أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 8 - صـ 747

جلسة 24 من أكتوبر سنة 1957

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمود عياد، ومحمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت المستشارين.

(80)
طعن رقم 295 سنة 23 ق

( أ ) وكالة "انقضاؤها". نقض "أسباب جديدة". شرط نفاذ التصرفات الصادرة من الوكيل بعد انقضاء الوكالة بالنسبة للموكل في القانون المدني القديم. صدور تصرف من الوكيل بعد تنازله رسمياً عن الوكالة. تمسك الغير لأول مرة أمام محكمة النقض بعدم علمه بهذا التنازل. غير جائز.
(ب) نقض "أسباب جديدة". وكالة "انقضاؤها". إجازة التصرف. عدم قبول التمسك أمام محكمة النقض بأن الموكل أجاز تصرف وكيله بعد انقضاء الوكالة متى كان ذلك لم يطرح على محكمة الموضوع.
(جـ) حوالة. إجارة. حكم "تسبيب كاف". إقامة الحكم قضاءه بمبلغ الدين للمحال إليه على دعامات صحيحة وعدم اعتداده بدفاع المدين من أنه وفى الدين للمحيل. النعي عليه بعد ذلك بخطئه في التقرير بأن قبول المدين للحوالة يسقط حقه في كل دفع كان له قبل الدائن. غير منتج. مثال في حوالة عقد إيجار.
(د) نقض "إعلان الطعن". إعلان "المحل الذي يحصل فيه الإعلان". إجابة المحضر عندما توجه لإعلان المطعون عليه في المسكن المقول بإقامته به بأنه تركه من مدة. عدم قيام الطاعن بعد ذلك بإعلان المطعون عليه سواء في مسكنه الجديد أو في مواجهة النيابة. لا إعلان.
(هـ) نقض "إعلان الطعن". إعلان "المحل الذي يحصل فيه الإعلان". إعلان المحامي مخاطباً مع شيخ القسم وغلق مكتبه. خلو محضر الإعلان من بيان انتقال المحضر إلى المكتب وتحققه من غلقه. بطلان الإعلان. م 12 و24 مرافعات.
1 - لم يشترط القانون المدني القديم في خصوص عدم نفاذ التصرفات الصادرة من الوكيل بعد انقضاء الوكالة بالنسبة للموكل وجوب إعلان الغير بانقضاء الوكالة وإنما شرط لنفاذ مثل هذه التصرفات على الموكل أن يكون الغير حسن النية أي غير عالم بانقضاء الوكالة، ويستتبع هذا أنه يجب على الغير أن يتمسك في هذا الخصوص بحسن نيته أي أنه بحسب الموكل الذي يحاج بتصرف أجراه الوكيل بعد انقضاء وكالته أن يثبت انقضاء الوكالة وعلى الغير الذي يبغي الاحتجاج بهذا التصرف - إن شاء - التحدي بحسن نيته أمام محكمة الموضوع حتى تستطيع أن تبت في هذا الدفاع على الوجه الذي رسمه القانون. وعلى ذلك فإذا كان التصرف الصادر من الوكيل قد صدر منه بعد تنازله رسمياً عن الوكالة فلا يجوز للغير التحدي لأول مرة أمام محكمة النقض بعدم علمه بهذا التنازل متى كان لم يقدم بملف الطعن ما يدل على أنه عندما ووجه أمام محكمة الموضوع بذلك التنازل تمسك بعدم علمه به.
2 - متى كان لم يسبق التمسك أمام محكمة الموضوع بأن الموكل قد أجاز التصرف الذي صدر من وكيله بعد انقضاء وكالته فإن النعي بذلك أمام محكمة النقض يكون غير مقبول لأنه يتضمن سبباً جديداً.
3 - إذا رفع من حول إليه عقد الإيجار دعوى على المستأجر بطلب الأجرة وتثبيت الحجز التحفظي فدفع المستأجر الدعوى بأنه أوفى الأجرة إلى المحيل بمقتضى محضر صلح تم بينهما وأقام الحكم قضاء بطلبات المحال إليه على دعامات ثلاث: الأولى - أن المستأجر كان قد قبل وفقاً لنصوص عقد الإيجار تحويل العقد وقيمة الأجرة إلى الغير. والثانية - أن المستأجر لم يكن يجوز له وقد علم عند توقيع الحجز التحفظي بحصول الحوالة أن يدفع الدين إلى المحيل أو يتصالح معه بعد ذلك التاريخ. والثالثة - أنه لم يثبت لمحكمة الموضوع أنه كان قبل علمه بالحوالة قد وفى قيمة الأجرة كلها أو بعضها إلى المحيل - وكان تقرير الطعن قد خلا من تعييب الحكم فيما استظهره من علم المستأجر بالحوالة في تاريخ سابق على تاريخ محضر الصلح ومن عدم قيامه بدفع شيء من الأجرة قبل علمه بالحوالة فإنه يكون غير منتج ما يتمسك به المستأجر من خطأ الحكم فيما يكون قد قرره من أن قبوله للحوالة يسقط حقه في كل دفع كان له قبل الدائن.
4 - متى تبين من أصل ورقة إعلان الطعن أن المحضر عندما توجه لإعلان المطعون عليه في المسكن المقول بأنه مقيم به أجيب بأنه تركه من مدة كما تبين أن الطاعن لم يعلن المطعون عليه بعد ذلك سواء في مسكنه الذي انتقل إليه أو في مواجهة النيابة فإن المطعون عليه لا يكون قد أعلن بتقرير الطعن.
5 - إذا كان الثابت بأصل ورقة إعلان الطعن أن المطعون عليه - وهو محام - أعلن مخاطباً مع شيخ القسم لغيابه وغلق مكتبه وخلا محضر الإعلان من بيان انتقال المحضر إلى مكتب المطعون عليه وتحققه من غلق المكتب فإن إغفال مثل هذا البيان يترتب عليه بطلان الإعلان - على ما جري به قضاء محكمة النقض - عملاً بنص المادتين 12 و24 مرافعات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الوقائع تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أن المطعون عليها الأولى أقامت على الطاعن دعوى لدى محكمة المنصورة الابتدائية قيدت في جدولها برقم 1572 سنة 1949 مدني كلي - طلبت فيها الحكم بإلزامه بأن يدفع إليها مبلغ 2000 ألفي جنيه مع المصروفات وأتعاب المحاماة، وتثبيت الحجز التحفظي الموقع بتاريخ 29 من سبتمبر 1949 وجعله نافذاً. وقالت في بيان دعواها إن الطاعن استأجر من المطعون عليه الثاني 125 فداناً لمدة سنة واحدة ابتداء من 15/ 11/ 1948 لغاية 14/ 11/ 1949 بسعر الفدان 16 جنيهاً على أن يدفع الطاعن القسط الأول ومقداره 667 جنيهاً في شهر مايو سنة 1949 والباقي وهو القسط الثاني في شهر سبتمبر سنة 1949 وذلك بعقد إيجار مؤرخ في 6 من أكتوبر سنة 1948 حول إليها من المطعون عليه الثاني في أول ديسمبر سنة 1948 مقابل استلامه الأجرة وإن الطاعن متأخر في وفاء الأجرة جميعها - وأثناء نظر الدعوى وجه الطاعن دعوى ضمان إلى المطعون عليهما الثاني والثالث طلب فيها الحكم بإلزامهما بأن يدفعا إليه ما عسى أن يحكم به عليه للمطعون عليها الأولى، واستند في دعوى الضمان إلى محضر صلح محرر بينه وبين المطعون عليه الثاني بتاريخ 7 من أكتوبر سنة 1949 مقرراً أن هذا المحضر تضمن إقرار المطعون عليه الثاني بتسلمه المبالغ المطلوبة في الدعوى الحالية وفي قضايا أخرى كانت إحداها مرفوعة أيضاً من المطعون عليها الأولى وأنه لم يتبق من هذه المبالغ سوى مبلغ 274 جنيهاً، وأن المحضر تضمن كذلك إقرار المطعون عليه الثاني بالتنازل عن الحجوز وعن الدعاوى، كما استند الطاعن في دعوى الضمان إلى خطاب مؤرخ في 7 من أكتوبر سنة 1949 مرسل إليه من المطعون عليه الثالث يقرر فيه أنه بناء على الخطاب المرسل إليه من المطعون عليه الثاني يتعهد بتسليم الطاعن عقود الإيجار وأصول عرائض الدعاوى وتمسك الطاعن في دعوى الضمان بعقد قسمة مسجل في سنة 1940 على اعتبار أنه يفيد ثبوت وكالة المطعون عليه الثاني عن المطعون عليها الأولى - وفي 29 من أكتوبر سنة 1950 حكمت محكمة الدرجة الأولى برفض الدعوى الأصلية وبرفض دعوى الضمان وذلك تأسيساً على أن الوفاء الحاصل من الطاعن إلى المحيل مبرئ لذمته - استأنفت المطعون عليها الأولى - وفي 5 من مارس سنة 1953 حكمت محكمة استئناف المنصورة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون عليها الأولى مبلغ ألفي جنيه وتثبيت الحجز التحفظي وجعله نافذاً وبالمصروفات عن الدرجتين وبمبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة فقرر الطاعن الطعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقد أبدت النيابة العامة رأيها بعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة للمطعون عليهما الثاني والثالث وبقبوله شكلاً بالنسبة للمطعون عليها الأولى ورفضه موضوعاً، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت بجلسة 8 من مايو سنة 1957 إحالته إلى هذه الدائرة، وبالجلسة المحددة لنظر الطعن صممت النيابة على رأيها السابق بيانه.
