مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) - صـ 459

جلسة 13 فبراير سنة 1939

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمود المرجوشي باشا ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك المستشارين.

(348)
القضية رقم 385 سنة 9 القضائية

وصف التهمة. تغييره بدون لفت الدفاع. شرط جوازه. محكمة الجنايات. محاكم الجنح. الأفعال المنسوبة للمتهم. رفع الدعوى باعتبارها مكوّنة لجريمة سرقة. وصف المحكمة لها بأنها إخفاء. عدم لفت الدفاع إلى ذلك. جوازه.
(المادتان 33 و40 من قانون تشكيل محاكم الجنايات)
1 - إن الفقرة الأولى من المادة 40 من قانون تشكيل محاكم الجنايات أجازت لمحكمة الجنايات أن تغير في الحكم الذي تصدره بالعقوبة وصف الأفعال المبينة في أمر الإحالة بغير سبق تعديل في التهمة بشرط مراعاة الحدود الواردة في المادة 33 من القانون المذكور، وبشرط ألا تحكم بعقوبة أشدّ من المنصوص عليها في القانون للجريمة الموجهة على المتهم في أمر الإحالة. ونصت المادة 33 المذكورة على أنه عند وجود الشك في وصف الأفعال المسندة إلى المتهم فإن كافة الجرائم التي يمكن ترتبها على هذه الأفعال يجوز أن يصدر بشأنها ضد المتهم أمر إحالة واحد، كما يجوز أن توجه عليه بطريق الخيرة. ومؤدى ذلك أنه يجوز قانوناً للمحكمة عند الحكم بالعقوبة أن تغير وصف الأفعال المسندة إلى المتهم - دون أن تلفت نظر الدفاع - بأن تعطي لهذه الأفعال الوصف القانوني الذي يجب أن ينطبق عليها ما دامت هذه الأفعال تحتمل الوصف الذي رفعت به الدعوى والوصف الذي أعطته لها المحكمة بحيث كان يجوز وصفها وقت رفع الدعوى العمومية بهذين الوصفين، وما دامت المحكمة لا تخرج عن الوقائع التي أسس عليها رفع الدعوى وتناولها الدفاع أثناء المحاكمة. وذلك بشرط ألا تحكم بعقوبة أشد من المنصوص عليها في القانون للجريمة الموجهة على المتهم في أمر الإحالة أو في ورقة التكليف بالحضور أمام المحكمة.
2 - إنه وإن كان نص المادة 40 من قانون تشكيل محاكم الجنايات جاء قاصراً على تخويل محكمة الجنايات حق تطبيق الأحكام الواردة بها، فإن ذلك لا يمنع المحاكم الجنائية الأخرى من تطبيق تلك الأحكام لأنها جاءت مقررة لقواعد عامة في إجراءات المحاكمة الجنائية. فإذا كانت الأفعال التي اتخذتها النيابة أساساً لرفع الدعوى على المتهم واعتبرتها مكوّنة لجريمة السرقة وهي مساومته في ردّ المواشي المسروقة، وردّه إياها فعلاً مقابل جعل أخذه من صاحبها، كانت هذه الأفعال هي هي التي تناولها الدفاع بالمناقشة في مرافعته بجلسات المحاكمة والتي اعتبرتها المحكمة الاستئنافية مكوّنة لجريمة إخفاء المواشي المسروقة التي أدانت المتهم فيها، فإن المحكمة إذ عدّلت الوصف، ملتزمة حدود الأفعال والوقائع التي رفعت بها الدعوى والتي كانت مطروحة على بساط البحث أثناء المحاكمة، لا تكون قد أخطأت في شيء إذ هي ليست ملزمة قانوناً بلفت الدفاع إلى التعديل الذي أجرته ما دامت لم توقع عقوبة أشدّ من العقوبة المقررة للجريمة الواردة في الوصف الأوّل الذي أعلن به المتهم.


