أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة 26 - صـ 1163

جلسة 9 من يونيه سنة 1975

برياسة السيد المستشار أحمد فتحي مرسي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: مصطفى سليم، ودكتور مصطفى كيره، وعثمان مهران الزيني، وأحمد سيف الدين سابق.

(223)
الطعن رقم 502 لسنة 39 القضائية

(1، 2) حوادث طارئة. حكم "القصور". إصلاح زراعي. بيع. التزام.
(1) الخسارة المألوفة في التعامل لا تكفي لإعمال أحكام الظروف الطارئة. م 247/ 2 مدني.
(2) الالتزام أو الجانب الذي تم تنفيذه قبل الحادث الطارئ. امتناع خضوعه لأحكام الظروف الطارئة. وجوب تحميل المدين - متى توافرت شروط الحادث الطارئ - الخسارة المألوفة التي كان يمكن توقعها عادة وقت التعاقد. تقسيم ما يزيد على ذلك من خسارة غير مألوفة بين المتعاقدين.
1 - نص المادة 147/ 2 من القانون المدني يستلزم في الإرهاق الذي يصيب المدين في تنفيذ التزامه من جراء الحادث الطارئ، أن يكون من شأنه تهديد المدين بخسارة فادحة، ومن ثم فإن الخسارة المألوفة في التعامل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - لا تكفي لإعمال حكم الظروف الطارئة. وإذ كان الثابت أن الطاعنين قد تمسكوا في مذكرتهم المقدمة أمام محكمة الاستئناف بأن الفارق بين ثمن الفدان من الأطيان المبيعة الثابت في عقد البيع وهو 600 ج، وبين ثمنه حسب تقدير الخبير بعد صدور قانون الإصلاح الزراعي، وهو 450 ج، ليس من شأنه أن يجعل تنفيذ التزام المطعون ضدهم مرهقاً يجاوز حدود السعة، لأن هذا الفارق يعتبر من قبيل الخسارة المألوفة والتفاوت المعتاد في الأسعار مما لا يسوغ معه تعديل الالتزام استناداً لنظرية الظروف الطارئة، وكان الحكم المطعون فيه قد أغفل بحث هذا الدفاع الجوهري الذي يتصل بشرط أساسي من شروط إعمال حكم الظروف الطارئة. مكتفياً في ذلك بالإحالة على الحكم السابق صدوره بندب الخبير، والذي لم يتعرض بدوره لهذا الدفاع، أو يقطع بتوافر شروط الإرهاق، بل قضى بندب الخبير ليتسنى له تقدير مدى توافره، فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوباً بقصور يبطله.
2 - مفاد نص المادة 147/ 2 من القانون المدني أن نظرية الظروف الطارئة إنما ترد على الالتزام الذي لم ينفذ، أو على الجانب الذي لم يتم تنفيذه منه، أما ما تم تنفيذه قبل الحادث الطارئ، فإنه ينقضي بالوفاء ويمتنع خضوعه لأحكام الظروف الطارئة. كما أن للقاضي متى توافرت الشروط التي يتطلبها القانون في الحادث الطارئ - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(2)] - تعديل العقد برد الالتزام الذي صار مرهقاً إلى الحد المعقول وهو حين يختار - في حدود سلطته التقديرية الطريق المناسب لمعالجة الموقف الذي يواجهه - لا يرفع كل الخسارة عن عاتق المدين ويجعلها على عاتق الدائن وحده ولكنه يحد من فداحة هذه الخسارة التي ستصيب المدين ويصل بها إلى الحد المعقول ذلك بتحميل المدين الخسارة المألوفة التي كان يمكن توقعها عادة وقت التعاقد ويقسم ما يزيد على ذلك من خسارة مألوفة على المتعاقدين وذلك مراعاة للموازنة بين مصلحة كل منهما.