أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 8 - صـ 960

جلسة 26 من ديسمبر سنة 1957

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمود عياد، ومحمد متولي عتلم، ومحمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي المستشارين.

(108)
الطعن رقم 291 سنة 23 ق

أ - مواريث. بيع "ضمان عدم التعرض". مقايضة. شرط انتقال التزامات المورث إلى الوارث. مثال.
ب - إعلان "الإعلان لجهة الإدارة". عدم إثبات الخطوات التي سبقت تسليم الصورة لجهة الإدارة والوقت الذي انتقل فيه المحضر إلى محل المعلن إليه. بطلان الإعلان. م 11 و12 و24 مرافعات.
1 - الأصل المقرر في التشريع الفرنسي في شأن الوارث الذي يقبل التركة بغير تحفظ أنه لا يستطيع - بمقتضى متابعته لشخصية المورث - أن يطلب استحقاق العين التي تصرف فيها مورثه لو كانت هذه العين مملوكة له بسبب خاص أما إذا قبل الوارث التركة بشرط الجرد كانت شخصيته مستقلة عن شخصية المورث ولا يصح أن يواجه بالتزام المورث عدم التعرض للمشتري إذا ادعى الاستحقاق لعين من الأعيان تصرف فيها مورثه للغير - وقد أخذ المشرع المصري في انتقال التركات بما يتقارب في هذا الخصوص مع ما يقرره القانون الفرنسي بشأن الوارث إذا قبل التركة بشرط الجرد لأنه يعتبر شخصية الوارث مستقلة عن شخصية المورث وأن ديون المورث إنما تعلق بتركته لا بذمة ورثته، فلا يمكن أن يقال بأن التزامات المورث تنتقل إلى ذمة الوارث لمجرد كونه وارثاً، إلا إذا أصبح الوارث مسئولاً شخصياً عن التزامات المورث كنتيجة لاستفادته من التركة - وعلى ذلك فمتى تبين من وقائع الدعوى أن المورث كان قد تصرف في أطيان له للغير بمقتضى عقد بدل لم يسجل ثم تصرف في ذات الأطيان بالبيع لأحد أولاده بعقد بيع مسجل فأقام هذا الأخير بعد وفاة البائع دعوى على المتبادل معه يطلب تثبيت ملكيته إلى هذا القدر فقضى برفض دعواه اتباعاً لما هو مقرر في التشريع الفرنسي في شأن الوارث الذي يقبل التركة بغير تحفظ فإن الحكم يكون قد خالف القانون.
2 - جرى قضاء محكمة النقض بأنه يعتبر باطلاً الإعلان المسلمة ورقته لحاكم البلدة أو شيخها إذا لم يثبت المحضر في محضره لخطوات التي سبقت تسليم الصورة إليه والوقت الذي انتقل فيه إلى محل المعلن إليه وذلك عملاً بالمواد 11 و12 و24 من قانون المرافعات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع تخلص - كما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن الطاعنة أقامت الدعوى رقم 760 سنة 1949 كلي دمنهور على المطعون عليهما طالبة الحكم بتثبيت ملكيتها إلى 2 فدان و11 قيراطاً شائعة في 8 فدادين و18 قيراطاً مبينة بصحيفة الدعوى - وإلزامهما بإخلاء الأطيان المذكورة وتسليمها إليها - مستندة في ذلك إلى عقد بيع صادر إليها من والدها المرحوم محمد باشا مقبل في 3/ 1/ 1945 ومسجل في 24/ 1/ 1945 وقالت إن المطعون عليه الثاني كان مستأجراً لهذه الأطيان فسلمها إلى المطعون عليها الأولى - ودفعت هذه الأخيرة الدعوى بأنها تملكت القدر موضوع النزاع بطريق البدل مع أخيها - (والد الطاعنة) - بعقد محرر بينهما في 10 من أكتوبر سنة 1943 اقترن بوضع يدها منذ ذلك التاريخ - وأن هذا العقد ولو أنه غير مسجل إلا أنه يفضل عقد الطاعنة لأن هذا العقد الأخير صوري صورية مطلقة بدليل أنه صادر من والد إلى ابنته بصفته ولياً طبيعياً عليها - هذا فضلاً عن أنه نتيجة تواطؤ وتدليس للإضرار بها. وبتاريخ 22 من مايو سنة 1951 قضت محكمة أول درجة بتثبيت ملكية الطاعنة للأطيان وتسليمها إليها فاستأنف المطعون عليهما هذا الحكم إلى محكمة استئناف الإسكندرية - وقيد استئنافها برقم 368 سنة 7 ق. وبتاريخ 10 من يونيه سنة 1953 حكمت