أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 8 - صـ 842

جلسة 28 من نوفمبر سنة 1957

برياسة السيد المستشار محمود عياد، وبحضور السادة: محمد متولي عتلم، ومحمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت المستشارين.

(94)
طعن رقم 259 سنة 23 ق

( أ ) عمل "أجر العامل". حكم "تسبيب كاف". نقض "أسباب الطعن". اعتبار المنحة السنوية التي تمنح للعامل جزءاً من الأجر الذي تقدر المكافأة على أساسه. القانون رقم 41 لسنة 1944. المادة 683 مدني جديد.
(ب) عمل "أجر العامل". عرف. محكمة الموضوع. سلطتها في استخلاص اعتياد رب العمل على صرف منح للعمال بصفة عامة وأن هذا الاعتياد أنشأ عرفاً خرج بها عن اعتبارها تبرعاً إلى جعلها إلزاماً يضاف إلى الأجر الأصلي ويعتبر مكملاً له.
(ج) عمل "مكافآت العمال". تأمين. الجمع بين المكافأة والتأمين غير جائز طبقاً للمادة 39 من القانون رقم 41 لسنة 1944.
(د) عمل "مكافآت العمال". قانون. عدم سريان المادة 47/ 2 من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي على الماضي.
1 - إذا كان الحكم قد اعتبر المنحة السنوية التي تمنح للعامل جزءاً من الأجر وقدر مكافأته على هذا الأساس وفقاً لقانون عقد العمل الفردي رقم 41 لسنة 1944 - فإنه يكون غير منتج النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون بمقولة إنه استند إلى المادة 683 من القانون المدني الجديد مع أن العامل كان قد فصل من الخدمة قبل العمل بهذا القانون. ذلك أن المادة 22 من قانون عقد العمل الفردي المشار إليه عند تحدثها عن أساس تقدير التعويض الذي يستحقه أحد الطرفين (العامل أو رب العمل) قبل الطرف الآخر عن الإخلال بشرط المهلة قبل فسخ العقد وضعت نصاً يبين منه أن الأجر يشمل ما يتناوله العامل من أجر ثابت ومرتبات إضافية وأتبع المشرع هذا النص بنص المادة 23 التي وضع فيها قواعد تقدير المكافأة التي يتعين على رب العمل أداؤها إذا كان الفسخ صادراً منه وذلك على أساس أجر العامل، وقد أطلق في هذا الخصوص لفظ "الأجر" ولم يحدده بأنه الأجر الثابت الذي يستفاد منه أن المشرع قصد بعموم هذا اللفظ أن يشمل الأجر الثابت والمرتبات الإضافية على نحو ما عرف به الأجر في المادة السابقة - ويبين من ذلك أن المادة 683 من القانون المدني الجديد إذ نصت على أن المنحة السنوية المشار إليها في هذه المادة تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الأجر لم تستحدث حكماً جديداً في بيان عناصر الأجر.
2 - متى كان الحكم إذ اعتبر المنحة السنوية جزءاً من أجر العامل وأجرى احتساب مكافأته على هذا الأساس قد استند إلى ما استخلصه من شهادة الشهود وما ثبت من هذه الشهادة من أن رب العمل اعتاد لعدة سنوات صرف المنحة لعماله جميعاً بصفة عامة وعلى أساس نسبة معينة من مرتباتهم وأن هذا الاعتياد أنشأ عرفاً خرج بهذه المنحة من اعتبارها تبرعاً إلى جعلها إلزاماً يضاف إلى أجر العامل الأصلي ويعتبر مكملاً له، ولم يدع رب العمل أمام قضاء الموضوع أنه توقف عن إعطاء عماله المنحة السنوية أو أنه أنقص من قدرها الذي جرى على احتسابه سنوياً على أساس نسبة معينة من مرتباتهم كما أنه لم يوجه أي مطعن فيما اعتبره الحكم عرفاً - فإن استخلاص محكمة الموضوع في هذا الصدد هو مما يدخل في حدود سلطتها الموضوعية التي هي بمنأى عن رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصها سائغاً ويؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها في خصوصه.