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن مورث الطاعنين أقام الدعوى رقم 194 سنة 1952 مدني كلي كفر الشيخ طالباً القضاء بإلزام المطعون ضدهم متضامنين بأن يؤدوا له مبلغ 7997 ج والمصروفات. وأسس دعواه على أنه بمقتضى عقد مؤرخ 4/ 9/ 1951 باع للمطعون ضدهم 20 ف و12 ط بسعر الفدان 600 جنيه، وأنهم تخلفوا عن الوفاء بباقي الثمن المطالب به في الموعد المتفق عليه، وفي 11/ 12/ 1954 قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان. استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم 173 سنة 5 ق، ومحكمة استئناف طنطا (مأمورية كفر الشيخ) قضت في 13/ 2/ 1957 ببطلان الحكم المستأنف، ثم قضت في 9/ 4/ 1964 برفض الدفع بعدم قبول الدعوى، وبندب خبير لمعاينة الأرض المبيعة وتقدير قيمة الفدان الواحد منها، وبيان ما إذا كان قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 سنة 1952 قد أثر في هذه القيمة ومدى هذا التأثير إن وجد مع إيضاح قيمة كل صفقة اشتراها المطعون ضدهم، ومقدار ما دفعه كل مشتر منهم والباقي في ذمته، وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت في 26/ 5/ 1969 (أولاً) بإلزام المطعون ضدهم الخمسة الأول بأن يدفعوا للطاعنين من تركة مورثهم 712 ج و150 م (ثانياً) بإلزام المطعون ضدهم من السادس إلى التاسع بأن يدفعوا للطاعنين من تركة مورثهم مبلغ 712 ج و150 م، (ثالثاً) بإلزام المطعون ضدهم من العاشر إلى الرابع عشر بأن يدفعوا للطاعنين من تركة مورثهم مبلغ 81 ج و150 م (رابعاً) بإلزام باقي المطعون ضدهم بأن يدفعوا للطاعنين مبلغ 300 ج و 150 م. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه. وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره. وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعنون بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وإغفال الرد على دفاع جوهري، وفي بيان ذلك يقولون إن المطعون ضدهم تمسكوا في دفاعهم أمام محكمة الاستئناف بتطبيق نظرية الظروف الطارئة استناداً إلى صدور قانون الإصلاح الزراعي سنة 1952 وما ترتب عليه من انخفاض في ثمن الأراضي الزراعية وتحقيقاً لهذا الدفاع قضت المحكمة في 9/ 4/ 1964 بندب خبير لبيان مدى تأثر الصفقة موضوع النزاع بصدور قانون الإصلاح الزراعي، وبعد أن أودع الخبير تقريره تقدم الطاعنون بمذكرة بدفاعهم ذكروا فيها أنه يشترط لتطبيق نظرية الظروف الطارئة أن يترتب على الحادث الطارئ جعل تنفيذ الالتزام مرهقاً، أما الخسارة المألوفة والتفاوت المعتاد في الأسعار فيقع على عاتق المدين وحده، كما تمسكوا بأن الفارق بين الثمن المسمى في العقد وهو 600 جنيه للفدان وبين ما قدره الخبير نتيجة انخفاض الأسعار وهو 450 جنيهاً ليس كبيراً إلى الحد الذي يجعل تنفيذ الالتزام مرهقاً، بل يعتبر من قبيل الخسارة المألوفة في التعامل، وبالرغم من أهمية هذا الدفاع وتعلقه بتحقيق ركن جوهري من أركان نظرية الظروف الطارئة فقد أغفل الحكم بحثه مكتفياً بالقول بأن الحكم الصادر بندب الخبير قد تكفل بالرد عليه، وهو تقرير غير صحيح لأن الطاعنين لم يتقدموا بهذا الدفاع إلا بعد أن قدم الخبير تقريره، ولم يتضمن الحكم السابق أي إشارة إليه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن نص المادة 147/ 2 من القانون المدني يستلزم في الإرهاق الذي يصيب المدين في تنفيذ التزامه من جراء الحادث الطارئ، أن يكون من شأنه تهديد المدين بخسارة فادحة، ومن ثم فإن