أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة 26 - صـ 1314

جلسة 26 من يونيه سنة 1975

برياسة السيد المستشار الدكتور حافظ هريدي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد صفاء الدين، وعز الدين الحسيني، وعبد العال السيد، وحافظ رفقي.

(250)
الطعن رقم 155 لسنة 41 القضائية

(1) إثبات "القرائن". وصية. إرث. صورية.
صدور التصرف من المورث إلى غير وارث. عدم انطباق المادة 917 مدني. للوارث الذي يطعن على التصرف بأنه وصية إثبات احتفاظ المورث بحيازة العين المتصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها كقرينة قضائية تخضع لمطلق تقدير القاضي.
(2) هبة. وصية. صورية.
احتفاظ الواهب بحصة في الانتفاع بالمال الموهوب مدى حياته. عدم تعارضه مع تنجيز التصرف.
(3) صورية "إثبات الصورية". إثبات. وصية. بيع.
الطعن من الوارث على عقد البيع الصادر من المورث بأنه يخفي وصية. هو طعن بالصورية النسبية بطريق التستر. عبء إثبات ذلك على من يدعيه. وجوب الأخذ بظاهر نصوص العقد عند العجز عن إثبات الصورية.
1 - يشترط لانطباق المادة 917 من القانون المدني أن يكون المتصرف إليه وارثاً. فإذا لم يتوافر هذا الشرط كان للوارث الذي يطعن على التصرف بأنه يستر وصية إثبات هذا الطعن بكافة طرق الإثبات، وله في سبيل ذلك أن يثبت احتفاظ المورث بحيازة العين المتصرف فيها، وبحقه في الانتفاع بها كقرينة قضائية، يتوصل بها إلى إثبات مدعاه، والقاضي بعد ذلك حر في أن يأخذ بهذه القرينة أو لا يأخذ بها، شأنها في ذلك شأن سائر القرائن القضائية التي تخضع لمطلق تقديره [(1)].
2 - إذا كان احتفاظ الواهب بحقه في الانتفاع بالمال الموهوب مدى حياته لا يتحتم معه وجوب اعتبار العقد وصية، ولا يتعارض مع تنجيز التصرف، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتمد في قضائه برفض ما تمسك به الطاعنون من أن عقد الهبة الصادر من مورثتهم إلى المطعون عليه الأول، وهو غير وارث يخفي وصية على ما استظهره من أقوال شهود المطعون عليه المذكور - الذين سمعتهم محكمة الاستئناف، ولم تكن محل نعي من الطاعنين - من أن عقد الهبة قد تم تنجيزه بأن استلم الموهوب له حال حياة الواهبة المنازل موضوع العقد، واستغلها لحساب نفسه، فإن النعي على الحكم بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الأدلة، مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
3 - التمسك بأن عقد البيع يستر وصية هو طعن بالصورية النسبية بطريق التستر، ويقع على الطاعن - وارث البائعة - عبء إثبات هذه الصورية، فإن عجز، وجب الأخذ بظاهر نصوص العقد الذي يعد حجة عليه [(2)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 416 سنة 1965 كلي الإسكندرية ضد المطعون عليهم الأول والثانية والرابع والسادسة والسابعة وفي مواجهة باقي المطعون عليهم وانتهوا فيها إلى طلب الحكم بتثبيت ملكيتهم إلى حصة قدرها 8 ط من 24 ط في الأعيان الموضحة بصحيفة الدعوى والعقود الأربعة الوارد بها، وبطلان هذه العقود بالنسبة للقدر المذكور، وبإلزام المطعون عليه الأول بأن يدفع لهم مبلغ 75 ج قيمة نصيبهم في المنقولات المبيعة إليه بمقتضى العقد الثابت التاريخ في 20/ 9/ 1949، وقالوا بياناً للدعوى إن عمتهم المرحومة....... توفيت بتاريخ 9/ 9/ 1963 وانحصر ميراثها فيهم ويخصهم نصف تركتها، وفي أختها السيدة........ (المطعون عليها الثالثة) ولها النصف الباقي، ورغبة من المورثة في التحايل على قواعد الإرث وحرمانهم من نصيبهم في التركة فقد وهبت إلى ابن أختها المطعون عليه الأول بموجب عقد رسمي مؤرخ 2/ 6/ 1946 الحصة التي تملكها في ثلاثة منازل كائنة بمدينة الإسكندرية وباعت إليه بعقد مشهر في 5/ 7/ 1958 أطياناً زراعية مساحتها 32 ف و5 س، وباعته كذلك بعقد مشهر في 4/ 8/ 1958 الحصة المملوكة لها في حق الحكر المقرر على الأرض المملوكة للكنيسة المرقسية، وبعقد مشهر في 17/ 7/ 1961 باعت مورثتهم كذلك إلى المرحوم الدكتور....... مورث المطعون عليهما السادسة والسابعة، - وهو في الوقت ذاته شقيق المطعون عليها الثانية زوجة المطعون عليه الأول - المنزل الموضح بالعقد المذكور وبموجب عقد ثابت التاريخ في 20/ 9/ 1949 صورت المرحومة...... وأخرى ديناً عليهما للمطعون عليه الأول قدره 600 ج وزعمتا أنهما وفاء لهذا الدين باعتاه المنقولات المبينة بالعقد المذكور لقاء مبلغ 550 ج ودفعتا له باقي الدين وقدره 50 ج. وإذ كانت جميع هذه التصرفات قصد بها الوصية، ولا تنفذ قبلهم إلا في حدود ثلث التركة، فقد أقاموا الدعوى بطلباتهم. أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي الصورية المدعاة، وسمعت أقوال الشهود وحكمت في 26/ 3/ 1968 برفض الدعوى. استأنف الطاعنون هذا الحكم وطلبوا إلغاءه والحكم بطلباتهم الابتدائية، وقيد الاستئناف برقم 430 سنة 24 ق الإسكندرية، وفي 8/ 2/ 1970 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المستأنفون أن العقود محل النزاع تستر وصايا، ولينفي المستأنف عليهم ذلك. وبعد أن سمعت أقوال شهود الطرفين حكمت في 19/ 12/ 1970 بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب، ينعى الطاعنون بأولها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقولون إنهم استندوا أمام محكمة الموضوع إلى القرينة الواردة بالمادة 917 من القانون المدني لإثبات أن عقد الهبة الصادر من مورثتهم إلى المطعون عليه الأول يخفي وصية، لأنها احتفظت بحيازة المنازل محل العقد وبحقها في الانتفاع بها طوال حياتها، ورفض الحكم هذا الدفاع تأسيساً على أقوال شهود المطعون عليه الأول الذين شهدوا بأنه يحوز الأموال الموهوبة ويقوم باستغلالها لحساب نفسه، في حين أنه نص في العقد على حق الواهبة في الانتفاع بالمال الموهوب مدة حياتها، مما مؤداه بالتالي احتفاظها بحيازة هذا المال وأنه إذا صح أن المطعون عليه المذكور يحوزه فإن ذلك كان نيابة عنها، فتكون شروط إعمال تلك القرينة قد توافرت وإذ عزف الحكم عن تطبيقها واستدل بأقوال الشهود على حيازة المتصرف إليه للمال الموهوب، فإنه يكون فضلاً عن مخالفة القانون، قد شابه الفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه يشترط لانطباق المادة 917 من القانون المدني أن يكون المتصرف إليه وارثاً، فإذا لم يتوافر هذا الشرط كان للوارث الذي يطعن على التصرف بأنه يستر وصية إثبات هذا الطعن بكافة طرق الإثبات، وله في سبيل ذلك أن يثبت احتفاظ المورث بحيازة العين المتصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها كقرينة قضائية يتوصل بها إلى إثبات مدعاه، والقاضي بعد ذلك حر في أن يأخذ بهذه القرينة أو لا يأخذ بها شأنها في ذلك شأن سائر القرائن القضائية التي تخضع لمطلق تقديره. لما كان ذلك، وكان احتفاظ الواهب بحقه في الانتفاع بالمال الموهوب مدى حياته لا يتحتم معه وجوب اعتبار العقد وصية ولا يتعارض مع تنجيز التصرف، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتمد في قضائه برفض ما تمسك به الطاعنون من أن عقد الهبة الصادر من مورثتهم إلى المطعون عليه الأول - وهو غير وارث - يخفي