أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 8 - صـ 828

جلسة 21 من نوفمبر سنة 1957

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمود عياد، ومحمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت المستشارين.

(92)
طعن رقم 355 سنة 23 ق

( أ ) هبة "قبولها". أهلية. ولي. حكم "تسبيب معيب". دفاع. الحكم بإبطال هبة قبلها الواهب نيابة عن ابنه بصفته ولياً عليه مع أنه كان بالغاً سن الرشد. إغفال الحكم التعرض لما تمسك به الموهوب له من أن عقد الهبة نفذ واستلم الشيء الموهوب وانتفع به برضاء الورثة وطلبه إحالة الدعوى على التحقيق لإثبات ذلك. قصور. م 489 مدني.
(ب) نقض "سبب جديد". دفاع. محكمة الموضوع. عدم استبعادها مذكرة مقدمة إليها بدفاع أحد الخصوم في الدعوى المطروحة عليها. التمسك بهذا الدفاع أمام محكمة النقض لا يعتبر جديداً.
(ج) إعلان. مخاطبة المعلن إليها مع خالها دون بيان ما إذا كان مقيماً معها. ثبوت أن الإعلان وجه إليها وإلى والدتها في وقت واحد ومخاطبة الأخيرة مع أخيها المقيم معها وهو خال الأولى. صحة الإعلان.
1 - إذا كان الواهب قد قبل الهبة التي صدرت منه لأحد أولاده بصفته ولياً عليه مع أن الموهوب له كان في وقت القبول بالغاً سن الرشد وتمسك الموهوب له أمام محكمة الموضوع بأن عقد الهبة قد تنفذ واستلم الشيء الموهوب ووضع اليد عليه وانتفع به بإقرار ورضاء جميع الورثة وطلب الإحالة على التحقيق لإثبات ذلك فأبطل الحكم الهبة لبطلان قبولها ولم تأبه المحكمة لهذا الدفاع وأغفلت التعرض له مع أنه دفاع جوهري يحتمل معه - فيما لو ثبت - أن يتغير وجه الحكم في الدعوى، فإن ذلك يعتبر قصوراً في التسبيب يعيب الحكم.
2 - متى كان أحد الخصوم قد قدم إلى محكمة الموضوع مذكرة بدفاعه فإن الكلمة في شأن الاعتداد بهذه المذكرة أو استبعادها إنما هو لمحكمة الموضوع التي قدمت إليها تلك المذكرة وأودعت ملف الدعوى المنظورة أمامها. وطالما أن تلك المحكمة - إلى أن صدر الحكم - لم تأمر باستبعادها فهي قائمة قانوناً أمامها باعتبارها ورقة من أوراق الدعوى ويعتبر الدفاع الوارد فيها مطروحاً عليها - ومن ثم لا يكون التمسك بهذا الدفاع جديداً أمام محكمة النقض.
3 - إذا تبين من الاطلاع على أصل محضر الإعلان أنه أعلن في وقت واحد إلى أم وابنتها وأن الأم خوطبت في الإعلان مع أخيها المقيم معها لغيابها وهو الذي خوطبت معه المعلن إليها الثانية أيضاً باعتبار أنه خالها - فإن هذا الإعلان يكون صحيحاً. ولا يحتج بأن المحضر لم يوضح في أصل الإعلان ما إذا كان هذا الشخص مقيماً معها أم لا - لأن مفهوم ذلك الإعلان أن المعلن إليها الثانية تقيم مع والدتها وأن خالها الذي خوطبت هذه الأخيرة معه في الإعلان يكون مقيماً معها كذلك وأن المحضر إنما تفادى التكرار لما هو مفهوم من واقع الحال.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن وقائع الدعوى على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتلخص في أن المطعون عليهما الأولين رفعا الدعوى رقم 214 سنة 1950 مدني كلي أسيوط ضد الطاعنين وباقي المطعون عليهم عدا الأخير في إبريل سنة 1950 بعريضة ذكرا فيها أن مورثهم جميعاً المرحوم جريس عبد الملك صليب توفى بتاريخ 2 من يونيه سنة 1949 عن تسعين عاماً وترك أطياناً مقدارها 18 فداناً و17 قيراطاً و6 أسهم يخص رافعي الدعوى فيها 