مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) - صـ 468

جلسة 27 فبراير سنة 1939

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمود المرجوشي باشا ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك المستشارين.

(351)
القضية رقم 49 سنة 9 القضائية [(1)]

( أ ) انتخابات. نشر خبر كاذب بقصد التأثير في نتيجة الانتخاب. عقاب. مثال.
(ب) أخبار كاذبة في دعاية انتخابية. متى يصح العقاب عليها؟
(المادة 68 من قانون الانتخاب رقم 148 لسنة 1935)
1 - إن أركان الجريمة التي نصت عليها المادة 68 من قانون الانتخاب رقم 148 لسنة 1935 ثلاثة: (الأوّل) إذاعة خبر كاذب. (الثاني) أن يكون من شأن إذاعة الخبر الكاذب التأثير في نتيجة الانتخاب. (الثالث) أن يكون القصد من إذاعة الخبر الكاذب التأثير في هذه النتيجة. فإذا كانت محكمة الموضوع قد أثبتت في حكمها القاضي بالبراءة أن المتهم نشر في الجريدة التي يتولى رياسة تحريرها خبراً كاذباً هو أن استقالة الوزارة القائمة في الحكم وقت الانتخابات أصبحت قريبة الوقوع، كما أثبتت اتصال هذا الخبر بالانتخابات وأنه أذيع قبل الموعد المحدّد لها بيوم واحد، وأن المتهم وقت نشره كان يعبر عن آراء حزب سياسي ينتمي إليه ويبتغي إبعاد الوزارة القائمة عن الحكم وقت الانتخابات، فإن نشر الخبر في هذه الظروف التي أوردها الحكم من شأنه أن يؤثر في نتيجة الانتخاب؛ وإذا كان الحكم مع كل ما أثبته من ذلك قد قال إن هذا الخبر لم يكن من شأن إذاعته التأثير في الناخبين فإنه يكون قد أخطأ في تفهم معناه وحقيقة مرماه. وهذا الخطأ يخضع لرقابة محكمة النقض.
وإذا كان الحكم أيضاً مع ذلك قد قال بأن المتهم لم يقصد بإذاعة الخبر الذي نشره التأثير في نتيجة الانتخاب لأنه كان يرمي إلى ألا يتأثر الناخبون بوجود الوزارة القائمة في الحكم وقت الانتخاب فإنه بهذا الذي قال به يكون قد أثبت على المتهم أنه قصد بفعلته التأثير في نتيجة الانتخاب إذ هو لا يمكن أن يجهل حقيقة أن الغرض الذي رمى إليه والذي وقف الحكم عنده - من باب الخطأ - لا يتحقق إلا بتغيير نتيجة الانتخاب. ومتى تقرّر ذلك حق العقاب لتوافر عناصر الجريمة من الوقائع الثابتة بالحكم نفسه.
2 - نشر الأخبار الكاذبة في الدعايات الانتخابية معاقب عليه دائماً بالمادة 68 السابقة الذكر متى كان من شأنها والقصد منها التأثير في نتيجة الانتخاب.


المحكمة

وحيث إن النيابة العامة تنعى بوجه الطعن المقدّم منها على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى للمتهم بالبراءة أخطأ من ناحية قوله بأن الخبر موضوع التهمة لم يكن من شأنه التأثير في نتيجة الانتخاب ومن ناحية فهمه للقصد الجنائي في الجريمة المنصوص عليها في المادة 68 من قانون الانتخاب التي طلبت معاقبة المتهم بمقتضاها. ولما كان وصف الحكم الخبر بأنه لا يؤثر في نتيجة الانتخاب يخضع اجتهاد قاضي الموضوع فيه لرقابة محكمة النقض والإبرام في جرائم النشر، ولما كان لهذه المحكمة حق تقدير مرامي العبارات التي نشرت وتضمنها الخبر، فإنه يكفي الاطلاع عليه - كما أثبته الحكم - ليبين أن المتهم روج أكذوبة ليفتن بها المشتركين في عملية الانتخاب من ناخبين وغيرهم بغية التأثير على نتيجة الانتخاب لمصلحة الحزب الذي تنتمي إليه جريدته. ومع ذلك فقد قال الحكم إن النيابة لم تبين كيف يؤثر مثل هذا الخبر في الناخبين، وإن المفهوم منه أن سقوط الوزارة يعقبه تولي وزارة محايدة، وإن الخبر لم يصرح بأن هذا السقوط سيكون قبل الانتخاب، مع أن المحكمة لم تكن في حاجة إلى معونة النيابة. كما أن افتراضها استخلاف وزارة محايدة لا ينفي الأثر المحتمل لسقوط الوزارة، لأن الحكومة برلمانية، والوزارة