أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة 26 - صـ 913

جلسة 4 من مايو سنة 1975

برياسة السيد المستشار أمين فتح الله نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: علي عبد الرحمن، وصلاح الدين حبيب، ومحمود المصري، ومحمد كمال عباس.

(176)
الطعن رقم 218 لسنة 39 القضائية

(1، 2) تنفيذ "السند التنفيذي". دفع غير المستحق. حكم "حجية الحكم". نقض "أثر نقض الحكم".
(1) نقض الحكم. أثره. استرداد ما كان الخصم قد قبضه أو تسلمه من أموال عن طريق تنفيذ حكم النقض دون حاجة إلى تقاض جديد. شرطه.
(2) حوالة التعويض المحكوم به. اقتضاء المحال إليه قيمة الحق المحال به. عدم صلاحية الحكم بنقض حكم التعويض أداة للتنفيذ به قبل المحال إليه ابتغاء استرداد ما قبضه من المحكوم عليه.
(3) حكم "حجية الحكم".
الحكم الجنائي. حجيته المطلقة قاصرة على ما فصل فيه في الدعوى الجنائية وحدها. قصر حجية الحكم في الدعوى المدنية التابعة للدعوى الجنائية على من كان طرفاً فيها دون غيره.
1 - لئن كان مؤدى نص المادة 26 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض - الواجبة التطبيق - أن نقض الحكم المطعون فيه ينبني عليه زواله واعتباره كأن لم يكن وعودة الخصومة إلى ما كانت عليه قبل صدور الحكم المنقوض وعودة الخصوم إلى مراكزهم الأولى كذلك، وبالتالي إلغاء كل ما تم نفاذاً للحكم المنقوض من إجراءات وأعمال فيصبح من ثم استرداد ما كان الخصم قد قبضه أو تسلمه من أموال عن طريق تنفيذ ذلك الحكم دون ما حاجة إلى تقاض جديد، فإن ذلك كله مشروط بما هو مقرر من أن حكم النقض كغيره من الأحكام القضائية في المسائل المدنية - لا يكون حجة إلا على من كان طرفاً في الخصومة حقيقة أو حكماً.
2 - إذ كان المحكوم له بالتعويض قد حول إلى بنك مصر الحكم الذي صدر لمصلحته في القضية رقم...... جنح مستأنفة القاهرة قاضياً بإلزام...... (الطاعن) بأن يدفع له مبلغ ثلاثة آلاف جنيه، فقد انتقل الحق المقضى له إلى البنك المحال إليه وانتقل إليه أيضاً الحق في تنفيذ الحكم المحال، وقد قام البنك فعلاً - بصفته خلفاً خاصاً للمحكوم له - وعلى ما هو ثابت بالأوراق باقتضاء مبلغ التعويض من المحكوم عليه (.......) ولما كان هذا الأخير قد طعن بالنقض في حكم التعويض سالف الذكر في مواجهة خصمه المحكوم له بالتعويض، ولم يختصم - وما كان له أن يختصم - بنك مصر في هذا الطعن، وكانت حوالة حكم التعويض واقتضاء قيمته لا تجعل البنك ممثلاً في الخصومة التي قامت أمام محكمة النقض، فإن الحكم الصادر فيها بنقض الحكم بالتعويض لا يكون حجة عليه لأنه لم يكن طرفاً في الطعن المشار إليه لا حقيقة ولا حكماً، ومن ثم فلا يصح التنفيذ ضده بحكم النقض لاسترداد ما كان قد قبضه - باعتباره محالاً إليه - نفاذاً لحكم التعويض المنقوض. وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بهذا النظر، وكان النزاع في هذه الدعوى لا يثور حول حق الطاعن في استرداد ما دفعه لبنك مصر (المطعون عليه) نفاذاً لحكم التعويض، وإنما يثور حول ما إذا كان الحكم بنقض حكم التعويض يصلح أداة للتنفيذ به قبل ذلك البنك، فإن استناد الطاعن إلى قواعد حوالة الحق وإلى أحقية الطاعن في استرداد ما دفعه يكون على غير أساس.
