أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 8 - صـ 898

جلسة 12 من ديسمبر سنة 1957

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمود عياد، ومحمد متولي عتلم، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت المستشارين.

(102)
طعن رقم 213 سنة 23 ق

( أ ) اعتراض الخارج على الخصومة. خصومة. قانون. قوة الأمر المقضي. ورود الطعن بطريق "اعتراض الخارج على الخصومة" على حكم صادر من المحكمة المختلطة ورفعه إليها بوصف أنها المحكمة التي أصدرت الحكم واستؤنف إلى محكمة الاستئناف المختلطة. إحالة الطعن إلى المحاكم الوطنية بعد إلغاء المحاكم المختلطة. خضوع هذا الطعن لقانون المرافعات المختلط. م 1 مرافعات.
(ب) اعتراض الخارج على الخصومة. الطعن في الحكم بهذا الطريق لا يستلزم إدخال جميع الخصوم الذين مثلوا في الدعوى المعترض على الحكم الصادر فيها طبقاً للمادة 419 مرافعات مختلط.
(ج) دفوع. دفاع. حكم "تسبيب كاف". الدفع بعدم قبول الدعوى. عدم التزام المحكمة بالرد عليه متى كان على غير أساس.
(د) نقض "الخصوم في الطعن". "سبب جديد". وقف "النظر عليه". دعوى "صفة الخصوم فيها". ثبوت صفة النظر على الوقف للناظر وقت رفع الدعوى وعند استئنافه الحكم الصادر فيها وإعلانه بالنقض على أساس أنه كان خصماً في الخصومة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه. النعي بأن الناظر لم تعد له صفة في تمثيل الوقف طبقاً للقانون 180 لسنة 1952 الذي ألغى الوقف على غير الخيرات. اعتباره سبباً جديداً.
1 - متى كان الطعن بطريق "اعتراض الخارج عن الخصومة" وارداً على حكم صادر من المحكمة المختلطة ورفع إليها بوصف أنها المحكمة التي أصدرت الحكم واستؤنف إلى محكمة الاستئناف المختلطة وذلك بالتطبيق لقانون المرافعات المختلط ثم أحيل إلى المحاكم الوطنية بعد إلغاء المحاكم المختلطة فإن هذا الطعن تحكمه نصوص قانون المرافعات المختلط طبقاً للفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون المرافعات الجديد ولا محل لإعمال النصوص التي وردت بهذا القانون الأخير في خصوص اعتراض الخارج عن الخصومة.
2 - الطعن في الحكم بطريق اعتراض الخارج عن الخصومة لا يستلزم إدخال جميع الخصوم الذين مثلوا في الدعوى المعترض على الحكم الصادر فيها طبقاً لنص المادة 419 من قانون المرافعات المختلط ولا يؤدي هذا النص بمفهومه إلى وجوب التزام إجراء من هذا القبيل ولا يرتب بالتالي جزاء بعدم قبول الدعوى. وللمدعي أن يختصم من يرى له مصلحة في اختصامه، وللمدعى عليه إذا أراد أن يدخل هو بدوره من يرى مصلحة في إدخاله.
3 - إذا كان الدفع بعدم قبول الدعوى على غير أساس من القانون فإنه لا يصح النعي على محكمة الموضوع إغفالها الرد عليه متى كان لا يحوي دفاعاً جوهرياً يصح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى.
