أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 8 - صـ 798

جلسة 14 من نوفمبر سنة 1957

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمد متولي عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف، ومحمد زعفراني سالم، ومحمد رفعت المستشارين.

(88)
طعن رقم 235 سنة 23 ق

( أ ) شفعة "حكم الشفعة". تنفيذ عقاري. ملكية. حكم الشفعة منشئ للملكية لا مقرر لها. دكريتو الشفعة لسنة 1901. م 944 مدني جديد.
(ب) ملكية. إصلاح زراعي. قانون "رجعية القوانين". نظام عام. القاعدة التي وضعها المرسوم بقانون رقم 178 سنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي وهي عدم جواز تملك الفرد أكثر من مائتي فدان. هي من قواعد النظام العام. سريان هذا القانون على الوقائع السابقة.
(جـ) شفعة. إصلاح زراعي. ملكية. شفيع يملك قبل الحكم بالشفعة أكثر من مائتي فدان. عدم مشروعية طلب الشفعة لمخالفة هذا الطلب حكم المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 178 سنة 1952. الاستناد إلى القانون رقم 267 سنة 1956. لا محل له.
(د) حكم "منطوقه". تضمين المحكمة حكمها سبب قضائها بعدم قبول الدعوى. تزيد لا يعيب الحكم.
(هـ) نقض "المصلحة في الطعن". شفعة. الحكم بعدم جواز الشفعة مع أن الأسباب الصحيحة تقتضي أن يكون منطوق الحكم "رفض الدعوى". انعدام المصلحة في النعي على المنطوق.
1 - استقر قضاء محكمة النقض في ظل أحكام دكريتو 23 من مارس سنة 1901 بقانون الشفعة على أن ملكية الشفيع للعين المشفوع فيها لا تنشأ إلا برضاء المشتري بالشفعة أو بالحكم الصادر بها وأن هذه الملكية لا يرتد أثرها إلى تاريخ البيع الحاصل للمشتري ولا إلى التاريخ المطالبة بالشفعة. ولم يعدل القانون المدني الجديد شيئاً من أحكام ذلك الدكريتو في هذا الخصوص فجاء نص المادة 944 مطابقاً لنص المادة 18 من الدكريتو من أن الحكم الذي يصدر نهائياً بثبوت الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع وانتهى المشرع إلى ترك الأمر في تحديد ملكية الشفيع إلى ما كان عليه الحكم قبل إصدار القانون المدني الجديد - وعلى ذلك فلا تنتقل الملكية للشفيع في ظل القانون المدني الحالي إلا من تاريخ الحكم بالشفعة.
2 - وضع المرسوم بقانون 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي بما نص عليه في المادة الأولى منه قاعدة هي من قواعد النظام العام وهي عدم جواز زيادة ملكية الفرد عن مائتي فدان ومن ثم فإن أحكام هذا المرسوم بقانون تسري على الوقائع السابقة على صدوره ما دام لم يصدر في خصوصها حكم نهائي.
3 - متى تبين أن الشفيع يملك قبل الحكم بالشفعة أكثر من مائتي فدان فإن الحكم لا يكون قد خالف القانون فيما انتهى إليه من أن الحكم بالشفعة في هذه الحالة من شأنه مخالفة ما نصت عليه المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي التي تقضي ببطلان كل عقد تترتب عليه مخالفة ما نصت عليه تلك المادة من عدم جواز زيادة ملكية الفرد عن مائتي فدان لتعلق حكم هذه المادة بقاعدة من قواعد النظام العام - ولا محل للاستناد إلى القانون رقم 267 لسنة 1956 الذي أجاز للأفراد أن يتملكوا أكثر من مائتي فدان عن طريق الميراث أو الوصية أو غير ذلك من أسباب كسب الملكية غير العقود وأباح لهؤلاء أن يتصرفوا فيما زاد عن المائتي فدان خلال سنة من كسب الملكية غير مقيدين بالقيود التي نص عليها المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 في خصوص من يملكون أكثر من مائتي فدان وقت صدوره ذلك لأن حكم الشفعة وإن كان سبباً مستقلاً لكسب الملكية إلا أنه يأخذ حكم العقد إذ بحكم الشفعة تنصرف آثار عقد البيع إلى الشفيع لأن الملكية في حالة الحكم بالشفعة تكون قد اكتسبت بعمل إرادي من جانب الشفيع وهو ما هدف المشرع إلى تحريمه إذا كان الشفيع يملك قبل الحكم بالشفعة أكثر من مائتي فدان وإن في إباحة تملك ما يزيد على مائتي فدان بالشفعة تحايلاً على أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952، أما الوصية والميراث وما جرى مجراهما من أسباب كسب الملكية فإن الأمر فيهما يتم بغير سعي من جانب من آلت إليه الملكية.
