مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) - صـ 247

جلسة 30 مايو سنة 1938

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمود المرجوشي باشا ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك المستشارين.

(231)
القضية رقم 1586 سنة 8 القضائية

سرقة الأوراق والمستندات بواسطة من قدّمها إلى المحكمة. صاحب الورقة. سرقته إياها بعد تقديمها. عقابه.
(المادة 298 ع = 343)
إن جريمة سرقة الأوراق والمستندات التي تقع ممن قدّمها إلى المحاكم أثناء تحقيق قضية بها هي جريمة من نوع خاص نص عليها قانون العقوبات في المادة 298 بغية إلزام الخصوم سلوك سبيل الذمة والأمانة في المخاصمات القضائية والتنبيه إلى أن السندات والأوراق التي يقدّمها كل منهم للمحكمة تصبح حقاً شائعاً للفريقين يسوّغ للخصم الآخر أن يعتمد عليها في إثبات حقوقه. فلذلك وما دام نص هذه المادة صريحاً في عقاب من قدّم الورقة ثم سرقها، فإن هذا النص يتناول حتماً صاحب الورقة الذي يسرقها بعد تقديمها.


المحكمة

ومن حيث إن محصل الوجه الأوّل من أوجه الطعن أن محكمة الموضوع لم تحقق دفاع الطاعن بالنسبة لفعل التغيير في قيمة الإيصالات المدعى بتزويرها وأنها استندت في إدانته في جريمة التزوير إلى دليل احتمالي وهو وجود مصلحة له في التزوير مع أن مصلحة خصمه في ذلك قائمة أيضاً. وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن المحكمة نسبت إليه أنه غير في تاريخ الإيصالات دون أن تبين الدليل على ذلك، وإنه ثبت من وقائع الدعوى أن تلك الإيصالات تقدّمت لمكتب المحامي عن المدعية في قضية مدنية لإجراء الصلح على أساسها وبقيت فترة من الزمن في متناول أيدي الخصوم ولما استردّها الطاعن قدّمها إلى المحكمة على علاتها. وقد سلم الحكم بهذه الواقعة التي تفيد أن الطاعن كان خالي الذهن من حصول أي تلاعب في الإيصالات، كما تفيد أنه إذا كان ثمة تغيير فإن الفاعل له غير الطاعن، ولكن المحكمة للرد على تلك النتيجة انتزعت من الخيال واقعة وهي قولها إن الطاعن هو صاحب المصلحة في التزوير مع أنه من المحتمل أن الخصم هو الذي أحدث التغيير للكيد للطاعن. وإذا تطرّق الاحتمال إلى التدليل سقط الاستدلال به.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى الحكم الابتدائي الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه يبين أن المحكمة لم تنسب للطاعن أنه هو الذي أجرى التغيير في الإيصالات بنفسه بل قالت: "إنها ترى أن التزوير عمل لمصلحة المتهم (الطاعن) بقصد استنزال مبالغ مما هو مطالب بها، كما ترى من ظروف الحادث ومن واقعة سرقة المتهم المستندات، وهي التهمة الأخرى الموجهة إليه، ما يجعل تهمة التزوير ثابتة قبله". ومؤدى ذلك أن المحكمة رأت أن حصول التغيير في الإيصالات وقع لمصلحة الطاعن واعتبرته مسئولاً جنائياً عنه بصرف النظر عما إذا كان هو الذي أحدث ذلك التغيير بنفسه أو أنه اتفق مع غيره على إحداثه، ومن ثم يكون قول الطاعن إن المحكمة نسبت إليه أنه غير في الإيصالات دون أن تبين الدليل لا أساس له. أما ما يثيره من أنها استندت في إدانته إلى دليل احتمالي وهو وجود مصلحة له في التزوير مع أن مصلحة خصمه في ذلك قائمة أيضاً وهي الكيد له فهو نزاع موضوعي خاص بتقدير الدليل، وهو من شأن محكمة الموضوع فلا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض.
ومن حيث إن محصل الوجه الثاني أن الحكمين الابتدائي والاستئنافي أدانا الطاعن في جريمة الاستعمال مع أنهما لم يعرضا لها مطلقاً ولم يدللا على وقوعها من الطاعن، وكل ما جاء عنها قول الحكم المطعون فيه: "إنه يجب توقيع عقوبة واحدة عن التهمتين الأولى والثانية لوقوعهما لغرض واحد". ومن ثم يكون من الواجب نقض الحكم من هذه الناحية، خصوصاً وإن جريمة الاستعمال لا تتم إلا إذا كان المتهم قد استعمل السند المزوّر مع علمه بهذا التزوير. وعدم الإشارة في الحكم إلى شيء من هذا يبطله.