3 - متى كان الحكم قد أجاز الجمع بين المكافأة المستحقة للعامل عن مدة خدمته وبين المبالغ التي سددها رب العمل لحسابه في بوليصة التأمين فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق المادة 39 من قانون عقد العمل الفردي رقم 41 لسنة 1944 - ذلك أن الواضح من هذا النص أن المشرع حظر أن يجمع العامل بين المبالغ المدفوعة لحسابه في صندوق التوفير أو الادخار وبين مكافأة الخدمة بل كل ما خوله له هو الحصول على أكبر القيمتين. والحكمة التي توخاها المشرع في ذلك هي عدم إلحاق غبن بصاحب العمل حتى لا يحمل المؤسسة بالتزامات قد تؤثر عليها في أداء رسالتها فمتى ثبت أنها وهي في سبيل تنظيم عملها قد اتخذت نظاماً مالياً يؤدي إلى ذات الغرض من نظام التوفير أو الادخار - كما هو الحال في نظام التأمين - فإن هذه المحكمة تظل قائمة وتنتج أثرها في تحديد العلاقة بين الطرفين بشأن تقدير قيمة المكافأة وليس ثمت مبرر للتفرقة بين نظام صندوق التوفير أو الادخار وبين نظام بوليصة التأمين في احتساب المكافأة.
4 - إن الفقرة الثانية من المادة 47 من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي إذ نصت على جواز الجمع بين مكافأة الخدمة للعامل وما يستحقه في صندوق الادخار في حالة عدم النص في لائحة الصندوق على أن ما أداه صاحب العمل قد قصد به أن يكون مقابلاً لالتزامه القانوني بالمكافأة - هي تشريع مستحدث دعا إلى استصداره تطور الحالة الصناعية في البلاد وقد تضمنت تلك الفقرة من المادة المذكورة حكماً إنشائياً جديداً لا يسوغ تطبيقه إلا على الوقائع التي وقعت بعد نفاذه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليه أقام على الشركة الطاعنة أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية الدعوى رقم 659 سنة 1950 كلي الإسكندرية وطلب في صحيفة افتتاحها الحكم بإلزام الشركة بأن تدفع له مبلغ 599 جنيهاً و166 مليماً وفوائده بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام الوفاء والمصاريف والأتعاب ويشمل هذا المبلغ:
أولاً: قيمة المكافأة التي يستحقها عن مدة عمله بالشركة - على أساس أن مرتبه الشهري 31 جنيهاً و55 مليماً. ثانياً - قيمة ما ساهمت به الشركة في بوليصة التأمين الخاصة به. ثالثاً - مقابل المنحة السنوية عن سنة 1949 التي فصلته الشركة من عمله خلالها. رابعاً - مرتب شهر بدل الإخطار بالفصل. وفي 31 من يوليه سنة 1950 قضت المحكمة الابتدائية بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعي (المطعون عليه) بكافة الطرق أن مرتبه الشهري مبلغ 31 جنيهاً و55 مليماً وأنه اتفق مع المدعى عليها على أن المكافأة تحتسب على أساس هذا المرتب وأن له الحق في مبلغ التأمين الذي دفعته الشركة في بوليصة التأمين علاوة على المكافأة على أن يكون للمدعى عليها (الطاعنة) النفي بنفس الطرق. وبعد أن تنفذ هذا الحكم بسماع شهادة كراديمتر وبولو باشكاتب الشركة الذي أشهدته هي قضت محكمة أول درجة في 31 من يناير سنة 1951 بإلزام المدعى عليها بأن تدفع للمدعي مبلغ 218 جنيهاً و102 مليماً والمصاريف المدنية المناسبة لمبلغ 417 جنيهاً و334 مليماً والفوائد بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة في 28 من يناير سنة 1950 حتى 15 من يناير سنة 1951 بالنسبة لمبلغ 417 جنيهاً و334 مليماً وحتى السداد بالنسبة للمبلغ المحكوم به وقدره 218 جنيهاً و102 مليماً و500 قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات. استأنفت الشركة الطاعنة هذا الحكم أمام محكمة استئناف الإسكندرية وطلبت إلغاء الحكم المستأنف فيما زاد على مبلغ 268 جنيهاً و610 مليماً وهو قيمة المكافأة القانونية ومهلة الإنذار على أن يخصم منه مبلغ 199 جنيهاً و232 مليماً قيمة المبلغ الذي سلمته الطاعنة أثناء نظر الدعوى، وقيد استئنافها برقم 118 سنة 7 ق - وأقامته على أمرين، الأول - أن الحكم المستأنف قد أخطأ إذ جمع بين قيمة بوليصة التأمين والمكافأة مخالفاً بذلك نص المادة 39 من قانون عقد العمل الفردي رقم 41 لسنة 1944. الثاني - أن الحكم أخطأ أيضاً في احتساب المنحة السنوية والقضاء بها للمطعون عليه مع أنها لا تقرر إلا للموجودين في العمل وقت منحها وهي لم تقرر في سنة 1949 إلا بعد فصل العامل في يوليه من السنة المذكورة كما استأنف جان بنسا بدوره أيضاً حكم محكمة أول درجة وقيد استئنافه برقم 135 سنة 7 ق وطلب الحكم بإلزام الشركة بأن تدفع له مبلغ 181 جنيهاً و834 مليماً علاوة على ما قضى به الحكم المستأنف وبنى استئنافه على أمر واحد وهو النعي على الحكم المستأنف بأنه قدر المكافأة على أساس أن مرتبه مبلغ 25 جنيهاً و271 مليماً دون أن يضيف إليه متوسط المنحة التي كانت تمنحها الشركة لعمالها بصفة منتظمة والتي تجعل حقيقة مرتبه مبلغ 31 جنيهاً و55 مليماً ودون أن تنفذ اتفاق الشركة بمنح المكافأة على أساس مرتب شهر من مجموع سني الخدمة للعامل وهو الأصلح له ودفعت الشركة أمام محكمة الاستئناف بعدم جواز الاستئناف المرفوع من جان بنسا لقلة النصاب. وفي 16 من يونيو سنة 1953 قضت محكمة استئناف الإسكندرية حضورياً في الاستئنافين، أولاً - برفض الدفع المقدم من الشركة بعد جواز استئناف جان بنسا وبجوازه وبقبول الاستئنافين شكلاً. ثانياً - في الموضوع بتعديل الحكم المستأنف إلى إلزام شركة المكابس والمخازن العمومية بأن تدفع للمستأنف جان بنسا مبلغ 328 جنيهاً و741 مليماً والفوائد بواقع 4% بالنسبة لمبلغ 527 جنيهاً و973 مليماً من تاريخ رفع الدعوى الحاصل في 28/ 1/ 1950 حتى 15/ 1/ 1951 وبالنسبة لمبلغ 328 جنيهاً و741 مليماً من تاريخ 16/ 1/ 1951 حتى السداد والمصاريف المدنية المناسبة الدرجتين ومبلغ 1000 قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفض الاستئناف المرفوع من الشركة مع إلزامها بمصاريفه. وقد طعنت الشركة في هذا الحكم بطريق النقض، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 22 من مايو سنة 1957 حيث أصر الحاضر عن الطاعنة على ما جاء بتقرير الطعن وطلب الإحالة إلى الدائرة المدنية - وصممت النيابة أمام تلك الهيئة على ما جاء بمذكرتها وطلبت رفض الطعن - وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى الدائرة المدنية لجلسة 24 من أكتوبر سنة 1957 وفيها أصرت الطاعنة على طلباتها وصمم المطعون ضده والنيابة العامة على طلب رفض الطعن.