القائمة تمثل أحزاباً لها أنصار ودعاة بين الناخبين، وإذا فشا بين هؤلاء خبر سقوط الوزارة غداة يوم الانتخاب كان من المتوقع أن تفتر عزائمهم فيمتنعوا كلهم أو الكثير منهم عن دخول معركته. وذلك هو بعض وجوه تأثير الخبر في نتيجة الانتخاب. وتزيد النيابة على ما تقدّم أنه متى ثبت أن الخبر من شأنه التأثير في نتيجة الانتخاب فتعمد المتهم - وهو خصم سياسي للوزارة - إذاعته في وقت الانتخاب كاف لتحقق القصد الجنائي لديه، وإن قول المحكمة إنها تستنتج مما نشرته الجريدة في أعدادها المقدّمة في الدعوى ومن دفاع المتهم أن الجريدة كانت تشكو، إن حقاً وإن باطلاً، من تصرفات معينة عزتها إلى رجال الحكومة وهي تصرفات - بصرف النظر عن حصولها - تعتبر في ذاتها ماسة بحرّية الانتخاب، وكانت الجريدة تخشى أن يتأثر الناخبون بسلطان الوزارة القائمة فأرادت بما نشرته أن يتمتعوا بكامل حريتهم في الانتخاب - هذا القول يكشف عن خطأ الحكم في فهم القصد الجنائي، كما يكشف عن أن المحكمة قد خلطت أمر هذا القصد بالبواعث التي لا عبرة بها؛ لأن المادة 68 السالفة الذكر جعلت مناط العقاب قصد التأثير في نتيجة الانتخاب لا التأثير على حريته أو عدالته بصفة عامة، ولا يمكن أن ينصرف مدلول لفظها لغير نتيجة الانتخاب. فإذا كان المتهم قصد إلى تغيير هذه النتيجة في الانتخابات المتوقعة توافر هذا القصد. ولا يمنع القاضي من الحكم بالإدانة أن يكون المتهم تشهى ذلك التغيير ابتغاء الوصول إلى نتيجة أخرى للانتخاب أقرب إلى الحق في نظره، لأن ذلك يكون من قبيل البواعث والمقاصد البعيدة التي لا يعتد بها القانون الذي لا يسيغ التوسل بالجريمة لتحقيق الغايات، إذ لو ساغت نظرية الحكم لجاز للمرشح الذي يعتقد أن منافسه يؤثر على الناخبين بالرشوة والتهديد أن يذيع ليلة الانتخاب كذباً خبر وفاته أو القبض عليه. على أن ما ورد في الحكم من أن المتهم لم يقصد إلا مجرّد إزالة خوف توهم أنه تسلط على نفوس الناخبين معناه أن المتهم قد قصد بإذاعة الخبر الكاذب أن يؤثر في الناخبين. وذلك وحده كاف لتحقق القصد الجنائي. ويكفي للعقاب في القضية أن يكون المتهم قد قصد التأثير في نتيجة الانتخاب بغض النظر عن صلة هذه النتيجة بحرّية الانتخاب فعلاً، لأن القانون يفترض أن التأثير على هذه النتيجة ضار بحرّية الانتخاب. وانتهت النيابة إلى القول بتوافر عناصر الجريمة. ولذلك فإنها تطلب نقض الحكم المطعون فيه ومعاقبة المتهم بالمادة 68 من قانون الانتخاب.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه أثبت على المتهم أنه نشر في جريدة المصري التي يتولى رياسة تحريرها بالعدد الصادر في صباح يوم 29 مارس سنة 1938 مقالاً تحت عنوان "في جوّ الوزارة - قرب استقالتها" ذكر فيه أن مرض صاحب المقام الرفيع محمد محمود باشا رئيس الوزراء هو مرض سياسي تلحقه دائماً الاستقالة، وأنه قد ذاع مساء اليوم السابق نبأ استقالة الوزارة، وشاع النبأ في الأقاليم فتوالت الاستفسارات على الجريدة بالتليفون من كل ناحية، وأن الوزراء أذاعوا في المساء أن رفعة رئيس الوزراء مريض مرضاً شديداً وأن أطباءه نصحوا له بالاعتكاف يومين أو ثلاثة ومنعوا عنه الراغبين في مقابلته، وأن الأمل ببقاء الوزارة على كل حال أصبح أوهى من خيط العنكبوت، بل لقد أصبحت استقالة الوزارة مؤكدة وقريبة. ثم ذكر الحكم أن هذا الذي نشره المتهم إنما هو خبر كاذب، وأن كل ظروف الحال وملابساته ناطقة بكذبه. وعرض بعد ذلك إلى ما قصد إليه المتهم من نشر هذا الخبر، وإلى مبلغ تأثيره في الناخبين الذين دعوا لانتخاب أعضاء مجلس النوّاب - ذلك الانتخاب الذي كان محدّداً لإجرائه يوما 31 مارس و2 إبريل سنة 1938 فقال إن إذاعة هذا