مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) - صـ 215

جلسة 11 إبريل سنة 1938

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمود المرجوشي باشا ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك المستشارين.

(204)
القضية رقم 1300 سنة 8 القضائية

إثبات. افتراض حصول واقعة على صورها المحتملة. إدانة المتهم. سلامة الحكم. مثال.
لا تثريب على المحكمة في أن تفترض حصول واقعة من الوقائع على صورها المحتملة وأن تثبت مع ذلك إدانة المتهم في هذه الواقعة متى كان الحكم صريحاً في التدليل على مسئولية المتهم عنها على أي صورة من الصور التي افترضتها. فإذا كانت التهمة الدائر حولها الإثبات هي إحداث كشط في ورقة، ورأت المحكمة إدانة المتهم فيها بناء على أنه وإن كان لم يقم الدليل القاطع على أن المتهم هو الذي أحدث الكشط إلا أنه لا شك في أن هذا الكشط قد عمل باتفاقه وإرشاده، سواء أكان ذلك أثناء وجود الورقة بمكتب وكيل المدعية بالحق المدني أو بقلم المحضرين، فعدم استطاعة المحكمة القطع بما إذا كان المتهم أحدث الكشط بنفسه أو بواسطة غيره، أو أن الكشط حصل في مكان دون الآخر، لا يؤثر في سلامة الحكم ما دامت المحكمة قد استقرت عقيدتها على أن الكشط حصل بفعل جنائي للمتهم اتصال به؛ لأن الافتراض لم يكن منصباً على دليل من أدلة الإدانة بل على الظروف التي وقعت فيها الجريمة مما ينتفي معه القول بأن المتهم قد أخذ بالظنون والشبهات.


المحكمة

وحيث إن مبنى الوجه الأوّل من وجهي الطعن أن الحكم خلا من بيان الواقعة التي شهد عليها شهود الطاعن، ولم يشر إلى ملخص المناقشة التي استنتجت منها المحكمة عدم صدق روايتهم.
وحيث إن المحكمة إذ لم تعوّل على شهادة شهود النفي غير ملزمة قانوناً بذكر الوقائع التي شهدوا عليها، لأن في اعتمادها على أدلة الإثبات ما يدل بذاته على أنها لم تأخذ بأقوال شهود النفي بشأن الوقائع التي شهدوا عليها. على أن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه ذكر صراحة في صدد شهادة شهود الطاعن أنه تبين عدم صحة شهادتهم، خصوصاً وأنه ليس من المعقول أن يدفع المتهم مثل هذا المبلغ في وقت الشدّة.
وحيث إن محصل الوجه الثاني أن الحكم بني على الظن، لأن المحكمة افترضت أن الطاعن هو الذي أحدث الكشط، ثم رجعت فتشككت في ذلك واعتبرت على سبيل الاحتمال أن آخر فعل ذلك باتفاقه معه. ويقول الطاعن أيضاً إن من مظاهر اضطراب الحكم أنه افترض عمل الكشط في الوقت الذي كان الحكم فيه تحت يد وكيل المدعية أو أثناء وجوده في قلم المحضرين. وكلا الفرضين مستحيل تصوّره لأنه كان أسهل من الكشط أن يسرق الطاعن الحكم بذاته. على أن الدفاع طلب ندب خبير لفحص الكشط لمعرفة هل كانت هناك كتابة ومحيت وهل هو مفتعل لمجرد العبث أم لا، ولكن المحكمة رفضت هذا الطلب دون أن تبدي سبباً معقولاً.
وحيث إنه لا جناح على المحكمة إذا ما افترضت حصول واقعة من الوقائع على جميع صورها المحتملة، ثم أثبتت في الوقت نفسه إدانة المتهم في هذه الواقعة، متى كان الحكم صريحاً في التدليل على مسئولية المتهم عنها في كل صورة من الصور المفترضة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه ذكر "أنه وإن كان لم يقم الدليل القاطع على أن المتهم (الطاعن) هو الذي أحدث الكشط بأعلى الحكم إلا أنه مما لا شك فيه أنه وإن لم يكن هو الفاعل للكشط فقد عمل باتفاقه وإرشاده سواء أثناء وجود الحكم بمكتب وكيل المدعية بالحق المدني أو بقلم المحضرين". وفي هذا الذي أثبته الحكم ما يدل بوضوح على أن المحكمة اعتبرت الطاعن مسئولاً على كل حال عن الكشط الذي وجد على هامش الحكم، أي سواء أكان هو الذي أحدثه بنفسه أم بواسطة غيره باتفاقه معه، وسواء أكان ذلك تم أثناء وجود الحكم في مكتب وكيل المدعية بالحق المدني أم بقلم المحضرين. أما عدم استطاعة المحكمة ترجيح إن كان الطاعن أحدث الكشط بنفسه أو بواسطة غيره، وإن كان الكشط حصل في مكان دون الآخر فلا يؤثر في سلامة الحكم ما دامت المحكمة قد اطمأنت عقيدتها إلى أن الكشط حصل بفعل جنائي للطاعن اتصال به، إذ الافتراض لم ينصب على دليل من أدلة الإدانة بل على الظروف التي وقعت فيه الجريمة، وإذاً يكون ما زعمه الطاعن من أنه أخذ بالظنون والشبهات في غير محله.
وحيث إن ما يزعمه الطاعن من اضطراب الحكم لأنه افترض عمل الكشط في مكتب محامي المدعية بالحق المدني أو في قلم المحضرين، وأن كلا الفرضين مستحيل تصوّره لأنه كان من الأسهل عليه أن يسرق الحكم نفسه بدلاً من إحداث الكشط به - ما يزعمه هذا ليس إلا نزاعاً متعلقاً بوقائع الدعوى وأدلتها ولا تجوز إثارة الجدل بشأنه أمام محكمة النقض.
وحيث إن ما يقوله الطاعن بشأن الخبير الذي طلب ندبه مردود، إذ المحكمة ردّت عليه في صراحة بقولها إنها لا ترى لزوماً لندب خبير لفحص موضع الكشط لأنه ظاهر من حالته أنه ما كانت هناك كتابة محله. وما دامت المحكمة قد اقتنعت بعدم وجود كتابة في المكان الذي حصل فيه الكشط، وكان في مقدورها أن تتعرّف هذا الأمر بنفسها، فهي غير ملزمة بإجابة طلب الطاعن ندب خبير لهذا الغرض.