هذه المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف عليها (الطاعنة) وألزمتها بالمصاريف عن الدرجتين وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة عنهما. وبتاريخ 6 من سبتمبر سنة 1953 قررت الطاعنة الطعن بالنقض في هذا الحكم، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وأبدت النيابة رأيها بالتصميم على ما ورد بمذكرتها (وقد جاء فيها أنها تطلب رفض الطعن بالنسبة للمطعون عليه الثاني لكونه باطلاً شكلاً) - وأن الحكم المطعون فيه مرجح نقضه في خصوص السببين الأول والثاني ولذلك تطلب إحالته إلى الدائرة المدنية - وقررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى هذه الدائرة بجلسة 6 من يونيو سنة 1957 وصممت النيابة على طلباتها السابقة.
ومن حيث إن النيابة العامة أبدت رأيها بعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة للمطعون عليه الثاني لأن المحضر أثبت في محضر الإعلان أنه أعلنه مخاطباً مع شيخ البلد لغيابه ولعدم وجود من يستلم الإعلان عنه - دون أن يثبت الخطوات التي تمت في سبيل الإعلان وكان يجب عليه أن يثبت هذه الخطوات وإغفال ذلك يترتب عليه بطلان الإعلان.
وحيث إن ما أبدته النيابة في هذا الخصوص في محله لأنه وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة يعتبر باطلاً الإعلان المسلمة ورقته لحاكم البلدة أو شيخها إذا لم يثبت المحضر في محضره الخطوات التي سبقت تسليم الصورة إليه والوقت الذي انتقل فيه إلى محل المطعون عليه كما هو الحال في إعلان تقرير هذا الطعن إلى المطعون عليه الثاني وذلك عملاً بالمواد 11 و12 و24 من قانون المرافعات ومن ثم يتعين الحكم بعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة للمطعون عليه الثاني.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية بالنسبة للمطعون عليها الأولى.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب - تنعى الطاعنة في الأسباب الثلاثة الأولى منها - على الحكم المطعون فيه أنه مشوب بالخطأ في القانون - وفي بيان ذلك ذكرت أن محكمة الاستئناف قد أقامت حكمها برفض الدعوى على أساس أنها (أي الطاعنة) بوصفها وارثة لوالدها المرحوم محمد مقبل باشا تعتبر خلفاً عاماً له فينتقل إليها التزام الضمان الواقع على عاتقه - نتيجة لعقد البدل الذي تم بين مورثها والمطعون عليها الأولى - والحال أن الطاعنة - بعد شرائها الأطيان موضوع النزاع من أبيها وتسجيلها عقد البيع الصادر لها منه - لم تعد - في خصوص ما اشترته - خلفاً عاماً - ولم ينتقل إليها التزام الضمان الذي كان على مورثها - وإنما تعتبر من طائفة الغير - ذلك أنها تستمد حقوقها من عقد البيع - المسجل الذي انتقلت به الملكية لها - قبل وفاة مورثها - وفقاً لأحكام قانون التسجيل رقم 18 لسنة 1923 وطبقاً للمادة الأولى منه - وبهذا خرجت الأعيان المتنازع عليها من تركة مورثها فلا محل لتحميلها بالتزام ما إذ أن الورثة لا يضمنون التزامات مورثهم إلا في حدود ما تركه عند وفاته - والواجب في هذا الخصوص إعمال أحكام قانون التسجيل - وبما أن المطعون عليها الأولى لم تسجل عقد البدل - فإن ملكية الأطيان المتنازع عليها تكون ثابتة للطاعنة - بلا نظر لما تقول به المطعون عليها الأولى من وضع يدها على ما آل إليها بالبدل لأن وضع اليد المذكور يكون بغير جدوى إذ هو لا يؤدي إلى التملك بالتقادم الخمسي - ولا وجه كذلك لما ساقه الحكم المطعون فيه من تحميل الطاعنة بالتزام الضمان الناشئ عن تصرفات مورثها - تأسيساً على ما أورده من أنه إذا تصرف المورث في مال غير مملوك له ثم ورثه المالك الحقيقي كان هذا المالك الحقيقي ملزم بالضمان وتنفيذ تصرفات مورثه.