ومن حيث إن الطعن بني على سبب واحد هو مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله من وجهين:
ومن حيث إن الوجه الثاني يخلص في أن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر المنحة السنوية جزءاً من الأجر وقدر مكافأة المطعون ضده على هذا الأساس مجارياً في ذلك حكم محكمة الدرجة الأولى الذي استند إلى نص المادة 683 من القانون المدني الجديد قد أخطأ في تطبيق القانون لسببين: الأول - أن المطعون ضده فصل من الخدمة في 31 من يوليه سنة 1949 أي قبل العمل بالقانون المدني الجديد فلا يصح تطبيق هذه المادة على واقعة الدعوى. الثاني - أنه بفرض انطباقها فإنها إنما وردت في خصوص حساب المرتب لتعيين القدر الجائز الحجز عليه تحت يد صاحب العمل، وقد ورد بها أن المبالغ يتعين أن تكون معلومة المقدار قبل الحجز. والمنحة بطبيعتها لا يمكن تعيين مقدارها قبل تقرير منحها - وحقيقة أمر هذه المنحة أنها لا تمنح إلا للعمال والمستخدمين الموجودين فعلاً في خدمة الشركة عند تقريرها - وقد ترك المطعون ضده الخدمة قبل تقريرها - كما أن هذه المنحة محض اختيارية للشركة منحها سنة ومنعها سنة أخرى ومقدارها غير محدد ولا قابل للتحديد مقدماً فلا وجه لإدخالها في حساب المكافأة.
ومن حيث إن هذا النعي مردود - أولاً: بأن المادة 32 من قانون عقد العمل الفردي رقم 41 لسنة 1944 الذي يحكم واقعة الدعوى عند تحدثها عن أساس تقدير التعويض الذي يستحقه أحد الطرفين (العامل أو رب العمل) قبل الطرف الآخر عن الإخلال بشرطه المهلة قبل فسخ العقد وضعت نصاً يبين منه أن الأجر يشمل ما يتناوله العامل من أجر ثابت ومرتبات إضافية. وأتبع المشرع هذا النص بنص المادة 23 التي وضع فيها قواعد تقرير المكافأة التي يتعين على رب العمل أداؤها إذا كان الفسخ صادراً منه وذلك على أساس أجر العامل وقد أطلق في هذا الخصوص لفظ (الأجر) ولم يحدده بأنه الأجر الثابت الأمر الذي يستفاد منه أن المشرع قصد بعموم هذا اللفظ أن يشمل الأجر الثابت والمرتبات الإضافية على نحو ما عرف به الأجر في المادة السابقة - ويبين من ذلك أن المادة 683 من القانون المدني الجديد إذ نصت على أن المنحة السنوية المشار إليها في هذه المدة تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الأجر لم تستحدث حكماً جديداً في بيان عناصر الأجر يؤيد ذلك ما ورد بالأعمال التحضيرية في هذا الخصوص وعلى ذلك يكون غير منتج ما تنعاه الطاعنة من أن المطعون عليه قد فصل في 31 من يوليو سنة 1949 قبل العمل بالقانون المدني الجديد، ومردود - ثانياً - بأن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر المنحة جزءاً من أجر المطعون عليه وأجرى احتساب مكافأته على هذا الأساس قد استند إلى ما استخلصه من شهادة باشكاتب الشركة أمام محكمة أول درجة وما ثبت من هذه الشهادة من أن الشركة اعتادت لعدة سنوات على صرف المنحة لعمالها جميعاً بصفة عامة وعلى أساس نسبة معينة من مرتباتهم - وأن هذا الاعتياد أنشأ عرفاً خرج بهذه المنحة من اعتبارها تبرعاً إلى جعلها إلزاماً يضاف إلى أجر العامل الأصلي ويعتبر مكملاً له. وقد ورد بالحكم في هذا الصدد "وحيث إن محكمة أول درجة مع تسليمها بصحة المبدأ القائل باحتساب المنحة جزءاً من المرتب إذا ما جرت العادة بمنحها في بعض الصناعات أو الحرف حتى أصبح عمال المصنع يعتبرونها جزءاً من الأجر لا تبرعاً ورغم ما ثبت لديها من شهادة باشكاتب الشركة من أن الشركة اعتادت أن تمنح عمالها سنوياً وبصفة عامة هذه المنحة وأنها منحت المستأنف بالفعل عن سني 1946 و1947 و1948 وأن إدارة الشركة وافقت أيضاً على منحها لعمالها في سنة 1949، فإنها لم تشأ اعتبار هذا عرفاً ملزماً لأنه يشترط لاعتبار العرف قاعدة ملزمة أن يكون قد استمر العمل به فترة طويلة وأن يسير على وتيرة واحدة حتى يثبت ويرسخ حكمه في الأذهان.
