مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) - صـ 453

جلسة 13 فبراير سنة 1939

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمود المرجوشي باشا ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك المستشارين.

(347)
القضية رقم 380 سنة 9 القضائية

إضراب. متى تتحقق جريمة التوقف عن العمل؟
(المادة 317 المكررة ع - قانون رقم 37 سنة 1923 = 374)
إنه وإن كان يشترط لتحقق الجريمة المنصوص عليها في المادة 374 من قانون العقوبات أن يكون المستخدمون والأجراء التابعون لمصلحة من المصالح المبينة في المادة المذكورة قد توقفوا فعلاً عن العمل كلهم معاً أو جماعات منهم بكيفية يتعطل معها سير العمل في تلك المصلحة، إلا أن رفع الدعوى العمومية على واحد من هؤلاء لا يستلزم رفعها على الباقين ممن توقفوا معه عن العمل، كما أن معاقبة واحد منهم لا تستلزم وجود اتفاق أو تآمر سابق بينه وبين زملائه في الإضراب، إذ يكفي قانوناً مع توافر باقي أركان الجريمة أن يثبت حصول التوقف عن العمل من كل عمال المصلحة أو من جماعات منهم بما يعرقل سير العمل فيها.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه أدانه في واقعة التحريض على الإضراب مع أن القانون لا يعاقب على هذه الواقعة لأنه ثبات في بلاغ الدعوى وفي أقوال وكيل النيابة أن هناك إضراباً قام بين العمال دون أية إشارة لوجود محرّض. وثابت كذلك من أقوال الشهود الذين اعتمدت المحكمة عليهم أن ما نسب إلى الطاعن بفرض صحته إنما وقع منه أثناء الإضراب لا قبله. وقد فسر الطاعن مسألة إطلاق الصفارة تفسيراً معقولاً أيده فيه الخواجة ألبير، وهو أنه أراد تهدئة الحال بين العمال إذ لا معنى لإطلاق الصفارة إيذاناً بوقف العمل في حين أن العمل كان موقوفاً فعلاً. أما استنتاج المحكمة التحريض من كون الطاعن رئيساً للنقابة فلا يتفق والظروف الآنف ذكرها. وفضلاً عن ذلك فقد قالت المحكمة إن مجلس النقابة انعقد وقرّر الإضراب سراً. وهذا القول لا مقدّمات له. ويعلق الطاعن على ذلك بأن التحريض المنسوب له كان لاحقاً للإضراب لا سابقاً عليه، وإذاً فلا عقاب عليه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أثبت على الطاعن بصفته من الأجراء التابعين لشركة القنال أنه في يوم 5 يوليه سنة 1938 قارف الثلاث الجرائم المنصوص عليها في المادتين 374 و375 من قانون العقوبات وهي (1) التوقف عن العمل بدون إخطار سابق و(2) تحريض غيره من العمال على التوقف عن العمل (3) اعتداؤه على حرية الغير في العمل باستعمال وسائل غير مشروعة. ووقع الحكم عليه عقوبة واحدة وهي المقرّرة لأشدّ هذه الجرائم وفقاً للمادة 32 من قانون العقوبات وذلك للارتباط بينها. وذكر في صدد تهمة جريمة التحريض أن المتهم (الطاعن) حرض عمال شركة القنال الغير المثبتين على الإضراب قبل إخطار الشركة والمحافظة، واستعمل وسائل إكراه بأن تقدّم شاهراً مسدّسه مهدّداً به المسيو فيلوريا شيفر رئيس العمال بالشركة عندما حاول منعه من إطلاق الصفارة التي هي إيذان بإيقاف العمل، وطلب إلى المسيو جاك ألبير رئيس قسم الكهرباء بالشركة إخراج العمال غير المثبتين وإيقاف التيار الكهربائي لإيقاف حركة العمل، وأن هذه التهمة ثابتة على المتهم ثبوتاً تاماً من التحقيق وما بسطه حكم محكمة أوّل درجة في أسبابه. اللهم إلا واقعة إشهار المسدس فما دام لم يثبت أن المتهم كان يحمل مسدساً فلا محل للقول بأنه تقدّم شاهراً مسدسه، ولكن محاولة المتهم إيقاف العمل بإطلاق الصفارة ثابتة عليه من إقراره وإن كان هو يعلل ذلك بالعمل على منع ازدياد حركة الاستياء من العمال المضربين خشية اعتدائهم، ولم يثبت من التحقيق أن أحداً كان يعتدي أو شرع في الاعتداء. وشهادة جاك ألبير وجان استيفابولس صريحة دالة على أن قصد المتهم إنما هو إيقاف حركة العمل ودفع العمال غير المثبتين إلى الإضراب. وقد ذكر حكم محكمة أوّل درجة الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه فيما يختص بجريمة التحريض هذه أنها ثابتة على الطاعن "(أوّلاً) من اعترافه في التحقيقات بأنه رئيس نقابة عمال التاشيرون. وقد أمضى بهذه الصفة الإخطار المؤرّخ في 4 مارس سنة 1938 هو