مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) - صـ 319

جلسة 7 نوفمبر سنة 1938

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وأحمد مختار بك وسيد مصطفى بك المستشارين.

(267)
القضية رقم 2130 سنة 8 القضائية

تقليد علامة فاوريقة. مصنع طرابيش مشروع القرش. تقليد علامته. دخوله في حكم المادة 305 ع لا المادة 176 ع. لا عقاب.
(المادتان 176 و305 ع = 208 و350)
إنه وإن كان ظاهر نص المادة 176 من قانون العقوبات القديم (المقابلة للمادة 208 من قانون العقوبات الحالي) يتناول تقليد علامات الفاوريقة (المصنع) أي العلامات التي يعدّها أصحاب المصانع ويضعونها على مصنوعاتهم لتمييزها في السوق عما يماثلها من مصنوعات غيرهم ليطمئن إليها الراغبون في الشراء، إلا أن مقارنة نصوص القانون في هذا الشأن تدل على أن المشرع قصد إلى إخراج هذه العلامات من عموم هذا النص. ذلك لأنه أورد بعده نصاً خاصاً هو المادة 305 من قانون العقوبات القديم (المقابلة للمادة 350 من القانون الحالي) للعقاب على جريمة تقليد علامات الفاوريقة بالذات، وفرض لها عقوبة مخففة، واشترط لتوقيعها أن يكون حق أصحاب تلك العلامات في التفرّد دون سواهم باستعمالها على منتجاتهم مقرّراً بلوائح توضع لتنظيم الملكية الصناعية. وذلك لما ارتآه من أن طبيعة هذا الحق وما تقتضيه النظم والقواعد الاقتصادية من حرية المنافسة التجارية إلى أقصى حدّ ممكن يمليان عدم تضييق هذه الحرّية بفرض عقوبات جنائية على التقليد الذي يقع من المتنافسين في التجارة والصناعة إلا بالقدر الذي سنه وفي الحدود التي رسمها بهذا النص مما يوجب القول بأن هذا النص الخاص وحده هو الذي قصد به إلى حماية علامات الفاوريقة، لأن علة وجوده، وصراحة عبارته، وإيراده في قانون واحد مع المادة 176 عقوبات - كل ذلك يقطع في الدلالة على أن المشرع استثنى تقليد العلامات المذكورة من حكم المادة 176 عقوبات وخصها بحمايته في المادة 305 عقوبات.


