أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 8 - صـ 733

جلسة 24 من أكتوبر سنة 1957

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمود عياد، ومحمد متولي عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف، ومحمد زعفراني سالم المستشارين.

(78)
طعن رقم 60 سنة 23 القضائية

( أ ) تسعير جبري. استيلاء. قانون. صدور أمر استيلاء على بضاعة مسعرة تسعيرة جبرية. وجوب تقدير قيمتها على حسب التسعير الجبري ولو كان صاحبها يمتهن مهنة التوريد للسفن. خضوع هذا التصرف للقانون المصري. الأمر العسكري 366 سنة 1943.
(ب) تسعير جبري. القول بأن التسعير الجبري خاص بالبيوع المحلية ولا يسري على مورد للسفن. لا محل له.
(ج) نقض "أسباب جديدة". تسعير جبري. قانون "رجعية القوانين". قيام الدعوى على مجرد تقدير ثمن بضاعة تم الاستيلاء عليها. التحدي لأول مرة أمام محكمة النقض بأن الحكم طبق السعر الجبري بأثر رجعي. غير مقبول.
(د) قوة الأمر المقضي "حجية الأحكام الجنائية". تسعير جبري. استيلاء. القضاء ببراءة متهم من تهمة حبس خمور عن التداول بقصد التلاعب في الأسعار. انعدام حجية هذا الحكم في تحديد الثمن والتزام صاحبها ببيعها بالسعر الجبري.
(هـ) فوائد. تعويض. رفع الدعوى بطلب تعويض عن بضاعة حصل الاستيلاء عليها وبفوائد التعويض. جواز إدماج المبلغين دون تفصيل والقضاء بهما جملة.
(و) نقض "إيداع الأوراق والمستندات". جواز قيام الطاعن في الميعاد بإيداع صورة معلنة من الحكم المطعون فيه وصورة تنفيذية من الحكم الابتدائي ثم العودة إلى سحبهما بعد الميعاد وإيداع صورة طبق الأصل لكل منهما. مثال.
1 - إذا صدر أمر الاستيلاء على بضاعة مسعرة تسعيرة جبرية وجب تقدير قيمتها على حسب التسعير الجبري حتى لو كان من حصل الاستيلاء على بضائعه يمتهن مهنة التوريد للسفن ذلك لأن الواقعة لا تقوم على تقدير ثمن بيع تم على ظهر سفينة راسية في المياه الإقليمية مما لا محل معه للخوض في بحث ما إذا كان عقد البيع في هذه الحالة يخضع لقانون المحل أو لقانون علم السفينة. وإنما تقوم على تصرف لا جدال في أنه وقع في الأراضي المصرية وهو الاستيلاء، وهذا التصرف يحكمه القانون المصري الذي حدد سعراً جبرياً لنوع البضاعة المذكورة دون ما نظر لأي اعتبار آخر مثل ثمن الشراء أو احتمال بيع البضاعة خارج الأراضي المصرية.
2 - لا محل للقول بأن التسعير الجبري خاص بالبيوع المحلية وأنه لا يسري على صاحب البضاعة إذا كان مورداً للسفن وغير مجبر على البيع في السوق المحلية.
3 - متى كانت الواقعة محل الدعوى مجرد تقدير ثمن بضاعة تم الاستيلاء عليها وليست جريمة جنائية مطلوباً عقاب صاحب البضاعة عنها فلا يقبل التحدي لأول مرة أمام محكمة النقض بأن الحكم إذ قدر ثمنها قد طبق السعر الجبري بأثر رجعي لأن هذا النعي لا يعدو أن يكون دفاعاً جديداً متى كان لم يسبق عرضه على محكمة الموضوع.
4 - إذا قضي ببراءة متهم من تهمة حبس خمور عن التداول بقصد التلاعب في الأسعار فإنه لا تلازم بين هذا الحكم وبين عدم التزام المتهم ببيعها بالسعر الجبري لاختلاف الموضوع في كل من الواقعتين ولأن تحديد ثمن شراء هذا النوع من السلع أمر مقرر بنص الشارع ولا يفيد الحكم الصادر بالبراءة تحلل صاحب الخمور من التزام البيع بالسعر القانوني مما ينتفي معه التحدي بحجية هذا الحكم في شأن تحديد ثمن الخمور إذا تم الاستيلاء عليها وبيعها بعد صدوره.