ومن حيث إن ما دفعت به النيابة من عدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة للمطعون عليهما الثاني والثالث مبناه أن المطعون عليه الثاني لم يعلن بتقرير الطعن وأن إعلان المطعون عليه الثالث بهذا التقرير قد وقع باطلاً.
ومن حيث إن هذا الدفع في محله ذلك أولاً - أنه يبين من أصل ورقة إعلان الطعن أن المحضر عندما توجه لإعلان المطعون عليه الثاني في المسكن المقول بأنه مقيم به أجيب بأنه تركه من مدة، كما يبين من الورقة المذكورة أن الطاعن لم يعلن المطعون عليه الثاني بعد ذلك سواء في مسكنه الذي انتقل إليه أو في مواجهة النيابة. ثانياً - إن الثابت بأصل ورقة إعلان الطعن أن الأستاذ مراد موسى - المطعون عليه الثالث - أعلن "مخاطباً مع شيخ القسم الشيخ عبد المنصف إبراهيم لغيابه وغلق مكتبه" وقد خلا محضر الإعلان من بيان انتقال المحضر إلى مكتب المطعون عليه الثالث وتحققه من غلق المكتب وإغفال مثل هذا البيان يترتب عليه بطلان الإعلان على ما جرى به قضاء هذه المحكمة عملاً بنص المادتين 12 و24 من قانون المرافعات.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية بالنسبة للمطعون عليها الأولى.
ومن حيث إنه بني على سببين ينعى الطاعن فيهما على الحكم مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه، ويقول في بيان السبب الأول إن الحكم اعتبر أن وفاء الطاعن بالدين للمحيل - المطعون عليه الثاني - غير مبرئ لذمته وذلك تأسيساً على أنه - أي الطاعن - كان قد قبل وفقاً لنصوص عقد الإيجار تحويل هذا العقد وقيمة الأجرة إلى الغير وأن قبوله هذا يسقط كل من حق كان له قبل المحيل وأنه لم يكن يجوز له وفاء الدين للمحيل قبل أن تتحقق من وجود عقد الإيجار في حوزته. وهذا الذي ذهب إليه الحكم لا يتفق وما هو مقرر في القانون المدني من أن الحوالة في الديون المدنية لا تنقل إلى المحال إليه من الحقوق أكثر مما كان للمحيل. ولا يؤثر في سريان هذه القاعدة أن يكون الدين ثابتاً بسند تحت الإذن.