4 - إذا كانت المحكمة قد ضمنت منطوق حكمها سبب قضائها بعدم قبول الدعوى فإنها تكون قد تزيدت لأن الأسباب لا ترد بالمنطوق ويكون ما قضت به هو عدم قبول الدعوى.
5 - متى كان مقتضى أسباب الحكم المطعون فيه الصحيحة أن يكون منطوق الحكم "رفض دعوى الشفعة" فإنه لا مصلحة للطاعن في التمسك بالنعي على أن منطوق الحكم هو "عدم جواز الشفعة" إذ سيان بالنسبة له أن يكون منطوق الحكم عد جواز الشفعة أو رفض الحكم بها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 35 سنة 1950 على المطعون عليهما أمام محكمة أسوان الابتدائية طلب فيها الحكم بأحقيته للشفعة في 759 فداناً، 20 قيراطاً، 3 أسهم التي باعها المطعون عليه الأول إلى المطعون عليها الثانية بعقد مسجل في مارس سنة 1950 - دفعت المطعون عليها الثانية بعدم جواز الشفعة واستندت في ذلك إلى سببين أولهما أن الشفعة لا تجوز إلا في البيوع في حين أن ملكيتها للعقار موضوع الدعوى قد آلت إليها عن طريق معاهدة باريس للتعويضات الصادر عنها القانون رقم 126 سنة 1947، والسبب الآخر أنه على فرض أن العقار قد آل إليها بطريق البيع فإن هذا العقار قد خصص للمنفعة العامة ليكون حقلاً لتجارب إكثار البذور ومحطة لتربية المواشي. ودفعت المطعون عليها الثانية أيضاً بسقوط حق الشفعة وبعدم قيام سببها - وفي 3 من يونيه سنة 1951 حكمت المحكمة حضورياً "بعدم جواز أخذ العقار المرفوع بشأنه الدعوى بالشفعة" وأقامت قضاءها على أن هذا العقار أصبح من الأموال العامة بتخصيصه للمنفعة العامة - فاستأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف أسيوط وقيد الاستئناف برقم 246 سنة 26 ق وقبل أن يفصل فيه صدر قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 سنة 1952 فدفعت المطعون عليها الثانية بعدم قبول الدعوى استناداً إلى عدم توافر شرط المصلحة فيها لأن الطاعن يملك أكثر من مائتي فدان ولا يجوز له وفق أحكام هذا القانون أن يمتلك أكثر من القدر الذي حدده القانون وأن أي تعاقد على ما يخالف أحكام القانون المذكور يقع باطلاً بقوة القانون - وفي 2 من يونيه سنة 1953 حكمت محكمة استئناف أسيوط بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. وأقامت المحكمة قضاءها على أن الطاعن يملك أكثر من ألف فدان وأن المرسوم بقانون رقم 178 سنة 1952 لا يجيز له الاحتفاظ بأكثر من مائتي فدان منها وأن الطاعن يهدف إلى الحلول محل المطعون عليها الثانية في تملك العقار موضوع الدعوى بحكم الشفعة الذي يثبت له الملكية من تاريخ صدوره، وأن مثل هذا الحكم يكون مخالفاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 سنة 1952 التي تقضي ببطلان كل عقد يترتب عليه مخالفة تلك الأحكام التي تعد من النظام العام وأنه لا عبرة بما أثاره الطاعن من مصلحة شخصية له في الدعوى لتنافر تلك المصلحة مع المصلحة العامة التي صدر لحمايتها المرسوم بقانون سالف الذكر. وفي 3 من أغسطس سنة 1953 طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وأبدت النيابة رأيها برفضه، وقررت دائرة الفحص بجلسة 4 من إبريل سنة 1957 إحالة الطعن على الدائرة المدنية لجلسة 3 من أكتوبر سنة 1957 وفيها صممت النيابة على وجهة نظرها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين: - يتحصل أولهما في النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه فيما قضى به من عدم قبول