الخبر بين الناخبين قبل الانتخابات لم يكن من شأنه أن يؤثر في نتيجة الانتخاب، وإن المتهم لم يقصد إلى تلك النتيجة. ولذلك قضى بالبراءة مدللاً على عدم توافر العنصر الأوّل في الواقعة الجنائية المطلوب محاكمة المتهم من أجلها بأن الشارع المصري عنى في نصوص أوردها الحكم بحماية الناخبين من كل اعتداء أو محاولة للتأثير عليهم بالطرق الغير المشروعة لحرمانهم من الحرّية الكاملة لاستعمال حقوقهم الانتخابية وإعطاء أصواتهم للمرشح الذي يرتضونه بإرادة خالصة من كل ما يشوبها أو يفسدها، وأن المادة 68 من قانون الانتخاب لا تحتمل توسعاً في التفسير لأن من شأن ذلك المعاقبة على ما يكون في الدعايات والحملات الانتخابية من الأكاذيب التي لا يأبه الناس لكثير منها، مع أن هذه الدعايات تنير الطريق للناخبين وتمكنهم من تكوين عقيدتهم في المرشح الذي يختارونه، وأن هذا الخبر لم يتضمن صراحة أن الاستقالة التي تحدّث عنها ستكون قبل يوم الانتخاب، وأن الوزارة التي ستخلف الوزارة التي قال باستقالتها هي وزارة الحزب الذي يعبر المتهم عن آرائه وهو حزب الوفد، بل المفهوم أن الحزب المذكور كان يلتمس إقالة الوزارة وتشكيل وزارة محايدة تقوم بإجراء الانتخابات. ولا يصح أن يقال بأن إذاعة الخبر المذكور بين الناخبين تجعلهم يتأثرون به ويوجهون أفكارهم وعقائدهم وجهة أخرى، لأن الناخب لا يهمه في شيء قيام وزارة بالحكم دون أخرى، ولأن الغرض من الانتخابات التي نشر هذا الخبر في مدّتها إنما كان تعرّف رأي الأمة في نوع الحكومة التي ترضاها بعد إقالة الوزارة السابقة وحل مجلس النوّاب، فكان لكل ناخب الحرّية المطلقة في أن يبدي رأيه الخالص في هذا الاستفتاء العام. وقد كفل الشارع في قانون الانتخاب نفسه وفي قانون العقوبات هذه الحرّية في أوسع مدى فحماها من تدخل الموظفين الإداريين ومن استعمالهم سلطة وظائفهم لحرمان الناخب من التمتع بحرّيته المطلقة في الانتخاب، خصوصاً ولم يكن من المقبول عقلاً دعوة تلك الوزارة السابقة للحكم قبل الانتخابات كما جاء في بلاغ مجلس الوزراء. على أنه إذا كان المتهم قد قصد من نشر الخبر جعل الناخبين يعتقدون أن الانتخابات ستجرى في ظل وزارة محايدة، فلا يصح القول بأن قيام هذه الوزارة المحايدة وقت الانتخاب مما يؤثر في نفوس الناخبين فيجعلهم يغيرون آراءهم وأفكارهم، إذ القول بهذا معناه أن الناخبين لا يرغبون في استعمال حقوقهم الانتخابية إلا في ظل الوزارة القائمة؛ وهذه الرغبة لا يصح أن يفترض تفكير الوزارة فيها لأنها تتنافى مع واجبات الحكم. ثم تصدّى الحكم إلى عدم توافر القصد الجنائي لدى المتهم فقال: "إنه فضلاً عما تقدّم فإن المحكمة تستنتج مما نشرته جريدة المصري في أعداد 27 و28 و29 من مارس سنة 1938 المقدّمة في القضية ومن دفاع المتهم أن الجريدة المذكورة كانت تشكو، إن حقاً وإن باطلاً، من تصرفات معينة عزتها إلى رجال الحكومة وهي تصرفات تعتبر في ذاتها بصرف النظر عن حصولها ماسة بحرّية الانتخاب، وكانت تلك الجريدة تخشى أن يتأثر الناخبون بسلطان الوزارة القائمة، فأرادت أن تزيل الخوف من قلوب الناخبين وتطمئنهم بإذاعة خبر استقالة الوزارة الحاضرة قبل الانتخابات أو بعدها حتى لا يتأثروا بسلطانها ويتمتعوا بكامل حرّيتهم في الانتخاب. والغرض السالف الذكر الذي قصده المتهم من إذاعة خبر الاستقالة الكاذب لا يجعل ما نشره واقعاً تحت حكم الفقرة الثانية من المادة 68 من قانون الانتخاب لأنه لم يقصد به الإخلال بحرّية الانتخاب ولا تضليل الناخبين بالباطل، بل قصد به مجرّد إزالة خوف توهم أنه يتسلط على نفوس الناخبين - ذلك الخوف الذي يرى أنه لا يجعلهم أحراراً في اختيار المرشح الذي يرضونه بمحض اختيارهم".