المحكمة

وحيث إن محصل الوجه الأوّل من أوجه الطعن أن المحكمة أخلت بحق دفاع الطاعنين بإصدارها الحكم المطعون فيه. وفي بيان ذلك يقولان إن التهمة التي طلبت محاكمتهما عنها كانت سرقة المواشي وحكمت محكمة أول درجة لهما بالبراءة منها ولكن محكمة الدرجة الثانية قضت باعتبار ما وقع منهما إخفاء لمواشٍ مسروقة دون أن تطلب ذلك منها النيابة العمومية وبغير أن تلفت المحكمة نظر الدفاع إلى هذا التعديل وتوجهه إليه ولو على سبيل الاحتمال حتى كان يسمعها كلمته عن هذه التهمة الجديدة المنطبقة على نص قانوني غير الذي رفعت به الدعوى وحصلت المرافعة على أساسه.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 40 من قانون تشكيل محاكم الجنايات أجازت لمحكمة الجنايات أن تغير في الحكم الذي تصدره بالعقوبة وصف الأفعال المبينة في أمر الإحالة بغير سبق تعديل في التهمة بشرط مراعاة الحدود الواردة في المادة 33 من القانون المذكور، وبشرط أن لا تحكم بعقوبة أشدّ من المنصوص عليها في القانون للجريمة الموجهة على المتهم في أمر الإحالة. ونصت المادة 33 المذكورة على أنه عند وجود الشك في وصف الأفعال المسندة إلى المتهم فإن كافة الجرائم التي يمكن ترتبها على هذه الأفعال يجوز أن يصدر بشأنها ضدّ المتهم أمر إحالة واحد، كما يجوز أن توجه عليه بطريق الخيرة. ومؤدّى ذلك أنه يجوز قانوناً للمحكمة عند الحكم بالعقوبة أن تغير وصف الأفعال المسندة إلى المتهم - بغير أن تلفت نظر الدفاع - بأن تعطي لهذه الأفعال الوصف القانوني الذي يجب أن ينطبق عليها ما دامت هذه الأفعال تحتمل الوصف الذي رفعت به الدعوى والوصف الذي أعطته لها المحكمة بحيث كان يجوز وصفها وقت رفع الدعوى العمومية بهذين الوصفين، وما دامت المحكمة لا تخرج عن الوقائع التي أسس عليها رفع الدعوى وتناولها الدفاع أثناء المحاكمة. وذلك بشرط أن لا تحكم بعقوبة أشدّ من المنصوص عليها في القانون للجريمة الموجهة على المتهم في أمر الإحالة أو في ورقة التكليف بالحضور أمام المحكمة.
ومن حيث إنه وإن كان نص المادة 40 من قانون تشكيل محاكم الجنايات المذكورة جاء قاصراً على تخويل محكمة الجنايات حق تطبيق الأحكام الواردة بها إلا أن ذلك لا يمنع المحاكم الجنائية الأخرى من تطبيق تلك الأحكام لأنها جاءت مقرّرة لقواعد عامة في إجراءات المحاكمة الجنائية.
وحيث إن الثابت في الحكم الابتدائي أن الدعوى العمومية رفعت على الطاعنين وثالث يدعى رزق علي النحاس بأنهم في ليلة 20 يناير سنة 1936 بكفر سعد سرقوا جاموسة مملوكة لإبراهيم موسى سراج من مسكنه، وطلبت النيابة عقابهم بالمادة 274/ 1 - 2 - 5 من قانون العقوبات، والمحكمة قضت للمتهمين بالبراءة قائلة إنه لم يشهد أحد برؤيتهم يرتكبون السرقة أو بوجود المواشي المسروقة في حيازتهم، وإن أدلة الاتهام مبنية على أقوال المجني عليه والشاهد عبد الفتاح محمد خلف وهي محل شك لتناقضها واضطرابها. ويبين من مراجعة محضر جلسة المحاكمة الاستئنافية أن الدفاع عن الطاعنين طلب البراءة مردّداً ما قاله أمام محكمة أول درجة من أن المنسوب لهما هو ردّ المواشي مقابل الحصول على حلوان، وتناول مناقشة أقوال المجني عليه وعبد الفتاح محمد خلف في هذا الصدد مشيراً إلى وجود تناقض وخلاف فيها. ويتضح من الاطلاع على الحكم الاستئنافي المطعون فيه أنه بحث أدلة الدعوى وناقش أقوال المجني عليه وعبد الفتاح خلف في شأن ردّ المواشي ودفع الحلوان للطاعنين وقال إنه يأخذ بها، وأدان الطاعنين في جريمة إخفاء المواشي المسروقة طبقاً للمادة 279 من قانون العقوبات قائلاً: "إن مساومة المتهمين الأوّلين (الطاعنين) للمجني عليه في ردّ المواشي المسروقة مقابل حلوان، وإيداع هذا الحلوان عند المتهم الثالث (رزق علي النحاس) حتى تردّ هذه المواشي، واتفاق المتهمين المذكورين على ميعاد، وردّها في هذا الميعاد - كل ذلك دليل على أن هذه المواشي كانت بعد سرقتها تحت يد المتهمين المذكورين. وهذا ما يترتب عليه عقابهما باعتبارهما مخفيين لها مع علمهما بسرقتها".