الدعوى استناداً إلى أن الحكم الذي يصدر بأحقية الشفيع في الشفعة يعتبر منشئاً لملكية الشفيع لا مقرراً لها وإلى أن المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 178 سنة 1952 تقضي ببطلان كل عقد يترتب عليه امتلاك شخص لأكثر من مائتي فدان وبالتالي يبطل كل حكم يكون من شأنه أن تزيد ملكية الشخص عن هذا القدر وإلى أنه رغم قيام مصلحة الطاعن في طلب الشفعة إلا أن هذه المصلحة تتعارض مع الحرمان الوارد بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 178 سنة 1952 التي وضعت قاعدة تعد من النظام العام - ويقول الطاعن في تعييب الحكم المطعون فيه فيما استند عليه في هذا الخصوص إنه يبين من الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجديد أن المشرع اتجه إلى اعتبار حكم الشفعة مقرراً لملكية الشفيع لا منشئاً لها وتفريعاً على هذا ترجع ملكية الشفيع للعين المشفوع فيها إلى تاريخ البيع الصادر للمشفوع منه أو إلى تاريخ طلب الشفعة وتسجيله وأن هذا التاريخ في خصوصية هذه الدعوى يرجع إلى ما قبل صدور المرسوم بقانون رقم 178 سنة 1952 ومن ثم لا ينعطف أثر هذا المرسوم بقانون على حكم الشفعة الذي يقرر مركزاً قانونياً تم قبل صدور المرسوم بقانون سالف الذكر. وأن الأخذ بهذا النظر ينتهي إلى تحقق مصلحة الطاعن في المطالبة بحقه في الشفعة تلك المصلحة التي لا تعارض بينها وبين أحكام المرسوم بقانون رقم 178 سنة 1952 لأن مقتضى هذا المرسوم بقانون أن تستولى الحكومة على ما يزيد على القدر المسموح بتملكه بالشروط والأوضاع التي رسمها.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن قضاء هذه المحكمة قد استقر في ظل أحكام دكريتو 23 من مارس سنة 1901 بقانون الشفعة على أن ملكية الشفيع للعين المشفوع فيها لا تنشأ إلا برضاء المشتري بالشفعة أو بالحكم الصادر بها وأن هذه الملكية لا يرتد أثرها إلى تاريخ البيع الحاصل للمشتري ولا إلى تاريخ المطالبة بالشفعة استناداً إلى أن المشرع استقى أحكام الشفعة من فقه الحنفية التي تقضي بأن ملكية الشفيع للعين المشفوع فيها لا تنشأ إلا بالتراضي أو بقضاء القاضي وأن حق الشفعة ليس حقاً بملكية الشفيع للعقار المشفوع فيه ولكنه حق شخصي على ذلك العقار قبل المشتري وتبقى ملكية المشتري للعقار كأثر من آثار عقد البيع ولا تزول عنه هذه الملكية لمجرد وجود حق الشفعة أو استعمال هذا الحق بل تنتقل الملكية للشفيع برضاء المشتري بالشفعة أو الحكم له بها. وأن عقد البيع الصادر للمشتري عقد منجز وليس من شأن استعمال الشفيع لحقه في المطالبة بالشفعة أن تتغير طبيعة ذلك العقد إلى عقد معلق على شرط. كما أن القيود التي فرضها المشرع على تصرفات المشتري بعد إعلانه بطلب الشفعة وتسجيله بالنسبة للشفيع ليس مردها رجوع حق الشفيع في الملكية إلى وقت حصول البيع أو المطالبة بالشفعة وإنما مردها إلى أن المشتري إذ يعلم بطلب الشفعة يكون سيء النية في التصرفات التي يجريها على العقار سواء كانت تلك التصرفات مادية أو قانونية وذلك حماية للشفيع. وأنه لو أن المشرع افترض أن ملكية الشفيع ترتد إلى تاريخ البيع أو المطالبة بالشفعة لما كان في حاجة إلى إيراد تلك القيود والنص عليها لأن تقرير أن حق الشفيع في الملكية يرجع إلى أحد هذين التاريخين لازمه أن تبطل جميع تصرفات المشتري من وقت طلب الشفعة وتسجيله بغير حاجة إلى نص لورودها على ملك الغير. وأن