الخسارة المألوفة في التعامل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا تكفي لإعمال حكم الظروف الطارئة. ولما كان الثابت أن الطاعنين قد تمسكوا في مذكرتهم المقدمة لجلسة 27/ 4/ 1969 أمام محكمة الاستئناف، بأن الفارق بين ثمن الفدان من الأطيان المبيعة الثابت في عقد البيع وهو 600 جنيه، وبين ثمنه حسب تقدير الخبير بعد صدور قانون الإصلاح الزراعي وهو 450 جنيه، ليس من شأنه أن يجعل تنفيذ التزام المطعون ضدهم مرهقاً يجاوز حدود السعة، لأن هذا الفارق يعتبر من قبيل الخسارة المألوفة والتفاوت المعتاد في الأسعار مما لا يسوغ معه تعديل الالتزام استناداً لنظرية الظروف الطارئة. وكان الحكم المطعون فيه قد أغفل بحث هذا الدفاع الجوهري الذي يتصل بشرط أساسي من شروط إعمال حكم الظروف الطارئة مكتفياً في ذلك بالإحالة على الحكم السابق صدوره بندب الخبير في 9/ 4/ 1964، والذي لم يتعرض بدوره لهذا الدفاع، أو يقطع بتوافر شروط الإرهاق، بل قضى بندب الخبير ليتسنى له تقدير مدى توافره، لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوباً بقصور يبطله.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولون إن نظرية الظروف الطارئة إنما ترد على التزام قائم لم ينفذ بعد، وأنها تهدف إلى الموازنة بين الالتزامات المتبادلة في العقد، وأن تطبيقها يقتضي أولاً تقدير الخسارة الفادحة التي تهدد المدين ثم احتساب الخسارة المألوفة التي يحتمل حدوثها في الظروف العادية ثم توزيع الفارق بعد ذلك بين الطرفين المتعاقدين. وقد تمسك الطاعنون في دفاعهم أمام محكمة الاستئناف بأن الخبير عند احتسابه باقي الثمن المستحق في ذمة المشترين (المطعون ضدهم) خصم ما سدده كل منهم من الثمن المخفض الذي قدره هو للأطيان المبيعة، ومؤدى ذلك أنه حمل البائع وحده بفرق الثمن كاملاً، كما أنه طبق نظرية الظروف الطارئة على ما وفاه المشترون من الثمن وبالفعل قبل رفع الدعوى، أي على ما تم تنفيذه من الالتزام. وبرغم ما في ذلك من مخالفة للقانون فقد أخذ الحكم في قضائه بنتيجة تقرير الخبير، مغفلاً بحث ما أبداه الطاعنون من دفاع جوهري في هذا الشأن، مكتفياً بالقول بأن الحكم الصادر بندب الخبير قد تكفل بالرد عليه، في حين أن ذلك الحكم لم يتعرض لهذا الدفاع الذي لم يبده الطاعنون إلا بعد تقديم تقرير الخبير.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أن مفاد نص المادة 147/ 2 من القانون المدني أن نظرية الظروف الطارئة إنما ترد على الالتزام الذي لم ينفذ، أو على الجانب الذي لم يتم تنفيذه منه أما ما تم تنفيذه قبل الحادث الطارئ فإنه ينقضي بالوفاء ويمتنع بذلك خضوعه لأحكام الظروف الطارئة كما أن للقاضي متى توافرت الشروط التي يتطلبها القانون في الحادث الطارئ - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تعديل العقد برد الالتزام الذي صار مرهقاً إلى الحد المعقول - وهو حين يختار - في حدود سلطته التقديرية الطريق المناسب لمعالجة الموقف الذي يواجهه - لا يرفع كل الخسارة عن عاتق المدين ويجعلها على عاتق الدائن وحده، ولكنه يحد من فداحة هذه الخسارة التي ستصيب المدين ويصل بها إلى الحد المعقول ذلك بتحميل المدين الخسارة المألوفة التي كان يمكن توقعها عادة وقت التعاقد، ويقسم ما يزيد على ذلك من خسارة غير مألوفة على المتعاقدين وذلك مراعاة للموازنة بين مصلحة كل منهما. ولما كان الثابت أن الطاعنين قد تمسكوا في مذكرتهم المقدمة لجلسة 27/ 4/ 1969 أمام محكمة الاستئناف رداً على تقرير الخبير بأنه لا يجوز تطبيق نظرية الظروف الطارئة على ما وفاه المطعون ضدهم من الثمن قبل رفع الدعوى، كما أنه لا يجوز إعمالاً لهذه النظرية، إلزام الطاعنين وحدهم بفرق الثمن كاملاً على نحو ما انتهى إليه الخبير، وإنما ينبغي أن يلتزم المطعون ضدهم بقدر الخسارة المألوفة ثم يوزع ما زاد على ذلك بين الطرفين المتعاقدين. وكان الحكم المطعون فيه قد أغفل بحث هذا الدفاع الجوهري، وانتهى استناداً إلى تقرير الخبير إلى تعديل الثمن من 600 جنيه للفدان وهو الثمن المسمى في العقد إلى 450 جنيهاً للفدان، وهو الثمن الذي قدره الخبير بعد صدور قانون الإصلاح الزراعي، وألزم المطعون ضدهم بباقي الثمن على هذا الأساس، محملاً بذلك الطاعنين وحدهم بكامل الخسارة الناجمة عن الحادث الطارئ، ومجرياً حكم هذا الحادث على ما سبق الوفاء به من الثمن قبل وقوعه، فإنه يكون مشوباً بالقصور والخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور ومخالفة الثابت في الأوراق. وفي بيان ذلك يقولون إن عقد بيع الأطيان موضوع الدعوى قد تضمن بنداً إضافياً عدل بمقتضاه البند السابع من العقد بحيث أصبح ينص على أن يتحمل المشترون جميع رسوم التسجيل الخاصة بعقد البيع الصادر من بنك الأراضي إلى مورث الطاعنين. وقد بلغت هذه الرسوم 232 جنيهاً انتهى الخبير في تقريره إلى التزام المطعون ضدهم بها، كل فريق بنسبة حصته. وقد تمسك الطاعنون في مذكرتهم المقدمة لجلسة 27/ 4/ 1969 بما انتهى إليه الخبير في هذا الشأن إلا أن الحكم المطعون فيه اكتفى بإلزام المطعون ضدهم بباقي الثمن المخفض الذي قدره الخبير دون أن يحملهم قيمة رسوم التسجيل مخالفاً بذلك ما ورد بالبند السابع المعدل من العقد وما جاء بتقرير الخبير في هذا الصدد، ودون أن يرد على دفاع الطاعنين فجاء بذلك معيباً بمخالفة الثابت في الأوراق والقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي في محله. ذلك أنه لما كان الثابت من البند السابع المعدل من عقد بيع الأطيان موضوع الدعوى أن يتحمل المشترون (المطعون ضدهم) جميع رسوم التسجيل الخاصة بعقد البيع الصادر من بنك الأراضي إلى مورث الطاعنين، وقد انتهى الخبير في تقريره إلى أن هذه الرسوم بلغت 232 جنيهاً يلتزم بها المطعون ضدهم كل فريق بنسبة حصته، وكان الطاعنون قد تمسكوا في مذكرتهم المقدمة لجلسة 27/ 4/ 1969 أمام محكمة الاستئناف بوجوب احتساب هذا المبلغ ضمن المبالغ المستحقة في ذمة المطعون ضدهم استناداً إلى نص العقد وإلى ما انتهى إليه تقرير الخبير. وكان الحكم المطعون فيه قد أغفل بحث هذا الدفاع الجوهري أو الرد عليه، مكتفياً بإلزام المطعون ضدهم بباقي الثمن الذي قدره الخبير دون أن يحملهم قيمة رسوم التسجيل المشار إليها، فإنه يكون معيباً قاصر البيان.
وحيث إنه لذلك جميعه يتعين نقض الحكم المطعون فيه.


[(1)] نقض مدني 21/ 3/ 1963 مجموعة المكتب الفني. السنة 14 ص 347.
نقض 26/ 3/ 1964 مجموعة المكتب الفني السنة 15 ص 409.
[(2)] نقض مدني 20/ 12/ 1962 مجموعة المكتب الفني السنة 13 ص 1179.
نقض مدني 5/ 5/ 1970 مجموعة المكتب الفني السنة 21 ص 787.