وحيث إن المحكمة ترى أن اعتياد الشركة سنوات على صرف هذه المنحة وبصفة عامة لجميع العمال على أساس نسبة معينة من مرتباتهم قد خرج بهذه المنحة من اعتبارها تبرعاً إلى جعلها إلزاماً يضاف إلى أجر العامل الأصلي ويعتبر مكملاً له وبذلك تعتبر المنحة التي كان يستحقها المستأنف عن سنة 1949 جزءاً متمماً لأجره ويتعين احتساب مكافأته على هذا الأساس وبذلك يكون أجره الشهري 30 جنيهاً و437 مليماً على اعتبار ما يخصه في هذه المنحة شهرياً هو 5 جنيهات و166 مليماً ولما كانت الشركة الطاعنة لم تدع أمام قضاء الموضوع بدرجتيه أنها توقفت عن إعطاء عمالها هذه المنحة السنوية في أية سنة منذ سنة 1946 أو أنها أنقصت من قدرها الذي جرت على احتسابه سنوياً على أساس نسبة معينة من مرتباتهم كما أنها لم توجه أي مطعن فيما اعتبره الحكم المطعون فيه عرفاً، لما كان ذلك فإن استخلاص محكمة الموضوع في صدد هذا النعي مما يدخل في حدود سلطتها الموضوعية التي هي بمنأى عن رقابة محكمة النقض، إذ كان استخلاصها سائغاً ويؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها في خصوصه - ومن ثم يكون النعي الوارد بهذا الوجه على غير أساس متعين الرفض.
ومن حيث إن حاصل الوجه الأول - أن الحكم المطعون فيه إذ أجاز الجمع بين مكافأة مدة الخدمة ومدفوعات الشركة في بوليصة التأمين أخطأ في تطبيق القانون - ذلك أنه وإن كان الحكم قد فسر المادة 39 من قانون عقد العمل الفردي رقم 41 لسنة 1944 تفسيراً صحيحاً من حيث عدم جواز الجمع بين المكافأة ومدفوعات رب العمل في صندوق الادخار إلا أنه طبق نص المادة المذكورة تطبيقاً ضيقاً إذ قرر أن حكمها قاصر على حالة صندوق الادخار في حين أنه لا فارق بين نظام صندوق الادخار وبوالص التأمين - لأنه في كلا النظامين يدفع العامل جزءاً من القسط المستحق وتدفع الشركة الجانب الآخر ويؤول المستحق في الصندوق أو في التأمين آخر الأمر إلى العامل أو الموظف بفصل مدفوعات رب العمل جزئياً - وهذه هي حكمة النص على احتساب تلك المدفوعات من هذه المكافأة وأن أغلب الشركات الكبرى عدلت عن نظام الادخار وفضلت عليه نظام التأمين الذي يؤدي نفس الغرض بطريقة عملية أسهل وأكثر ضماناً - وأن الشركة الطاعنة بدورها عدلت عن نظام الادخار واستعاضت عنه بالتأمين المذكور في صدد كراسة نظام التأمين التي كانت تحت نظر محكمة الاستئناف.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه إذ أجاز الجمع بين مكافأة خدمة المطعون ضده ومبلغ التأمين الذي ساهمت به الشركة الطاعنة لحسابه لدى شركة التأمين استند إلى ما قرره من أن: "قانون عقد العمل هو قانون خاص لا يصح القياس عليه أو التوسع في نصوصه - وقد نصت المادة 39 من هذا القانون على حالة معينة وهي وجود صندوق توفير أو ادخار في المؤسسة أما بوالص التأمين