مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) - صـ 296

جلسة 24 أكتوبر سنة 1938

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وأحمد مختار بك وسيد مصطفى بك المستشارين.

(254)
القضية رقم 1898 سنة 8 القضائية

( أ ) بيان الواقعة. قتل. سبق الإصرار. استخلاصه. مجني عليه. ابتداره من قتلوه بالضرب. عدم بيان سبب ذلك. نقض.
(ب) سبق الإصرار. استخلاصه من وقائع غير صالحة. تناقض الأسباب. نقض. مثال.
(المادة 195 ع = 231)
1 - يجب بيان الواقعة في الحكم بياناً كافياً تتمكن به محكمة النقض من مراقبة صحة تطبيق القانون على واقعة الدعوى وإلا كان هذا الحكم معيباً لقصوره. فإذا كان الحكم المطعون فيه قد أدان المتهمين على أساس توافر ظرف سبق الإصرار قبلهم في جناية القتل العمد اعتماداً على ما بينهم وبين المجني عليه من ضغائن، وكان الثابت به أن المجني عليه هو الذي بدأ بضرب الطاعنين بالعصا، وأنهم لم يضربوه إلا بعد أن اعتدى هو عليهم، ولم يذكر الحكم السبب الذي دعا المجني عليه إلى أن يبتدر الطاعنين بالضرب لمعرفة إن كان ذلك للدفاع عن نفسه لأنهم حضروا مصرين على ضربه أو أنه كان لأي سبب فجائي آخر وأن الطاعنين إنما ضربوه لمقابلة الاعتداء بالمثل، فإن اكتفاء الحكم، في مقام التدليل على سبق الإصرار، بثبوت الضغينة بين الطرفين، وسكوته عن استظهار تلك العوامل، وعدم تعرّضه لواقعة ضرب المجني عليه للطاعنين، تلك الواقعة التي أعقبها وقوع الضرب منهم عليه - ذلك قصور يعيب الحكم ويوجب نقضه.
2 - إذا أثبت الحكم توافر ظرف سبق الإصرار اعتماداً على أن المتهمين أرادوا أن يثأروا من المجني عليه لاعتقادهم أنه قتل قريباً لهم، ومع ذلك أخذهم بالرأفة اعتماداً على ما قاله من أن الثأر متبادل بين الطرفين، كما أثبت في الوقت نفسه أن المجني عليه هو الذي ابتدر المتهمين بالضرب، وأنهم لم يضربوه إلا بعد أن ضربهم، ولم يذكر السبب الذي دعا المجني عليه إلى ضرب المتهمين الأمر الذي قد ينصرف معه هذا السبب إلى أنه أراد هو الآخر أن يثأر منهم فضربهم - إذا أثبت الحكم كل ذلك كانت أسبابه متخاذلة متناقضة تناقضاً يجعلها غير صالحة لأن تبنى عليها النتائج القانونية التي ترتبت عليها.


