في كلا الطعنين - من جهة أخرى ويقول الطاعنون في بيان ذلك إن الخلاف قام بين الواعدين بالبيع وبينها على ماهية عقد الوعد بالبيع فبينما يقول الواعد إن عبارات هذا العقد ونصوصه تدل على أنه اتفاق بدلي يحق لهما بمقتضاه أن يختارا بين البيع لها أو البيع لغيرها على أن يقوما في هذه الحالة الأخيرة بدفع التعويض المنصوص عليه في العقد ومقداره ثمانية جنيه إذا توافرت لها شروط استحقاقه بينما يقول الواعدان بذلك إذا بالمطعون عليها تنكر عليهما حقهما هذا وتقول إن العقد لا يتضمن غير التزامهما ببيع الأطيان موضوع التعاقد إذا ما أظهرت لهما رغبتهما في شرائها في خلال المدة المتفق عليها بينها وبينهما وأن التعويض المنصوص عليه في العقد هو شرط جزائي يلتزمان بدفعه لها جزاء إخلالهما بما التزما به وهو لا يحول دون حقها في المطالبة بتنفيذ ذلك الالتزام، وقد أخذ الحكم المطعون فيه بقولها هذا ووجه الخطأ في ذلك أن صياغة العقد يفهم منها بغير شك أن استحقاق المطعون عليها لمبلغ الثمانمائة جنيه منوط بتحقق أحد أمرين هما سواسية في الحكم والنتيجة أولهما أن يمتنع الواعدان عن البيع للموعود لها بعد إبداء رغبتها في الشراء، والآخر أن يبيعا لغيرها وقد اختارا البيع لفايز عبد المسيح الطاعن في الطعن الأول - وبذلك أصبح تنفيذ الوعد بالبيع لها مستحيلاً لأن المشتري قد تملك ما اشتراه فلا يبقى لها بعد ذلك إلا المطالبة بالمبالغ المتفق عليه إن ثبت حقها في ذلك، ويستطرد الطاعنون من ذلك إلى القول إن للواعد بالبيع أن يفسخ التزامه ويجعله مستحيل التنفيذ على خطره وتحت مسئوليته في مقابل تضمين الموعود له، ومن ثم يكون قول الحكم المطعون فيه إن العقد قد تضمن التزاماً مقروناً بشرط جزائي وأنه ليس التزاماً بدلياً ينطوي على خطأ في تكييف ذلك العقد.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه في هذا الصدد على قوله، "وحيث إن الالتزام الذي ارتبط به المستأنف عليهما الأولان في عقد 5 من مارس سنة 1942 بالوعد بالبيع للمستأنفة قد صيغت عبارته كما يأتي: يتعهد الطرف الأول ميشيل وشفيق بأن يبيع للطرف الثاني العشرين فداناً المحددة بالحدود المذكورة آنفاً إذا طلب الطرف الثاني ذلك في بحر سنتين من تاريخ هذا الاتفاق على أن يكون ثمن الفدان الواحد 160 ج أما بعد السنتين المذكورتين فلا يكون للطرف الثاني الحق في طلب شراء هذه الأطيان وفي حالة امتناع الأول عن البيع للطرف الثاني بالثمن المذكور في بحر المدة المعينة أو في حالة بيع الطرف الأول لهذه الأطيان للغير في بحر المدة المذكورة فيكون الطرف الأول ملزماً بدفع مبلغ 800 ج للطرف الثاني بصفة تعويض، وحيث إنه ظاهر من عبارات العقد المتقدم أن الفقرة الأولى تتضمن التزاماً بالوعد بالبيع من جانب واحد ارتبط به المستأنف عليهما الأولان قبل المستأنفة أن يبيعا لها العشرين فداناً... إذا طلبت منهما الشراء في خلال سنتين من تاريخ العقد، أما الفقرة الثانية فتتضمن أحوال مخالفة هذا التعهد وحكم الجزاء على هذه المخالفة بعبارات تدل على أن مبلغ الـ 800 ج التي يكون الطرف الأول ملزماً بدفعها هي شرط جزائي للإخلال بالتعهد بدليل وصفها بأنها تعويض... وهي بوصف كونها تعويضاً لا تحول دون تمسك المتعهد لها بنفاذ التعهد عيناً وجبراً ما دام ذلك ممكناً طبقاً للقواعد العامة وهي بهذا الوصف لا يمكن أن تكون بديلاً عن الالتزام لأن سياق العبارة لا يدل على هذا البدل بل هو يتنافى مع هذه الفكرة بوصف المبلغ تعويضاً...... فضلاً عن أن دفع هذا المبلغ صيغ بصيغة الالتزام فيكون الطرف الأول ملزماً بدفع مبلغ الـ 