3 - الحجية المطلقة للحكم الجنائي قاصرة على ما فصل فيه في الدعوى الجنائية وحدها، وإذا كان القانون قد أباح استثناء رفع الدعوى بالحق المدني إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية، فإن ذلك لا يغير من طبيعة تلك الدعوى المدنية وتكون حجية الحكم الصادر فيها قاصرة على من كان خصماً فيها دون غيره.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أنه بتاريخ 30/ 5/ 1963 صدر الحكم في القضية رقم 103 سنة 1963 جنح مستأنفة القاهرة بتغريم....... (الطاعن) عشرة جنيهات لأنه تسبب من غير قصد ولا تعمد في إصابة....... وبإلزام المحكوم عليه أن يدفع للمجني عليه ثلاثة آلاف جنيه على سبيل التعويض. حول المحكوم له المبلغ المقضى به إلى بنك مصر (المطعون عليه) الذي أعلن الحوالة للطاعن في 11/ 6/ 1963 ثم اقتضى منه الدين المحال. وإذ حكمت محكمة النقض في الطعن رقم 1840 سنة 34 قضائية بتاريخ 1/ 6/ 1965 بنقض الحكم ثم قضت محكمة الإحالة ببراءة الطاعن مما أسند إليه وبرفض دعوى التعويض قبله، فقد قام بإعلان بنك مصر بهذا الحكم الأخير واستصدر في 27/ 1/ 1968 من قاضي الأمور الوقتية بمحكمة القاهرة الابتدائية أمراً على عريضة برقم 26 لسنة 1968 باعتبار حكم النقض المشار إليه سنداً تنفيذياً لاسترداد ما كان قد أوفاه بمقتضى حكم التعويض الملغي واسترد نفاذاً لحكم النقض المشار إليه المبلغ المدفوع بمقتضى محضر تحصيل مؤرخ 27/ 2/ 1968 أقام بنك مصر الدعوى رقم 649 سنة 1968 مدني القاهرة الابتدائية متظلماً من الأمر سالف الذكر فحكمت المحكمة بإلغائه. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف برقم 1346 سنة 85 قضائية القاهرة وبتاريخ 22/ 2/ 1969 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وعرض الطعن على المحكمة في غرفة المشورة فحددت جلسة لنظره، وبالجلسة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالسببين الأول والثاني منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تأويله، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه على أن بنك مصر لم يكن طرفاً في دعوى التعويض التي كانت مرددة بين الطاعن (.........) وبين.......... وأنه لما كان هذا الأخير قد حول التعويض الذي صدر لمصلحته في تلك الخصومة إلى بنك مصر ونفذت الحوالة في حق الطاعن (المحكوم عليه) بإعلانه بها قبل القضاء بنقض الحكم المحال، فإنه لا يجوز للطاعن استناداً إلى حكم محكمة النقض استرداد ما كان قد دفعه البنك نفاذاً للحوالة، وإنما يجوز له ذلك عن طريق دعوى مبتدأة طبقاً للمادة 312 من القانون المدني وإن قاعدة الاسترداد ممن قبض قيمة الحكم المنقوض وفاء لدين له عند من كان محكوماً لصالحه فيه، لا تنطبق - بطريق تنفيذ حكم النقض - إلا إذا كان هذا الغير سيء النية، ومن ثم فلا وجه لإعمال تلك القاعدة قبل بنك مصر لأنه وقد احتال بحكم نهائي واجب النفاذ يعتبر حسن النية. وهذا الذي قام عليه قضاء الحكم المطعون فيه مخالف للقانون في ثلاثة أوجه الأول: أن بنك مصر لا يعتبر أجنبياً عن دعوى التعويض، فقد انتقل إليه الحق المقضى به في هذه الدعوى بما له من صفات وما عليه من دفوع، فأضحى من حق الطاعن (المحال إليه) طبقاً لقواعد الحوالة، أن يتمسك قبل البنك (المحال إليه) بالدفوع التي كان له أن يتمسك بها قبل المحيل وقت نفاذ الحوالة. ولا يغير من هذا النظر ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن حق الطاعن في الاسترداد نشأ بعد نفاذ الحوالة في حقه ذلك أنه إذا كان مصدر الحق المحال عقداً قابلاً للفسخ - كما هو الحال في هذه الدعوى - فإن التمسك بتحقق الفسخ يكون من الدفوع التي يجوز للطاعن (المحال عليه) أن يتمسك بها قبل المحيل وبالتالي قبل بنك مصر (المحال إليه) والثاني: أن المادة 325 من القانون المدني توجب لصحة الوفاء أن يكون الموفى مالكاً للشيء الذي وفى به فإذا انتفى هذا الشرط جاز - دائماً - استرداد ما دفع الدائن سواء كان حسن النية أو سيئها، أما القيد الذي أشار إليه الحكم المطعون فيه - وهو اشتراط سوء نية من قبض قيمة الحكم - فقد ورد في القانون الفرنسي بناء على نص خاص في المادة 1238 من القانون المدني بمنع استرداد النقود والأشياء الأخرى التي تستهلك بالاستعمال إذا كان الدائن قد استهلكها بحسن النية (أي لا يعلم عدم ملكيته الموفى لها) وهو نص لا مقابل له في القانون