وحيث إن هذا النعي على أساس، ذلك أنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون عليه فيه أنه أقام قضاءه برفض دعوى تثبيت الملكية من الطاعنة على ما ورد فيه من أن: "المحكمة لا ترى الأخذ بما ذهب إليه الحكم الابتدائي من أن العقد المسجل الصادر إلى (الطاعنة) يفضل عقد البدل غير المسجل والصادر (للمطعون عليها الأولى) في تاريخ سابق على البيع وقبل وفاة البائع الذي حصل عنه التصرف - ذلك أنه مسلم بأن البائع يلزم بعدم منازعة المشتري في ملكية المبيع وعدم التعرض له في انتفاعه به سواء أكان هذا التعرض قانونياً أم مادياً فيجب عليه ألا يتعرض للمشتري في المبيع وألا يحاول انتزاعه منه. والالتزام بضمان التعرض الشخصي ليس مقصوراً على البائع بل ينتقل بوفاته إلى ورثته الذين يلتزمون بعدم التعرض للمشتري في حيازته فيمتنع عليهم الأعمال التي من شأنها الإخلال بحيازة المشتري الهادئة - وقد فرعوا على ذلك أنه إذا باع إنسان شيئاً غير مملوك له ثم ورثه المالك الحقيقي وكان ملزماً بالضمان على حسب أحكام الميراث ففي هذه الحالة لا يصح للوارث طلب استرداد المبيع - فإذا فعل جاز للمشتري أن يدفع دعواه بأنه وهو ضامن للمبيع يحرم عليه التعرض - والالتزام بالضمان لا يقبل بطبيعته الانقسام ولو كان المبيع قابلاً للتجزئة لأنه عبارة عن تعهد الضامن بالامتناع عن عمل من الأعمال وهو التعرض. فإذا حصل تعرض من جانب البائع أو ورثته للمشتري ولو في جزء تافه أصبحت حيازته غير هادئة وكان الضامن مخلاً بالتزامه. وبما أن (الطاعنة) وهي من ورثة البائع لا يجوز لها أن تنازع (المطعون عليها الأولى) في ملكيتها وتطلب الحكم بتثبيت ملكيتها إلى الأطيان التي تبادلت عليها مع مورثها - حتى مع التسليم بأن عقد المطعون عليها الأولى غير مسجل، ذلك لأن عدم تسجيل العقد لا ينفي التزامها بالضمان ذلك لأن عقد البيع سواء أكان مسجلاً أو غير مسجل يلزم البائع أن يمكن المشتري من الانتفاع بالمبيع وحيازته حيازة هادئة ولا يسقط حق الضمان عن البائع إلا إذا اشترط عدم الضمان وكان المشتري عالماً وقت الشراء بسبب الاستحقاق أو اعترف بأنه اشترى ساقط الخيار - أما عدم تسجيل المشتري شرائه فلا يترتب عليه سقوط الضمان وقد ورثت (الطاعنة) هذا الالتزام عن البائع باعتبارها إحدى ورثته. وبما أنه لا ينفي هذا الالتزام بالضمان أو يقلل من قيمته صدور عقد البيع (للطاعنة) وتسجيله إذ لا يمكن أن تقوم مفاضلة بين عقد البيع المسجل الصادر إليها من والدها وبين العقد غير المسجل الصادر منه إلى المطعون عليها الأولى ما دام التزامها بالضمان قائماً ويتمثل هذا الضمان في وجوب دفع التعرض القانوني الذي يقع على (المطعون عليها الأولى) من الغير وتعويضها إذا انتهى التعرض باستحقاق المبيع الأمر الذي لا يتفق معه