المحكمة

"عن الأسباب المقدّمة من الطاعن الرابع"
من حيث إن الوجه الأوّل يتحصل في أن المحكمة دللت في حكمها على ثبوت نية القتل لدى الطاعن باستعماله بندقية وبأنه أطلقها على محمود إبراهيم فأودت بحياته في الحال وأصاب مقذوفها عباس محمود في مقتل منه مع أن الآلة التي استعملت في القتل لا تكفي وحدها لإثبات نية القتل.
ومن حيث إن لمحكمة الموضوع كامل الحرّية في أن تستخلص قيام نية القتل من أي عنصر من عناصر الدعوى متى كان من شأنه أن يؤدّي إلى ما استخلص منه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ عرض لتوافر نية القتل لدى الطاعن ذكر أنها ثابتة "من استعماله لآلة قاتلة بطبيعتها وهي بندقية وإطلاقها على محمود إبراهيم عمداً بقصد قتله فأودت بحياته فور الساعة وأصابت عباس محمود في مقتل من جسمه وهو البطن". وهذا الذي أثبته الحكم يؤدّي إلى توافر نية القتل فليس للطاعن أن يناقش في صحة هذا الاستخلاص أمام محكمة النقض.
وحيث إن الوجه الثاني مبني على أن المحكمة أخطأت في تطبيق القانون على الواقعة لأن الطاعن دفع بالتحقيق وبالجلسة أن إطلاقه العيارين إنما كان للدفاع عن نفسه ولأنه كان في حالة ضرورة عندما رأى جموع فريق المجني عليهما هاجمين عليه ولم يكن في مقدوره منع هذا الهجوم بطريقة أخرى، فردت المحكمة على هذا الدفع بأن الطاعن لم يكن في حالة تدعوه للدفاع عن نفسه أو تلجئه لاستعمال السلاح، مع أنه يكفي أن يعتقد الطاعن اعتقاداً تاماً أنه أصبح في حالة خطر جسيم على نفسه يوشك أن يقع به ولم يكن لإرادته دخل فيه ولا في قدرته منعه بطريقة أخرى غير التي سلكها.
وحيث إن الحكم الطعون فيه إذ عرض لدفاع الطاعن بأنه كان في حالة دفاع شرعي قال: "وحيث إن أقوال المتهم (الطاعن) يفهم منها أنه لم يهاجم بدليل أنه أطلق العيار على مسافة من المجني عليه وقد أيد الكشف الطبي ذلك فلم يكن إذاً في حالة تدعوه لاستعمال السلاح خصوصاً بعد ما قرّر أن من ادعى بمهاجمتهم له كما يزعم لم يعتدوا عليه ولم يثبت أن أحداً منهم كان يحمل سلاحاً، كما أنه لم يكن لتخوّفه أسباب معقولة فقد كان العراك قائماً بين الطرفين ولم يكن محمود إبراهيم بين المتلاحمين في العراك بل كان آتياً من الجهة التي قتل فيها أخوه فاعتدى عليه، فضلاً عن أن فريق المتهم لم يصب منهم أحد. وهذا يؤيد أن المتهم لم يكن في حالة تدعوه للدفاع عن نفسه أو تلجئه لاستعمال السلاح في القتل والشروع فيه. وإنه مما يؤكد أن هذا المتهم لم يكن في حالة دفاع عن نفسه ما ادعاه أنه استعان بالعسكريين لتفريق المتضاربين، وقد كذباه فيما ادعى إذ شهدا بأنهما سمعا طلق عيارين فذهبا للمعركة فوجدا محمود إبراهيم قتيلاً وعباس محمود مصاباً".
وحيث إن في هذا الذي أثبته الحكم وحصلته محكمة الموضوع من وقائع الدعوى وأدلتها ما يكفي للرّد على دفاع الطاعن، وهو يؤدّي إلى انتفاء حالة الدفاع أو الضرورة لدى الطاعن وقت مقارفته لجناية القتل العمد التي أدين فيها، فلا يجوز إذاً الجدل بشأن هذا الاستنتاج الموضوعي أمام محكمة النقض.
وحيث إن ملخص الوجه الثالث أن المحكمة أخلت بحق الدفاع لأنها قالت في حكمها إن شحاته عبد النعيم قتل وكان المجني عليهم ضمن من اتهموا في قتله، ورتبت على ذلك توافر ظرف سبق الإصرار لدى الطاعنين الثلاثة الأول، وكان الواجب على المحكمة أن تأمر بضم قضية جناية قتل شحاته المذكور لمعرفة الأشخاص الذين اتهموا في قتله ولتتبين أن الأشخاص المذكورين لم يتهموا في الجريمة.
وحيث إن الطاعن ليست له أية مصلحة في التمسك بهذا الوجه لأن ما يشكو منه لا يمسه في شيء لتعلقه بالطاعنين الآخرين وحدهم الذين أدانهم الحكم على أساس توافر سبق الإصرار لديهم استناداً إلى القول بسبق اتهام المجني عليهم بقتل شحاته عبد النعيم.
وحيث إنه لما تقدّم يكون الطعن المقدّم من الطاعن الرابع على غير أساس ويتعين رفضه.
"عن الأسباب المقدّمة من الثلاثة الأول من الطاعنين"