المصري. الثالث: أن الحكم المطعون فيه أخطأ إذ اعتبر بنك مصر حسن النية، ذلك أن هذا البنك وقد احتال بحكم محكمة الجنح المستأنفة بالتعويض فإن مصير الحوالة يكون مرتبطاً بمصير الحكم المحال، ولما كانت الحوالة قد تمت في 11/ 6/ 1963 في وقت كان ميعاد الطعن بالنقض في الحكم المحال ما زال قائماً، فإنه يكون قد احتال بحكم غير بات يعلم علماً يقينياً لا يقبل إثبات العكس أنه معرض للإلغاء وأن الحق الثابت فيه غير مملوك لمدينه ملكية نهائية مستقرة وهو ما ينفي توفر حسن النية لديه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه وإن كانت المادة 26 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض - الواجبة التطبيق - تنص على أنه يترتب على نقض الحكم إلغاء جميع الأحكام والأعمال اللاحقة للحكم المنقوض متى كان ذلك الحكم أساساً لها وهو ما مؤداه أن نقض الحكم المطعون فيه ينبني عليه زواله واعتباره كأن لم يكن وعودة الخصومة إلى ما كانت عليه قبل صدور الحكم المنقوض وعودة الخصوم إلى مراكزهم الأولى كذلك، وبالتالي إلغاء كل ما تم نفاذاً للحكم المنقوض من إجراءات وأعمال فيصح - من ثم - استرداد ما كان الخصم قد قبضه أو تسلمه من أموال عن طريق تنفيذ ذلك الحكم دون ما حاجة إلى تقاض جديد، فإن ذلك كله مشروط بما هو مقرر من أن حكم النقض كغيره من الأحكام القضائية في المسائل المدنية لا يكون حجة إلا على من كان طرفاً في الخصومة حقيقة أو حكماً، لما كان ذلك، وكان المحكوم له بالتعويض قد حول إلى البنك مصر الحكم الذي صدر لمصلحته في القضية رقم 103 لسنة 1963 جنح مستأنفة القاهرة قاضياً بإلزام....... (الطاعن) بأن يدفع له مبلغ ثلاثة آلاف جنيه، فقد انتقل الحق المقضى به إلى البنك المحال إليه وانتقل إليه أيضاً الحق في تنفيذ الحكم المحال، وقد قام البنك فعلاً بصفته خلفاً خاصاً للمحكوم له - وعلى ما هو ثابت من الأوراق - باقتضاء مبلغ التعويض من المحكوم عليه........ ولما كان هذا الأخير قد طعن بالنقض في حكم التعويض سالف الذكر في مواجهة خصمه المحكوم له بالتعويض ولم يختصم، وما كان له أن يختصم بنك مصر في هذا الطعن، وكانت حوالة حكم التعويض واقتضاء قيمته لا تجعل البنك المذكور ممثلاً في الخصومة التي قامت أمام محكمة النقض، فإن الحكم الصادر فيها بنقض الحكم بالتعويض لا يكون حجة عليه لأنه لم يكن طرفاً في الطعن المشار إليه لا حقيقة ولا حكماً ومن ثم فلا يصح التنفيذ ضده بحكم النقض لاسترداد ما كان قد قبضه باعتباره محالاً إليه ونفاذاً لحكم التعويض المنقوض. وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بهذا النظر، وكان النزاع في هذه الدعوى لا يثور حول حق الطاعن في استرداد ما دفعه لبنك مصر (المطعون عليه) نفاذاً لحكم التعويض وإنما يثور حول ما إذا كان الحكم بنقض حكم التعويض يصلح أداة للتنفيذ به قبل ذلك البنك فإن استناد الطاعن إلى قواعد حوالة الحق وإلى أحقية الطاعن في استرداد ما دفعه يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه أهدر الحجية المطلقة للحكم الصادر من محكمة النقض الجنائية، وهي حجية سلم بها الحكم ولكنه قرر في خصمها أنها قاصرة على الدعوى الجنائية دون الدعوى المدنية التي تنظر استثناء أمام المحكمة الجنائية وبني على ذلك أن الشق المدني من الحكم يبقى خاضعاً لقاعدة اقتصار حجيته على أطرافه وحدهم وهذا منه مخالف للقانون ذلك أن الشق المدني في الدعوى مرتبط بشقها الجنائي ارتباطاً لا يقبل التجزئة بحيث لا تقوم للمدني قائمة بغير الجنائي أمام المحكمة الجنائية، فإذ ما نقص الشق الجنائي من الحكم انتفى استحقاق المحكوم في الدعوى المدنية للتعويض المقضى به بموجب الحكم المنقوض، ولما كان نقض الشق الجنائي من الحكم حجة على الكافة فإن بنك مصر يكون قد قبض مبلغاً دون ما سبب.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن الحجية المطلقة للحكم الجنائي قاصرة على ما فصل فيه في الدعوى الجنائية وحدها. وإذا كان القانون قد أباح استثناء رفع الدعوى بالحق المدني إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية فإن ذلك لا يغير من طبيعة تلك الدعوى المدنية وتكون حجية الحكم الصادر فيها قاصرة على من كان خصماً فيها دون غيره. وإذ أخذ الحكم الحكم المطعون فيه بهذا النظر فإن النعي عليه بمخالفة القانون يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.