ومن حيث إنه وإن كان الحكم الابتدائي الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه لم يتكلم على جريمة الاستعمال بالذات إلا أنه ظاهر من أسبابه أن الطاعن هو الذي قدّم الإيصالات المزوّرة في القضية المدنية التي كانت قائمة بينه وبين السيدة رشيدة مصطفى رياض وأنه هو الذي ارتكب جريمة التزوير في تلك الإيصالات ما يؤدّي إلى علمه بالتزوير وقت أن استعملها، وهذا يكفي لسلامة الحكم على تلك الجريمة. على أنه لا مصلحة للطاعن في إثارة هذا الوجه بعد أن أدانته المحكمة الاستئنافية بعقوبة واحدة عن جريمتي التزوير والاستعمال طبقاً للمادة 32 عقوبات.
ومن حيث إن محصل الوجه الثالث أن الحكم المطعون فيه أدان الطاعن في جريمة سرقة الإيصال المقدّم منه إلى المحكمة مع أن هذا الإيصال ملك للطاعن ومقدّم منه فلا يمكن عدّه سارقاً له إذا أخذه جهراً أو خفية. ومن ثم يكون الحكم إذ أدان الطاعن في هذه التهمة قد وقع باطلاً. ويضيف الطاعن إلى ذلك أن الظروف التي قيل إنه أخذ فيها ذلك الإيصال ينعدم معها القصد الجنائي لأن الثابت أنه قدّم طلباً لاسترداد مستنداته، وتحت تأثير العقيدة بإجابة هذا الطلب حصل الاستيلاء عليها، فلما رفض الطلب ردّت الأوراق، وفي هذه الحالة يكون الحكم باطلاً أيضاً.
ومن حيث إن جريمة سرقة الأوراق والمستندات التي تقع ممن قدّمها إلى المحاكم أثناء تحقيق قضية بها هي جريمة خاصة نص عليها القانون في المادة 298 عقوبات بقصد إلزام الخصوم سلوك سبيل الذمة والأمانة في المخاصمات القضائية والتنبيه إلى أن السندات والأوراق التي يقدّمها كل من الخصمين تصبح حقاً شائعاً للفريقين، ويجوز للخصم الآخر أن يعتمد عليها في إثبات حقوقه. وما دام النص جاء صريحاً في عقاب من قدّم الورقة ثم سرقها فهو يتناول بطبيعة الحال مالك الورقة الذي يسرقها بعد أن يقدّمها كما هو الحال في الدعوى الحالية. وإذاً يكون اعتراض الطاعن من هذه الناحية عديم الأساس. أما ما يثيره أخيراً من عدم توفر القصد الجنائي لديه فهو نزاع موضوعي بتت فيه محكمة الموضوع بما لها من السلطة المطلقة في تقدير الأدلة المعروضة عليها، فأثبتت أن الطاعن "حضر إلى كاتب الجلسة المدنية وطلب منه الاطلاع على القضية رقم 357 قليوب سنة 1936 واستلام مستندات، فطلب منه إحضار أمر بذلك من حضرة القاضي فذهب وعاد ومعه أمر بتسليم المستندات عند عدم المانع، فذهب هو إلى حضرة القاضي وأفهمه بأن القضية محجوزة للحكم، فأشر القاضي بالرفض. وبعد أن رجع إلى حجرته أرجع إليه المتهم (الطاعن) القضية وفحصها فتبين له أنه ينقص مستند من عشرة مستندات كانت فيها قدّمت من المتهم في الجلسة فأفهم المتهم ذلك فأنكر أخذه وقال إنه لم يقدّم في الجلسة غير تسع مستندات فكذبه في ذلك الشاهد (كاتب الجلسة) وأخبره أن عدد المستندات مدرج في القضية، وعرض الأمر على كاتب أوّل المحكمة فهدّد المتهم بإبلاغ النيابة، وأخيراً أخرج المتهم المستند من جيبه وسلمه للشاهد الذي قرّر أيضاً أن المستندات العشرة كانت مشبوكة بدبوس". وقد عرض الحكم بعد ذلك لدفاع الطاعن الوارد في وجه الطعن فقال "إن المحكمة ترى أن دفاع المتهم غير جدّي خصوصاً وقد قرر محمد حسني أفندي أن المستندات العشرة كانت مشبوكة بدبوس مع بعضها كما أنه تبين أن المستند الذي أخفاه المتهم مطعون فيه بالتزوير ومن الصعب أن يكون للصدف دخل في ترتيب كل ذلك". وظاهر من ذلك أن محكمة الموضوع فصلت في دفاع الطاعن، وفصلها نهائي ولا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض.