مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) - صـ 433

جلسة 23 يناير سنة 1939

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمود المرجوشي باشا ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك المستشارين.

(338)
القضية رقم 2117 سنة 8 القضائية

( أ ) قتل عمد. اقترانه بظرف قانوني مشدّد. متهمون. اعتبارهم فاعلين أصليين. الوقائع المذكورة في الحكم تجعلهم شركاء فقط. توقيع عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة عليهم. مجرّد الخطأ في الوصف القانوني للفعل الجنائي الذي وقع منهم. لا يكفي لنقض الحكم.
(ب) قتل عمد. اقترانه بظرف قانوني مشدّد. خطأ الحكم في الوصف القانوني للفعل الجنائي الثابت قبل المتهم. فاعل أصلي. معاملته بالمادة 17. عقابه بالأشغال الشاقة المؤبدة. اعتباره الصحيح أنه شريك. طلبه نقض الحكم لخطئه في الوصف. متى يكون له فيه مصلحة؟ النزول إلى أقل حدّ للعقوبة. استعمال الرأفة. مناطه. الوقائع لا الوصف القانوني.
1 - إذا كانت الوقائع التي أوردها الحكم بإدانة المتهمين في جناية القتل العمد المقترن بظرف من الظروف المشدّدة التي أوردها القانون لا تؤدّي إلى نسبة وفاة المجني عليه لفعل جنائي مادي وقع من واحد منهم معين بالذات، وكانت الإدانة قد بنيت على أساس توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد لديهم، فذلك يقتضي قانوناً اعتبار كل من المتهمين مجرّد شريك في القتل بطريق الاتفاق والمساعدة لفاعل أصلي مجهول من بينهم. فإذا كان الحكم قد اعتبر المتهمين جميعاً فاعلين أصليين في هذه الجناية فإنه يكون قد أخطأ في هذا الاعتبار. ولكن إذا كان هذا الحكم مع ذلك لم يقض على المتهمين إلا بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة، وهي العقوبة المقرّرة لجناية الاشتراك في القتل التي قارفوها فعلاً والتي كان يجب توقيع العقوبة على أساسها، فتكون مصلحتهم في التمسك بالخطأ الذي وقع فيه الحكم بشأن الوصف القانوني للفعل الجنائي الذي وقع منهم منتفية.
2 - إن محكمة الموضوع إنما تقدّر ظروف الرأفة بالنسبة للواقعة الجنائية التي تثبت لديها قبل المتهم لا بالنسبة للوصف القانوني الذي تصفها به. فإذا وصفت المحكمة المتهم في جناية قتل عمد اقترن بظرف قانوني مشدّد بأنه فاعل أصلي فيها، وعاملته بالمادة 17 من قانون العقوبات فأوقعت عليه عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة بدلاً من عقوبة الإعدام المقرّرة قانوناً لهذه الجناية، وكان الوصف الصحيح للفعل الجنائي الذي وقع منه هو مجرّد الاشتراك في هذه الجناية المعاقب عليه قانوناً بالإعدام أو بالأشغال الشاقة المؤبدة، فلا يصح طلب نقض هذا الحكم بمقولة إن المحكمة، إذ قضت بالعقوبة التي أوقعتها، كانت تحت تأثير الوصف الجنائي الذي ارتأته، وإن ذلك يستدعى إعادة النظر في تقدير العقوبة على أساس الوصف الصحيح. ذلك لأن المحكمة كان في وسعها - لو كانت قد أرادت أن تنزل بالعقوبة إلى أكثر مما نزلت إليه - أن تنزل إلى الأشغال الشاقة المؤقتة وفقاً للحدود المرسومة بالمادة 17 من قانون العقوبات، وما دامت هي لم تفعل فإنها تكون قد رأت تناسب العقوبة التي قضت بها فعلاً مع الواقعة التي ثبتت لديها بصرف النظر عن وصفها القانوني. أما إذا كانت المحكمة قد نزلت فعلاً بالعقوبة إلى أقل حدّ يسمح لها القانون بالنزول إليه ففي هذه الحالة - وفي هذه الحالة وحدها - يصح القول بإمكان قيام الشك في وجود الخطأ في تقدير العقوبة، وتتحقق بذلك مصلحة المحكوم عليه في التمسك بخطأ الحكم في وصف الواقعة التي قارفها.