5 - متى كانت الدعوى قد رفعت بطلب التعويض عن بضاعة حصل الاستيلاء عليها وبفوائد مبلغ التعويض وتبين من أسباب الحكم أن محكمة الموضوع قدرت التعويض الذي يستحقه صاحب البضاعة بسبب ما ضاع عليه من كسب وما لحق به من خسارة كما قدرت الفوائد عن الثمن والتعويض وأدمجت المبلغين دون تفصيل ثم قضت بهما جملة فإنه لا يكون هناك محل للنعي بأن المحكمة لم تحكم له بالفوائد عن التعويض.
6 - إذا كان الطاعن قد أودع في الميعاد المحدد لإيداع الأوراق صورة معلنة من الحكم المطعون فيه وصورة تنفيذية من الحكم ثم عاد فتسلمهما بعد الميعاد حيث أودع بدلاً من كل منهما صورة طبق الأصل وتبين من إشارة قلم الكتاب على محضر الإيداع أنه راجع صورتي الحكمين المقدمتين في الميعاد ووصفهما بأن إحداهما صورة تنفيذية من الحكم الابتدائي والأخرى صورة الحكم المطعون فيه المعلنة، كما تبين أن المطعون عليه من ناحيته في رده على دفاع الطاعن بدءاً وتعقيباً عند تحضير الطعن بقلم الكتاب لم يطعن على الصورتين المودعتين في الميعاد بأي مطعن ينال من صحتهما ولم يثر أي اعتراض عليهما الأمر الذي يستفاد منه صحة هاتين الصورتين ومطابقتهما للأصل - فإن إيداع الطاعن صورتين طبق الأصل بدلهما بعد الميعاد ينسحب أثره إلى وقت تقديم الصورتين المسحوبتين ولا يكون هناك محل للدفع بعد قبول الطعن شكلاً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون عليهم الدعوى رقم 1016 سنة 1948 مدني كلي القاهرة بصحيفة معلنة في 6/ 9/ 1948 وطلب الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ 1765 جنيهاً، 920 مليماً والفوائد بواقع 5% من تاريخ صدور الحكم ببراءته في 16/ 9/ 1943 إلى كامل الوفاء من تجميدها سنوياً والمصاريف والأتعاب وشمول الحكم بالنفاذ وأورد الطاعن في هذه الصحيفة بياناً لدعواه إنه في 21/ 5/ 1943 ضبط بمخزنه بمدينة بور سعيد ثمانون صندوقاً من الويسكي وأقيمت عليه الدعوى الجنائية رقم 1058 سنة 1943 جنح بور سعيد العسكرية بتهمة حبسه الخمور المضبوطة عن التداول بقصد التلاعب في الأسعار طبقاً للأمر العسكري 173 - وقد قضي ببراءته في 16/ 9/ 1943 لما ثبت للمحكمة من أنه متعهد توريد أغذية للسفن وأنه لا يعرض الخمور لبيعها للجمهور ولم يمنع بيعها لأي طالب ولم يحبسها عن التداول وأنه على فرض أنه يحبسها فإنه لم يثبت أنه حبسها بقصد التأثير في الأسعار. وأنه بعد صدور الحكم بالبراءة أصدر الحاكم العسكري لمنطقة القنال قراراً بالاستيلاء على الخمور المضبوطة وحددها بستين صندوقاً ونص في الأمر على أن تقدير الثمن يكون بواسطة لجنة التقدير المشكلة بالمحافظة وفقاً للأمر العسكري رقم 48 الصادر في 9/ 6/ 1940 - غير أن منفذ الأمر باع في 20/ 9/ 1943 الثمانين صندوقاً جميعها بواقع 12 جنيه (اثني عشر جنيهاً) للصندوق وفقاً للسعر المحدد في الجدول الملحق بالأمر العسكري رقم 366 وأودع بخزانة النيابة والمحافظة متحصل الثمن وقدره 959 جنيهاً لأن أحد الصناديق ينقص زجاجة كان الطاعن قد عرضها من قبل الضبط كعينة من أن مقدار الثمن الذي اشترى به الويسكي بمقتضى فواتير تحت يده مبلغ 1471 جنيهاً، 600 مليماً بواقع ثمن الصندوق 18 جنيهاً، 395 مليماً يضاف إلى هذا الثمن 20% مقابل أرباحه أي مبلغ 294 جنيهاً، 320 مليماً.
ودفع المطعون عليهم أمام محكمة أول درجة بعدم جواز نظر الدعوى استناداً إلى المادة الأولى من المرسوم بقانون 114 لسنة 1945 - فأصدرت المحكمة حكمها في 31 من مايو سنة 1951 برفض الدفع وبإلزام وزارة التجارة والصناعة بأن تدفع للطاعن مبلغ 1259 جنيهاً والمصروفات المناسبة ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة وشملت الحكم بالنفاذ بالنسبة لمبلغ 959 جنيهاً ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. فيكون من المبلغ المحكوم به 959 جنيهاً ثمن الخمور المستولى عليها طبقاً للسعر الجبري ومبلغ 300 جنيه قضى بها على سبيل التعويض.
استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة طالباً تعديله والقضاء له بطلباته الأصلية، وقيد استئنافه برقم 843 سنة 68 ق - كما استأنفته وزارة التجارة والصناعة بالنسبة لمبلغ التعويض المقضى به وقيد استئنافياً برقم 846 سنة 68 ق، وضم الاستئنافان لبعضهما وقضت فيهما محكمة استئناف القاهرة في 20 من يناير سنة 1953 بقبولهما شكلاً وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف وألزمت كلاً من المستأنفين بمصاريف استئنافه وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة. وفي 4 من مارس سنة 1953 قرر محامي الطاعن الطعن في هذا الحكم بطريق النقض - وبعد أن قدم الطاعن والمطعون عليهم دفاعهم بدءاً وتعقيباً وأودعت النيابة مذكرتها عرض الطعن على دائرة فحص الطعون وصممت النيابة على ما جاء بمذكرتها وطلبت رفض الطعن. وقررت الدائرة بجلسة 15 من مايو سنة 1957 إحالة الطعن على الدائرة المدنية لجلسة 10 من أكتوبر سنة 1957 وفيها أصر الطاعن على طلباته بعد أن أضاف سبباً جديداً هو مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون إذ طبق السعر الجبري على الخمور المضبوطة بأثر رجعي. ودفع الدفاع عن المطعون عليهم أصلياً بعدم قبول الطعن شكلاً واحتياطياً رفضه موضوعاً. وصممت النيابة على طلباتها الواردة بمذكرتها.
ومن حيث إن النيابة لاحظت في مذكرتها أن الطاعن قرر الطعن في 4/ 3/ 1953 وأشر على حافظة 4 ملف بأنه أودع في 19/ 3/ 1953 صورة معلنة من الحكم المطعون فيه وصورة تنفيذية من الحكم الابتدائي كما أشر على نفس الحافظة بأن الطاعن سحب هاتين الصورتين وسلم لقلم الكتاب بدلاً منهما في 26/ 5/ 1953 صورتين رسميتين أخريين وأرفقت هاتان الصورتان بالأوراق بالمستندين 7، 10 ملف الطعن. وأنه وإن كان الطاعن قد أودع صورتين طبق الأصل بدلاً من الصورتين المسحوبتين إلا أن السحب والإيداع حدثا في 26/ 5/ 1953 فجاء هذا الإيداع الأخير بعد الميعاد المحدد قانوناً ولا يمكن اعتبار يوم إيداع الصورتين البدل هو يوم إيداع الصورتين المستبدلتين اللتين استلمهما الطاعن - وأنه لا مناص والحالة هذه من إعادة الصورتين المسحوبتين للوقوف على صحة الإجراء فيهما بالتحقق من إيداع الصور اللازمة في القانون من الحكم المطعون فيه ومن الحكم الابتدائي الذي أحال إليه في أسبابه ومن إتمام هذا الإيداع في ميعاده القانوني.
ومن حيث إنه يبين من كتاب محامي الطاعن للمحامي العام المؤرخ في 4/ 10/ 1956 أنه سحب الصورتين السابق تقديمهما منه في الميعاد وهما الصورة التنفيذية من الحكم الابتدائي والصورة المعلنة في الحكم الاستئنافي لتقديمهما عند إجراء صرف المبالغ المحكوم بها لصالح موكله من وزارة التموين وأن هذه الوزارة امتنعت عن ردهما إليه بحجة أنهما مودعتان ضمن مستندات الصرف - وقد تأيد ما ورد بكتاب محامي الطاعن بما جاء بكتاب مراقب الشئون القانونية بوزارة التموين المؤرخ في 3/ 10/ 1957 والمودع ملف الطعن والمتضمن أن الصورة التنفيذية من الحكم الابتدائي وصورة الحكم الاستئنافي المعلنة مودعتان بديوان المحاسبة حيث أرفقت بمستندات الصرف.