وصية على ما استظهره من أقوال شهود المطعون عليه المذكور - الذين سمعتهم محكمة الاستئناف ولم تكن محل نعي من الطاعنين - من أن عقد الهبة قد تم تنجيزه بأن استلم الموهوب له حال حياة الواهبة المنازل موضوع العقد واستغلها لحساب نفسه، فإن النعي على الحكم بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الأدلة مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن حاصل السبب الثاني الفساد في الاستدلال، ذلك أن الحكم المطعون فيه رفض ما تمسك به الطاعنون من أن عقود البيع الصادرة من مورثتهم تخفي وصية استناداً إلى أن الثابت من هذه العقود أنها صدرت منجزة وأن حيازة الأموال المبيعة انتقلت إلى المشترين وقت إبرامها، ولم تحتفظ البائعة لنفسها بحق الانتفاع، في حين أن خلو العقد من النص على احتفاظ المتصرف بحيازة العين المتصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته لا يمنع الوارث من إثبات حقيقة العقد بكافة الطرق، وبالتالي لا يصح الاستدلال بخلو الورقة المثبتة للعقد من شرط الاحتفاظ بالحيازة وحق الانتفاع للتدليل على أنه ساتر لوصية.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن التمسك بأن عقد البيع يستر وصية هو طعن بالصورية النسبية بطريق التستر، ويقع على الطاعن عبء إثبات هذه الصورية، فإن عجز، وجب الأخذ بظاهر نصوص العقد الذي يعد حجة عليه، وإذ يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن حصل وقائع الدعوى ودفاع الطرفين وأقوال الشهود - الذين سمعتهم محكمة الاستئناف - ووازن بينها، وأفصح عن اطمئنانه إلى أقوال شهود المطعون عليهم دون أقوال شهود الطاعنين، أقام قضاءه برفض الادعاء بصورية عقود البيع على أن الطاعنين قد أخفقوا في إثبات أن العقود تستر وصية، وأنها صدرت منجزة مستوفية أركانها القانونية وأنه تم تسجيلها قبل وفاة المتصرفة بزمن طويل، وهي تقريرات موضوعية سائغة تكفي لحمل النتيجة التي انتهى إليها، فإن النعي على الحكم بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثالث القصور في التسبيب، ذلك أن الطاعنين قدموا لمحكمة الاستئناف الإيصالات الدالة على أن المطعون عليه الأول كان يقوم - بعد إبرام عقود الهبة والبيع المتنازع عليها - بتحصيل أجرة الأعيان موضوع العقود بصفته وكيلاً عن المتصرفة مما يدل على أن الأخيرة قد احتفظت بحيازة الأعيان التي تصرفت فيها وبحقها في الانتفاع بها مدى حياتها، ومع ذلك ذهب الحكم المطعون فيه إلى أن المطعون عليه الأول كان يحوز الأعيان بصفته مالكاً لها، وأغفل الإشارة إلى تلك الإيصالات ولم يرد عليها، مما يجعله مشوباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه بأن التصرفات الصادرة من مورثة الطاعنين إلى المطعون عليه الأول ومورث المطعون عليهما السادسة والسابعة على أقوال الشهود وقرائن الأحوال التي استخلصها من واقع الدعوى وعناصرها، وكانت هذه الأدلة والقرائن تكفي لحمل النتيجة التي انتهى إليها، فإنه لا يعيب الحكم التفاته عن الإيصالات المقدمة من الطاعنين والدالة على استلام المطعون عليه الأول لأجرة بعض الأعيان الموهوبة بصفته وكيلاً عن الواهبة، إذ المحكمة ليست ملزمة بالرد على كل ما يقدمه إليها الخصوم من مستندات، وحسبها أن تقيم حكمها على ما يصح من الأدلة لحمله.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.


[(1)] نقض 11/ 3/ 1971 مجموعة المكتب الفني. س 22 ص 289.
نقض 2/ 1/ 1969 مجموعة المكتب الفني س 2 ص 220.
[(2)] نقض 5/ 1/ 1971 مجموعة المكتب الفني س 22 ص 3.