المحكمة

وحيث إن مبنى الوجه الأوّل من أوجه الطعن أن بالحكم المطعون فيه قصوراً يعيبه ويوجب نقضه. وفي بيان ذلك يقول الطاعنان إن الدفاع عنهما طلب من المحكمة استبعاد ظرف سبق الإصرار لعدم علاقتهما بزلحة المقول بأن الحادثة ارتكبت للأخذ بثأره ولعدم مصادقة أحد من الشهود أهل المجني عليه على وجود قرابة بين زلحة وبينهما، بل إن الشاهدين اللذين سئلا عن سبب القتل وهما جودة أحمد ونعمان حسانين نفيا وجود أية صلة. لذلك كان واجباً على المحكمة إذ لم تأخذ بهذا الدفاع أن تذكر الوقائع التي اعتمدت عليها في الاستدلال على وجود ظرف سبق الإصرار. أما ما ذكرته من أنها تستنتج الإصرار من سابقة قتل زلحة قريب بعض المتهمين وذي الصلة الوثيقة مع عائلة رفاعي لأنه حاميهم كم جاء على لسان الدفاع دون أن تبين درجة هذه القرابة وعلاقة الطاعنين بالمتهم المحكوم عليه غيابياً فلا يكفي. لأن واقعة حماية زلحة للطاعنين غير منتجة في إثبات سبق الإصرار لأنها تتناقض مع ما قرّره الدفاع من وجود أولاد عم أقوياء لزلحة يأخذون بثأره، ومن أن عائلة رفاعي لم تأخذ لنفسها ثأراً بل كان يأخذه لها زلحة. كذلك لا يكفي ما فعلته من استخلاص ظرف الترصد من اختفاء الطاعنين خلف دكان هناك حاملين الأسلحة وخروجهما لارتكاب الجريمة حال مرور المجني عليهما لأن الواقعة حصلت نهاراً. ولم تذكر المحكمة موقع هذا المكان وهل طريق الطاعنين من مسكنهما يستلزم حتماً خروجهما من خلف هذا الدكان. خصوصاً وأن مرور المجني عليهما كان سابقاً ببرهة بسيطة على وقوع الحادثة، وعدم رؤيتهما للطاعنين معناه استحالة حصول الترصد، وأن حضور الطاعنين كان مصادفة دون ترصد.
وحيث إنه يتضح من الحكم المطعون فيه أنه ذكر الأدلة التي استند إليها في ثبوت توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد فقال: (أوّلاً) إن جودة أحمد شهد بأنه رأى المتهمين الثلاثة الأول (أي الطاعن الأوّل ومتهم آخر يدعى سيد مصطفى والطاعن الثاني) خرجوا إلى عرض الشارع من جوار دكان محمد أحمد وأطلق كل من المتهمين الأوّل والثاني (الطاعن الأوّل وسيد مصطفى) عياراً نارياً على حسانين يونس فطلب منهما الكف عن ذلك فبادره المتهم الثالث (الطاعن الثاني) وأطلق عليه عياراً نارياً أصابه، وإن المجني عليه حسانين يونس اعتاد الذهاب يومياً إلى حقله من هذا الطريق الذي كان مختبئاً فيه الجانون، وإن سبب القتل يرجع للضغائن التي بين القتيل وفريق المتهمين لأن القتيل اتهم في قتل زلحة قريب بعض المتهمين. (وثانياً) إن فاطمة موسى والدة القتيل شهدت بأنهم قتلوا ابنها لنفس السبب الذي ذكره جودة أحمد. (وثالثاً) إن علي سيد عمران نائب العمدة شهد بعلمه بأن سبب القتل يرجع لسبق اتهام القتيل في قتل محمد زلحة قريب بعض المتهمين. ثم بنى الحكم على تلك الأدلة ثبوت سبق الإصرار والترصد قائلاً: "إن المحكمة تستنتج من سابقة قتل زلحة قريب بعض المتهمين ذوي الصلة الوثيقة مع عائلة رفاعي لأنه حاميهم، كما جاء على لسان الدفاع، نية الإصرار عند المتهمين الثلاثة الأول على القتل، ثم إنها تستنتج من اختفائهم خلف دكان هناك حاملين الأسلحة وخروجهم لارتكاب الجريمة حال مرور المجني عليهما حسانين يونس وجودة أحمد - تستنتج الترصد لارتكاب الجريمة.
