أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الأول - السنة 34 - صـ 174

جلسة 25 من يناير سنة 1983

برئاسة السيد المستشار/ عادل برهان نور نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: فوزي المملوك، راغب عبد الظاهر، حسن غلاب ومحمد حسن.

(31)
الطعن رقم 5927 لسنة 52 القضائية

(1) نقض "التقرير بالطعن وإيداع الأسباب".
التقرير بالطعن وتقديم أسباب يكونان معاً وحدة إجرائية واحدة.
(2) تزوير. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". إثبات "بوجه عام".
التزوير بالترك. وجوب النظر فيه إلى ما يتضمنه المحرر في مجموعه.
مثال لدفاع يقتضي تحقيقاً موضوعياً.
(3) قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "بوجه عام". تزوير.
القصد الجنائي في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية. تحققه. تقدير قيامه. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ.
(4) إثبات "اعتراف". اعتراف. استدلال.
الاعتراف في المسائل الجنائية. ماهيته؟
للمحكمة تجزئة الاعتراف دون بيان علة ذلك.
ورود الاعتراف على الواقعة بكافة تفاصيلها. غير لازم.
(5) باعث. قصد جنائي. تزوير.
جريمة التزوير. لا عبرة فيها بالباعث.
(6) تزوير. إجراءات "إجراءات المحاكمة". بطلان.
فض المظروف المحتوي على المستند المقول بتزويره. مفاده؟
(7) إثبات "بوجه عام".
كفاية أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها.
(8) إثبات "بوجه عام".
عدم لزوم أن يكون الدليل صريحاً ومباشراً.
(9) إثبات "بوجه عام". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إلمام المحكمة بواقعة الدعوى وإحاطتها بالاتهام وأخذها بالأدلة وهي على بينة من أمرها. المجادلة في ذلك بدعوى الفساد في الاستدلال واختلال صورة الواقعة موضوعية.
1 - من المقرر أن التقرير بالنقض هو مناط اتصال المحكمة به وأن تقديم الأسباب التي بني عليها الطعن في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان معاً وحدة إجرائية واحدة لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه.
2 - من المقرر ألا ينظر في التزوير بالترك إلى الجزء المتروك من المحرر فحسب بل يجب النظر إلى ما يتضمنه المحرر في مجموعه استظهاراً لمدى ما ترتب على الترك من تغيير الحقيقة التي كان يجب أن يظهر بها مؤدى هذا المجموع وإذ كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن الثاني لم يدفع أمام المحكمة بما يثيره في أسباب طعنه من وجود ختم هيئة البريد على الإيصال مبيناً به تاريخ الإيداع على نحو يستفاد منه هذا البيان بحيث لم يؤد إغفال تدوينه إلى تغيير الحقيقة في هذا الشأن فليس له من بعد أن يتمسك بهذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض لأنه يقوم على واقع لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع ولا تحمل مدونات الحكم مقوماته مما يقتضي تحقيقاً موضوعياً تنأى عن وظيفة هذه المحكمة.
3 - لما كان القصد الجنائي في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية يتحقق متى تعمد الجاني تغير الحقيقة في المحرر مع انتواء استعماله في الغرض الذي من أجله غيرت الحقيقة فيه، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل أقوال الطاعن الذي يعمل وكيلاً لمكتب البريد في أنه اعترف بأن المحكوم عليه الآخر قد حضر إليه في منزله وأبلغه بأن لديه عجزاً في عهدته يرغب في تسويته، وطلب إليه تحرير صورة إيصال إيداع بمبلغ 5566.230 لحساب شركة..... دون إثبات تاريخ الإيداع به. لما كان ذلك، وكان تقدير قيام القصد الجنائي من ظروف الدعوى يعد مسألة تتعلق بالوقائع وتفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب، وكان اعتراف الطاعن الذي أثبته الحكم في مدوناته يعني أنه استجاب لمطلب المحكوم عليه الآخر وتعمد ترك البيان الخاص بتاريخ الإيداع في إيصال مكتب هيئة البريد تمكيناً له من ستر العجز المكتشف بعهدته وسلمه هذا الإيصال لتقديمه إلى جهة عمله، فإن ذلك مما يتوفر به القصد الجنائي في جريمة التزوير بالترك التي دان الطاعن بها كما هي معرفة في القانون، ويكون منعى الطاعن بتخلف هذا القصد لديه غير صائب.