المحكمة

وحيث إن حاصل وجه الطعن أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله. وذلك أنه بنى قضاءه بالبراءة على اعتبار أن تقليد العلامات التي تضعها البيوت التجارية على بضائعها تمييزاً لها عن مصنوعات غيرها يقع تحت نص المادة 305 من قانون العقوبات المعطلة والموقوف تطبيقها لحين صدور اللوائح المشار إليها فيها. وهذا النظر غير دقيق في عمومه، وغير سديد في هذه القضية بالذات، لأن إيراد المادة 176 من قانون العقوبات القديم في سياق الكلام على الأختام يكشف عن المقصود منها وهو حماية علامات الشركات والبيوت المالية التي تمثل شخصيتها المعنوية لما في تقليدها من انتحال لشخصية الشركة انتحالاً فيه من معنى التزوير ما في انتحال مقلد الإمضاء أو التوقيع لشخصية صاحبهما. فمتى كانت العلامة دالة على شخصية الشركة أو البيت المالي معبرة عن إرادة منسوبة إليه تلزمه إلزاماً قانونياً وأدبياً كشارة تفيد التعهد أو القبول فهي تدخل حتماً في دائرة تطبيق المادة 176 من قانون العقوبات، سواء أكانت هذه الشارة على مكاتيب أو على بضائع، إذ الواقع أن التفريق بين علامة وأخرى لمحض أن هذه موضوعة على أوراق وتلك على بضائع متفرّقة لا يستند إلى أساس قانوني، لأن علامة الشركة أو البيت المالي قد توضع على البضاعة دلالة على الشراء أو على البيع أو على الرهن، ويكون تقليد هذه العلامة واقعاً تحت طائلة المادة 176 عقوبات. كذلك قد يضع المحل علامات لتنظيم أعماله الداخلية كمحاسبة العمال وضبط ما بأيديهم من الأدوات، وهذه العلامات كلها يقع تقليدها ضمن المادة 176 عقوبات. والمعنى الجامع في هذه الصورة وأمثالها أن العلامة المقلدة تدل في الواقع على إرادة منسوبة لصاحب العلامة تفيد التزامه للغير أو إلزام غيره ممن يملك إلزامهم بها كعماله وخدمه ومرءوسيه. ولذلك ذكر المشرع تقليد هذه العلامات في باب التزوير. وعلى ذلك تكون المادة 176 غنية بنفسها عن أي تشريع آخر بعكس المادة 305 عقوبات فإن إيرادها في الباب الخاص بالغش في المعاملات التجارية يدل على حقيقة المراد منها، وأن العلامات المشار إليها فيها تختلف في طبيعتها عن العلامات المذكورة في المادة 176 عقوبات، لأن العلامات التي أشارت إليها المادة 305 من قانون العقوبات القديم هي مما يحتاج اتخاذه إلى صدور قانون خاص منظم للملكية الصناعية أي تلك العلامات التي يميز بها المنتجون بضائعهم والتي لا فضل فيها لواحد منهم على الآخر إلا فضل الأسبقية الزمنية. إذ الأصل أن يتخذ كل إنسان لبضائعه ما يحلو له من العلامات التي تميزها وترغب الناس فيها، ولكن لتفادي التصادم والتزاحم على العلامة الواحدة خص القانون أوّل من سبق إليها، واقتضى هذا التخصيص كف يد الآخرين عن محاكاتها؛ فمن يحاكيها منهم لا يكون منتحلاً شخصية صاحب البضاعة وإنما يكون معتدياً على ملكيته التجارية. ولما كانت الأختام التي وضعها مصنع القرش لبيان مراتب منتجاته هي شارات لتنظيم عمله فيها معنى التعهد والاستيثاق من جانبه، وجب على الكافة احترامها على الأقل فيما يتعلق بمنتجات المصنع؛ إذ لا يحتاج تقرير هذه المراتب إلى صدور قوانين منظمة للملكية الصناعية أو التجارية لأنها من صميم التنظيم الداخلي لأعمال المصنع المذكور. ومتى تقرّر ذلك يكون ما وقع من المتهم من تقليده الختم الخاص بمصنع القرش الذي يميز به أجود منتجاته جريمة منطبقة على المادة 176 من قانون العقوبات. وفضلاً عن ذلك فإن قياس مصنع القرش على سواه من المصانع والبيوت التجارية قياس مع الفارق لأن المساهمين في رأس ماله هم من سواد الأمة لم يقصدوا إلى إقامة شركة يستفيدون من ورائها مكسباً ذاتياً، بل أنشأوه ليكون مؤسسة قومية تحقق أغراضاً ومنافع قومية معينة. ومن ذلك يتضح أن الأقرب إلى السداد هو اعتبار هذا المصنع جهة من الجهات الأهلية المشار إليها في المادة 176 عقوبات وحماية أختامه وعلاماته بموجب هذه المادة وحدها. ولذلك يكون الحكم المطعون فيه غير سديد.
