أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة 26 - صـ 1287

جلسة 25 من يونيه سنة 1975

برياسة السيد المستشار سليم راشد أبو زيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: مصطفى الفقي، ومحمد صالح أبو راس، ومحمد محمد المهدي، وحافظ رفقي.

(245)
الطعن رقم 536 لسنة 41 القضائية

(1) حكم "حجية الحكم". إثبات. قوة الأمر المقضي. بيع "انعقاده".
حجية الحكم الجنائي أمام المحاكم المدنية. شرطه. القضاء ببراءة البائع من تهمة تبديد عقد بيع. تعرض الحكم في أسبابه إلى انفساخ العقد المذكور. لا حجية له في هذا الخصوص أمام القاضي المدني.
(2) نقض "السبب الموضوعي". بيع. محكمة الموضوع.
استخلاص الحكم من أقوال الشهود والمستندات مقدار الثمن وتمام الوفاء به. انتهاؤه بأسباب سائغة إلى توافر ركن الثمن في عقد البيع. المنازعة في ذلك. جدل موضوعي.
1 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة [(1)] - أن حجية الحكم الجنائي أمام المحكمة المدنية قاصرة على منطوق الحكم، دون أن تلحق الحجية الأسباب التي لم تكن ضرورية للحكم بالبراءة أو بالإدانة. وإذ كان يبين مما أورده الحكم الجنائي أنه أقام قضاءه ببراءة الطاعنة من تهمة تبديد عقد البيع على عدم كفاية الأدلة، وعلى تشككه في صحة إسناد التهمة إليها، وكانت تلك الأسباب كافية لإقامة حكم البراءة عليها، فإن الحكم الجنائي لم يكن به حاجة من بعد ذلك، لأن يعرض لواقعة قيام عقد البيع أو فسخه لأن الفصل فيها لا يتوقف عليه الحكم بالإدانة أو بالبراءة، إذ هي لا تتعلق بأركان جريمة التبديد حتى يسوغ القول بارتباط القاضي المدني بما فصل فيه الحكم الجنائي طبقاً للمادة 102 من قانون الإثبات، ومن ثم فإنه لا يكون لهذا الذي أورده الحكم الجنائي بشأن انفساخ عقد البيع موضوع النزاع حجية أمام المحاكم المدنية.
2 - متى كان الحكم المطعون فيه قد استخلص في حدود سلطته التقديرية من أقوال شهود الطرفين ومن المستندات التي كانت بين يديه أن ثمن الأطيان موضوع عقد البيع هو مبلغ...... وأن المطعون ضده أوفى بهذا الثمن كاملاً ورتب على ذلك توافر ركن الثمن في عقد البيع، وانتهى إلى صحته ونفاذه، وكان استخلاصه في هذا المقام سائغاً، فإن ما تثيره الطاعنة لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً، يخرج عن رقابة محكمة النقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 49 لسنة 1965 مدني كلي كفر الشيخ، بطلب الحكم أصلياً بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 1/ 4/ 1958 الصادر من الطاعنة والمتضمن بيعها له 4 ف و12 ط أطياناً زراعية مبينة بالصحيفة لقاء ثمن قدره 1650 جنيهاً، واحتياطياً بفسخ عقد البيع المذكور، مع إلزام الطاعنة بأن تدفع له مبلغ 1215 جنيهاً، وقال شرحاً للدعوى إن الطاعنة باعت له تلك الأطيان، ودفع من ثمنها مبلغ 1215 جنيهاً على دفعات، وحدث بعد ذلك أن سلمها العقد في مناسبة خاصة للاطلاع عليه، وإذ لم ترده إليه أبلغ الأمر للشرطة، وبعد أن حرر عن هذه الواقعة المحضر رقم 395 سنة 1962 جنح الأزبكية أقامت النيابة العامة على الطاعنة الدعوى الجنائية متهمة إياها بتبديد ذلك العقد، وبتاريخ 27/ 6/ 1962 قضت المحكمة الجنائية بمعاقبتها عن هذه التهمة، ولهذا رفع الدعوى بطلباته سالفة الذكر، وركن في إثباتها إلى البينة والقرائن، ودفعت الطاعنة بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها في القضية رقم 2861 سنة 1962 جنح استئناف القاهرة، تأسيساً على أن الحكم الجنائي الذي قضى بإدانتها في القضية رقم 395 سنة 1962 جنح الأزبكية المشار إليها قد ألغى بالحكم الصادر بتاريخ 18/ 12/ 1962 في القضية رقم 2861 سنة 1962 جنح استئناف القاهرة وببراءتها من تهمة تبديد عقد البيع موضوع المحاكمة الجنائية، وإن هذا الحكم قد قطع بحصول التفاسخ عن عقد البيع موضوع النزاع، وعلى ذلك فإنه يمتنع على المحكمة المدنية معاودة البحث في قيام هذا العقد أو انقضائه، وبتاريخ 9/ 3/ 1966 قضت محكمة أول درجة برفض الدفع، وبرفض دعوى المطعون ضده بالنسبة لطلبه الأصلي الخاص بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 1/ 4/ 1958 وقبل الفصل في موضوع الطلب الاحتياطي الخاص بفسخ عقد البيع بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي ما تدون بمنطوق الحكم، واستأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم 222 سنة 61 ق، ومحكمة استئناف طنطا قضت بجلسة 19/ 3/ 1970 بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون ضده أن عقد البيع كان باتاً وأنه لم يفسخ، وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين عادت وقضت بجلسة 23/ 11/ 1970 باعتبار البيع الصادر من الطاعنة للمطعون ضده بيعاً باتاً، وقبل الفصل في الموضوع بتوجيه اليمين المتممة إلى المطعون ضده بالصيغ المبينة في منطوق حكمها، وبتاريخ 18/ 4/ 1971 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 1/ 4/ 1958 الصادر من الطاعنة والمتضمن بيعها للطاعن 4 ف و12 ط مقابل ثمن قدره 1350 جنيهاً، وطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت نيابة النقض مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين: حاصل أولهما أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون، وشابه القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إن الحكم الصادر بتاريخ 18/ 12/ 1962 في القضية رقم 2861 سنة 1962 جنح استئناف القاهرة والذي قضى ببراءتها من تهمة التبديد المسندة إليها قد أسس قضاءه على أن البيع غير بات وأن الطاعنة إنما تسلمت العقد من المطعون ضده بسبب انفساخه وبذلك حسم الحكم المذكور هذه المسألة بحكم يقيد القضاء المدني بما يمتنع معه عليه معاودة بحث هذه المسألة وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى أن البيع بات وأنه لم يفسخ، فإنه يكون قد صدر على خلاف ذلك الحكم وأخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حجية الحكم الجنائي أمام المحاكم المدنية قاصرة على منطوق الحكم دون أن تلحق الحجية الأسباب التي لم تكن ضرورية للحكم بالبراءة أو بالإدانة. ولما كان الثابت من الحكم الصادر في 18/ 12/ 1962 في القضية رقم 2861 سنة 1962 جنح س القاهرة أنه قضى بإلغاء الحكم الجنائي الصادر في القضية رقم 365 سنة 1962 جنح الأزبكية القاضي بإدانة الطاعنة عن تهمة تبديد عقد البيع المسندة إليها وببراءتها منها ورفض الدعوى المدنية وكان يبين من أسباب ذلك الحكم أنه بعد أن عرض لوقائع الدعوى الجنائية حسبما أفصحت عنها الشكوى المقدمة ضد الطاعنة من المطعون ضده، المتضمنة اتهامه إياها بتبديد عقد البيع موضوع النزاع، وبعد أن تناول الحكم أيضاً أركان جريمة التبديد قال إنه بإعمال تلك القواعد...... ثبت أنه لم يقيم الدليل المقنع على أن تسليم العقد للمتهمة كان على تلك الصورة التي توجب مساءلتها..... إذ لم يقم في الأوراق من دليل على أن واقعة تسليم العقد للمتهمة كأمانة طرفها...... وعلى النقيض من هذا فإن أقوال المتهمة وساندها فيها شهود نفيها تفيد أن استلام المتهمة للعقد كان للفسخ، مما ترى معه هذه المحكمة أن الواقعة المسندة إلى المتهمة لم يقم عليها دليل قاطع ترجح معه مساءلة المتهمة ثم خلص الحكم الجنائي من ذلك إلى القول بأنه "بالبناء على ما تقدم يكون الاتهام المسند إلى المتهمة محل شك ولا يبعث على الاطمئنان" ويبين من هذا الذي أورده الحكم الجنائي أنه أقام قضاؤه ببراءة الطاعنة من تهمة تبديد عقد البيع على عدم كفاية الأدلة وعلى تشككه في صحة إسناد التهمة إليها، ولما كانت تلك الأسباب كافية لإقامة حكم البراءة عليها فإن الحكم الجنائي لم يكن به حاجة، من بعد ذلك، أن يعرض لواقعة قيام عقد البيع أو فسخه، لأن الفصل فيها لا يتوقف عليه الحكم بالإدانة أو بالبراءة، إذ هي لا تتعلق بأركان جريمة التبديد حتى يسوغ القول بارتباط القاضي المدني بما فصل فيه الحكم الجنائي طبقاً للمادة 102 من قانون الإثبات، ومن ثم فإنه لا يكون لهذا الذي أورده الحكم الجنائي بشأن انفساخ عقد البيع موضوع النزاع حجية أمام المحاكم المدنية، وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بهذا النظر وناقش ما دار من نزاع بين المطعون ضده وبين الطاعن بشأن قيام عقد البيع أو عدم قيامه، وانتهى إلى أنه قائم لم يفسخ فإنه يكون قد التزم صحيح القانون.
وحيث إن حاصل السبب الثاني القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إن محكمة أول درجة أقامت قضاءها برفض طلب صحة ونفاذ عقد البيع على أساس أن المطعون ضده لم يودع الثمن كاملاً، ومع ذلك فإن الحكم المطعون فيه قضى بصحة عقد البيع ونفاذه، قبل أن يستوثق من سداد كامل الثمن، رغم إقرار المطعون ضده في صحيفة الاستئناف بأن الثمن متنازع في مقداره مما يجعل الحكم مشوباً بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد. ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد استخلص في حدود سلطته التقديرية من أقوال شهود الطرفين، ومن المستندات التي كانت بين يديه أن ثمن الأطيان موضوع عقد البيع هو مبلغ 1350 ج، وأن المطعون ضده أوفى بهذا الثمن كاملاً، ورتب على ذلك توافر ركن الثمن في عقد البيع، وانتهى إلى صحته ونفاذه. لما كان ذلك، وكان استخلاص محكمة الموضوع في هذا المقام سائغاً، فإن ما تثيره الطاعنة لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً، يخرج عن رقابة محكمة النقض.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.


[(1)] نقض 2/ 5/ 1967 مجموعة المكتب الفني س 18 ص 931.