4 - لما كان الاعتراف في المسائل الجنائية لا يخرج عن كونه عنصراً من عناصر الدعوى التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف فلها أن تجزئ هذا الاعتراف وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح سواه مما لا تثق به، دون أن تكون ملزمة بيان علة ذلك كما لا يلزم في الاعتراف أن يرد على الواقعة بكافة تفاصيلها بل يكفي فيه أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف الجاني للجريمة كما هو الحال في الدعوى الراهنة - ومن ثم فلا يجدي الطاعن نعيه على الحكم بأنه أغفل ما استطرد إليه في أقواله من أنه لم يكن يبتغي شيئاً من وراء عدم إثبات تاريخ الإيداع أو من المقرر أنه لا عبرة بالباعث في جريمة التزوير.
لما كان البين من محضر جلسة 16 - 12 - 1981 التي مثل فيها المحكوم عليهما والدفاع أن المحكمة فضت المظروف المحتوي على المستند المقول بتزويره، ومن ثم فقد كان معروضاً على بساط البحث والمناقشة في حضور الخصوم وكان في مكنة الطاعن الاطلاع عليه إذا ما طلب من المحكمة، ذلك، فإن ما يثيره من بطلان في الإجراءات لا يكون له محل.
5 - لا يلزم في الأدلة التي يعول عليها الحكم أن ينبئ كل منها، ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه كما هو الحال في هذه الدعوى لا يلزم لصحة الحكم أن يكون الدليل الذي تستند إليه المحكمة صريحاً ومباشراً في الدلالة على ما تستخلصه المحكمة منه بل لها أن تركن في تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستظهار الحقائق القانونية المتصلة بها، إلى ما تخلص إليه من جماع العناصر المطروحة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام استخلاصها سليماً لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.
5 - لما كانت مدونات الحكم المطعون فيه تنبئ عن أن المحكمة ألمت بواقعة الدعوى وأحاطت بالاتهام المسند إلى كل من المحكوم عليهما ودانتهما بالأدلة السائغة التي أخذت بها وهي على بينة من أمرها، فإن مجادلتها في ذلك بدعوى الفساد في الاستدلال وباختلال صورة الواقعة لديها لينطوي على منازعة موضوعية فيما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما خلال المدة من 5 من مايو سنة 1971 حتى 4 من فبراير سنة 1976 المتهم الأول: بصفته موظفاً عمومياً أمين مستودع دقيق شركة....... اختلس كمية الدقيق المبينة بالتحقيقات البالغة قيمتها (ستة آلاف وسبعمائة وتسعة وثلاثون جنيهاً وخمسمائة وخمسة وخمسون مليماً) والمملوكة للشركة والمسلمة إليه بسبب وظيفته حال كونه من الأمناء على الودائع وقد ارتبطت هذه الجريمة بجريمتين هما أ - اشترك بطريق الاتفاق مع مجهول على تزوير إيصال الإيداع رقم 13 - 9470 الصادر من هيئة البريد فقام المجهول بوضع تاريخ مزور على الإيصال هو 30 من فبراير سنة 1975 على خلاف التاريخ الصحيح للإيداع وهو تاريخ 5 من يناير سنة 1976 فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق ب - استعمل الإيصال سالف الذكر بأن احتج به أمام لجنة الجرد كدليل على إيداع المبلغ في التاريخ المزور مع علمه بتزويره. المتهم الثاني بصفته موظفاً عمومياً (وكيل مكتب بريد......) ارتكب تزويراً في محرر رسمي هو إيصال الإيداع رقم 13 - 9470 الصادر من هيئة البريد حال تحريره المختص بوظيفته وذلك يجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن ترك عمداً تدوين تاريخ إيداع المبلغ على صورة الإيصال المسلم للمتهم الأول بناء على طلب الأخير حتى يحتج به كدليل على توريد المبلغ في تاريخ مزور. وأحيل المتهمان لمحكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 40 - 2، 41، 112 - أ، ب، 118، 118 مكرراً، 119 ب، 119 هـ مكرراً، 211، 213، 244 من قانون العقوبات.