ومن حيث إن هذا النعي مردود بأنه يبين من وقائع النزاع السابق بيانها أن الطاعن كان يتمسك في دفاعه بمحضر الصلح المؤرخ في 7 من أكتوبر سنة 1949 بمقولة إن هذا المحضر يفيد وفاء الدين المحيل وبالتالي براءة ذمة الطاعن منه. وقد جاء بأسباب الحكم المطعون فيه رداً على هذا الدفاع ما يلي "وحيث إن المستأنف عليه الأول - وهو المستأجر - قد تعهد في البند الثاني من عقد الإيجار أساس النزاع بدفع الإيجار لأمر وإذن المؤجر، كما أنه في البند الثالث خول المؤجر حق تحويل مبلغ الإيجار أو جزء منه لمن يريد وأيضاً التنازل عن عقد الإيجار لمن يرغب... وحيث إنه يبين مما تقدم أن المستأنف عليه الأول وهو المستأجر والمحال عليه قد قبل الحوالة كتابة في عقد الإيجار، فما كان له والحالة هذه أن يوفي المؤجر وهو المستأنف عليه الثاني الإيجار قبل أن يتحقق من وجود العقد في حوزته فإن قصر في ذلك فعليه تبعة تقصيره. ويدعم ذلك أن المستأنف عليه الأول - الطاعن - قد أخبر المحضر عند توقيع الحجز في 29/ 9/ 1949 أنه سدد الإيجار المطلوب منه بعد خصم مطلوب الخاصة المتعهد بسدادها مع المطالبة - أي المحالة، وقد جهل بهذه الإجابة من استوفى منه الإيجار إلا أنه صرح أن طالبة الحجز أصبحت هي المسئولة عن دين الخاصة نتيجة تحويل الإيجار فما كان يحل له بعدئذ أن يتصالح مع المحيل في 7/ 10/ 1949 مغفلاً الحوالة التي قبلها كتابة وأعلن بها وأقر بقيامها ومتجاهلاً دين الأوقاف الملكية الذي حجز على زراعته من أجله في 22/ 9/ 1949" ويبين من هذا الذي أورده الحكم أنه أقيم في هذا الخصوص على دعامات ثلاث - الأولى - أن الطاعن كان قد قبل وفقاً لنصوص عقد الإيجار تحويل العقد وقيمة الأجرة إلى الغير - والثانية - أن الطاعن لم يكن يجوز له وقد علم عند توقيع الحجز التحفظي في 29 من سبتمبر سنة 1949 بحصول الحوالة أن يدفع الدين إلى المحيل أو يتصالح معه بعد ذلك التاريخ - والثالثة - أنه لم يثبت لمحكمة الموضوع أن الطاعن كان قبل علمه بالحوالة قد وفى قيمة الأجرة كلها أو بعضها إلى المحيل، ولما كان تقرير الطعن قد خلا من تعييب الحكم فيما استظهره من علم الطاعن بالحوالة في تاريخ سابق على تاريخ محضر الصلح ومن عدم قيام الطاعن بدفع شيء من الأجرة قبل علمه بالحوالة - لما كان ذلك فإنه يكون غير منتج ما يتمسك به الطاعن في السبب الأول من خطأ الحكم إذ قرر أن قبوله للحوالة يسقط حقه في كل دفع كان له قبل الدائن، ومن ثم يتعين رفض هذا السبب.
ومن حيث إن الوجه الأول من السبب الثاني يتحصل في أن الطاعن كان قد تمسك في دفاعه بأن محضر الصلح محرر بينه وبين المطعون عليه الثاني بصفته وكيلاً عن المطعون عليها الأولى وقدم إلى محكمة الاستئناف صورة رسمية من هذا التوكيل الثابت به صفة الوكيل في قبض الأجرة وإعطاء مخالصات عنها، ولكن محكمة الاستئناف رفضت الأخذ بهذا الدفاع بمقولة إنه ثبت لديها أن الوكيل كان قد تنازل رسمياً عن الوكالة في 16 من يناير سنة 1946، وهذا الذي قرره الحكم مخالف للقانون لأن عزل الوكيل من الوكالة لا يسري على الغير إلا من تاريخ إعلانه بالعزل.
ومن حيث إن هذا النعي مردود بأن القانون المدني القديم لم يشترط في خصوص عدم نفاذ التصرفات الصادرة من الوكيل بعد انقضاء الوكالة بالنسبة للموكل وجوب إعلان الغير بانقضاء الوكالة وإنما شرط لنفاذ مثل هذه التصرفات على الموكل أن يكون الغير حسن النية أي غير عالم بانقضاء الوكالة ويستتبع هذا أنه يجب على الغير أن يتمسك في هذا الخصوص بحسن نيته، أي أنه بحسب الموكل الذي يحاج بتصرف أجراه الوكيل بعد انقضاء وكالته، أن يثبت انقضاء الوكالة وعلى الغير الذي يبغي الاحتجاج بهذا التصرف - إن شاء - التحدي بحسن نيته أمام محكمة الموضوع حتى تستطيع أن تبت في هذا الدفاع على الوجه الذي رسمه القانون. ولما كان الطاعن لم يقدم بملف الطعن ما يدل على أنه عندما ووجه أمام محكمة الموضوع بالتنازل المشار إليه تمسك بعدم علمه به فلا يجوز له التحدي بذلك لأول مرة أمام هذه المحكمة.
ومن حيث إن الوجه الثاني من هذا السبب يتحصل في أن المطعون عليها الأولى قد أجازت التصرف الذي صدر من وكيلها بعد انقضاء وكالته.
ومن حيث إن هذا النعي غير مقبول لأنه يتضمن سبباً جديداً لم يثبت سبق طرحه على محكمة الموضوع.
ومن حيث إنه لما تقدم جميعه يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.