عند شركات التأمين فلم يرد لها ذكر في المادة المذكورة ولا يمكن تشبيهها بصندوق التوفير أو الادخار التابع للمؤسسة. وأن الثابت من كراسة التأمين المقدمة بحافظة جان بنسا والتي أقر بصحتها باشكاتب الشركة الذي أشهدته في الدعوى أنه اشترط في هذه الكراسة أن الموظف الذي يمضي عشر سنوات على الأقل في خدمة الشركة ثم يخرج منها بغير الطريق التأديبي يكون من حقه إما مواصلة التأمين لحسابه أو قبض مجموع شراء وثيقة التأمين نقداً. ولما كان جان بنسا قد قضى في خدمة الشركة أكثر من عشر سنوات فقد أصبح من حقه اقتضاء قيمة بوليصة التأمين نقداً وليس من حق الشركة خصم هذا المبلغ من قيمة المكافأة التي يستحقها".
ومن حيث إن المادة 39 من القانون رقم 41 لسنة 1944 نصت في فقرتها الأولى على أنه "إذا كان في مؤسسة صندوق توفير أو ادخار للعمال وكان ما دفعه صاحب العمل في هذا الصندوق لحساب أحد العمال يساوي ما يستحقه من مكافأة طبقاً للمادة 23 من هذا القانون أو يزيد عليه فلا يكون للعامل حق المطالبة بهذه المكافأة". وواضح من صراحة هذا النص أن المشرع حظر بين أن يجمع العامل بين المبالغ المدفوعة لحسابه في صندوق التوفير أو الادخار وبين مكافأة الخدمة بل كل ما خوله هو الحصول على أكبر القيمتين. والحكمة التي توخاها المشرع في ذلك الحين هي عدم إلحاق غبن بصاحب العمل حتى لا يحمل المؤسسة بالتزامات قد تؤثر عليها في أداء رسالتها. فمتى ثبت أن الشركة وهي في سبيل تنظيم عملها قد اتخذت نظاماً مالياً يؤدي إلى ذات الغرض من نظام التوفير أو الادخار فإن الحكمة التي توخاها المشرع من إيراد هذا النص بعدم جواز الجمع بين قيمة المكافأة والمبالغ المدفوعة من الشركة لحساب العامل بمقتضى هذا النظام المماثل - هذه الحكمة تظل قائمة وتنتج أثرها في تحديد العلاقة بين الطرفين بشأن تقدير قيمة المكافأة. ولما كان الثابت من كراسة التأمين المقدمة من المطعون عليه والتي كانت تحت نظر محكمة الموضوع أن النظام لذي رأت الشركة الطاعنة اتخاذه وهو نظام التأمين الذي استعاضت به عن نظام صندوق التوفير أو الادخار هو نظام مماثل يهدف إلى نفس الغاية ويسلك لتحقيقها نفس السبيل إذ يرمي كلا النظامين للاحتياط للمستقبل عن طريق اقتطاع جانب من الدخل في مواعيد دورية يدفع العامل جزءاً من قسطه المستحق وتدفع الشركة الجانب الآخر ويؤول المستحق في الصندوق أو في التأمين آخر الأمر إلى العامل أو الموظف. لما كان ذلك فإن التفرقة بين نظام صندوق التوفير أو الادخار وبين نظام بوليصة التأمين في احتساب مكافأة المطعون ضده في حالة هذا النزاع تفرقة لا مبرر لها - ولا يقدح في ذلك ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من خلو المادة 39 من القانون رقم 41 لسنة 1944 من النص على حالة التأمين، وأن قانون عقد العمل الفردي قانون