ومحكمة أمن الدولة العليا قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام أولاً:
بمعاقبة المتهم الأول بالسجن ثلاث سنوات وبعزله من وظيفته مع حرمانه من التعيين في أية وظيفة أميرية لمدة خمس سنوات وتغريمه مبلغ ستة آلاف وسبعمائة وتسعة وثلاثين جنيهاً وخمسمائة وخمسة وخمسين مليماً - وإلزامه برد مثل هذا المبلغ ثانياً: بمعاقبة الطاعن الثاني بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة مع عزله من وظيفته لمدة سنتين وأمرت بإيقاف تنفيذ عقوبتي الحبس والعزل لمدة ثلاث سنوات.
فطعن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض ولم يودع أسباب الطعن وطعن المحكوم عليه الثاني في هذا الحكم بطريق النقض.. إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن الأول وإن قرر بالطعن في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه، ومن ثم يكون الطعن المقدم منه غير مقبول شكلاً، لما هو مقرر من أن التقرير بالنقض هو مناط اتصال المحكمة به، وأن تقديم الأسباب التي بني عليها الطعن في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله، وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان معاً وحدة إجرائية واحدة لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الثاني قد استوفى الشكل المقرر في القانون وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الثاني أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة ارتكاب تزوير في محرر رسمي قد أخطأ في تطبيق القانون وفي الإسناد وقام على بطلان في الإجراءات، كما شابه الفساد في الاستدلال ذلك بأن الحكم اعتبر ترك تدوين تاريخ الإيداع على إيصال هيئة البريد الذي حرره الطاعن الثاني للأول جريمة تزوير في ورقة رسمية، مع أن هذا الترك لا يشكل عملاً إيجابياً ينطوي على تغيير الحقيقة في المحرر بشأن التاريخ, فضلاً عن أن التاريخ مستفاد فعلاً من بصمة ختم هيئة البريد ذي التاريخ الموجود على الإيصال مما ينتفي معه القصد الجنائي لدى الطاعن كما أخطأ الحكم إذ اعتبر أن ما قرره الطاعن من أنه لم يثبت التاريخ على تلك الورقة اعترافاً منه بمقارفته بجريمة التزوير المسندة إليه، مع أن تتمة أقواله تفيد أنه لم يكن يبتغي شيئاً من وراء هذا الترك هذا إلى أن المحكمة لم تعرض المحرر المقول بتزويره على بساط البحث والمناقشة بالجلسة في حضور الخصوم وهو إجراء لا يغني عنه اطلاع المحكمة وحدها على الورقة، كذلك فقد اتخذ الحكم من أقوال الشهود التي أدلوا بها في حق المحكوم عليه الأول (الطاعن الأول) دليلاً قبل الطاعن (الثاني) ولم تفطن المحكمة إلى اختلاف الاتهام المسند إلى كل منهما، الأمر الذي ينبئ عن اضطراب صورة الواقعة في ذهن المحكمة، واختلال فكرة الحكم من حيث تركيزها في موضوع الدعوى وعناصر الاتهام المعزو إلى كل من المحكوم عليهما، وفي كل ذلك ما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إنه لما كان من المقرر ألا ينظر في التزوير بالترك إلى الجزء المتروك من المحرر فحسب بل يجب النظر إلى ما يتضمنه المحرر في مجموعه استظهاراً لمدى ما ترتب على الترك من تغير الحقيقة التي كان يجب أن يظهر بها مؤدى هذا المجموع, وإذ كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن الثاني لم يدفع أمام المحكمة بما يثيره في أسباب طعنه من وجود ختم هيئة البريد على الإيصال مبيناً به تاريخ الإيداع على نحو يستفاد منه هذا البيان بحيث لم يؤد إغفاله تدوينه إلى تغيير الحقيقة في هذا الشأن فليس له من بعد أن يتمسك بهذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض لأنه يقوم على واقع لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع, ولا تحمل مدونات الحكم مقوماته مما يقتضي تحقيقاً موضوعياً تنأى عنه وظيفة هذه المحكمة، ويضحى النعي بما جاء في هذا السبب غير مقبول. لما كان ذلك، وكان القصد الجنائي في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية يتحقق متى تعمد الجاني تغيير