حرص المشرع في النص على تلك القيود صريح الدلالة على أن المشرع اعتبر المشتري مالكاً له جميع ما للمالك من حقوق إلى أن تنتقل الملكية إلى الشفيع رضاء أو قضاء - وأن المادة 18 من دكريتو سنة 1901 إذ نصت على أن حكم الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع قد قصدت إلى أن حكم الشفعة هو سبب ملكية الشفيع. وأن عبارة "سند الملكية" التي استعملها المشرع في هذه المادة هي نفس العبارة التي استعملها في المادة 587 مرافعات قديم التي نصت على اعتبار حكم البيع في دعوى نزع الملكية سنداً لملكية الراسي عليه المزاد - وأن مؤدى هذين النصين أن حكم الشفعة وحكم البيع يعتبران سبباً لملكية الشفيع والراسي عليه المزاد لا الدليل على ملكيتهما ولو أن المشرع قصد إلى اعتبار حكم الشفعة دليلاً على ملكية الشفيع لما كان في حاجة إلى إيراد هذا النص اكتفاء بما قرره القانون من حجية الأحكام "نقض 31/ 10/ 1946 في الطعن 85 سنة 15 ق ونقض 15 من فبراير سنة 1951 في الطعن 216 سنة 18 ق" - ولما كان القانون المدني الجديد - الذي يحكم واقعة هذا الطعن - لم يعدل شيئاً من أحكام دكريتو مارس سنة 1951 في هذا الخصوص فجاء نص المادة 944 من القانون المدني مطابقاً لنص المادة 18 من الدكريتو من أن الحكم الذي يصدر نهائياً بثبوت الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع. وورد نص المادة 945 من القانون التي تحدثت عن حلول الشفيع محل المشتري قبل البائع في حقوقه والتزاماته وعن استحقاق العقار المشفوع فيه مطابقاً لنص المادة 13 من الدكريتو، وجاء نص المادة 947 من القانون في شأن عدم سريان الحقوق التي يرتبها المشتري على العقار المشفوع فيه بعد تسجيل طلب الشفعة في حق الشفيع على غرار نص المادة 12 من الدكريتو، لما كان ذلك فإن ما قرره الحكم المطعون فيه من أن حكم الشفعة هو الذي ينشئ الملكية للشفيع لا مخالفة فيه للقانون - ولا يجدي الطاعن ما ذكره من أن الأعمال التحضيرية للقانون المدني تشير إلى اتجاه المشرع إلى تقرير حق الشفيع في الملكية من تاريخ عقد البيع أو تاريخ تسجيل طلب الشفيع لأنه يبين من المناقشات في لجنة بحث مشروع القانون حول المادة 945 أن البحث اتجه إلى أفضلية النص على الوقت الذي يعتبر فيه الشفيع مالكاً واستعرضت الآراء المختلفة للفقه والقضاء في هذا الخصوص بين مؤيد لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة وبين معارض له. كما تناول البحث ملكية ثمرات العقار في الفترة بين البيع والحكم بالشفعة ولكن الأمر انتهى إلى بقاء نص المادة 945 والمادتين 944، 947 على ما كانت عليه في مشروع القانون - أما العبارة التي وردت بالمذكرة الإيضاحية للقانون تعليقاً على المادة 947 من: "أن الرأي أن الشفيع يحل محل المشتري في الصفقة يتملك من وقت البيع الأول ويعتبر المشتري كأن لم يملك أصلاً" فهي عبارة لا تخرج عن أن تكون رأياً شخصياً لواضع المذكرة لتناقضها مع نص المادة 944 التي قررت أن الحكم بالشفعة هو سند ملكية الشفيع. ويخلص من ذلك أن المشرع انتهى إلى ترك الأمر في تحديد ملكية الشفيع إلى ما كان عليه الحكم قبل إصدار القانون المدني الجديد - ولا جدوى في هذا الصدد من التحدث عن قاعدة رجعية الأحكام منشئة كانت أو مقررة ما دام أن المشرع قد عدل عن إعمال هذه القاعدة في خصوص الحكم الصادر بالشفعة بما نص عليه في المادة 944 - كما أن ما أورده القانون