وحيث إنه وإن كان ظاهر نص المادة 176 من قانون العقوبات القديم المقابلة للمادة 208 من قانون العقوبات الحالي يتناول تقليد علامات الفاوريقة (المصنع) أي العلامات التي يعدها الصناع ويضعونها على مصنوعاتهم لتمييزها في السوق عما يماثلها من مصنوعات غيرهم ليطمئن إليها الراغبون في الشراء، إلا أن مقارنة نصوص القانون في هذا الشأن تدل على أن المشرع قصد إلى إخراج هذه العلامات من عموم هذا النص. ذلك لأنه أورد بعده نصاً خاصاً هو المادة 305 من قانون العقوبات القديم المقابلة للمادة 350 من القانون الحالي للعقاب على جريمة تقليد علامات الفاوريقة بالذات، وفرض لها عقوبة مخففة، واشترط لتوقيعها أن يكون حق أصحاب تلك العلامات في الانفراد باستعمالها على منتجاتهم دون سواهم مقرراً بلوائح توضع لتنظيم الملكية الصناعية. وذلك لما ارتآه من أن طبيعة هذا الحق، وما تقتضيه النظم والقواعد الاقتصادية من حرية المنافسة التجارية إلى أقصى حدّ ممكن، يمليان عدم تضييق هذه الحرّية بفرض عقوبات جنائية على التقليد الذي يقع من المتنافسين في التجارة والصناعة إلا بالقدر الذي سنه، وفي الحدود التي رسمها بهذا النص، مما يوجب القول بأن هذا النص الخاص وحده هو الذي قصد به إلى حماية علامات الفاوريقة، لأن صريح عبارته، وعلة وجوده، وإيراده في قانون واحد مع المادة 176 عقوبات - كل ذلك يقطع في الدلالة على أن المشرع استثنى تقليد العلامات المذكورة من حكم المادة 176 عقوبات وخصها بحمايته في المادة 305 عقوبات.
وحيث إن واقعة الحال في هذه الدعوى - حسب الثابت بالحكم المطعون فيه - أن المتهم صنع ختماً نحاسياً عليه صورة المغفور له محمد علي باشا على اعتبار أنها علامة توضع على صنف معين من أصناف الطرابيش التي تصنع بالمصنع المعروف بمصنع القرش تمييزاً لذلك الصنف من غيره من الأصناف نظراً إلى جودته وارتفاع سعره، وأن المتهم اعترف بفعلته في رواية له، وقرر أن الغرض الذي رمى إليه هو أن يختم طرابيشه بهذا الختم ويبيعها على أنها من ماركة محمد علي وهي أعلى أصناف الطرابيش التي يخرجها مصنع القرش. وقد رأت المحكمة من ظروف الدعوى وأدلتها أن "ختم طربوش محمد علي ما هو إلا علامة للمصنع المعروف بمصنع القرش يميز بها بضائعه عن غيرها من البضائع التي تباع في الأسواق"، وأن تقليد هذا الختم يدخل في نطاق المادة 305 من قانون العقوبات القديم ولا تعاقب عليه المادة 176 من ذلك القانون، ولذلك قضت بالبراءة على أساس أن المادة 305 المذكورة معطلة لأن اللوائح المشار إليها فيها لم تصدر بعد.
وحيث إنه يظهر من البيان المتقدّم أن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر العلامة المقلدة علامة فاوريقة وقضى ببراءة المتهم لأن المادة 176 من قانون العقوبات لا تنطبق على تقليدها، ولأن المادة 305 عقوبات المنطبقة على تقليد تلك العلامة معطلة بسبب عدم صدور اللوائح المشار إليها فيها - إذ فعل الحكم ذلك يكون قد فسر القانون وأوّله على الوجه الصحيح ولم يخطئ في شيء.
وحيث إن الاعتبارات التي ساقتها النيابة العامة بوجه الطعن للتدليل على خطأ الحكم في تطبيق القانون لا تغير من النظر المتقدّم. لأن علامات المصنع لا تفقد صفتها ولا يتغير حكمها إذا ما دلت - وهي من شأنها أن تدل - على شخص صاحبها. وفي وضعها على المنتجات معنى التعهد والالتزام من جانب صاحب العلامة قبل الجمهور، وفي تقليدها نسبة مصنوعات إلى غير صانعها ليستفيد المقلد على حساب من انتحلت علامته بإدخال الغش على من يشترون هذه المصنوعات موسومة بالعلامة المقلدة. ولأن اتخاذ صانع عدّة علامات ليميز بها أصناف منتجاته عن بعضها لا يمنع من اعتبار كل علامة منها علامة مصنع (فاوريقة) إذا كانت قد أعدّت في الواقع - كما قال الحكم المطعون فيه - لتمييز منتجات صاحبها عن منتجات غيره. أما ما يشير إليه أخيراً وجه الطعن من الاعتبارات التي أحاطت بمصنع مشروع القرش وبكيفية وظروف إنشائه، فإن ذلك لا يمكن أن يغير حكم العلامة التي اتخذها هذا المصنع لبضاعته ولا يخرجها من حكم سائر علامات المصانع ما دام مصنع القرش هو الذي يصنع البضاعة وهو الذي يعرضها في السوق وعليها علامته شأنه في ذلك شأن كل مصنع.