وباقي أعضاء مجلس النقابة، ومن غير المعقول أن يتوقف العمال جميعاً عن العمل يوم 5 يوليه سنة 1938 دون أن تكون النية مبيتة على حصول هذا الإضراب بناء على تقرير خفي لمجلس النقابة. والمتهم (الطاعن) بصفته رئيساً للنقابة وأحد أعضائها يكون محرّضاً على الإضراب. (وثانياً) ما قرّره الشاهد الثاني مسيو فلوريا شيفر من أن المتهم توجه نحو الصفارة هو وآخرون معه وبعد أن هدّدوا عمالها أذن لهم بإطلاقها خشية حصول هياج بين العمال فأطلقت في غير أوقاتها المعتادة. غرض المتهم من هذا ظاهر وهو تحريض باقي العمال الذين ظلوا يعملون في ورشهم وإشعارهم بوجود حالة خطر لأجل أن يتوقفوا عن العمل ويشتركوا مع الباقين في ذلك. (وثالثاً) ما قرّره الشاهد الثالث وهو مسيو جاك ألبير من أن المتهم تقدّم إليه أثناء الإضراب وطلب منه قطع التيار الخاص بجميع ورش الشركة والمخازن ومنها تيار النور الخاص بمدينة بور فؤاد ففعل واستمر هذا التيار مقطوعاً حتى الساعة الرابعة بعد الظهر. وغرض المتهم من ذلك ظاهر أيضاً إذ معنى قطع التيار هو إيقاف دولاب العمل في جميع ورش الشركة وتحريض من كانوا يعملون فيها على الإضراب أيضاً. وما شهد به أحد شهود الإثبات أمام المحكمة من أنه توجه إلى العمال أثناء اجتماعهم ونصحهم بالتروّي والخلود إلى السكينة، فما كان من المتهم إلا أن تصدّى له وأمر العمال بأن لا يستمعوا إلى نصائح الشاهد وأن يقاوموا حتى النهاية".
وحيث إنه يتضح من البيان المتقدّم أن الحكم المطعون فيه أثبت على الطاعن أنه حرض العمال على التوقف عن العمل فتوقفوا عنه فعلاً، واستند إلى ما أثبتته المحكمة من مركز الطاعن بين العمال ونفوذه عليهم وقيامه بقيادة حركة إضراب سابق، ومن مسلكه أثناء التوقف عن العمل من محاولته التأثير في العمال الغير المتوقفين عن العمل لينضموا إلى زملائهم ويتآزروا معهم في الإضراب، وبث الدعوة في العمال كي لا يستمعوا إلى من كان ينصحهم بالعودة إلى عملهم. ولا تثريب على الحكم إذا ما استخلص من كل ذلك أن توقف العمال عن العمل لا بدّ قد حصل بناء على تحريض الطاعن ما دامت المقدّمات التي حصّل منها هذه النتيجة تصلح أساساً لما بني عليها.
وحيث إنه متى تقرّر ذلك يكون وجه الطعن على غير أساس لأن الحكم أثبت أن توقف العمال عن العمل إنما وقع بناء على تحريض من الطاعن، وأورد الأدلة التي تسوغ ذلك، فلا يحق للطاعن أن يثير الجدل أمام محكمة النقض في شأن من خصائص محكمة الموضوع وهو كفاية هذه الأدلة، ولأن الحكم إذ عرض إلى مسلك الطاعن أثناء الإضراب وأخذ منه دليلاً عليه إنما قصد أن الطاعن كان يحاول تحريض من لم يتوقف عن العمل من العمال على مجاراة زملائهم وأن زعامته للحركة والحض على عدم العودة إلى العمل يفيد اتصال الطاعن ببدء حركة التوقف عن العمل التي كان يعمل على استمرارها. فلا يصح إذاً القول بأن الوقائع التي استند إليها الحكم ترمي إلى أن الإضراب لم يكن بفعل الطاعن ولا شأن له في حصوله.
وحيث إن الطاعن ينعى أيضاً على الحكم أنه أدانه في جريمة التوقف عن العمل مع أن القانون لا يعاقب على هذه الواقعة التي حصلتها المحكمة وأثبتتها في حكمها المطعون فيه. لأن جريمة الإضراب المنصوص عليها بالمادة 374 من قانون العقوبات تستلزم حتماً اتفاق أشخاص عديدين على ارتكابها، فإذا انعدم هذا الاتفاق فلا يسأل كل إلا عن عمله وحده. وفي هذه القضية اتهم الطاعن وحده بالتوقف فلا تجوز معاقبته. ولما أدركت النيابة هذا النقص عدّلت الوصف بأن قالت إن المتهم توقف وآخرين عن العمل. وعلى أساس ذلك سارت محكمة أوّل درجة، ولكن المحكمة الاستئنافية عادت إلى الوصف الأوّل قبل التعديل. ولذلك فإن الوقائع المنسوبة إلى الطاعن - لو صحت - لا عقاب عليها ما دامت المحكمة الاستئنافية نسبت التوقف إلى الطاعن وحده. ويزيد الطاعن على ذلك أن امتناع أحد العمال فجأة عن العمل واقتداء غيره به لا يدخل تحت نص المادة 374 المذكورة ما دام هذا الامتناع لم يكن مبيتاً ولم تسبقه مقدّمات؛ ولم يرد على لسان أحد من الشهود أن الطاعن حرض على الإضراب قبل وقوعه، بل ثبت بالعكس أن الطاعن إنما طلب وقف التيار الكهربائي وإطلاق الصفارة لتهدئة العمال كما قرّر الخواجة جاك ألبير.