ومن حيث إنه واضح من إشارة قلم الكتاب على محضر إيداع أوراق الطاعن 4 ملف الطعن المؤرخ في 19 من مارس سنة 1953 أنه راجع صورتي الحكمين المقدمتين من الطاعن في الميعاد ووصفهما بأن إحداهما صورة تنفيذية من الحكم الابتدائي والأخرى صورة الحكم المطعون فيه المعلنة وأنهما سلمتا للطاعن في 26/ 5/ 1953 حيث أودع بدلاً من كل منهما صورة طبق الأصل، ولما كان المطعون عليهم من ناحيتهم في ردهم على دفاع الطاعن بدءاً وتعقيباً عند تحضير الطعن بقلم الكتاب لم يطعنوا على الصورتين المودعتين في الميعاد بأي مطعن ينال من صحتهما ولم يثيروا أي اعتراض عليهما الأمر الذي يستفاد منه صحة هاتين الصورتين ومطابقتهما للأصل لما كان ذلك كان إيداع الطاعن الصورتين طبق الأصل بدلهما إيداعاً ينسحب أثره إلى وقت تقديم الصورتين المسحوبتين. ومن ثم يكون الدفع بعدم قبول الطعن في غير محله ويتعين رفضه.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الطعن بني على سببين أولهما مخالفة القانون من وجهين، والثاني مخالفة ما هو ثابت بالأوراق.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه في الوجه الأول من السبب الأول أنه إذ احتسب سعر الويسكي المضبوط وفقاً للأمر العسكري رقم 366 استناداً إلى القول بأن هذا الأمر لم يفرق بين الأسعار المحددة للبيع محلياً وبين الأسعار التي يجوز أن تباع بها تلك المشروبات خارج البلاد وأن محاولة الدفاع عن الطاعن جعل التسعير الجبري خاصاً بالبيوع المحلية هو تخصيص بغير مخصص - إذ أقام الحكم المطعون فيه قضاءه على ذلك قد أخطأ في تطبيق القانون من ناحية نصوصه ومن ناحية حجية الشيء المحكوم فيه - أما من ناحية نصوص القانون فلأن الأوامر العسكرية صريحة في أنها إنما وضعت لحماية تموين السوق المحلي وشرط العقاب أن يرفض التأجير البيع في السوق المحلي إذا كان مجبراً على ذلك - والطاعن ومهنته مورد للسفن غير مجبر على هذا البيع وأما من ناحية حجية الشيء المحكوم فيه فقد برئ الطاعن من تهمة حبس الخمور المضبوطة عن التداول وكان مبنى حكم البراءة أنه غير مكلف بأن يعرض بضاعته على الجمهور في محال مفتوحة. فليس للمحكمة المدنية بعد هذا الحكم أن تقيده بالسعر الجبري الأمر الذي يتنافى مع حجية الأمر المقضى فيه بالحكم الجنائي لأن التلازم واضح بين تهمة الحبس عن التداول وبين تهمة تجاوز السعر الجبري ولا قيام للثانية إلا بقيام الأولى فإذا انتفت إحداهما انتفت الثانية بطريق اللزوم.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة الحكم الاستئنافي المطعون فيه أنه إذ قدر ثمن الخمور المضبوطة على أساس السعر الجبري استند إلى ما قرره من أن الأمر رقم 366 الصادر في 10 من فبراير سنة 1943 قد نص في المادة الأولى منه على إنشاء لجنة لتحديد أقصى أسعار الجملة للمشروبات الروحية - وثابت من الاطلاع على جدول الأسعار الصادر بتاريخ 17/ 4/ 1943 أنه حدد 12 جنيهاً للصندوق الذي يحتوي على اثني عشرة زجاجة وهذا الثمن هو الذي قدره الحكم المستأنف - أما قول الدفاع عن هنري رزق الله أنه لا يتقيد بهذا الثمن فهو في غير محله ذلك لأنه بالرجوع للأمر 366 وجدول الأسعار المشار إليه يتضح أنه عام فلم يخصص الأسعار المحددة بالبيع المحلي أو في داخل البلاد دون غيرها، فمحاولة دفاع هنري رزق الله جعل هذا الثمن خاصاً بالبيوع المحلية تخصيص بغير مخصص. وهذا الذي قرره الحكم لا خطأ فيه ولا محل للخوض في البحث فيما إذا كان عقد البيع الذي يعقد على ظهر سفينة راسية في المياه الإقليمية يخضع لقانون المحل أو لقانون علم السفينة - لا محل للخوض في هذا البحت لأن واقعة الدعوى لا تقوم على تقدير ثمن بيع تم على ظهر سفينة راسية في المياه الإقليمية وإنما تقوم على تصرف لا جدال في أنه وقع في الأراضي المصرية وهو