مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) - صـ 220

جلسة 18 إبريل سنة 1938

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمود المرجوشي باشا ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك المستشارين.

(209)
القضية رقم 1285 سنة 8 القضائية

( أ ) اشتباه. إنذار الاشتباه. صيرورته نهائياً. الجدل حول أسبابه. لا يجوز.
(ب) إنذار الاشتباه. إنذار التشرد. أبدية الأوّل. توقيت الثاني.
(حـ) قانون ردّ الاعتبار. المشتبه فيهم الذين يستفيدون من أحكامه.
(د) مشتبه فيه. اتهامه. تقدير جدّيته. موضوعي.
(القانون رقم 24 لسنة 1923 وقانون إعادة الاعتبار)
1 - إن إنذار الاشتباه متى أعلن من البوليس للمشتبه فيه وأصبح نهائياً بعدم الطعن فيه أو باستنفاد الطرق المقررة للطعن اعتبر فيما يتعلق بموضوعه وفيما صدر من أجله عنواناً للحقيقة حائزاً قوّة الشيء المحكوم به. فلا يجوز لأية هيئة البحث من جديد فيما رآه رجال السلطة العامة وفيما قرروه في شأن حالة من صدر إليه الإنذار بمقتضى ما لهم من سلطة خوّلهم إياها القانون واختصهم بها. ولذلك فلا تجوز من بعد للمشتبه فيه إثارة الجدل حول الأسباب التي دعت البوليس لتوجيه إنذار الاشتباه إليه.
2 - إن القانون لم يجعل لإنذار الاشتباه أمداً ينتهي فيه أثره، بل جاء نصه دالاً بذاته على عدم تقيد الإنذار بمدّة ما وأوجب عقاب المنذر إذا خالف مقتضى الإنذار في أي وقت كان. ولا تصح الموازنة بين إنذار الاشتباه وإنذار التشرد والقول بأن الأوّل يسقط بمضي الزمن كما هو الحال بالنسبة للثاني لاختلاف طبيعة الأمرين إذ أن الاشتباه صفة خلقية تشعر بأن صاحبها قد وقع منه أمور يستدل منها على أن له نفساً ميالة للإجرام وأنه بهذه النفسية خطر على المجتمع. وليس من شأن هذه الصفة أن تلحق الشخص لمجرّد وجوده في إحدى حالات الاشتباه الواردة في القانون، بل يجب لذلك أن يرى رجال الضبط أنه خطر على الأمن العام فيثبتوا عليه هذه الصفة بإنذار يوجهونه إليه. ومعنى ذلك أن الاشتباه حالة ينشئها إنذار البوليس، خلافاً للتشرد فإنه فعل مادي يقع من الشخص، ويوجب على البوليس إنذاره للكف عن متابعته. ولذا فقد حدّد القانون أمداً لسقوط إنذار التشرد، أما إنذار الاشتباه فقد أراد القانون عدم توقيته.
3 - إن القانون إذ أجاز ردّ الاعتبار للمحكوم عليهم بعد مدة من الزمن فإن غايته من رد الاعتبار هي محو الآثار المؤبدة المترتبة على العقوبات الجنائية عن المحكوم عليهم الذين يدعو سلوكهم إلى الثقة بأنهم قوّموا أنفسهم. وذلك لا يتعارض مع القول بأن إنذار الاشتباه ليس له أجل ينتهي فيه مفعوله. وإذا كان قانون ردّ الاعتبار لا يفيد من فئة المشتبه فيهم إلا من كان إنذاره مبنياً على أساس ثابت ومحقق وهو الأحكام التي صدرت بالإدانة فإن عدم إجازة ردّ الاعتبار إلى من بنى إنذاره على مجرّد تعدّد الاتهام أو على الشهرة العامة، لا على أحكام الإدانة، يرجع إلى نقص في قانون ردّ الاعتبار سها المشرع عن سدّه بنصوص صريحة لو تداركها لزال التفريق الذي لا مسوّغ له بين فئات المشتبه فيهم.
4 - لا يجوز الجدل أمام محكمة النقض في جدّية الاتهام الذي أسند إلى المشتبه فيه بعد توجيه إنذار الاشتباه إليه، فإن تقدير هذا الأمر هو من مسائل الموضوع التي تفصل فيها محكمة الموضوع فصلاً نهائياً لا رقابة عليها فيه ما دام فصلها مبنياً على أدلة مسوّغة له.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون لأنه أدانه لمخالفته موجب الإنذار المسلم إليه من البوليس مع أن الباعث على هذا الإنذار كان نزعة الطاعن السياسية وأنه لم يرتكب قبله أي جرم ولم يحصل اتهامه في أية جريمة. وقد عارض الطاعن في هذا الإنذار ولكن معارضته رفضت فأصبح على الرغم من حسن سيرته مشبوهاً. ويقول الطاعن إنه بعد أن مرت على الإنذار سنوات ثلاث اتهم في قضية الجناية رقم 1099 مركز جرجا سنة 1935 بدون قيام أي دليل ضدّه، بل كان اتهامه لمجرّد كونه ابن العمدة وأكبر وجيه في البلد، فقرر قاضي الإحالة بأن لا وجه لإقامة الدعوى قبله وتأيد هذا القرار من غرفة المشورة. ولم يثبت إذاً أن الطاعن سلك سلوكاً غير مستقيم حتى تصح محاكمته لإخلاله بمقتضى الإنذار. ويضيف الطاعن أنه انقضى من تاريخ الإنذار الحاصل في 12 مارس سنة 1932 إلى وقت الاتهام المذكور في سنة 1935 أكثر من ثلاث سنوات مما لا يصح معه محاكمته بناء على هذا الإنذار، إذ من غير المعقول أن يظل أثر الإنذار أبدياً قائماً مدى الحياة لمنافاة ذلك لروح القانون. ومن غير المفهوم أن المتشرد يسقط عنه الإنذار بمضي ثلاث سنوات على خلاف المشبوه مع ما بين الاثنين من فارق عظيم. ولا يتصوّر أن يرد إلى المجرمين اعتبارهم ويظل المشبوه طول حياته مشبوهاً.