من حيث إن ما ينعاه هؤلاء الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون على الواقعة التي أثبتها لأنه يستفاد من الوقائع التي أوردها أن المجني عليه عند رؤيته الطاعنين خرج إليهم من الماء وضربهم أوّلاً وأصاب الأوّل والثالث منهم - الأمر الذي حدا بهم هم الثلاثة إلى ضربه. ومتى كان هذا هو الثابت في الحكم فلا يمكن اعتبار الواقعة جناية قتل عمد مع سبق الإصرار.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه أدان الطاعنين بجناية القتل العمد مع سبق الإصرار وأورد ما حصلته المحكمة من وقائع الدعوى التي تبينتها من مجموع التحقيقات وشهادة الشهود الذين سمعتهم بقوله "إن شحاته عبد النعيم قتل وكان ضمن من اتهموا في قتله محمد إبراهيم موسى وعباس محمود ومحمود إبراهيم موسى المجني عليهم في هذه القضية. وفي يوم 6 يونيه سنة 1937 بينما كان المجني عليه محمود إبراهيم موسى وأخوه عبد الرحيم إبراهيم يصطادان السمك من ترعة الطارف وكان محمود إبراهيم عاري الجسم في الترعة وعبد الرحيم إبراهيم يحرس ما يصطادانه على البر إذ حضر المتهمون صادق أحمد عبد النعيم وصديق أحمد عبد النعيم ومحمود أحمد عبد الحليم (الطاعنون) للمجني عليه فخرج إليهم من الماء وضرب الأوّل والثالث بعصاه فانهال عليه الثلاثة ضرباً بالفؤوس فهرب عبد الرحيم إبراهيم وفي طريقه تقابل بمحمود إسماعيل وأخبره بما حصل لأخيه فذهب الأخير إلى المجني عليه واستمر هو في طريقه للبلد". ثم ذكر الحكم الأدلة التي استند إليها في ثبوت سبق الإصرار فقال "إنه متوافر قبل الثلاثة الأول من المتهمين (الطاعنين) لأنهم أجمعوا أمرهم وذهبوا معاً حاملين فؤوسهم وتوجهوا للترعة التي يصطاد فيها عادة محمود إبراهيم وأوسعوه ضرباً بها أخذا بثأر شحاته عبد النعيم فقتلوا المجني عليه لوقته". وأخيراً تصدّى الحكم لتطبيق القانون على الواقعة التي أدانهم فيها بالأشغال الشاقة المؤبدة فذكر "أن عقابهم ينطبق على المادتين 194 و195 من قانون العقوبات، وترى المحكمة تطبيق المادة 17 من القانون المذكور نظراً لظروف الحادث وللثأر المتبادل بين الفريقين".
وحيث إن الحكم المطعون فيه أثبت أن المجني عليه هو الذي بدأ بضرب الطاعنين بالعصا وأنهم لم يضربوه إلا بعد أن اعتدى هو عليهم، ولم يذكر الحكم السبب الذي دعا المجني عليه أن يبتدر الطاعنين بالضرب لمعرفة إن كان للدفاع عن نفسه لأنهم حضروا مصرين على ضربه، أو أنه كان لأي سبب فجائي آخر وأن الطاعنين إنما ضربوا المجني عليه من باب مقابلة الاعتداء بالمثل. وسكوت الحكم عن استظهار العوامل السالفة الذكر وعدم تعرّضه - في مقام الدليل على سبق الإصرار - لواقعة ضرب المجني عليه للطاعنين، تلك الواقعة التي أعقبها وقوع الضرب من الطاعنين على المجني عليه، لا شك يعيبه لقصوره عن بيان الواقعة بياناً كافياً يكفل لمحكمة النقض أن تراقب صحة تطبيق القانون على واقعة الدعوى الثابتة بالحكم.
وحيث إنه فضلاً عما تقدّم فإن الأسباب التي أوردها الحكم المطعون فيه وبنى عليها الإدانة متخاذلة ومتناقضة تناقضاً يجعلها غير صالحة لأن تبنى عليها النتائج القانونية التي رتبت عليها، فبينما يقول إن الطاعنين موتورون من المجني عليه فقتلوه لأنه اتهم في قتل شحاته عبد النعيم إذا به يقول إنه يأخذهم بالرأفة "للثأر المتبادل بين الطرفين". وبينما يقول إن الطاعنين قتلوا المجني عليه مع سبق الإصرار يقول إن المجني عليه هو الذي ابتدرهم بالضرب ثم يسكت عن بيان السبب الذي دعاه إلى ذلك مما قد ينصرف معه هذا السبب إلى أنه أراد هو الآخر أن يثأر من الطاعنين فضربهم.
وحيث إنه لكل ما تقدّم يكون الحكم المطعون فيه معيباً لقصوره في بيان الأسباب التي اعتمد عليها ولتخاذله وتناقضه فيها، ويتعين إذاً نقضه وإحالة القضية إلى محكمة الموضوع للحكم فيها مجدّداً من دائرة أخرى بالنسبة للطاعنين الثلاثة الأول بغير حاجة للبحث في باقي الأوجه.