الاستيلاء على البضاعة المضبوطة. وهذا التصرف يحكمه القانون المصري الذي حدد سعراً جبرياً لنوع هذه البضاعة دون ما نظر لأي اعتبار آخر مثل ثمن الشراء أو احتمال بيع البضاعة خارج الأراضي المصرية. ولما كان الحكم المطعون فيه قد حدد ثمن البضاعة المستولى عليها داخل حدود البلاد وفقاً لأحكام الأمر 366 الذي يشمل بعمومه الأراضي المصرية ووفقاً لجدول الأسعار المؤرخ في 17/ 4/ 1943 الذي أصدرته لجنة تحديد أقصى أسعار الجملة للمشروبات الروحية التي نص الأمر سالف الذكر على إنشائها لما كان ذلك فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون يكون نعياً غير سديد.
وحيث إن الشق الثاني من السبب الأول - مردود - بأنه لا تلازم بين القضاء ببراءة الطاعن من تهمة حبس البضاعة المضبوطة عن التداول وبين عدم التزامه البيع بالسعر الجبري لاختلاف الموضوع في كل من الواقعتين ولأن تحديد ثمن شراء هذا النوع من السلع أمر مقرر بنص الشارع ولا يفيد الحكم الصادر ببراءة الطاعن تحلله من التزام البيع بالسعر القانوني مما ينتفي معه التحدي بحجية هذا الحكم في شأن تحديد ثمن الخمور التي تم الاستيلاء عليها وبيعها بعد صدور الحكم بالبراءة.
وحيث إن الطاعن ينعى على الوجه الثاني من السبب الأول على الحكم المطعون فيه أنه إذ رفض الحكم بأية فائدة عن مبلغ التعويض المطالب به أخطأ في تطبيق القانون ذلك لأن دعواه رفعت في ظل القانون المدني القديم الذي يجيز الحكم بالفوائد عن التعويض متى كان مبلغاً معلوم المقدار كالذي طلبه بل والذي يجيزه أيضاً نص المادة 226 من القانون الجديد. كما ينعى الطاعن في السبب الثاني على الحكم المطعون فيه أنه خالف الثابت بالأوراق عندما أثبت في أسبابه على خلاف الواقع أن الحكم الابتدائي قضى بفوائد الثمن حسب السعر الرسمي من تاريخ صدور الحكم بالبراءة في حين أن الحكم الابتدائي رفض الحكم بالفوائد عندما قضى في منطوقة "برفض ما عدا ذلك من الطلبات".
ومن حيث إنه يبين من مراجعة الحكم الابتدائي في هذا الشأن أن أورد بأسبابه بصدد هذا النعي بشقيه ما يأتي "وحيث إن هذين الوجهين من أوجه المخالفات التي اتبعت مع المدعي تنتجان تعويضه عما ناله من ضرر بسبب المسلك الشاذ الذي اتبع معه وقد ناله من جراء ذلك ضرر محقق أقله تعطيل المبلغ الذي يستحق صرفه زمناً طويلاً في أخذ ورد ومناقشة.... فيتعين تعويض المدعي عن ذلك كله وترى المحكمة أن تقدر هذا التعويض بمبلغ 300 جنيه يضاف إلى الثمن الذي بيع به الويسكي ويقضى للمدعي به" كما جاء بالحكم الاستئنافي وهو في سبيل مناقشة استئناف وزارة التجارة والصناعة ما يأتي "وبما أنه فيما يختص باستئناف وزارة التجارة الخاص بخطأ محكمة أول درجة في القضاء بمبلغ 300 جنيه تعويضاً للخواجة هنري رزق الله مع أن هذا الأخير لم يطالب بتعويض أمام محكمة أول درجة فإن الثابت من الاطلاع على صحيفة الدعوى الابتدائية أن المذكور رفعها بطلب مبلغ 1765 جنيهاً و920 مليماً وفوائد هذا المبلغ من يوم 16/ 9/ 1943 تاريخ الحكم بالبراءة إلى حين الوفاء وقال إن من هذا المبلغ 1471 جنيهاً و600 مليم ثمن صناديق الويسكي ومبلغ 294 ج و320 م مقدار الربح الذي ضاع عليه بواقع 20% من قيمتها الأصلية حسب الفواتير التي قدمها كما طالب بالفائدة القانونية من تاريخ الحكم الصادر ببراءته. وبما أن التعويض الذي يستحقه الشخص الذي ناله ضرر من عمل ما إنما هو مقابل ما نال ذلك الشخص من ضرر وما ضاع عليه من فائدة فإذا كانت محكمة أول درجة قد قدرت ما يستحقه هنري رزق الله من تعويض بمبلغ 300 ج فإنها بذلك لا تكون قد جاوزت الطلبات التي أبداها المضرور أمام محكمة أول درجة - هذه الطلبات التي قدرها هنري رزق الله بمقدار 20% من قيمة ثمن البضاعة التي صودرت وقدرتها محكمة أول درجة بمبلغ 300 ج".