800 ج أي أن من حق المتعهد لها مطالبتهما بهذا المبلغ وليس من حقها أن يعرضاه، وإلا لتغيرت العبارة إلى ما يدل على أنه يجوز لهما دفع هذا المبلغ أما وعبارة العقد لا تفيد الإباحة والجواز مع وصف المبلغ بالتعويض فإن المدلول الظاهر للعقد ينصرف إلى أنه المقصود وهو وضع شرط جزائي بتعويض متفق عليه حالة الإخلال بالوعد بالبيع ولا يمكن الخروج عن هذا المعنى إلى غيره بغير ألفاظ تدل على الالتزام البدلي المزعوم"، ثم أخذ الحكم بعد ذلك في تأكيد هذا المعنى وأن المتعاقدين لم يقصدوا أي معنى آخر وأخذ يعدد المبررات التي استند إليها في تفسير عقد الاتفاق على هذا الوجه فقال: "إن الظروف التي تم فيها التعاقد تؤكد هذا المعنى وتدل على أن قصد المتعاقدين انصرف إلى تحقيق رد الأطيان الراسي مزادها على المستأنف عليهما الأولين إلى المستأنفة وهي زوجة أحد ورثة المدين المنزوعة ملكيته وهو الهدف الذي ترمي إليه المستأنفة من وراء الحصول على تعهدهما بالبيع لها.. الأمر الذي يدل على أن هذا الالتزام مقصود لذاته ولا ترضى عنه بديلاً من النقود إذ لم يكن الأمر مضاربة ولا اتجاراً ببيع وشراء الأطيان بل سعياً حثيثاً لإنقاذ أطيان أسرة زوجها المنزوع ملكيتها ويحقق هذا القصد الإقرار المأخوذ على المستأنف عليه الثالث - مشتري الأطيان - شقيق المستأنفة في يوم 20 إبريل سنة 1941 أي في صبيحة اليوم التالي لمرسى المزاد عليه وعلى المستأنف عليهما الأولين يتعهد فيه ببيع القدر الذي رسا مزاده عليه إلى ورثة المرحوم حنا عبد المسيح بنفس الثمن الراسي به المزاد عليه".
وحيث إنه يبين من ذلك أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه في صدد العقد موضوع النزاع لا يخرج عن كونه تفسيراً لنصوص ذلك العقد استدلت عليه المحكمة من وجهته ومقصود عاقديه من ألفاظه وعباراته وما قارنه من ظروف ثم انتهت المحكمة من ذلك إلى النتيجة التي انتهت إليها وهي نتيجة سائغة عقلاً تؤدي إليها مقدماتها مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع التي لا رقابة لهذه المحكمة عليها مما يتعين معه رفض هذا الوجه من أوجه الطعن.
وحيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه بالسببين الرابع من الطعن الأول والثاني من الطعن الثاني قصوراً في التسبيب وخطأ في الاستدلال ومخالفة للقانون، من وجهين حاصل أولهما أنه على الرغم من اعتراف الحكم بتقصير المطعون عليها في دفع الثمن فإنه قد استبعد دفاع الواعدين بالبيع المتضمن أن الموعود لها كانت عدلت عن إتمام الصفقة وأنها لم تكن محقه في حبس ثمن الأطيان عنهما إذا كانا قد طهراها من الحقوق العينية التي عليها وأنه لم يكن ثمة مانع بعد ذلك من أن يبيعا الأطيان إلى فائز عبد المسيح إذ أنهما اعتبرا العقد مفسوخاً، استبعد الحكم هذا الدفاع بمقولة إن سكوت الموعود لها بالبيع من 5 مارس سنة 1944 حتى 27 من أكتوبر سنة 1946 تاريخ رفع الدعوى وقعودها عن دفع الثمن طوال هذه المدة ليس في ذاته دليلاً على عدولها ولا على التفاسخ وأغفل التحدث عن باقي دفاعهما كما التفت عن مستنداتهما التي قدماها تدعيماً لهذا الدفاع وللتدليل على أن المطعون عليها لم تكن محقة في حبس الثمن واقتصر الحكم على القول إن سكوت المطعون عليها لا يدل على عدولها بل يدل على أنها كانت تتربص للمطالبة بالحق، وأخيراً رفضت المحكمة الاستجابة إلى طلبهما السماح لهما بتقديم شهادة تدل على قيامهما بتطهير الأطيان من الحقوق العينية ليصلا بذلك إلى إسقاط حجتها التي تحتج بها تبريراً لعدم دفعها الثمن واقتصرت المحكمة في الرد على هذا الطلب بأنه غير مجد وفي ذلك كله من القصور ومخالفة القانون ما فيه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه في صدد ذلك على قوله "وحيث إن تقصير المستأنفة (المطعون عليها الأولى) في أداء الثمن واضح... إلا أن هذا التقصير من جانبها لم يكن يبيح للمستأنف عليهما الواعدين بالبيع الانفراد بفسخ عقد البيع من جانبهما والتصرف في الأطيان المبيعة لها ببيعها للمستأنف عليه الثالث بناء على هذا الفسخ الانفرادي وبغير الحصول على حكم بذلك من القضاء لأن فسخ العقد من جانب واحد عند حصول تقصير من الجانب الآخر لا يصح أن يتم إلا إذا كان مشروطاً بنص صريح في العقد باعتباره مفسوخاً من تلقاء نفسه وما دام لا يوجد مثل هذا الشرط في العقد فلا يصح وقوع الفسخ إلا بحكم وكان يتعين على المستأنف عليهما الأولين أن يلجآ في ذلك إلى القضاء وكان يحق للمستأنفة في حالة اتخاذهما هذا الإجراء أن تتقي الفسخ بدفع الثمن... وحيث إن الذي حصل في هذه الدعوى هو أن المستأنف عليهما الأولين لم يطلبا استصدار حكم فسخ التعاقد قبل إقدامهما على البيع للمستأنف عليه الثالث وقالا في تعليل هذا التصرف إن سكوت المستأنفة أكثر من سنتين ونصف من وقت إبداء رغبتها دون دفع الثمن دليل على عدم جدية رغبتها في الشراء وعلى عدولها عنه. وحيث إنه وإن كان من الجائز أن يقع التفاسخ عن طريق الاتفاق الضمني بين المتعاقدين إلا أن ذلك لابد أن يظهر جلياً من وقائع الدعوى وظروفها بحيث يتضح منها إرادة المتعاقدين في الفسخ.... إلا أن واقعات هذه الدعوى لا تدل على توافق الطرفين على التفاسخ أما مجرد السكوت فلا يكفي للإنابة عن هذا القصد..." ثم أخذ الحكم بعد ذلك في تعداد القرائن التي استخلص منها هذه النتيجة، ويتضح من ذلك أن الحكم قد استخلص أن إدارة المتعاقدين لم تتفق على الفسخ وكان استخلاصه لهذه النتيجة بناء على ما استبانته المحكمة من واقعات الدعوى وطعن الطاعنين بعد لا يخرج عن كونه مجادلة في تقدير موضوعي سائغ لمحكمة الموضوع وهو ما لا يقبل أمام هذه المحكمة، هذا إلى أن محكمة الموضوع ليست ملزمة بعد بتعقب دفاع الخصوم في كل ما يدلون به من حجج أو مستندات والرد على كل منها استقلالاً وحسبها أنها أقامت حكمها على أسباب تكفي لحمله ويستقيم بها قضاؤها إذ يكون في ذلك الرد الضمني على ما لم ترد به استقلالاً على كل حجة أو دليل ومن ثم يكون النعي على الحكم بهذين السببين في غير محله متعيناً رفضه كذلك.
وحيث إن حاصل السبب الأول من الطعن هو أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون إذ قضى بشطب تسجيل الطاعن عقد شرائه للأطيان موضوع النزاع استناداً إلى قوله إن هذا الشراء لا يحول دون الحكم بصحة ونفاذ تعاقد المطعون عليها من البائعين له لأن الحكم الصادر لها بصحة ونفاذ تعاقدها يكون حجة على الطاعن إذ أنه لم يسجل عقده إلا بعد أن سجلت المطعون عليها صحيفة دعواها بصحة التعاقد، ووجه الخطأ في ذلك أن الحكم بشطب التسجيل
لا يكفي فيه مجرد الحكم بصحة ونفاذ عقد المطعون عليها أو تسجيل صحيفة دعواها قبل أن يسجل هو عقد شرائه.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أن الحكم بشطب التسجيل لا يكون إلا بعد الحكم بصحة التعاقد والتأشير بذلك على هامش صحيفة الدعوى المسجلة في تاريخ سابق على تاريخ التسجيل المحكوم بشطبه وما لم يحصل هذا التأشير لا يكون للحكم بصحة التعاقد أي حجية بالنسبة لتسجيل العقد فالقضاء بشطب تسجيل الطاعن لعقده قبل حصول هذا التأشير فعلاً هو قضاء سابق لأوانه وفيه مخالفة للقانون حتى لو قضى للمطعون عليها بصحة ونفاذ التعاقد.