وحيث إن المادة 68 من قانون الانتخاب الصادر به المرسوم بقانون رقم 148 لسنة 1935 تناولت بالعقاب كل من أذاع بقصد التأثير في نتيجة الانتخاب أخباراً كاذبة.
وحيث إن أركان الجريمة التي نصت عليها المادة 68 المذكورة ثلاثة: (الأوّل) إذاعة خبر كاذب. (الثاني) أن يكون من شأن إذاعة الخبر الكاذب التأثير في نتيجة الانتخاب. (الثالث) أن يكون القصد من إذاعة الخبر الكاذب التأثير في نتيجة الانتخاب.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أثبت على المتهم من عناصر هذه الجريمة أنه أذاع بواسطة النشر في جريدته خبراً هو موضوع المحاكمة، وأن هذا الخبر كاذب.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أثبت اتصال الخبر موضوع الدعوى وتعلقه بالانتخابات، وأنه أذيع قبل الموعد المحدّد لها بيوم، وأن المتهم وقت نشره كان يعبر عن آراء الحزب السياسي الذي ينتمي إليه والذي كان يبتغي إبعاد الوزارة القائمة عن الحكم وقت الانتخابات.
وحيث إن مما لا شك فيه أن الخبر الذي نشره المتهم في جريدته، على الصورة وفي الظروف التي أثبتها الحكم، من شأنه أن يؤثر في نتيجة الانتخاب. إذ من النتائج المحتملة عقلاً لاستقالة الوزارة في الظروف أن تتأثر بها نفوس أنصار حزبها ومريديه مما يجوز معه أن ينفضوا كلهم أو بعضهم من حوله على إثر تغيير الظروف. لذلك وجب القول بخطأ الحكم فيما قال به من أن هذا الخبر لم يكن من شأن إذاعته التأثير في الناخبين. وهذا الخطأ في تفهم معنى الخبر وحقيقة مرماه خاضع لرقابة محكمة النقض كما استقر عليه قضاؤها في جرائم النشر.
وحيث إن كل ما رواه الحكم وأفاض في ذكره من إحاطة القانون للانتخابات بسياج من الضمانات الكفيلة بحرّيتها وحماية الناخبين من التضليل والاحتيال صحيح، ولكنه لا يجدي شيئاً في مقام التحدّث عن تأثير الخبر في نتيجة الانتخاب. لأن لكل جريمة عقوبتها توقع على من يثبت عليه ارتكابها، والجريمة المنسوبة للطاعن قد وردت أيضاً في القانون مع الجرائم الانتخابية الأخرى، وقد قصد الشاعر بالنص عليها حماية الانتخابات من العبث بها. أما بالنسبة إلى ما خلص إليه الحكم من أن المادة 68 من قانون الانتخاب لا تحتمل التوسع في التفسير وأنه لا يصح المعاقبة بمقتضاها على ما يذكر في الدعايات والحملات الانتخابية من الأكاذيب التي لا يؤبه بالكثير منها، فإن النصوص الجنائية كلها لا تحتمل بطبيعتها التوسع في التفسير، ولكنها مع ذلك واجبة التطبيق متى توافرت العناصر المقرّرة للعقاب. فنشر الأخبار الكاذبة في الدعايات الانتخابية معاقب عليه دائماً، متى كان من شأنها، والقصد منها، التأثير في نتيجة الانتخاب. وذلك على مقتضى صريح نص القانون ذاته.