وحيث إنه يبين مما تقدّم أن الحكم المطعون فيه استخلص توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد من ثبوت علاقة قرابة بين زلحة وبعض المحكوم عليهم وثبوت علاقة زلحة بالطاعنين الأوّل والثاني من هؤلاء المحكوم عليهم لأنه كان حامي عائلتهما اعتماداً على الأدلة التي أوردها والتي تؤدي إلى ما استخلص منها. ولما كان الشهود الذين اعتمد الحكم على أقوالهم في هذا الخصوص قد شهدوا بأن زلحة قريب لاثنين من المحكوم عليهم، وكان الطاعنان لا يجادلان بوجه الطعن فيما أثبته الحكم عنهما من أن زلحة كان حاميهما فيكون كل ما اعتمد عليه الحكم في صدد ظرفي سبق الإصرار والترصد سليماً. أما ما ينعاه الطاعنان على الحكم من أنه قال بوجود قرابة بينهما وبين زلحة فغير صحيح لأن الحكم حين قال بهذه العلاقة إنما قصد قيامها بين زلحة وسيد مصطفى وعطا المتهمين اللذين قال عنهما الشهود بالجلسة. وأما ما يزعمانه من أن لزلحة أقارب أقوياء كانوا أقدر على الأخذ بثأره من الطاعنين اللذين كانا من الضعف بحيث كان زلحة يحميهما، واستنادهما إلى ذلك في القول بأن الحكم إذ قال بأن الطاعنين ارتكبا الجريمة أخذاً بثأر زلحة جاء متناقضاً من جهة ومستنداً إلى واقعة لا تنتج ما رتبه عليها من جهة أخرى - ما يزعمانه من ذلك فضلاً عن أنه مجادلة في مسائل موضوعية الغرض منها التشكيك في القوّة التدليلية لعناصر الإثبات مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض، فإنه مردود: (أوّلاً) بأن المقدّمات التي أوردها الحكم تؤدي إلى النتيجة التي خلص إليها منها. (وثانياً) بأن الوقائع التي أثبتها ليس فيها أي تناقض. ولئن كان الحكم لم يعوّل على ما أثاره الدفاع في هذا الخصوص فإن ذلك لا يصلح أن يؤسس عليه القول بوجود تناقض، لأن إدانة الطاعنين للأسباب التي فصلها الحكم تفيد أن المحكمة لم تأبه لما قاله الدفاع، ولم تجد فيه ما يغير وجهة نظرها. وأما ما يثيره الطاعنان أخيراً بشأن ما أثبته الحكم عن ظرف الترصد فإنه لا يعدو أن يكون مجادلة لمحكمة الموضوع فيما هو من خصائصها الفصل فيه، وما دامت هي قد أثبتت توافر ظرف الترصد، حسبما عرفه القانون، وأوردت الأدلة التي تسوغ ما استخلصته منها، فلا معقب عليها في ذلك.