بداهة تعرضها هي (المطعون عليها الأولى) مع وضع يدها وأن يحصل هذا التعرض بدعوى تطلب فيها الحكم بتثبيت ملكيتها للأطيان التي سبق أن تبادلت عليها مع والدها بحجة أن المطعون عليها الأولى لم تسجل عقد التبادل الذي تم بينها وبين والدها، فأصبحت هي صاحبة الأفضلية لأنها سارعت وسجلت عقد البيع الصادر إليها عن نفس الأطيان التي حصل بشأنها التبادل" وظاهر مما تقدم أن الحكم المطعون فيه يقوم في جوهره على القول بأن مورث الطاعنة ضامن بمقتضى عقد البدل عدم التعرض للمطعون عليها الأولى - وأن هذا الالتزام ينتقل إلى الطاعنة بصفتها أحد ورثته - وأنه يمتنع عليها إعمالاً لمقتضى واجب الضمان أن تطلب الاستحقاق فيما تبادل عليه مورثها مع المطعون عليها الأولى ارتكاناً إلى أنها تلقت ملكية القدر الذي آل المطعون عليها الأولى بالبدل - من مورثها بمقتضى عقد البيع الذي سجلته - أخذاً بما هو مقرر من أن من وجب عليه الضمان امتنع عليه التعرض وما قام عليه الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص إنما هو اتباع للأصل المقرر في التشريع الفرنسي في شأن الوارث الذي يقبل التركة بغير تحفظ - إذ يكون الوارث قائماً مقام مورثه - فيتلقى حقوقه ويلتزم بالتزاماته - فإذا كان على مورثه التزام بضمان عدم التعرض انتقل إليه هذا الالتزام - وامتنع عليه - بمقتضى متابعته لشخصية المورث - أن يطلب استحقاق العين التي تصرف فيها مورثه لو كانت هذه العين مملوكة له بسبب خاص، أما إذا قبل الوارث التركة بشرط الجرد كانت شخصيته مستقلة عن شخصية المورث فلا تعتبر ذمته الشخصية مسئولة عن التزامات المورث - إذ هو إنما يعتبر مسئولاً بوصفه حائزاً لأعيان التركة - فهو بالنسبة للمورث شأنه شأن الغير - وعلى ذلك يحتفظ الوارث بشرط الجرد بذمته الخاصة مستقلة عن ذمة المورث فإذا كان للوارث دين قبل المورث أو العكس فلا ينقضي بإتحاد الذمة - وللوارث أن يكسب حقوقاً جديدة قبل التركة إذا ما حل حلولاً قانونياً محل الدائنين - ولا يصح أن يواجه الوارث بالتزام المورث عدم التعرض للمشتري إذا ادعى الاستحقاق لعين من الأعيان تصرف فيها مورثه للغير.
وحيث إن النظر الذي أخذ به المشرع المصري في انتقال التركات يتقارب في خصوص ما يدور عليه النزاع في هذه الدعوى مع ما يقرره القانون الفرنسي بشأن الوارث إذا قبل التركة بشرط الجرد - ذلك لأنه يعتبر شخصية الوارث مستقلة عن شخصية المورث وأن ديون المورث إنما تعلق بتركته لا بذمة ورثته - فلا يمكن أن يقال بأن التزامات المورث تنتقل إلى ذمة الوارث لمجرد كونه وارثاً، إلا إذا أصبح الوارث مسئولاً شخصياً عن التزامات المورث كنتيجة لاستفادته من التركة.
وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه بدون حاجة إلى بحث السبب الرابع من أسباب الطعن.