4 - متى كانت صفة النظر على الوقف ثابتة للناظر في الوقت الذي أقام فيه الدعوى وعندما رفع استئنافه عن الحكم الابتدائي الصادر فيها كما أعلنه الطاعن بالنقض على أساس أنه كان خصماً له في الخصومة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه ومصلحته في الدفاع عنه ظاهرة - فإنه لا يقبل النعي أمام محكمة النقض بأن ذلك الناظر لم تعد له صفة في تمثيل الوقف طبقاً للقانون رقم 180 لسنة 1952 الذي ألغى نظام الوقف على غير الخيرات متى كان هذا النعي لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع - ولا يشفع للطاعن في قبوله القول بأن أحكام هذا القانون لها صفة النظام العام إذ لا شأن لأحكام هذا القانون بالنظام العام في هذا الخصوص.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أنه بتاريخ 22 ربيع أول سنة 1279 هـ سنة 1862 م أوقف المرحوم تادرس عريان بعض أملاكه على نفسه ثم على زوجته وذريته من بعده وبعد انقراضهم يكون مصرف وقفه على الخيرات - وبعد وفاته وقف أولاده وزوجته بلسان وكيلهم (باسيلي تادرس) أملاكاً آلت إليهم بالميراث عن الواقف السابق وألحقوا وقفهم بوقفه حيث نصوا في كتاب الوقف على أن يجري مجراه - شرطه كشرطه وحكمه كحكمه وعرف هذا الوقف بالأوقاف الملحقة "أو وقف باسيلي تادرس" وفي سنة 1932 أقامت المحكمة الشرعية سالم سيدهم ووهبي اسحق (والسيدة وردة باسيلي) نظاراً على وقف تادرس عريان وفي 10 مايو سنة 1933 أقام سالم سيدهم ووهبي اسحق بوصفهما ناظرين على الأوقاف الملحقة دعوى بمحكمة مصر المختلطة قيدت بجدولها برقم 8889 لسنة 58 ق. على الطاعنين وآخرين وطلبا فيها الحكم باستحقاق الأوقاف الملحقة لقطعة أرض تبلغ مساحتها 5000 متر وببطلان البيوع الصادرة من ورثة الواقفين لآل لطف الله - وكذلك البيوع الصادرة من هؤلاء لباقي المدعى عليهم. ثم تدخل في هذه الدعوى زكي سميكة بوصفه أيضاً ناظراً على هذه الأوقاف - وذلك استناداً إلى حكم صادر من المحكمة الشرعية الابتدائية ومؤيد استئنافياً بإقامته ناظراً منضماً على وقف تادرس عريان مع إذنه بالانفراد، وأنكر ورثة لطف الله (الطاعنان) على زكي سميكة صفته كناظر على الأوقاف الملحقة. فأصدرت محكمة مصر المختلطة بتاريخ 3/ 12/ 1935 حكماً تحضيرياً بتكليف زكي سميكة بإثبات صفته كممثل لتلك الأوقاف. وفي أثناء نظر النزاع تنازل زكي سميكة بصفته ناظراً على الأوقاف الملحقة عن جزء من قطعة موضوع الدعوى - وبتاريخ 1/ 12/ 1936 أصدرت محكمة مصر المختلطة حكماً قضت فيه بإثبات التنازل عن هذا الجزء ورفض الدعوى بالنسبة لباقي الأرض - على أساس أنها أرض خراجية - لا يصح وقفها إلا بإذن من ولي الأمر - وهذا الإذن لم يصدر - وبتاريخ 12 من إبريل سنة 1947 أنهت المحكمة العليا الشرعية ولاية زكي سميكة على الوقف تأسيساً على القانون رقم 48 لسنة 1946 وأقيم كل من أمين اسحق تادرس ونصري سرور (المطعون عليهما الأول والثاني) ناظرين على الأوقاف جميعها بما فيها الأوقاف الملحقة - فأقام هذا الناظران الدعوى رقم 777 لسنة 72 ق أمام محكمة مصر المختلطة - بوصفها اعتراضاً من الخارج عن الخصومة يطلبان فيها - عملاً بالمادة 417 من قانون المرافعات المختلط بطلان الحكم الصادر في الدعوى 8991 لسنة 58 ق واعتباره كأن لم يكن - وأسسا دعواهما على القول بأن سالم سيدهم ووهبي اسحق وزكي سميكة - لم يكونوا نظاراً على الأوقاف الملحقة - وأن ولايتهم كانت قاصرة على وقف تادرس عريان فلم يكن لهم أن يتحدثوا عن تلك الأوقاف ولم تكن للمحكمة المختلطة ولاية بنظر تلك الدعوى إذ ليس لها أن تقضي ببطلان وقف أو تفرض عليه ناظراً لا يستمد ولاية النظر ممن يملك ذلك، وهو الواقف أو المحكمة الشرعية بحسب الأحوال - ودفع الطاعنان هذه الدعوى بعدم قبولها لعدم اختصام جميع من كانوا مختصمين في الدعوى رقم 8991 لسنة 58 ق المطلوب بطلان حكمها - مع وجوب اختصامهم قانوناً - كما دفعا أيضاً بأن جهة الوقف كانت ممثلة في تلك الخصومة بالنظار الثلاثة الذين مثلوا في تلك الدعوى كمدعين. وبتاريخ 19/ 3/ 1949 قضت محكمة مصر المختلطة بعدم جواز نظر الدعوى تأسيساً على أن الحكم الصادر في الدعوى رقم 8991 لسنة 58 ق قد اعترف لزكي سميكة بصفة النظر على الأوقاف الملحقة وأنه وقد أصبحت لهذا الحكم حجية الأمر المقضي - فقد أصبح ممتنعاً الادعاء بأن هذا الوقف لم يكن ممثلاً - ذلك أن المحكمة الشرعية قد أصدرت بتاريخ 19 من يوليه سنة 1934 حكماً ذكرت فيه أنها لا ترى محلاً لضم ناظر لزكي سميكة لتمثيل الأجزاء الأخرى من الوقف (أي أوقاف باسيلي تادرس الملحقة) لأن هذه الأجزاء من الوقف ممثلة بزكي سميكة وأن المحكمة العليا الشرعية قد أيدت هذا الحكم بتاريخ 3 من نوفمبر سنة 1934 فكل حكم أو إفتاء يصدر بعكس ذلك - فيما بعد - لا يمكن أن يحاج به من صدر الحكم لمصلحتهم حائزاً لقوة الشيء المحكوم فيه - وإذا كانت المحكمة الشرعية قد أهدرت هذه الحجية وعادت إلى بحث مسألة النظارة عن الفترة السابقة على حكمها الأخير فإن هذه المحكمة لا تستطيع متابعتها في ذلك. استأنفت المطعون عليهما هذا الحكم إلى محكمة الاستئناف المختلطة ثم أحيل إلى محكمة استئناف القاهرة وقيد بجدولها برقم 885 لسنة 66 ق وطلباً بصحيفة الاستئناف قبوله شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف والحكم مجدداً بقبول معارضتهما المقدمة في الحكم المؤرخ أول ديسمبر سنة 1936 رقم 8991 لسنة 58 ق مختلط وبالتالي العدول عن هذا الحكم الأخير مع إلزام المستأنف عليهم بالمصاريف. وبتاريخ 6 من مايو سنة 1953 قضت محكمة الاستئناف بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وقبول الدعوى واعتبار الحكم الصادر في القضية رقم 8991 لسنة 58 ق م بتاريخ أول ديسمبر سنة 1936 باطلاً وكأنه لم يكن وألزمت المستأنف عليهما (الطاعنين) بالمصاريف وثلاثة آلاف قرش مقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وبتاريخ 22 من يوليه سنة 1953 قرر الطاعنان الطعن بالنقض في هذا الحكم ونظر الطعن بدائرة فحص الطعون بجلسة 20 من فبراير سنة 1957 وصممت النيابة على ما جاء بمذكرتها وطلبت رفض الطعن وقررت دائرة الفحص إحالته إلى هذه الدائرة لجلسة 28 من مارس سنة 1957 وفيها صمم الطاعنان على طلباتهما وصممت النيابة على طلب رفض الطعن، وفي 23 من مايو سنة 1957 قررت هذه المحكمة إعادة القضية للمرافعة للاطلاع على المذكرة التكميلية المقدمة من النيابة العامة.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب يتحصل أولها في النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون وبالقصور في التسبيب - وفي بيانه ذكر الطاعنان أنهما كانا قد دفعا دعوى اعتراض الخارج عن الخصومة - على ما هو ثابت في الحكم الابتدائي الصادر فيها - بعدم قبولها - لأن المطعون عليهما الأول والثاني - لما رفعاها - لم يدخلا فيها جميع من كانوا خصوماً في الحكم المعترض عليه الصادر من محكمة مصر المختلطة في أول ديسمبر سنة 1936 - واقتصرا في توجيهها على أربعة فقط هما الطاعنان والمطعون عليهما الثالث والرابع - فضلاً عن أنها لم تستوعب سائر من صدر الحكم لصالحهم وهو ما يقتضيه حكم المادة 419 من قانون المرافعات المختلط الذي رفعت دعوى الاعتراض في ظله - وهو ما يطابق أيضاً حكم المادة 451 من قانون المرافعات الجديد - وبذلك خالف الحكم المطعون فيه وشابه القصور في التسبيب بإغفال الرد على ما أبداه الطاعنان من دفع بعدم القبول.
وحيث إن النعي بهذا السبب مردود - بأنه لا سند من القانون لما يقول به الطاعنان - من أن الطعن في الحكم بطريق اعتراض الخارج عن الخصومة يستلزم إدخال جميع الخصوم الذين مثلوا في الدعوى المعترض على الحكم الصادر فيها - ونص المادة 419 من قانون المرافعات المختلط الذي رفع الطعن في ظله إذ يقرر أنه "يحصل الطعن في الحكم ممن تعدى إليه بصفة أصلية بتكليف الخصم المحكوم له بالحضور أمام المحكمة التي أصدرت الحكم" لا يؤدي بمفهومه إلى وجوب التزام إجراء من هذا القبيل ولا يرتب بالتالي جزاء بعدم القبول - وللمدعي أن يختصم من يرى له مصلحة في اختصامه وللمدعي عليه إذا أراد أن يدخل هو بدوره من يرى مصلحة في إدخاله - ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه غير مشوب بما أسنده إليه الطاعنان في سبب الطعن من الخطأ في القانون - وإذ كان ذلك كذلك وكان الدفع بعدم القبول على غير أساس من القانون فإنه ليس للطاعنين أن ينعيا على محكمة الموضوع إغفال الرد عليه متى كان لا يحوي دفاعاً جوهرياً يصح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى.
وحيث إن السبب الثاني يتحصل في النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون - ذلك أن محكمة الاستئناف - وقد أصدرت حكمها المطعون فيه في ظل قانون المرافعات الجديد - كان يتعين عليها أن تعمل ما تقضي به المادة 450 من ذلك القانون - بإلزام من يسلك سبيل اعتراض الخارج عن الخصومة إثبات غش من كان يمثله أو تواطئه أو إهماله الجسيم أما وهي لم تفعل فإن حكمها يكون مخالفاً للقانون قاصر البيان.
وحيث إن هذا النعي على غير أساس - ذلك أن الحكم الذي طعن فيه المطعون عليهما الأول والثاني بطريق (الطعن في الأحكام ممن تتعدى إليه (Tierce opposition) وارد - كما يبين من الوقائع السالف ذكرها - على حكم صادر من المحكمة المختلطة - وقد رفع إليها بوصف أنها المحكمة التي أصدرت الحكم - واستؤنف إلى محكمة الاستئناف المختلطة وكان ذلك وفقاً لقانون المرافعات المختلط تأسيساً على ما نص عليه في الكتاب الثاني منه الخاص بطرق الطعن في الأحكام - وبالتطبيق لأحكام الفصل الخامس من هذا الكتاب المعقود "للطعن في الأحكام ممن تعدى إليه" - وقد فصلت فيه محكمة استئناف القاهرة وفقاً لنص المادة 417 من هذا الفصل - وهي تقرر أنه "لا يجوز لكل من لم يكن خصماً في الدعوى بنفسه أو ممن يقوم مقامه أن يطعن في الحكم الصادر فيها إن كان مضراً بحقوقه" - لما كان ذلك فإن الطعن بهذا الطريق تحكمه نصوص قانون المرافعات المختلط - طبقاً للفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون المرافعات (الجديد) - ولا محل لإعمال النصوص التي وردت بهذا القانون الأخير - في خصوص اعتراض الخارج عن الخصومة الذي كان يرفع طبقاً للقانون المختلط - ذلك أن هذه الأحكام قد وردت في باب مستقل عن باب طرق الطعن في الأحكام - وهو الباب الثالث عشر - وقد أفصح الشارع في المذكرة التفسيرية لقانون المرافعات (الجديد) عن وجهته في هذا الخصوص فذكر أنه "أفرد هذا الباب للاعتراض على الحكم من الخارج على الخصومة ولم يجعله فصلاً في الباب السابق عليه لأن الاعتراض على الحكم ممن لم يكن طرفاً في الخصومة ليس طعناً في الحكم من المحكوم عليه بل الغرض منه هو مجرد دفع الضرر الذي يصيب المعترض من حكم لا حجية له عليه ولا يمتد أثره إليه قانوناً - ومن ذلك يبين أن الحكم المطعون فيه لم يخطئ في القانون إذ لم يعمل نص المادة 450 من قانون المرافعات الجديد - فيما تشترطه هذه المادة من إثبات الغش أو التواطؤ أو الإهمال الجسيم.
وحيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم المطعون فيه قد أهدر حجية الحكم الصادر من محكمة مصر المختلطة في 1/ 12/ 1936 الذي حققت فيه المحكمة صفات طرفي الخصومة وبينت فيه أن المطعون عليه الرابع (زكي سميكة) ناظر على الأوقاف الملحقة وارتكنت في ذلك إلى قرار المحكمة الشرعية الصادر بتاريخ 19 من يوليه سنة 1934 والذي أيدته المحكمة العليا الشرعية بحكمها الصادر في 3 من نوفمبر سنة 1934 وقد أخذت محكمة مصر المختلطة في حكمها الصادر بتاريخ 19 من مارس سنة 1949 بما دفع به الطاعنان من عدم قبول اعتراض المطعون عليهما الأول والثاني - على حكم سنة 1936 لأن الأوقاف الملحقة كانت ممثلة بالنظار الذين أقاموا تلك الدعوى - ولكن محكمة الاستئناف إذ ألغت ذلك الحكم لم تورد لهذا الدفع رداً وسوغت لنفسها النظر من جديد في نفس المنازعة - وأهدرت بذلك حجية الحكم المعترض عليه - فجاء حكمها مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون.
ومن حيث إن هذا النعي مردود - بأن الحكم المطعون فيه ذكر في هذا الخصوص "ومن حيث إن المستأنف عليهم الحاضرين ورثة لطف الله دفعوا بأن تحقيق صفات الخصوم هو من صميم اختصاص محكمة الموضوع نفسها فإذا ما ثبت لها أن صفة الطرفين ثابتة وبالتالي ثبت لديها أن زكي سميكة إنما كان ناظراً على كلا الوقفين فيكون حكمها سليماً وحائزاً لقوة الشيء المقضى به".
"ومن حيث إن نقطة النزاع تنحصر بين طرفي الخصوم في معرفة مدى حجية الحكم المعترض عليه وهو حكم أول ديسمبر سنة 1936".
"ومن حيث إن الثابت أن هذا الحكم قد أقر لزكي سميكة صفة الولاية على الأوقاف الملحقة (وقف باسيلي تادرس) كما قضى ببطلان إيقاف قطعة أرض شملها كتاب الوقف الصادر في 2 رجب سنة 1289 وذلك بعد أن أنكر على ذلك الناظر الذي لم يكن ممثلاً أثناء تدخله سوى وقف تادرس عريان صفة ولايته على الوقف الثاني واعتبر هذين الوقفين كلاً منهما منفصلاً عن الآخر - فإذا ما أقر الحكم المعترض عليه تلك الصفة لذلك الشخص الذي لم يكن ممثلاً في سنة 1936 للوقف المذكور وهو وقف الملحقات وإذ قضى أيضاً ببطلان وقف جزء من أعيانه الموقوفة في غير الأحوال التي نص عليها القانون - وهو الإيقاف الذي يقع إضراراً بالدائنين فيكون هذا الحكم قد تصدى لأصل عقد الوقف وصحة شروطه والولاية عليه - الأمر الممنوع منه القضاء المدني منعاً باتاً وسواء كانت هذه الشروط منصبة على ذات أصل الوقف أم راجعة إلى الولاية عليه، فهذا كله من اختصاص المحاكم الشرعية عملاً بنص المادة 38 من لائحة ترتيب المحاكم المختلطة الملغاة التي كانت تطابقها في ذلك الحين المادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الوطنية كما تطابقها الآن المادة 16 من قانون نظام القضاء الحالي رقم 147 سنة 1949 ونصها "لا تختص المحاكم بنظر المنازعات والمسائل المتعلقة بإنشاء الوقف أو بصحته أو بالاستحقاق فيه أو بتفسير شروطه أو بالولاية عليه أو بحصوله في مرض الموت". فإذا ما ناط الشارع بكل جهة من جهات القضاء النظر في المسائل التي اختصها بها فإنما قصد من ذلك أن تلزم كل جهة حدودها وهذا مقتضاه أنه لا يصح إقرار أي عمل تجريه أية جهة خارج الحدود التي رسمت لها - فعملها هذا يكون عندئذ باطلاً، فلا يصح أن يكون ملزماً لأحد أو أن يحوز قوة الشيء المحكوم فيه".
