مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) - صـ 280

جلسة 27 يونيه سنة 1938

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمود المرجوشي باشا ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك المستشارين.

(246)
القضية رقم 1847 سنة 8 القضائية

( أ ) جريمة قتل مستحيلة. شروع في قتل. الفارق بينهما. مثال.
(المادة 45 ع)
(ب) نقض وإبرام. شروع. خطأ الحكم في التدليل على أن الجريمة التي شرع فيها المتهم وقفت لسبب خارج عن إرادته. إثبات أن المتهم انتوى ارتكاب الجريمة وشرع في تنفيذها وأن عدم تمامها لا يرجع إلى إرادته. لا نقض.
1 - ما دام الحكم قد أثبت على المتهم أنه أطلق العيارات النارية على المجني عليه بقصد قتله وأنه أصابه فعلاً ولكن العيارات لم تقتله لأنه أخطأ في تقدير المسافة بينه وبين المجني عليه الذي انتوى قتله بحيث إن قوّة المقذوفات التي أطلقها ضعفت بسبب طول المسافة فلم تحدث إصابة قاتلة، فإن ذلك لا يفيد أن الجريمة مستحيلة بل هو يفيد أنها جريمة شروع في قتل خاب لسبب خارج عن إرادة الجاني، لأنه لو لم يخطئ في تقدير المسافة لما كان هناك ما يحول دون وقوع جريمة القتل التي قصدها. وليس هذا شأن الجريمة المستحيلة التي تتميز عن الشروع المعاقب عليه بأن ما يقصد الفاعل إلى تحقيقه لا يمكن أن يتم مادياً بسبب عدم صلاحية الوسيلة التي استخدمها بالمرة أو بسبب انعدام الهدف الذي قصد أن يصيبه بفعله.
2 - لا يفيد المحكوم عليه في طلب نقض الحكم استناده إلى أن المحكمة أخطأت في التدليل على أن الجريمة التي شرع فيها خابت لسبب خارج عن إرادته ما دام الحكم قد أثبت أنه انتوى ارتكاب الجريمة وبدأ في تنفيذها وأن عدم تمامها لا يرجع إلى إرادته.