ومن حيث إنه يبين من هذا الذي أثبته الحكمان الابتدائي والاستئنافي أن محكمة الموضوع قدرت التعويض الذي يستحقه الطاعن بسبب ما ضاع عليه من كسب وما لحق به من خسارة كما قدرت الفوائد عن الثمن والتعويض وأدمجت المبلغين دون تفصيل ثم قضت بالمبلغين جملة. ولما كان الطاعن لم ينع على هذا الإدماج غير المفصل بغير أن المحكمة لم تحكم له بالفوائد عن التعويض وأنها خالفت الثابت بالأوراق بشأن فوائد الثمن، والنعي على هذا الوجه بشقيه غير صحيح إذ الثابت أن محكمة أول درجة قضت بالفوائد عن الثمن والتعويض ضمن مبلغ التعويض الذي قدرته وأيدتها محكمة الاستئناف في قضائها على ما سبق بيانه، وهي إذ تقرر أن محكمة أول درجة قضت بفوائد الثمن لا تكون خالفت الثابت بالأوراق.
ومن حيث إن الطاعن أضاف بالجلسة سبباً جديداً بمقولة إنه متعلق بالنظام العام - حاصله - أن الحكم المطعون فيه إذ طبق السعر الجبري على الخمور المستولى عليها بأثر رجعي أخطأ في تطبيق القانون - ذلك لأن الحكم المطعون فيه أشار في أسبابه إلى أن اللجنة الخاصة حددت الأسعار في جدول مؤرخ في 31 مايو سنة 1943 في حين أن البضاعة المستولى عليها ضبطت بتاريخ 21 من مايو سنة 1943، مما كان لا يصح معه تقدير ثمنها طبقاً لجدول الأسعار اللاحق.
وحيث إنه فضلاً عن أن هذا النعي غير صحيح - ذلك لأنه وإن كان الحكم الابتدائي أورد خطأ في أسبابه أن جدول الأسعار الذي حدد ثمن نوع البضاعة المضبوطة مؤرخ في 31 من مايو سنة 1943 إلا أن الحكم الاستئنافي قد صحح بأسبابه هذا التاريخ إذ قرر في هذا الصدد "أن الأمر رقم 366 الصادر في 10 من فبراير سنة 1943 قد نص في المادة الأولى منه على إنشاء لجنة لتجديد أقصى أسعار الجملة للمشروبات الروحية - وثابت من الاطلاع على جدول الأسعار الصادر بتاريخ 17/ 4/ 1943 أنه حدد 12 جنيهاً للصندوق الذي يحتوي على اثني عشرة زجاجة وهذا الثمن هو الذي قدره الحكم المستأنف" ثم انتهى الحكم إلى تأييد أسباب الحكم المستأنف التي لا تتعارض مع أسبابه - فضلاً عن هذا فإن ما جاء بهذا السبب لا يعدو أن يكون دفاعاً جديداً لم يسبق عرضه على محكمة الموضوع، فلا يقبل التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض، إذ ليست الواقعة محل الدعوى الحالية جريمة جنائية مطلوب عقاب الطاعن عنها بل مجرد تقدير ثمن بضاعة تم الاستيلاء عليها.
ومن حيث إنه من جميع ما تقدم يبين أن الطعن على غير أساس متعين الرفض.