وحيث إن الطاعنين ينعون على الحكم كذلك بالسبب الثاني من الطعن الأول والسبب الرابع من الطعن الثاني أنه قد شابه ما يبطله إذ تناقضت أسبابه مع منطوقه ويقولون في بيان ذلك إن الأطيان موضوع النزاع محددة مفرزة وقد تحدث عنها الحكم باعتبارها كذلك ولكنه أشار إليها في المنطوق بأن أحال وصفها على ما وصفت به في صحيفة الدعوى وهي موصوفة في تلك الصحيفة بأنها عشرون فداناً شائعة في ثلاثة وثلاثين فداناً، وفي ذلك ما يعيب الحكم ويبطله.
وحيث إن هذا الذي يعيبه الطاعنون على الحكم صحيح إذ تبين من الاطلاع عليه أنه جرى في أسبابه على أن العشرين فداناً المتنازع عليها بين الطاعنين والمطعون عليها محددة مفرزة كما هي موصوفة في عقد الوعد بالبيع في حين أنها وصفت في عريضة الدعوى المرفوعة بصحة ونفاذ هذا العقد بأنها شائعة في أطيان أخرى وقد أغفل الحكم التحدث عن هذا الخلاف ولم تبحث المحكمة في حقيقة الأطيان وما إذا كانت محددة أو شائعة مع غيرها وهذا الإغفال يشوب الحكم بقصور يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إن الطاعنين في الطعن الثاني - الواعدين بالبيع يأخذان على الحكم كذلك مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه إذ أقام قضاءه على أن المطعون عليها الأولى قد أوفت بالتزامها بدفع الثمن إذ أودعت بجلسة 3 من فبراير سنة 1953 شيكاً مسحوباً لأمر ميشيل جورجي قسطندي - أحد الواعدين بالبيع بمبلغ 3200 ج وبهذا الوفاء تكون محقة في طلب الحكم بصحة ونفاذ التعاقد ووجه الخطأ في ذلك هو أن المدين بمبلغ من المال لا تبرأ ذمته من الدين بعرض شيك بقيمته بل يوجب القانون أن يكون العرض نقوداً، وقد خالف الحكم القانون من ناحية أخرى وهي اعتداده بشيك محرر لاسم أحد الدائنين دون الدائن الآخر شفيق حنين، وفضلاً عن هذا وذاك فإن ذلك الشيك لا قيمة له من ناحية القانون التجاري إذ كان قد مضى عليه عند عرضه مدة تربو على سنتين.
وحيث إن الحكم أقام قضاءه في صدد ما ينعاه الطاعنان بهذا السبب على قوله "وحيث إنه وقد تبين أن الاتفاق الذي انعقد بين المستأنفة والمستأنف عليهما الأول والثاني ببيع العشرين فداناً لم يفسخ رضاء ولا قضاء فإنه يكون قائماً قانوناً ويجوز للمستأنفة أن تطلب بهذه الدعوى الحكم بصحته ونفاذه وقد وفت أخيراً بدفع الثمن بشيك لأمر المستأنف عليه الأول على بنك مصر فرع ملوى بمبلغ 3200 جنيه مؤرخ 9 إبريل سنة 1951 وأودع ملف الدعوى بجلسة 3 فبراير سنة 1953 وقيمته هي من حق المستأنف عليهما الأولين بنسبة حصة كل منهما في البيع"، ومقتضى هذا الذي قال به الحكم وأقام قضاءه عليه أنه اعتبر إيداع الشيك وفاء بالثمن مبرئاً لذمة المطعون عليها من الدين وفي ذلك مخالفة للقانون إذ تنص المادة 786 من قانون المرافعات على أن للمدين إذا أراد تبرئة ذمته مما هو مقر به نقداً كان أو غيره أن يعرضه فعلياً على دائنه على يد محضر، ثم نصت المادة 792 على أنه "يجوز العرض الفعلي حال المرافعة أمام المحكمة بدون إجراءات أخرى كان من يوجه إليه العرض حاضراً وتسلم النقود المعروضة عند عرضها لكاتب الجلسة لإيداعها خزينة المحكمة ويذكر في محضر الإيداع ما أثبت في محضر الجلسة" ومفاد هذه النصوص أنه إذا كان الدين الثابت في ذمة المدين مبلغاً من المال وأراد أن يبرئ ذمته من هذا الدين بعرضه على دائنه حال المرافعة فإنه يجب أن يكون هذا العرض نقوداً دون غيرها، ومن ثم يكون الحكم قد خالف إذ اعتبر إيداع المطعون عليها للشيك إيداعاً مبرئاً لذمتها ذلك لأن الشيك وإن كان يعتبر أداة وفاء إلا أن الالتزام المترتب في ذمة الساحب لا ينقضي بمجرد سحب الشيك بل بقيام المسحوب عليه بصرف قيمته للمستفيد.