وحيث إن حاصل الوجه الثاني أن المحكمة أخطأت في تطبيق القانون على الواقعة التي أثبتتها في حكمها المطعون فيه لأنه ثابت أن كلاً من الطاعن الأوّل وسيد مصطفى المتهم الغائب أطلق عياراً نارياً على المجني عليه حسانين يونس فأصابه أحدهما بالإصابات المبينة بالكشف الطبي فسقط على الأرض وضربه أحد المتهمين الثلاثة بآلة صلبة راضة على رأسه وقرّر الطبيب الشرعي أن إصابة الرأس حيوية وخطرة ومن شأنها أن تحدث الوفاة، وأن إصابة العيار الناري شديدة وخطرة، وأن كلتا الإصابتين يمكن أن تحدث الوفاة. ولما كان الثابت أن مجهولاً من بين المتهمين هو الذي ضرب المجني عليه على رأسه وأثبت الطبيب الشرعي جواز حصول الوفاة بسبب هذه الإصابة وحدها فلا مسئولية على أحد من المتهمين في إحداثها لشيوع التهمة بينهم. وعلى أسوأ الفروض لا تكون المسئولية إلا على أساس الشروع في القتل. وكذلك الحال بالنسبة لإصابة العيار الناري فإن الطاعن الثاني لم يساهم فيها مادياً؛ ومرافقته للآخرين ووجوده معهما في محل الحادثة ليس دليلاً على الاشتراك معهما لعدم علمه بالجريمة التي انتويا ارتكابها وإنما هو مسئول فقط عما وقع منه من الشروع في قتل جودة أحمد. فضلاً عن ذلك فإن المحكمة اعتبرت المتهمين الثلاثة الطاعنين وآخر - حكم عليه غيابياً - فاعلين أصليين مع أن الطاعن الثاني شريك فقط في الجناية الأولى؛ ولهذا أهميته لأن عقوبة الشريك في جناية القتل العمد تختلف عن عقوبة الفاعل الأصلي. ومع أن محكمة الجنايات طبقت المادة 17 ع إلا أنها قضت بعقوبة واحدة على الطاعنين ولو كانت اعتبرت الطاعن الثاني شريكاً لتغير الموقف.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه أورد الواقعة الجنائية التي أدان الطاعنين من أجلها والتي حصلتها المحكمة من التحقيقات التي أجريت في الدعوى فقال "إن المجني عليه حسانين يونس خرج من منزله قاصداً مزرعته ومعه جودة أحمد الذي قابله في طريقه، وأثناء سيرهما في الطريق المؤدي إلى مزرعة الأوّل إذ خرج عليهما المتهمون الثلاثة الأول (وهم الطاعن الأوّل ومتهم حكم عليه غيابياً اسمه سيد مصطفى والطاعن الثاني) الذين كانوا مختبئين خلف دكان محمد أحمد لعلمهم بأن المجني عليه حسانين يونس سوف يمرّ بالطريق المجاور لتلك النقطة كعادته للذهاب إلى حقله، وكان يحمل كل بندقيته. وبمجرّد مروره أطلق كل من المتهمين الأوّل والثاني (الطاعن الأوّل وسيد مصطفى) عياراً نارياً على حسانين يونس أصابه أحدهما بالإصابات المبينة بالكشف الطبي الشرعي وكشف الصفة التشريحية فسقط على الأرض فضربه أحدهم بآلة صلبة راضة على رأسه أحدثت به الإصابة المبينة بالكشف الطبي الشرعي والصفة التشريحية، وكانت تلك الإصابات السبب في وفاته. وأثناء ضرب المجني عليه حسانين يونس بالأعيرة النارية أراد جودة أحمد أن يستغيث فما كان من المتهم الثالث (الطاعن الثاني) إلا أن أطلق عليه عمداً عياراً نارياً قاصداً قتله فأصابه بالإصابات المبينة بالكشف الطبي الشرعي". وتبين من الكشف الطبي الشرعي والصفة التشريحية على جثة القتيل حسانين يونس أنه أصيب بعيار ناري، كما أصيب في رأسه من جسم صلب راض، وأن وفاته نشأت من النزيف الصدري وكسر الجمجمة من العيار مع إمكان حصول الوفاة من إحدى الإصابتين أي إصابة العيار أو الإصابة الرضية. وقد خلصت المحكمة من ذلك - وبعد أن أوردت الأدلة التي استندت إليها - إلى القول بأن المتهمين الثلاثة (أي الطاعنين الأوّل والثاني وسيد مصطفى) مسئولون كفاعلين أصليين عن الجريمتين: قتل حسانين يونس، والشروع في قتل جودة أحمد جودة عمداً مع سبق الإصرار والترصد، وأوقعت على كل منهم عقوبة واحدة طبقاً للمادة 32 من قانون العقوبات للارتباط الذي قالت بوجوده بين الجريمتين ولوقوعهما لغرض واحد، ثم قضت بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة على أساس أخذها كلاً منهم بالرأفة التي اقتضتها ظروف الدعوى، وذلك عملاً بالمادة 17 من هذا القانون.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ اعتبر الطاعنين فاعلين أصليين في جناية القتل العمد التي أوقع العقوبة عليهما فيها. ووجه الخطأ في ذلك أن الوقائع التي أوردها لا تؤدّي إلى نسبة وفاة المجني عليه لفعل جنائي مادي وقع من أيهما بالذات - الأمر الذي يقتضي قانوناً اعتبار كل من الطاعنين مجرّد شريك في القتل بطريق الاتفاق والمساعدة لفاعل أصلي مجهول من بين الثلاثة المتهمين الذين أدانهم في هذه الجناية على أساس توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد لديهم.
وحيث إنه وإن كان العقاب الذي أورده القانون لجناية القتل العمد المقترن بأحد الظروف القانونية المشدّدة يختلف بالنسبة للفاعل الأصلي عنه بالنسبة للشريك، إذ هو الإعدام للأوّل والإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة للثاني، إلا أنه لما كان الحكم المطعون فيه لم يقض على الطاعنين إلا بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة على أساس ما ذهب إليه من أن الواقعة الجنائية التي قارفاها تجعلهما فاعلين أصليين في القتل، ولما كانت هذه العقوبة مقرّرة أيضاً لجناية الاشتراك في القتل التي قارفها الطاعنان فعلاً والتي كان يجب توقيع العقوبة على أساسها - لما كان كل ذلك فقد انتفت مصلحة الطاعنين في التمسك بالخطأ الذي وقع فيه الحكم بشأن الوصف القانوني للفعل الجنائي الذي وقع منهما.
وحيث إنه لا يقلل من النظر المتقدّم أن الحكم المطعون فيه أخذ الطاعنين بالرأفة وعاملهما فعلاً بالمادة 17 من قانون العقوبات، وأن المحكمة إذ قضت بالعقوبة التي أوقعتها كانت تحت تأثير الوصف الذي رأته وهو أن الواقعة الجنائية التي وقعت من الطاعنين على أساس أنهما فاعلين أصليين فيها تكون جناية عقوبتها الإعدام فنزلت إلى الأشغال الشاقة المؤبدة نظراً لظروف الرأفة التي ارتأت وجودها، وأن ذلك يستدعي إعادة النظر في تقدير العقوبة إذا ما تبين خطأ الأساس الذي بنت عليه تقدير العقوبة - لا يقلل كل ذلك من النظر المتقدّم لأن محكمة الموضوع إنما قدّرت ظروف الرأفة بالنسبة للواقعة الجنائية التي أثبتتها على الطاعنين لا بالنسبة للوصف القانوني الذي أعطته لها، ورأت أنها تستحق العقوبة التي قضت بها وهي الأشغال الشاقة المؤبدة. وإذا كانت رأت أن هذه الظروف تقتضي النزول بالعقوبة إلى أكثر مما نزلت إليه لفعلت ولأنزلتها إلى الأشغال الشاقة المؤقتة وفقاً للحدود المرسومة بالمادة 17 من قانون العقوبات. أما وهي لم تفعل فقد رأت تناسب العقوبة التي قضت بها مع الواقعة بصرف النظر عن وصفها القانوني. ولا يصح في هذه الحالة القول بأن الخطأ في الوصف ربما أثر في رأي المحكمة وهي تقدر العقوبة لأنها لم تنزل إلى الحدّ الأدنى لها، أما إذا هي نزلت فعلاً بالعقوبة إلى أقل حدّ يسمح لها القانون بالنزول إليه، ففي هذه الحالة وحدها يصدق القول بإمكان قيام الحرج ويقوم الشك في وجود الخطأ في تقدير العقوبة وتتحقق مصلحة المحكوم عليه في التمسك بخطأ الحكم في وصف الواقعة التي قارفها.