في المادة 942/ 2 من إلزام الشفيع بإيداع الثمن خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة لا ينم عن رغبة المشرع في العدول إلى رأي القائلين بارتداد ملكية الشفيع إلى وقت إتمام إجراءات المطالبة بالشفعة بدليل أن المادة 944 التي جاءت تالية للمادة 942 قد أفصحت عن رأي المشرع في اعتبار حكم الشفعة هو المنشئ لملكية الشفيع. وتأسيساً على جميع ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف القانون فيما انتهى إليه من أن الحكم بالشفعة في خصوصية هذه الدعوى من شأنه مخالفة ما نصت عليه المادة الأولى من المرسوم بقانون 178 سنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي التي تقضي ببطلان كل عقد تترتب عليه مخالفة ما نصت عليه تلك المادة من عدم جواز زيادة ملكية الفرد عن مائتي فدان لتعلق حكم هذه المادة بقاعدة من قواعد النظام العام. ولا محل لما أثاره الطاعن في مرافعته من أثر المطالبة القضائية في عدم سريان القانون الجديد "المرسوم بقانون 178 سنة 1952" على الوقائع السابقة على صدوره لأن ذلك لا يغير من الأمر ما دام أن حكم الشفعة هو الذي ينشئ الملكية للشفيع، والحكم المطعون فيه قد صدر بعد العمل بالمرسوم بقانون سالف الذكر. هذا فضلاً عن أن ذلك المرسوم بقانون قد وضع بما نص عليه في المادة الأولى منه قاعدة هي من قواعد النظام العام وهي عدم جواز تملك ما يزيد على مائتي فدان، ومن ثم فإن أحكام هذا المرسوم بقانون تسري على الوقائع السابقة على صدوره ما دام أنه لم يصدر في خصوصها حكم نهائي - أما ما أثاره الطاعن في جلسة المرافعة من أن القانون رقم 267 سنة 1956 الذي نص على رجعية ما أورده من أحكام إلى تاريخ صدور المرسوم بقانون رقم 178 سنة 1952 قد أجازت للأفراد أن يتملكوا أكثر من مائتي فدان عن طريق الميراث أو الوصية أو غير ذلك من أسباب كسب الملكية غير العقود وأباح لهؤلاء أن يتصرفوا فيما زاد عن المائتي فدان خلال سنة من كسب الملكية غير مقيدين بالقيود التي نص عليها المرسوم بقانون رقم 178 سنة 1952 في خصوص من يملكون أكثر من مائتي فدان وقت صدوره وأنه تأسيساً على ذلك يكون لمن يملك مائتي فدان أن يملك أكثر منها عن طريق استعمال حقه في الشفعة على أن يتصرف في الزيادة خلال سنة من الحكم له بالشفعة على ضوء الأحكام التي أوردها القانون رقم 267 سنة 1956. هذا الذي ذكره الطاعن مردود بأن حكم الشفعة وإن كان سبباً مستقلاً لكسب الملكية إلا أنه يأخذ حكم العقد إذ بحكم الشفعة تنصرف آثار عقد البيع إلى الشفيع لأن الملكية في حالة الحكم بالشفعة تكون قد اكتسبت بعمل إرادي من جانب الشفيع وهو ما هدف المشرع إلى تحريمه إذا كان الشفيع يملك قبل الحكم بالشفعة أكثر من مائتي فدان وإن في إباحة تملك ما يزيد على مائتي فدان بالشفعة تحايلاً على أحكام المرسوم بقانون رقم 178 سنة 1952، أما الوصية والميراث وما جرى مجراهما من أسباب كسب الملكية فإن الأمر فيهما يتم بغير سعي من جانب من آلت إليه الملكية، ولذلك عمد المشرع إلى تنظيم هذه الحالة في ظل أحكام المرسوم بقانون رقم 178 سنة 1952 بما أورده من أحكام في القانون رقم 267 سنة 1956، يؤكد هذا ما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون الأخير من أن المشرع إذ نص على إبطال التصرفات النافلة للملك إنما ابتغى إبطال التصرفات الإرادية التي من شأنها أن تزيد ملكية الفرد على مائتي فدان.