6 فدادين و13 قيراطاً و6 أسهم، كما ترك نقوداً يخصهما فيها 278 جنيهاً و500 مليم، ولما كانا قد وجدا ضمن أوراق والدهما المتوفى عقداً موصوفاً بأنه عقد هبة رسمي محرر أمام محكمة أسيوط الكلية الشرعية بتاريخ 2/ 6/ 1945 وصادراً من والدهما إلى أولاده - عدا رافعي الدعوى - يتضمن هبة لهم جميع الأطيان المتروكة عنه سالفة الذكر وكان هذا العقد في نظرهما باطلاً لعدم تنفيذه عقب صدوره ولأن الواهب قبل الهبة الصادرة منه باعتباره ولياً على جميع أولاده الموهوب لهم أن اثنتين منهم - وهما الطاعنتان - بالغتان سن الرشد ويكون قبوله للهبة عنهما باطلا ًفقد طلبا الحكم بإبطال العقد المذكور والحكم بتثبيت ملكيتهما إلى نصيبهما سالف الذكر في أطيان التركة - وإلزام المطعون عليهم عدا الأخير بأن يدفعوا لهما من تركة مورثيهما مبلغ 278 جنيهاً و500 مليم مع تكليف المطعون عليه الأخير بضم الأوراق الخاصة بجرد تركة المورث. وبتاريخ أول يناير سنة 1951 قضت المحكمة المذكورة - أخذاً بدفاع رافعي الدعوى - بإبطال إشهاد الهبة المذكور بالنسبة لما وهب إلى الطاعنتين ومقداره 3 أفدنة و1 قيراط و22 سهم وتثبيت ملكية رافعي الدعوى إلى 1 فدان و1 قيراط و21 سهماً مناصفة بينهما شيوعاً في المقدار المذكور وبإحالة الدعوى فيما يختص بالنقود إلى التحقيق لإثبات ونفي استيلاء المطعون عليه الأول على نقود المورث وأن نصيب ولديه رافعي الدعوى في هذه النقود هو المبلغ المطالب به. فاستأنفت الطاعنتان هذا الحكم أمام محكمة استئناف أسيوط بالاستئناف رقم 230 سنة 26 ق بالنسبة لما قضى به من بطلان الهبة لهما وهذه حكمت بتاريخ 7 من يونيه سنة 1953 بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف. فطعنت الطاعنتان في هذا الحكم بالنقض. ودفعت النيابة ببطلان الطعن بالنسبة للمطعون عليها الرابعة لبطلان إعلانها بتقرير الطعن وطلبت في الموضوع - نقض الحكم في خصوص السببين الأول والثاني من أسباب الطعن. ولما عرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 5 من يونيه سنة 1957 قررت إحالته على الدائرة المدنية لنظره بجلسة 7/ 11/ 1957 وفيها أصرت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إنه فيما يختص بالدفع ببطلان الطعن بالنسبة للمطعون عليها الرابعة فمبناه أن المحضر الذي قام بإعلان المطعون عليها المذكورة بتقرير الطعن قد أثبت في محضره أنه أعلنها مخاطباً مع خالها رزق حنا فرج دون أن يوضح في أصل الإعلان ما إذا كان هذا الشخص مقيماً معها أم لا.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على أصل محضر الإعلان المذكور أنه أعلن في وقت واحد إلى كل من المطعون عليهما الثالثة والرابعة وأن المطعون عليها الثالثة خوطبت في الإعلان مع أخيها رزق حنا فرج المقيم معها لغيابها وهو الذي خوطبت معه المطعون عليها الرابعة في الإعلان باعتبار أنه خالها فإذا لوحظ أن المطعون عليها المذكورة هي الآنسة أليس جريس عبد الملك وأنها ابنة المطعون عليها الثالثة التي يقيم في مسكنها رزق حنا فرج الذي أعلنت المطعون عليه الرابعة في مواجهته - فإن مفهوم ذلك الإعلان أن المطعون عليها المذكورة تقيم مع والدتها وأن رزق الذي خوطبت هذه الأخيرة معه في الإعلان يكون مقيماً معها وأن المحضر إنما تفادى التكرار لما هو مفهوم من واقع الحال وبذا يكون إعلانها صحيحاً والدفع في غير محله.