وحيث إن ما استند إليه الحكم في عدم تأثير الخبر موضوع الدعوى في نتيجة الانتخاب من أنه لم يتضمن صراحة أن استقالة الوزارة ستكون قبل يوم الانتخاب، ولا أن الوزارة الأخرى التي ستخلفها هي وزارة الحزب الذي ينتمي إليه المتهم، بل المفهوم أنها ستكون وزارة محايدة لتجري الانتخابات - هذا الذي استند إليه الحكم، مع التسليم به، لا ينفي عقلاً احتمال تأثير الخبر في نتيجة الانتخاب، ما دام خبر الاستقالة قد نشر قبل يوم الانتخاب، وما دام قد تضمن أن الاستقالة ستقع في القريب العاجل - الأمر الذي قد يتأثر به أنصارها ومريدوها كما تقدّم.
وحيث إنه عن الركن الأخير من أركان الجريمة وهو القصد الجنائي فإن كل ما يتطلبه القانون في شأنه أن يكون الجاني قد قصد من إذاعة الخبر التأثير في نتيجة الانتخاب.
فإذا ما ثبت توافر هذا القصد لديه حق عليه العقاب أياً كانت الأغراض التي كان يرمي إليها، أو العوامل التي اندفع بها، أو المؤثرات التي انقاد لها.
وحيث إن ما أثبته الحكم المطعون فيه على المتهم من أنه قصد بما قارفه من إذاعة خبر استقالة الوزارة أن يزيل الخوف من قلوب الناخبين ويطمئنهم خشية أن يتأثروا بسلطان الوزارة القائمة ولكي يتمتعوا بكامل حريتهم في الانتخاب، وأنه ما كان يقصد الإخلال بحرّية الانتخاب ولا تضليل الناخبين، بل قصد مجرّد إزالة خوف توهم تسلطه على نفوس الناخبين ورأى أنه لا يجعلهم أحراراً في اختيار المرشح الذي يرضونه بمحض اختيارهم - ما أثبته الحكم هذا صريح في أن المتهم كان يقصد حتماً التأثير في نتيجة الانتخاب، إذ أن ما كان يرمي إليه لا يمكن بحال أن يتحقق إلا بتغيير تلك النتيجة. ذلك لأنه غاية في الدلالة على أن المتهم انتوى أن يقع الانتخاب على أشخاص ما كان ليقع عليهم لو ترك الناخبون بغير أن يذاع بينهم الخبر الذي أذاعه. ولا شك أن هذا هو عين التأثير في نتيجة الانتخاب.
وحيث إنه لا يؤثر في توافر القصد الجنائي لدى المتهم على النحو المتقدّم ما وقع فيه هذا الحكم من خطأ في استخلاص الحقيقة القانونية المطلوبة منه، لأنه اكتفى بصرف الوقائع التي أثبتها إلى البواعث التي كان المتهم يعمل ونفسه متأثرة بها، وإلى التدليل على أنه لم يكن يقصد الإخلال بحرّية الانتخاب، مع أن كلا الأمرين لا يتعلق بموضوع محاكمته، ولا يؤثر في توافر الأركان القانونية للجريمة الموجهة إليه. على أن ما قاله الحكم - في صدد تبرير مقصد المتهم - من أنه كان يشكو من تصرفات معينة لرجال الحكومة فعمل على إزالة ما توهمه من تأثر الناخبين في إعطاء أصواتهم بسلطان الوزارة القائمة ما كان ليسوغ بحال أن يرتكب المتهم جريمة ليدفع بها أثر ما توهمه من وقوع جرائم انتخابية أخرى نص القانون على عقاب كل من يثبت أنه اجترأ على مقارفتها.
وحيث إنه لكل ما تقدّم يكون الحكم المطعون فيه - إذ قضى ببراءة المتهم - قد أخطأ في تطبيق القانون على الواقعة التي أوردها، ويتعين لذلك نقضه ومعاقبة المتهم طبقاً للمادة 195 من قانون العقوبات والمادة 68 من قانون الانتخاب السالف الذكر. وذلك لثبوت الجريمة الموصوفة في صدر هذا الحكم عليه.


[(1)] راجع في هذا المعنى الحكم الصادر في نفس الجلسة في القضية رقم 50 سنة 9 القضائية.