وحيث إن السبب الآخر من أسباب الطعن يتحصل في النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور من أربعة أوجه: أولها - أنه أغفل الرد على ما تمسك به الطاعن من أن حكم الشفعة يرجع ملكية الشفيع إلى وقت البيع أو وقت طلبه الشفعة أو تسجيله أو إتمام إجراءات الشفعة - وثانيها - أنه أغفل الرد على ما تمسك به من تحقق مصلحته في الدعوى بأحقيته للثمرات من تاريخ طلب الشفعة والحصول على الفرق بين الثمن الذي تمت به الصفقة والثمن الذي كان يتقاضاه من الحكومة عند الاستيلاء على ذلك العقار تنفيذاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 سنة 1952. وثالثها - أن الحكم اكتفى بتقرير أن الحرمان من الإضافة إلى الملك هو من قواعد النظام العام وأنه لذلك لا محل للخوض فيما أثاره الطاعن من تحقق مصلحة شخصية له لتعارض تلك المصلحة مع قاعدة من قواعد النظام العام مع أن هذا التقرير من جانب الحكم لا يكفي للرد على ما تمسك به الطاعن من أن حكم الشفعة مقرر للملكية وأن المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 178 سنة 1952 تنص على أن تستولي الحكومة خلال خمس سنوات على الأراضي الزائدة على القدر المسموح به. وأن الحكومة لم تبدأ فعلاً في الاستيلاء على الأراضي الواقعة في دائرة منطقة أسوان لأنها مخصصة لزراعة قصب السكر. وأن المادة 4 من المرسوم بقانون سالف الذكر أباحت لكل مالك تزيد ملكيته على القدر المسموح به أن يتصرف في الزيادة بالبيع خلال خمس سنوات لصغار المزارعين. وأن مصلحة الطاعن في أخذ العقار بالشفعة لا تتعارض مع الحظر الوارد بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 178 سنة 1952، وأنه تطبيقاً للمبادئ العامة يكفي أن يكون لرافع الدعوى مصلحة مادية أو أدبية مشروعة وجدية، وأن هذه الشروط متوافرة في خصوص هذه الدعوى، وأخيراً فإن منطوق الحكم المطعون فيه يناقض أسبابه مما ينتهي إلى اعتبار الحكم غير محمول على أسباب، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن محكمة أول درجة قضت "بعدم جواز أخذ العقار المرفوع بشأنه الدعوى بالشفعة لكونه من الأملاك العامة". وجاء منطوق الحكم المطعون فيه قاضياً "بتأييد الحكم المستأنف" مع أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على أن حكم الشفعة منشئ لملكية الشفيع ومن ثم يتعارض الحكم بها في خصوصية هذه الدعوى مع ما نصت عليه المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 178 رقم 1952. وأن هذا الذي أقام الحكم عليه قضاءه يتعارض مع المنطوق القاضي بتأييد قضاء محكمة أول درجة بعدم جواز الشفعة لأن الأعيان المشفوع فيها من الأموال العامة.
وحيث إن هذا النعي في جميع وجوهه مردود بأن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على أن طلب الشفعة في خصوصية هذه الدعوى غير مشروع لمخالفته لقاعدة من قواعد النظام العام استناداً إلى أن حكم الشفعة منشئ لملكية الشفيع وأن الحكم بالشفعة في هذه الدعوى من شأنه مخالفة حكم المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 178 سنة 1952، وهذا الذي أقام الحكم عليه قضاءه لا مخالفة فيه للقانون على ما سبق البيان في الرد على السبب الأول، ومن ثم فإن تعييب الحكم بالقصور لعدم الرد على دفاع الطاعن في خصوص الوجهين الأول والثاني من هذا السبب يكون غير منتج - كما أن الحكم قد رد على دفاع الطاعن فيما أثاره عن مصلحته إذ أورد الحكم إن هذه المصلحة لا يعتد بها لتعارضها مع أحكام المرسوم بقانون 178 سنة 1952 التي تقرر قاعدة من قواعد النظام العام، ومردود أخيراً بأن محكمة أول درجة إذ ضمنت منطوق حكمها سبب قضائها بعدم قبول الدعوى تكون قد تزيدت لأن الأسباب لا ترد بالمنطوق ويكون ما قضت به هو عدم قبول الدعوى وهو ما أيدته محكمة الاستئناف لأسباب صحيحة تخالف أسباب الحكم المستأنف - هذا فضلاً عن أن لا مصلحة للطاعن في التمسك بهذا النعي لأن مقتضى أسباب الحكم المطعون فيه الصحيحة أن يكون منطوق الحكم "رفض الدعوى" وسيان بالنسبة للطاعن أن يكون منطوق الحكم عدم جواز الشفعة أو رفض الحكم بها.
وحيث إنه لهذه الأسباب يتعين رفض الطعن.