وحيث إنه وإن كان يشترط لتحقق الجريمة المنصوص عليها في المادة 374 من قانون العقوبات أن يكون المستخدمون والأجراء التابعون لمصلحة من المصالح المبينة في المادة المذكورة قد توقفوا فعلاً عن العمل كلهم معاً أو جماعات منهم بكيفية يتعطل معها سير العمل في تلك المصلحة، إلا أن معاقبة واحد من هؤلاء لا تستلزم قانوناً معاقبة الباقين ممن توقفوا على العمل. كما أنها لا تستلزم ثبوت اتفاق أو تآمر سابق بينهم. ويكفي مع توافر باقي أركان الجريمة أن يثبت حصول التوقف عن العمل من كل عمال المصلحة أو من جماعات منهم بما يعرقل سير العمل فيها.
وحيث إنه فضلاً عن أن الطاعن لا يجني فائدة من وراء المناقشة التي يثيرها في هذا الوجه لأن الحكم لم يوقع عليه أية عقوبة عن الجريمة التي ينازع في توافر أركانها، بل وقع العقوبة عن جريمة التحريض على التوقف عن العمل باعتبارها أشدّ عقوبات الجرائم التي أثبت وقوعها منه - فضلاً عن ذلك فإن الحكم المطعون فيه أثبت عليه أنه بصفته من الأجراء التابعين لشركة قنال السويس توقف عن العمل قبل إخطار الشركة والمحافظة كتابة بأسباب التوقف وبأسماء العمال الذين ينوون التوقف، كما أثبت بأخذه بأسباب حكم محكمة أول درجة عن جريمة التحريض أن التوقف لم يكن من الطاعن وحده بل كان من العمال جميعهم. وكان هذا كافياً لبيان الواقعة وتوافر عناصر الجريمة التي أدين فيها الطاعن. فإذا ما أضيف إليه ما جاء في الحكم من أن النية كانت مبيتة على الإضراب من مجلس النقابة الذي يرأسه الطاعن وجب القول بأن كل ما أخذه الطاعن على الحكم لا أساس له.
وحيث إن محصل باقي أوجه الطعن أن الوقائع موضوع التهمة الأخيرة ليس فيها إذا صحت تهديد للعمال، بل هي تحريض على استمرار الإضراب وداخلة في التهمة الثانية، أي تهمة التحريض، وقد بدأت تهمة التهديد هذه مع تهمة إحراز السلاح واستعماله. وعلى الرغم من أن تهمة الاستعمال قد سقطت بحكم البراءة بشأنها، فإن النيابة استمرت على التمسك بتهمة التهديد مع أنه من غير المعقول أن الطاعن يستطيع وهو أعزل أن يهدّد حوالي أربعمائة عامل، وبهذا تكون وسائل القوّة والإرهاب غير متوافرة في الدعوى خلافاً لما يقول به الحكم المطعون فيه.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه ذكر بشأن الجريمة التي يتحدّث الطاعن عنها في هذا الوجه أن "التهمة الرابعة وهي استعمال (الطاعن) وسائل القوة والتهديد لتنفيذ غرضه والاعتداء على حق الغير في العمل بأن وقف شاهراً مسدسه هي في الواقع محل مناقشة. فإنه مع نفي وجود مسدس مع المتهم لا يمكن القول بأنه كان واقفاً مشهراً مسدسه، وإنما الأعمال التي ذكرت من قبل، وعمله على إطلاق الصفارة بإيقاف العمل، ثم حمله العمال المختصين على قطع التيار الكهربائي عن الورش، هي أعمال تدخل في عبارة الأعمال غير المشروعة التي يراد منها الاعتداء على حرية الغير في العمل، كما هو منصوص عنه في المادة 375/ 1 من قانون العقوبات".
وحيث إن في هذا الذي ذكره الحكم ما يدل على أنه لم يؤاخذ الطاعن على واقعة إشهار المسدس أو التهديد، وإنما اعتبر واقعتي إطلاق الصفارة وقطع التيار الكهربائي اللتين أثبتهما عليه من التدابير الغير المشروعة التي ارتكبت للاعتداء على حق الغير في العمل مما يدخل تحت نص المادة 375 عقوبات. ومتى تقرر ذلك وكان هذا التطبيق صحيحاً يكون ما تضمنه وجه الطعن على غير أساس. على أن إدماج المحكمة لهاتين الواقعتين في جريمة التحريض التي اكتفت بتوقيع العقوبة المقررة لها على الطاعن يجعل ما يثيره الطاعن في وجه الطعن عديم الجدوى ما دام الحكم قد جاء سليماً فيما يختص بالجريمة التي أوقع العقوبة المقررة لها كما تقدّم القول.