وحيث إنه يظهر مما تقدّم أن الأفعال التي نسب وقوعها من الطاعنين وهي المساومة في ردّ المواشي المسروقة وردّها فعلاً مقابل جعل أخذاه من صاحبها - هذه الأفعال هي التي اتخذتها النيابة أساساً لرفع الدعوى واعتبرتها مكوّنة لجريمة السرقة، وهي هي التي تناولها الدفاع بالمناقشة في مرافعته بجلسات المحاكمة والتي اعتبرتها المحكمة الاستئنافية مكوّنة لجريمة إخفاء المواشي المسروقة التي أدانت الطاعنين فيها. ومتى كان الأمر كذلك فإن المحكمة إذ عدّلت الوصف ملتزمة حدود الأفعال والوقائع التي رفعت بها الدعوى والتي كانت مطروحة على بساط البحث أثناء المحاكمة لم تخطئ في شيء، إذ هي لم تكن ملزمة قانوناً بلفت نظر الدفاع إلى التعديل الذي أجرته ما دامت لم توقع عقوبة أشدّ من العقوبة المقرّرة للجريمة الواردة في الوصف الأوّل الذي أعلن به الطاعنان.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني أن محكمة الدرجة الثانية أيدت شهادة المجني عليه وزميله على الطاعنين بقولها "إن أقوال المتهم الثالث في تحقيق البوليس واعترافه بأنه كان واسطة خير مما يؤيد شهادة المجني عليه وزميله" مع أن هذه العبارة لم ترد عن هذا المتهم لا في التحقيقات الابتدائية ولا أمام المحكمة بالجلسة، وإذا حذفت أصبح الحكم مبنياً على أقوال المجني عليه وشاهده فقط - تلك الأقوال التي لم تصدّقها محكمة الدرجة الأولى، ومجرّداً عن الردّ على ما قاله بشأنها الحكم الابتدائي القاضي بالبراءة، وفي هذا قصور مبطل للحكم.
وحيث إن الحكم المطعون فيه خالف النظر الذي ارتآه الحكم الابتدائي الصادر للطاعنين بالبراءة وأورد أقوال كل من المجني عليه والشاهد عبد الفتاح خلف وناقشها وذكر علة الاختلاف فيها وانتهى إلى القول بأنه يصدّقها ويأخذ بها. وأضاف إليها أن المتهمين الأوّلين (الطاعنين) لم ينكرا مقابلتهما للمجني عليه وزميله في منزل المتهم الثالث (رزق علي النحاس) وعلمهما بضياع المواشي ورغبة المجني عليه في استردادها بحلوان، وأنه لم يكن بينهما وبين المجني عليه وزميله معرفة من قبل، وأن كلاً من الطرفين من بلدة غير بلد الطرف الآخر، وأنه لم يوجد في القضية ما يدعو المجني عليه لاتهام المتهمين المذكورين كذباً، وأن ظروف الدعوى كلها تؤيد شهادته لما تقدّم من تتبعه المواشي ورغبته في أخذها دون تبليغ البوليس بالحادثة. ثم ذكر الحكم بعد ذلك أن أقوال المتهم الثالث في تحقيق البوليس واعترافه بأنه كان واسطة خير مما يؤيد شهادة المجني عليه وزميله، وأردف ذلك بقوله إنه لو كان هذا المتهم هو السارق لما كان هناك سبب في اتهام المجني عليه المتهمين الأوّلين دونه بالسرقة.
وحيث إنه يتضح مما تقدّم أن الحكم المطعون فيه أخذ في إدانة الطاعنين بشهادة المجني عليه والشاهد عبد الفتاح خلف، ورد على الأوجه التي أثارت الشك في شهادتهما لدى محكمة أوّل درجة، فلا تثريب عليه ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى صدق هذه الأقوال. أما ما ينعاه الطاعنان على الحكم من أنه أيد شهادة المجني عليه وزميله بقول لم يصدر من المتهم الثالث فإن هذا القول، مع التسليم به، لا يعيب الحكم، لأن المتهم الثالث لم يقض عليه بأية عقوبة، وقد ذكر عنه هذه الرواية في معرض التدليل على براءته بعد أن أورد أدلة الثبوت على الطاعنين ومنها اعترافهما بمقابلتهما للمجني عليه وزميله في منزل المتهم الثالث، وعلمهما بسرقة المواشي، ورغبة صاحبها في استردادها بالحلوان - ذلك الاعتراف الذي يدل على أن الحكم إذ أورد ما قاله عن المتهم الثالث لم يكن في حاجة إلى أن يؤيد به أقوال المجني عليه وزميله على الطاعنين.
وحيث إن مؤدّى الوجه الثالث والأخير أن ما انتهت إليه المحكمة من الوقائع لا يمكن أن يؤدّي إلى القول بأن المواشي كانت بعد سرقتها تحت يد الطاعنين، وخصوصاً أنه ثابت من الحكم نفسه أن المجني عليه إذ ذهب إلى بلدة الطاعنين لم يكن يعلم بوجود المواشي بها ولا بأن لهما صلة بالحادث، فالقول بأن المفاوضة على الحلوان دليل على الحيازة لا يؤدّي إلى تكوين الركن المادي في جريمة إخفاء الأشياء المسروقة وهو الحيازة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بيّن الواقعة الجنائية التي حصلتها المحكمة استناداً إلى الأدلة التي أوردها من أن الطاعنين حصلا على نقود من المجني عليه لردّ المواشي المسروقة وردّاها إليه فعلاً - بعد ذلك انتهى إلى القول بأن المواشي لا بدّ كانت بعد سرقتها تحت يدهما مما يترتب عليه اعتبارهما مخفيين لهذه المواشي. وبهذا الذي أثبته الحكم تتوافر الحيازة التي يشترط القانون توافرها في جريمة إخفاء الأشياء المسروقة. هذا ولما كانت المقدّمات التي أوردها الحكم واستخلص منها توافر هذه الحيازة تؤدّي إلى صحة ما رتبه عليها فلا يصح للطاعنين أن يثيرا الجدل أمام محكمة النقض في صدد كفاية هذه المقدّمات في ثبوت الحيازة ما دامت محكمة الموضوع قد اقتنعت بكفايتها.