"ومن حيث إنه فضلاً عن كل ذلك فإن ما ذهب إليه الحكم المستأنف من أن حكم أول ديسمبر سنة 1936 لم يعد في الإمكان مناقشته استناداً إلى أنه قد جاز قوة الأمر المقضى به وبأن المحكمة الشرعية قد أغفلت هذا المبلغ وأن ليس لها أن تتصدى لمسألة النظارة في الفقرة السابقة لقرارها وأنه لا يسعه في ذلك أن يتبعها فيما بدر منها من خطأ قضائي (كذا) هذا القول الذي يقوله الحكم المستأنف لا سند له من القانون ولا من واقع الأوراق - فإن الثابت من كافة الأحكام والقرارات الصادرة من المحاكم الشرعية في أمر هذه الأوقاف المتنازع على النظارة فيها أن زكي سمكية لم يكن يوماً ناظراً على الأوقاف الملحقة التي ظلت شاغرة إلى أن أقيم المستأنفان "المطعون عليهما الأول والثاني" ناظرين عليها وعلى الوقف الآخر بمقتضى قرار المحكمة العليا الشرعية في سنة 1947 ( خطأ مادي وصحته سنة 1941) - وإذن فإذا كانت المحكمة الشرعية قد فصلت في نزاع متعلق بأصل الوقف أو الولاية عليه ثم رفعت بعد ذلك إلى المدنية دعوى من أحد النظار أو المستحقين في هذا الوقف فإنه يجب على هذه المحكمة ألا تخرج عما قضى به الحكم الشرعي وألا تمسه بتأويل أو تفسير" ويبين من هذا الذي أورده الحكم المطعون فيه أنه لم يغفل الرد على ما دفع به الطاعنان أمام محكمة الدرجة الأولى - من عدم قبول اعتراض المطعون عليهما الأول والثاني لأن صفة النظارة كانت ثابتة للنظار الذين أقاموا الدعوى رقم 8991 سنة 58 ق والتي انتهت بالحكم الصادر في أول ديسمبر سنة 1936 - كما عرض لما تمسك به الطاعنان من حجية هذا الحكم - وقد أقام قضاءه في هذا الخصوص على أسباب صحيحة قانوناً.
وحيث إن السبب الرابع محصله أنه بمقتضى القانون رقم 180 لسنة 1952 قد ألغي نظام الوقف على غير الخيرات - وأصبح كل وقف لا يكون مصرفه في الحال خالصاً لجهة خيرية منتهياً وتستحيل أعيانه إلى ملك خاص للمستحقين - كل بقدر حصته في الاستحقاق - وعلى ذلك فإن المطعون عليهما الأول والثاني لم تعد لهما صفة النظارة على الوقف الملحق ولا يملكان التحدث عنه فليست لهما صفة في تمثيله إذ أن أعيانه قد آلت إلى ملك حر يمتلكه المستحقون.
وحيث إن النعي بهذا السبب غير مقبول إذ هو سبب جديد لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع، ولا يشفع للطاعنين في قبوله ما ذكراه في تقرير الطعن من أن أحكام القانون رقم 180 لسنة 1952 لها صفة الناظم العام فيكون لهما أن يثيرا هذا الدفاع أمام محكمة النقض لأول مرة وأن يتمسكا بما ورد فيه، ذلك أنه لا شأن لأحكام القانون رقم 180 لسنة 1952 بالنظام العام فيما يتعلق بصفة النظر التي ثبتت للمطعون عليهما في الحين الذي أقام فيه طعنهما بطريق اعتراض الخارج عن الخصومة - وعندما رفعا استئنافهما عن الحكم الابتدائي وقد أعلنهما الطاعنان بالنقض على أساس أنهما كانا خصماً لهما في الخصومة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه ومصلحتهما في الدفاع عنه ظاهرة.