الحقيقة في المحرر مع انتواء استعماله في الغرض الذي من أجله غيرت الحقيقة فيه، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل أقوال الطاعن الذي يعمل وكيلاً لمكتب البريد في أنه اعترف بأن المحكوم عليه الآخر قد حضر إليه في منزله وأبلغه بأن لديه عجزاً في عهدته يرغب في تسويته، وطلب إليه تحرير صورة إيصال إيداع بمبلغ 5566.230 لحساب شركة...... دون إثبات تاريخ الإيداع به. لما كان ذلك، وكان تقدير قيام القصد الجنائي من ظروف الدعوى يعد مسألة تتعلق بالوقائع وتفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب، وكان اعتراف الطاعن الذي أثبته الحكم في مدوناته يعني أنه استجاب لمطلب المحكوم عليه الآخر وتعمد ترك البيان الخاص بتاريخ الإيداع في إيصال مكتب هيئة البريد تمكيناً له من ستر العجز المكتشف بعهدته وسلمه هذا الإيصال لتقديمه إلى جهة عمله، فإن ذلك مما يتوفر به القصد الجنائي في جريمة التزوير بالترك التي دان الطاعن بها كما هي معرفة في القانون ويكون منعى الطاعن بتخلف هذا القصد غير صائب. لما كان ذلك وكان الاعتراف في المسائل الجنائية لا يخرج عن كونه عنصراً من عناصر الدعوى التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف فلها أن تجزئ هذا الاعتراف, وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح سواه مما لا تثق به، دون أن تكون ملزمة بيان علة ذلك, كما لا يلزم في الاعتراف أن يرد على الواقعة بكافة تفاصيلها بل يكفي فيه أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف الجاني للجريمة كما هو الحال في الدعوى الراهنة - ومن ثم فلا يجدي الطاعن نعيه على الحكم بأنه أغفل ما استطرد إليه في أقواله من أنه لم يكن يبتغي شيئاً من وراء عدم إثبات تاريخ الإيداع إذ من المقرر أنه لا عبرة بالباعث في جريمة التزوير. لما كان ذلك, وكان البين من محضر جلسة 16 - 12 - 1981 التي مثل فيها المحكوم عليهما والدفاع أن المحكمة فضت المظروف المحتوي على المستند المقول بتزويره، ومن ثم كان معروضاً على بساط البحث والمناقشة في حضور الخصوم وكان في مكنة الطاعن الاطلاع عليه إذا ما طلب من المحكمة، ذلك، فإن ما يثيره من بطلان في الإجراءات لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكانت صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة - وكما جاءت في مدونات الحكم المطعون فيه - أن ما نسب إلى الطاعن الثاني - من تزوير إيصال الإيداع قد تم استجابة لطلب المحكوم عليه الآخر المتهم بالاختلاس والتزوير وقد استعمل هذا الإيصال بتقديمه إلى لجنة الجرد ستراً لهذا الاختلاس فإنه لا محل لنعي الطاعن على الحكم بأنه تساند ضمن ما تساند إليه في إدانته على أقوال الشهود من أعضاء اللجنة المشكلة لجرد عهدة المحكوم عليه الآخر ذلك بأنه لا يلزم في الأدلة التي يعول عليها الحكم أن ينبئ كل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه كما هو الحال في هذه الدعوى. كما لا يلزم لصحة الحكم أن يكون الدليل الذي تستند إليه المحكمة صريحاً ومباشراً في الدلالة على ما تستخلصه المحكمة منه بل لها أن تركن في تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستظهار الحقائق القانونية المتصلة بها، إلى ما تخلص إليه من جماع العناصر المطروحة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام استخلاصها سليماً لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي. لما كان ذلك، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه تنبئ عن أن المحكمة ألمت بواقعة الدعوى وأحاطت بالاتهام المسند إلى كل من المحكوم عليهما ودانتهما بالأدلة السائغة التي أخذت بها وهي على بينة من أمرها، فإن مجادلتها في ذلك بدعوى الفساد في الاستدلال وباختلال صورة الواقعة لديها ينطوي على منازعة موضوعية فيما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب لما كان ذلك، فإن الطعن المقدم من الطاعن الثاني برمته يكون قائماً على غير أساس متعين الرفض موضوعاً.