وحيث إنه لذلك يكون الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن السبب الأول من أسباب الطعن يدور حول مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون لإخلاله بحق الطاعنتين في الدفاع وقصور تسبيبه، ذلك أنهما في المذكرة المقدمة منهما لمحكمة الاستئناف تمسكتا بأن عقد الهبة الباطل من حيث الشكل إذا قام الواهب أو ورثته مختارين بتنفيذه فلا يجوز لهم طبقاً للمادة 489 من القانون المدني أن يستردوا ما سلموه وطلبتا في تلك المذكرة إحالة الدعوى على التحقيق ليثبتا بكافة الطرق قيام الورثة بتنفيذ عقد الهبة - غير أن الحكم المطعون فيه لم يجبهما إلى هذا الطلب أو يرد على هذا الدفاع مع أنه لو أحيلت الدعوى على التحقيق وأثبتت الطاعنتان تنفيذ الهبة ووضع يدهما على الأطيان التي اختصتا بها في عقد الهبة لتصحح طبقاً لحكم القانون ذلك العيب الشكلي في العقد وما جاز الحكم بعد ذلك ببطلانه. وبذا يكون الحكم المطعون فيه قد أخل بحق الطاعنتين في الدفاع إخلالاً معيباً موجباً لنقضه.
وحيث إن المطعون عليهما الأولين دفعا بأن هذا السبب جديد لم يسبق عرضه أو إثارته أمام محكمة الاستئناف فلا يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض وقالا في صدد ذلك إن مذكرة الطاعنتين التي ورد فيها هذا الدفاع دست على المحكمة الاستئنافية ولم تسلم لهما صورة منها وأودعت ملف الدعوى بطريقة غير قانونية إذ أنها قدمت بعد الميعاد الذي كان محدداً لتقديمها وسلمت صورتها إلى محام لا صفة له في الخصومة وليس وكيلاً عن أحد من الطرفين فيها. وأن الشخص الذي تسلم ذلك المحامي تلك المذكرة عنه "زكي خله" لا شأن له في الدعوى وليس طرفاً فيها مما يتعين معه استبعاد تلك المذكرة وعدم التعويل على ما جاء فيها.
وحيث إن الكلمة في شأن الاعتداد بهذه المذكرة أو استبعادها إنما هو لمحكمة الاستئناف التي قدمت إليها تلك المذكرة وأودعت ملف الدعوى المنظورة أمامها وطالما أن تلك المحكمة - إلى أن صدر الحكم المطعون فيه - لم تأمر باستبعادها فهي قائمة قانوناً أمامها باعتبارها ورقة من أوراق الدعوى المطروحة عليها يعتبر الدفاع الوارد فيها مطروحاً عليها ومن ثم لا يكون التمسك بهذا الدفاع جديداً أمام هذه المحكمة.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على تلك المذكرة أن الطاعنتين تمسكتا فيها بصحة الهبة الصادرة لهما من مورثهما رغم ما شابها من العيب المدعى به من حيث الشكل وذلك لتنفيذها ووضع يدهما على نصيبهما فيها وانتفاعهما به برضاء جميع الورثة بما فيهم المطعون عليهما الأولان وذلك استناداً إلى نص المادة 489 من القانون المدني الجديد التي تقضي بأنه "إذا قام الواهب أو ورثته مختارين بتنفيذ هبة باطلة لعيب في الشكل فلا يجوز لهم أن يستردوا ما سلموه" وطلبت الطاعنتان الهبة في مذكرتهما من باب الاحتياط إحالة الدعوى على التحقيق لكي يثبتا تنفيذ الهبة ووضع يدهما على نصيبهما فيها من الأطيان وانتفاعهما به إلى الآن على مرأى ومسمع برضاء الواهب من قبل وورثته من بعده بما فيهم المطعون عليهما الأولان.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أبطل عقد الهبة بالنسبة للطاعنتين لبطلان قبول الواهب نيابة عنهما للهبة لأنهما كانتا في وقت بالغتين سن الرشد. ولما كانت الطاعنتان قد تمسكتا في مذكرتهما المقدمة للمحكمة الاستئنافية بأن عقد الهبة المذكور قد تنفذ واستلمتا نصيبهما فيه ووضعتا اليد عليه وانتفعتا به بإقرار ورضاء جميع الورثة وطلبتا الإحالة على التحقيق ليقوما بإثبات ذلك وكانت المحكمة لم تأبه لهذا الدفاع وأغفلت التعرض له مع أنه دفاع جوهري يحتمل معه - فيما لو ثبت - أن يتغير وجه الحكم في الدعوى - فإن هذا يعتبر قصوراً في التسبيب يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي الأسباب.