وحيث إن إنذار الاشتباه متى أعلن من البوليس للمشتبه فيه وأصبح نهائياً بعدم الطعن فيه أو بنفاد الطرق المقررة للطعن اعتبر فيما يتعلق بموضوعه وفيما صدر من أجله عنواناً للحقيقة حائزاً قوة الشيء المحكوم به، فلا يجوز لأية هيئة البحث من جديد فيما رآه رجال السلطة العامة وفيما قرروه في شأن حالة من صدر إليه الإنذار بمقتضى ما لهم من سلطة خوّلهم إياها القانون واختصهم بها. ولذلك فإن ما يثيره الطاعن من الجدل حول الأسباب التي دعت البوليس لتوجيه إنذار الاشتباه إليه غير مجد وغير مفيد.
وحيث إن القانون لم يجعل لإنذار الاشتباه أمداً ينتهي فيه أثره بل جاء نصه دالاً بذاته على عدم تقيد الإنذار بمدة، وأوجب عقاب المنذر إذا خالف مقتضى الإنذار في أي وقت كان. ولا تصح الموازنة بين إنذار الاشتباه وإنذار التشرد والقول بأن الأوّل يسقط بمضي الزمن كما هو الحال بالنسبة للثاني لاختلاف طبيعة الأمرين، إذ أن الاشتباه صفة خلقية تشعر بأن صاحبها قد وقع منه أمور يستدل منها على أن له نفساً ميالة للإجرام وأنه بهذه النفسية خطر على المجتمع. وليس من شأن هذه الصفة أن تلحق الشخص لمجرّد وجوده في إحدى حالات الاشتباه الواردة في القانون بل يجب لذلك أن يرى رجال الضبط أنه خطر على الأمن العام فيثبتوا عليه هذه الصفة بإنذار يوجهونه إليه. ومعنى ذلك أن الاشتباه حالة ينشئها إنذار البوليس خلافاً للتشرد فإنه فعل مادي يقع من الشخص ويوجب على البوليس إنذاره للكف عن متابعته. ولذا فقد حدّد القانون أمداً لسقوط هذا الإنذار (إنذار التشرد). ومتى تقرر ذلك كانت مناقشة الطاعن في سقوط إنذار الاشتباه الصادر إليه بمضي المدة على غير أساس إذ لا شك في أن القانون أراد عدم توقيت إنذار الاشتباه.
وحيث إنه لا محل للقول بأن إجازة القانون رد الاعتبار للمحكوم عليهم بعد مدّة من الزمن تفيد أنه أراد تحديد أجل لسقوط الإنذار الذي يصدر للمشتبه فيهم - لا محل لذلك لأن غاية رد الاعتبار محو الآثار المؤبدة المترتبة على العقوبات الجنائية عن المحكوم عليهم الذين يدعو سلوكهم إلى الثقة بأنهم قوّموا أنفسهم، وهو لا يتعارض والقول بأن إنذار الاشتباه ليس له أجل ينتهي فيه مفعوله، بل هو يؤيده لدلالته على أن آثار الأحكام القضائية قد تبقى طول الحياة معلقة في أعناق المحكوم عليهم كما هو الحال في الإنذار الذي يصدر من البوليس للمشتبه فيهم. وإذا كان قانون رد الاعتبار لا يفيد من فئة المشتبه فيهم إلا من كان إنذاره مبنياً على أساس ثابت ومحقق وهو الأحكام التي صدرت بالإدانة، فإن عدم إجازة إعادة الاعتبار إلى من بنى إنذاره على مجرد تعدّد الاتهام أو على الشهرة العامة لا على أحكام الإدانة يرجع في الحقيقة والواقع إلى نقص ظاهر في القانون سهى المشرع عن سدّه بنصوص صريحة لو تدوركت لزال هذا الموقف الشاذ، وهو التفريق بلا موجب بين فئات المشتبه فيهم.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أدان الطاعن على أساس أن إنذار الاشتباه لا يسقط بمضي الزمن، وأن الطاعن بعد أن تسلم إنذار الاشتباه اتهم في قضية الجناية رقم 1099 مركز جرجا سنة 1935 بالشروع في القتل العمد، وأن هذا الاتهام جدّي وعلى أساس لأن أحد المجني عليهما قرر أنه بينما كان ماراً في السوق رأى الطاعن وآخرين ومعهم مسدسات، وأن الطاعن أطلق عليه عياراً نارياً، كما قرر أحد شهود الإثبات أنه لاحظ إطلاق أعيرة نارية وسمع المجني عليه يردّد اسم الطاعن أنه هو الضارب له، وشهد شاهد آخر بما يؤيد جدّية الاتهام أيضاً - إذ أدان الحكم الطاعن على هذا الأساس المتقدّم يكون قد أصاب ولم يخطئ في تطبيق القانون. وليس للطاعن أن يجادل أمام محكمة النقض في أمر موضوعي فصلت فيه محكمة الموضوع وهو جدّية البلاغ الذي قدّم ضدّه بعد الإنذار وكان فصلها في ذلك مبنياً على أدلة تسوّغ صحة ما استخلصته منها.