خاص لا يصح القياس عليه أو التوسيع في تفسير نصوصه لمجافاة هذا النظر وما هدف إليه المشرع في المادة 39 سالفة الذكر على ما سبق بيانه. ولا محل لما ذهب إليه المطعون ضده في رده على هذا السبب من أن المادة 47 من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي نصت في فقرتها الثانية على أنه "إذا لم تنص لائحة الصندوق على أن أداه صاحب العمل قد قصد به أن يكون مقابلاً لالتزامه القانوني بمكافأة الخدمة فللعامل الحصول على ما يستحقه في صندوق الادخار طبقاً للائحة الصندوق والحصول كذلك على المكافأة القانونية" وأن هذه المادة مفسرة للمادة 39 من القانون رقم 41 لسنة 1944 - لا محل لهذا القول - ذلك لأن المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 تشريع مستحدث دعا إلى استصداره تطور الحالة الصناعية في البلاد. وتضمنت الفقرة الثانية من المادة 47 من المرسوم بقانون سالف الذكر حكماً إنشائياً جديداً لا يسوغ تطبيقه إلا على الوقائع التي وقعت بعد نفاذه فخلو كراسة التأمين من مثل النص الوارد بالفقرة الثانية من المادة 47 المشار إليها لا يخول المطعون ضده حق الجمع بين المبالغ المدفوعة لحسابه في بوليصة التأمين وبين مكافأة مدة الخدمة ما دام أن الشركة قد اتبعت هذا النظام منذ سنة 1919 - كما يستفاد من مذكرة المطعون عليه الشارحة - أي قبل صدور أول قانون لعقد العمل الفردي وهو القانون رقم 41 لسنة 1944 - وما دام أن علاقته بالشركة محكومة بالمادة 39 من القانون المذكور التي لا تخوله إلا الحصول على أكبر القيمتين كما سبق القول.
ومن حيث إنه يبين من جميع ما تقدم أن الحكم المطعون فيه إذ أجاز الجمع بين مكافأة المطعون ضده المستحقة له عن مدة خدمته وبين المبالغ التي سددتها الشركة لحسابه في بوليصة التأمين - إذ أجاز الحكم ذلك قد أخطأ في تطبيق المادة 39 من القانون رقم 41 لسنة 1944 ويتعين قبول هذا الوجه من الطعن ونقض الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص.
ومن حيث إن الدعوى صالحة للحكم فيها.
ومن حيث إنه لا خلاف بين طرفي الخصومة في أن المبلغ الذي سددته الشركة الطاعنة لحساب المطعون ضده في بوليصة التأمين هو مبلغ 137 ج و166 م.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قدر ما يستحقه المطعون ضده قبل الشركة بما في ذلك مبلغ التأمين قدره بمبلغ 527 ج و973 م وبخصم مبلغ التأمين من هذا المبلغ الأخير يصبح ما يستحقه المطعون ضده بذمة الشركة مبلغ 390 ج و807 مليمات.
ومن حيث إنه مسلم بين طرفي الخصومة بأن الشركة الطاعنة سددت للمطعون ضده أمام محكمة أول درجة أثناء سير الدعوى مبلغ 199 ج و232 م وبخصمه مما هو مستحق للمطعون ضده قبلها وقدره 390 ج و807 م يكون الباقي له بذمتها مبلغ 191ج و575 م وهو ما يتعين تعديل الحكم المستأنف إليه.