مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) - صـ 205

جلسة 11 إبريل سنة 1938

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمود المرجوشي باشا ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك المستشارين.

(199)
القضية رقم 745 سنة 8 القضائية

إقراض بربا فاحش. عقود استئجار وتأجير. اعتبار هذه العقود عقود إقراض. سلطة محكمة الموضوع في ذلك.
(المادة 294 فقرة ثانية وثالثة مكررة ع = 339)
إذا كانت الواقعة التي اعتبرها الحم إقراضاً بالربا الفاحش هي أن المتهم قد استأجر بمقتضى عقد من المقترض فدانين بمبلغ 14 جنيهاً ثم أجرهما بدوره إلى ابن المقترض بمبلغ 19 جنيهاً وذلك لما استظهرته المحكمة من أن قصد العاقدين إنما كان في الواقع الإقراض بفوائد تتجاوز الحدّ القانوني، لا الاستئجار والتأجير، فلا يجوز التمسك بعبارات العقدين المذكورين والمناقشة في صحة التفسير الذي ذهبت إليه المحكمة ما دام مبنياً على ما يسوغه.


المحكمة

وحيث إن أساس الطعن هو عدم وجود جريمة معاقب عليها قانوناً في الفعل الواقع من الطاعن. وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه استند في إدانته إلى ثلاث وقائع أوردها على سبيل الحصر وهي: (أوّلاً) إنه في خلال السنوات 1933 و1934 و1935 استأجر فدانين من خديجة محمد بكتاش بعقد إيجار بمبلغ 14 جنيهاً، ثم أجرها إلى ابنها إسماعيل محمد عمر بمبلغ 19 جنيهاً. (ثانياً) استأجر من صالح إبراهيم نصف فدان بمبلغ ثلاثة جنيهات، ثم أجره إليه بمبلغ 4 جنيهات و500 مليم. (ثالثاً) ارتهن حلقاً من محمود داود نظير مبلغ 90 قرشاً واقترض منه مائة قرش بعد ثلاثة شهور ونصف لرد الحلق. ويقول الطاعن إن الحكم اعتبر الواقعتين الأوليين عمليتي إقراض مكوّنتين لركن الاعتياد على الإقراض بربا فاحش مع أن هذا خطأ إذ خلطت فيه المحكمة بين الباعث والقصد، فالباعث لا شك هو الربح في كل عقد من العقود مهما كان هذا الربح جسيماً فهو حلال في كافة العقود عدا القرض إذ الربح فيه لا يزيد على حدّ معين. والعلة في ذلك هي أن عقد القرض بأصل وصفه ليس من عقود المغامرة الدائرة بين الربح والخسارة، بل الربح فيه مؤكد، أما غيره من العقود فروح المضاربة مسيطرة عليه. ويخلص من هذا أن الباعث في جميع المعاملات - وهو الربح - مشترك في جميع العقود المدنية؛ أما القصد فمختلف إذ هو في عقد القرض الربح لا محالة بخلاف غيره ففيه تعرض لخسارة. ومما لا شك فيه أن تحرير عقد الإيجار يترتب عليه قانوناً التزام المؤجر والمستأجر بالآثار القانونية المترتبة على هذا النوع من التعاقد. فقد يسري عليهما قانون تخفيض الإيجارات الزراعية، كما يجوز الدفع بسقوط الحق بمضي خمس سنين؛ وكما يجوز أيضاً عدم استحقاق الأجرة أو تنقيصها إذا منعت حادثة جبرية المستأجر من تهيئة الأرض أو بذرها أو أتلف ما بذر بها كله أو أكثره عملاً بالمادة 393 من القانون المدني. ومن هذا يتضح أن الربح المحقق مستحيل والخسارة محتملة. ويخلص الطاعن من ذلك إلى أن الواقعتين الأولى والثانية ليستا في حكم القانون قرضاً بربا فاحش بل إيجاراً. وباستبعاد هاتين العمليتين يكون ركن العادة غير متوفر في الواقعة الثالثة وحدها. وقد أضاف الطاعن إلى ما تقدّم أن كتابة عقد القرض بشكل عقد إيجار - مع التسليم جدلاً بأن كلا العقدين قرض - يعتبر في ذاته من الوجهة القانونية استبدالاً للدين طبقاً للمادتين 186 و187 من القانون المدني. وإذاً فلا انتقال للتأمينات التي تكون في حالة القرض، ويجب أن يتحمل المتعاقد، وهو الطاعن، كافة النتائج القانونية المترتبة على هذا الاستبدال.
وحيث إن كل ما اشتمل عليه وجه الطعن لا يعدو أن يكون جدلاً في تفسير محكمة الموضوع لعقدي إيجار الواقعتين الأوليين المشار إليهما في وجه الطعن واعتبارها إياهما قرضين بربا فاحش. ومحور هذا الجدل هو التقيد بألفاظ العقدين وترتيب النتائج عليهما باعتبارهما عقدي إيجار. ولقد رأت محكمة الموضوع أن ما قصده العاقدون منهما لم يكن التأجير والاستئجار بمعناهما الحقيقي، بل كان الإقراض بربا متجاوز الحدّ المشروع، ودللت على ذلك بأدلة وافية لا غبار عليها. فلا محل إذاً بعد ذلك لمناقشة ما ذهبت إليه محكمة الموضوع من تفسير سائغ لهذين العقدين أمام محكمة النقض. كما لا محل للتقيد بعبارات العقدين والبحث في نتائجهما على هذا الاعتبار، إذ العبرة بما قصده العاقدون منهما. ومن خصائص قاضي الموضوع تعرف هذا القصد، وهو متى استخلصه مما يؤدي إليه كان في عمله هذا بمأمن من رقابة محكمة النقض.
أما ما يتمسك به الطاعن من حصول استبدال للدين فهذا أيضاً داخل فيما محصته محكمة الموضوع من جهة تعرّف قصد العاقدين إذ هي رأت أن الطاعن اتخذ من بادئ الأمر الاستئجار فالتأجير ستاراً يخفي به عملية الإقراض بالفوائد الفاحشة فلم يكن هناك استبدال لدين كما يزعم الطاعن.
وحيث إن محصل الوجه الثاني هو أن القصور ظاهر في الحكم المطعون فيه من اعتباره الواقعة الثالثة الخاصة بإقراض محمود داود مبلغ تسعين قرشاً واستلامه جنيهاً بعد ثلاثة شهور ونصف شهر دون أن يبين الحكم بوضوح الأسباب التي بنى عليها اعتقاده بصحة هذه الواقعة وتوفر أركانها.
وحيث إنه يبين من الرجوع إلى الحكم المطعون فيه أن محكمة الموضوع اقتنعت بصحة الواقعة الثالثة المشار إليها في وجه الطعن بشهادة المجني عليه المدوّنة بالحكم نفسه وهي أنه رهن للطاعن حلقاً نظير قرض قدره تسعون قرشاً، وأنه أنقده جنيهاً لاسترداد الحلق بعد ثلاثة شهور ونصف. وفي هذه الشهادة البيان الكافي لأركان جريمة الربا الفاحش، كما لا جناح على محكمة الموضوع إن هي أخذت بها ورأتها كافية في إقناعها. على أن ركن العادة متوفر من الواقعتين الأوليين بصرف النظر عن هذه الواقعة الثالثة.