المحكمة

وحيث إن محصل الوجه الأوّل من أوجه الطعن أن الطاعن أدين من أجل جناية الشروع في القتل العمد مع أن الواقعة التي أثبتها الحكم لا تكوّن هذه الجريمة إذ أن الإصابات التي وجدت بالمجني عليهما لم يكن من شأنها إحداث القتل ولم يخب أثر الجريمة لا بإسعاف المجني عليهما بالعلاج ولا بعدم إحكام الرماية كما ذكر الحكم، إذ الثابت بالتحقيقات أن المصابين لم يعالجا بسبب بساطة الإصابات التي لو صادفت أي جزء من جسميهما لما أحدثت الوفاة. كما أن الثابت من الكشف الطبي أن المقذوف صادف مقتلاً من المجني عليهما فلا يصدق إذاً قول الحكم بعدم إحكام الرماية.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه أدان الطاعن بالمواد 45 و46 و198/ 2 عقوبات على أساس أنه ومعه آخرون مجهولون "شرع في قتل السيد محمد علي خلف وأبو الفتوح سالم الصياد عمداً بأن أطلق عليهما عدّة أعيرة نارية قاصداً قتلهما فأحدث بهما الإصابات الموضحة بالتقرير الطبي ولم تتم الجريمة لسبب خارج عن إرادته وهو إسعاف المجني عليهما بالعلاج وقد تقدّمت هذه الجناية جناية أخرى وهي أنه في الزمان والمكان السالفي الذكر أيضاً مع آخرين مجهولين شرع في سرقة بقرة لعبد العزيز سالم خلف حالة كونه يحمل سلاحاً (بندقية). واستند الحكم في ذلك إلى أقوال المجني عليهما وشهادة الشهود والكشف الطبي والمعاينة ومحضر التفتيش، وأورد الكشف الطبي ومفاده أن السيد محمد علي خلف أصيب بثقب ناري بالشفة العليا نافذ للجلد وواصل للغشاء المخاطي وظاهر تحته جسم صلب صغير يرجح أنه رش ووجد به أيضاً سحج ناري بالصدغ الأيسر وثقب ناري بالكتف الأيسر نافذ من الجلد، وأن المجني عليه الثاني أصيب بثقب ناري بالصدغ الأيسر نافذ إلى الجلد، وأن إصابات المجني عليهما تحدث من مقذوف ناري محشو بالرش والبارود على مسافة تزيد على أربعة أمتار. ثم عرض الحكم إلى نية القتل فقال إنها ثابتة على الطاعن من خروجه "مع عصابة للسرقة وهو حامل لبندقية محشوّة بمقذوفات قتالة ومن إطلاقها بالفعل على المجني عليهما ومن كان معهما من الشهود الذين حالوا باستغاثتهم دون سرقة البقرة، وذلك بقصد القتل فأصاب المجني عليهما الأوّلين بالمقذوفات النارية التي من شأنها إحداث الوفاة فلم تتم الجريمة لسبب خارج عن إرادته وهو عدم إحكام الرماية وإسعاف المصابين بالعلاج".
وحيث إنه يظهر من البيان المتقدّم أن الحكم المطعون فيه أدان الطاعن في تهمة الشروع في القتل على أساس ما أثبته عليه من أنه أطلق أعيرة نارية على المجني عليهما، وأن ذلك كان بقصد القتل فأصابت مقذوفات العيارات المجني عليهما وأحدثت بهما الإصابات التي أوردها الكشف الطبي. وقد أورد الحكم الأدلة التي استند إليها في إثبات أن الطاعن أطلق العيارات النارية على المجني عليهما، وأنه قصد من إطلاقها القتل وإزهاق الروح، وأنها أصابتهما فعلاً. كما أورد أن وفاة المجني عليهما لم تتم لسبب خارج عن إرادة الطاعن وهو إسعاف المجني عليهما بالعلاج وعدم إحكام الطاعن الرماية. وفي هذا الذي أثبته الحكم ما يدل على توافر جميع العناصر القانونية لجريمة الشروع في القتل التي أدين فيها الطاعن. أما ما يقوله الطاعن من أن إصابات المجني عليهما كانت بسيطة ولا تؤدّي إلى القتل مع كونها أصابت المجني عليهما في مقتل منهما. وما يعلق به على هذا القول من أن الواقعة التي أثبتها الحكم لا تكوّن الجريمة التي عوقب عليها، وأن الحكم أخطأ إذ أثبت أن وفاة المجني عليهما لم تتم بسبب إسعافهما بالعلاج أو بسبب عدم إحكام الرماية - كل هذا الذي يقوله الطاعن لا يغير من النظر الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه ولا يؤثر في سلامته لأنه أثبت توفر نية القتل لدى الطاعن عند إطلاقه العيارات النارية على المجني عليهما، وأن الوفاة لم تتم لسبب خارج عن إرادة الطاعن، فلا يهم بعد ذلك ما إذا كانت الإصابات التي نشأت عن هذا الفعل بسيطة وأنها لا تؤدّي إلى القتل.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه أخطأ إذ أدان الطاعن لأن المسافة بين الضارب عندما أطلق المقذوف والمجني عليهما كانت بعيدة كما يستفاد من المعاينة والرسم التخطيطي لمكان الحادثة، بحيث إن المقذوف لم يحدث بالمجني عليهما غير إصابات سطحية لأن قوّته تتضاءل حتى تتلاشى كلما بعدت المسافة كما يؤخذ من أقوال الطبيب. ومتى كان الأمر كذلك فإن ما قيل بوقوعه من الطاعن لا يكوّن إلا جريمة مستحيلة لا عقاب عليها.
وحيث إن ما يزعمه الطاعن في هذا الوجه من أن المسافة بين الضارب والمصابين كانت بعيدة، وأن قوّة المقذوفات تضاءلت حتى كادت تتلاشى وقت أن أصابت المجني عليهما فلم تحدث بهما سوى إصابات سطحية مما يجعل الجريمة مستحيلة - ما يزعمه الطاعن في هذا الشأن مردود لأن الحكم أثبت عليه أنه أطلق العيارات النارية بقصد القتل، وأنه أصاب بها المجني عليهما فعلاً، فإن كان هو مع ذلك قد أخطأ تقدير المسافة بينه وبين الهدف الذي انتوى قتله بحيث إن قوّة المقذوفات التي أطلقها ضعفت بسبب طول المسافة فلم تحدث إصابات قاتلة بالمجني عليهما فإن ذلك لا يفيد أن الجريمة مستحيلة بل يفيد أنها جريمة شروع في قتل خاب لسبب خارج عن إرادة الطاعن لأنه لو لم يخطئ في تقدير المسافة لما كان هناك ما يحول دون وقوع جريمة القتل التي قصدها. وليس هذا شأن الجريمة المستحيلة التي تتميز عن الشروع المعاقب عليه بأن ما يقصد الفاعل إلى تحقيقه لا يمكن أن يتم مادياً بسبب عدم صلاحية الوسائل التي استخدمها بالمرة أو بسبب انعدام الموضوع الذي قصد وقوع الفعل عليه.
وحيث إن محصل الوجه الثالث والأخير أن محكمة الموضوع حكمت ببراءة متهم آخر نسب إليه الاشتراك مع الطاعن في ارتكاب الجريمة، واستندت في ذلك إلى أسباب تنطبق على حالة الطاعن، وأثبتت أن اللصوص الذين يحضرون للسرقة يمرون على المجني عليهم ويحيونهم بصوت مرتفع، وأنه مع التسليم بأن كل ذلك من حقها فما كان يجوز لها أن تقول بأن المجني عليهما، وقد كانا في البر الغربي للترعة، رأيا الضارب لهما وهو في البر الشرقي مرتكنة على معاينة النيابة التي جاء فيها أن هذه الرؤية ممكنة بسهولة لعدم وجود أشجار تحجب النظر، ولأن القمر كان مضيئاً لأن المحكمة لم تلاحظ مع ذلك بعد المسافة بين الضارب والمصابين كما هو ثابت من الرسم التخطيطي، ولأن النيابة لم تعمل تجربة للتحقق من إمكان الرؤية التي قالت بها فعلاً إذ أنه من المستحيل أن يميز المضروب وجه الضارب في هذه الظروف.
وحيث إن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يعدو مناقشة محكمة الموضوع فيما استخلصته واطمأنت إليه عقيدتها من وقائع الدعوى وأدلتها وهو ما لا يصح الجدل بشأنه أمام محكمة النقض. على أن الحكم المطعون فيه قد أفاض في بيان الأدلة التي استند إليها في إدانة الطاعن ولم يكتف بأقوال المجني عليهما والمعاينة التي تناولها الطاعن في وجه الطعن.
وحيث إنه لكل ما تقدّم يتعين رفض الطعن موضوعاً.